كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1972 - 2007 / 7 / 10 - 11:26
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يستند أي بحث عن ظاهرة معينة في المجتمع العراقي إلى قواعد وأسس البحث العلمي النظرية والتطبيقية بهدف الوصول إلى تحديد طبيعة تلك الظاهرة والعوامل المسببة لها والأرضية التي تتغذى منها وعليها والقوى التي تدعم وجودها واستمرارها. كما أن البحث في سبل الخلاص منها يفترض أن يستند إلى الواقع القائم والقدرة على مواجهة تلك الظاهرة وإزالة الأسباب التي استدعت ظهورها.
حين بدأت بتتبع ودراسة أسباب بروز ظاهرة ميليشيات جيش المهدي منذ ثلاث سنوات لم أبتعد عن الأسلوب والمنهج العلمي في البحث واستقصاء الحقائق , إذ استطعت الحصول على معلومات قيمة ساعدتني في حينها على كتابة سلسلة من المقالات حول هذه المجموعة التي أطلق عليها فيما بعد بـ "التيار الصدري" , ومن ثم تشكلت الميلشيات الطائفية المسلحة لهذا التيار وأطلق عليها اسم "جيش المهدي". وأسباب هذه التسمية معروفة بالنسبة على الميثولوجيا الشيعية وتأثيرها النفسي على سيكولوجية الكثير من الناس الشيعة , وخاصة البسطاء منهم , سواء أكانوا في الريف أم المدينة.
ولست معنياً الآن بالبحث عن أسباب هذا الظهور, ولكني معني بالوصول إلى تحديد طبيعة وحقيقة النشاط الذي تقوم به هذه المليشيات الطائفية المسلحة والعواقب الوخيمة التي تنشا عن أفعالها على العراق كله ومن تخدم بالمحصلة النهائية.
أثناء حياتي السياسية التي تقترب من ستة عقود تعلمت, وتعلم الكثيرون أيضاً , بأن التصريحات لا تعكس بالضرورة ولا تجسد بأي حال طبيعة أصحاب تلك التصريحات والأفعال التي يمارسونها. بل يمكن القول بأن هناك الكثير ممن يقوم بقتل إنسان معين ثم يسير وراء جنازته معزياً بموته أو حتى يذرف الدموع عليه ويئن لفقدانه! ونموذج نظام البعث الدكتاتوري في العراق أو في سوريا حالياً وما يمارسونه في لبنان بالتعاون والاتفاق مع حزب الله يؤكد ذلك. وكم بودي أن لا ينسى هذه الحقيقة كل الناس , سواء أكانوا من المفكرين أم القادة السياسيين أم من العسكريين ومن المتخصصين والخبراء بشئون الإرهاب.
من قرأ مقالي الأخير الموسوم " احذروا ميليشيات جيش المهدي فإنها "القاعدة" الشيعية!" بعناية يستطيع أن يتبين عدة نقاط مهمة, منها:
1. لم أرمِ جميع قوى التيار الصدري في خانة واحدة, ولكني أشرت إلى أن غالبية قوى التيار الصدري تميل إلى العنف وممارسة القسوة والسلاح والتهديد بالقتل في العمل السياسي. وأشرت إلى أن جماعة التيار الصدري تتوزع على عدة كتل , منها تلك التي ترتبط بهذا التيار بسبب تقليدها لوالد مقتدى الصدر الراحل السيد محمد صادق الصدر أو عمه الراحل السيد محمد باقر الصدر, وهذه المجموعة الصغيرة مؤمنة , ولكنها لا تتفق مع ما تمارسه الأكثرية المرتبطة بمقتدى الصدر , ولكن لا حيلة لديها لمنع ما يجري حقاً. ويمكن أن يكون البعض من الطيبين موجود في ميلشيات جيش المهدي أيضاً. إلا أن الحديث لا يتعلق بهذه الجماعة , بل ببقية الكتل التي أشرت إليها في أكثر من مقال وتصريح صحفي ومقابلة تلفزيونية , إذ أن الأمر يتعلق بهذه الجماعة كمؤسسة وليس كأفراد فقط. وكمؤسسة فإنها تقوم على مبدأ العنف والقسوة وإقصاء الآخر والهيمنة وفرض الصوت الواحد والرأي الواحد والوجه الواحد , وعلى البقية الاختفاء من الساحة السياسية العراقية. وه ما عشناه في فترة البعث. وإذا كان الأول يقوم على أساس أيديولوجية قومية شوفينية واستبداد فردي وحزبي , فأن الآخر يقوم على أيديولوجية دينية متطرفة وفردية واستبداد شرقي مهووس. وكلا الشكلين من حيث الجوهر والممارسة واحد.
2. عنوان مقالي يؤكد "احذروا ميليشيات جيش المهدي فأنها "القاعدة" الشيعية". ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك , وبشكل مكثف مع ذكر بعض النقاط فقط , ما يلي :
أ. إن هذه الجماعة مستعدة من حيث المبدأ أن تمارس أشد أنواع العنف لفرض الرأي الواحد والهيمنة على الحكم بكل السبل المتوفرة. وقد مارست ولا تزال تمارس الإرهاب فعلاً ولم يبق على المستوى النظري أو الفكري , كما فعلت في النجف في فترة حكومة الدكتور أياد علاوي , أو كما قامت به لفترات طويلة في مدينة الثورة ببغداد , أو ما تقوم به الآن في الديوانية والسماوة وفي غيرها , أو ما قامت وتقوم به الآن في البصرة. كما أتمنى على الأخوة قراءة المقالات الثلاثة التي نشرتها تحت عنوان "البصرة الحزينة ... البصرة المستباحة ..!"
ب. لا ترفض هذه الجماع الرأي الآخر حسب , بل تسعى إلى الخلاص منه بكل السبل الممكنة. وصراعها ضد التيارات الشيعية الأخرى تعبير عن ذلك. ويمكن متابعة ذلك في الجنوب والوسط. وهؤلاء ليسوا جميعاً من أتباع البعث, بل من أتباع إيران والذين عملوا في الحرس الثوري وفي جيش المقدس وفي أجهزة الأمن الإيرانية التي كانت مكونة من عراقيين ومتخصصة بشئون العراق, إضافة إلى البعثيين العراقيين من الشيعة.
ت. تريد هذه الجماعة إقامة نظام ظلامي حقاً باسم الإسلام والمذهب الشيعي لا يختلف من حيث المبدأ عن النظام بشكله العام الذي ساد في أفغانستان في فترة حكم طالبان من حيث الموقف من المرأة والزينة والحلاقة والرياضة والثقافة والغناء والموسيقى وما إلى ذلك, إنها تريد قتل روح الإبداع والفرحة في قلوب الناس وإبقاء الحزن والدمعة تسيل على خدود الناس دوماً. محرم لعب كرة القدم أو مكروهة , ولكن لماذا ؟ هذا ما ترفضه الحياة ذاتها, دع عنك البشر, إذ أنهم ليسوا ببقر أو قطيع من الغنم يقوده "القائد"مقتدى الصدر , كما يطلق عليه أتباعه. وهذه التسمية تذكرني بقادة آخرين كانوا في العراق أو في العالم العربي.
ث. أصدرت المحاكم الدينية غير الشرعية لهذه الجماعة أحكاماً بالموت ضد الذين وقفوا ضد سياسة مقتدى الصدر وكانوا ضمن القوات الحكومية. وقدر مورس التعذيب الشرس وسلخ الجلود مع الضحايا أو قطع الرقاب. وأشك في أن لا يكون من يقوم بقطع رقاب الناس من أتباع ميليشيات جيش المهدي إضافة على جماعات طائفية أخرى.
ج. تتسم هذه الجماعة بالمخاتلة حقاً , فهي تدخل العملية السياسية من أوسع أبوابها , وتمارس العمليات الإرهابية من أوسع أبوابها أيضاً , وتجعل أحد التكتيكين يستكمل الثانية ويدعمه في ممارساتها اليومية. إنها سياسة مكشوفة لمن يريد أن يرى الوقائع كما تجري في الواقع وعلى أرض العراق.
3. إن أتباع هذه الجماعة والمليشيات المسلحة بشكل عام لا يحاربون القوات الأجنبية لأنها قوات محتلة , بل لأنهم يخشون التقدم والحداثة , لأنهم يشكلون جزءاً أساسياً من القوى السلفية الظلامية المتشددة. علينا أن ندرك حقيقة هؤلاء من أفعالهم. لنستمع إلى بعض ما يروجونه في الشارع العراقي , وخاصة في البصرة والجنوب: لا يجوز وضع الطماطة بجوار الخيار لأنهما أنثى وذكر. لا يجوز بيع الثلج لأنه لم يكن موجوداً في زمن النبي محمد. والبصرة تتحدث الآن عن ذلك الرجل الذي يقال عنه أنه من أتباع الصدر حين مر بسيارته على رجل يبيع قوالب الثلج وقال له إن عليه أن يترك بيع الثلج لأنه لم يكن موجوداً ولم يستخدم في زمن النبي محمد , فرد عليه بائع الثلج الشاب بطيبة وعفوية صادقة , بأن النبي محمد لم يركب السيارة في حينها إذ لم تكن موجودة وعليك أيضاً أن لا تستخدمها. فما كان من راكب السيارة "المؤمن" إلا أن أخرج مسدسه ووجهه صوب بائع الثلج المسكين وأصاب منه مقتلاً وهرب بسيارته. أقيمت في البصرة قبل ثلاثة أسابيع تقريبا الفاتحة على روح بائع الثلج الشهيد. شهيد رجل ظلامي يراد لأمثاله أن يحكموا العراق.
4. إن هذه الجماعة أخذت منذ سنوات بولاية الفقيه, وهي من صناعة الصفويين في عهد الشاه إسماعيل الصفوي, وليس من تقاليد شيعة العراق. وهي بالتالي تقلد دينياً وتدين بالولاء للخامنئي حالياً كما هو حال حسن نصر الله , أمين عام حزب الله في لبنان , وبالتالي ما يؤمر به ينفذ على ارض العراق. وهي إشكالية حقيقية كبيرة. وعلينا مراقبة ما يجري في لبنان بفعل قرارات المرجعية الدينية الإيرانية لنتيقن بإمكانية حصوله أو هو حاصل في العراق حالياً.
إن التيار الصدري ظاهرة سلبية خطيرة في حياة الشعب العراقي , كما هي ظاهرة الشيخ حارث الضاري وهيئة علمائه , فهما لا يختلفان بأي حال, وكذا الحال بالنسبة إلى القوى الأكثر طائفية.
أعود وأؤكد , وأتفق تمام الاتفاق مع الكاتب الساخر خالد القشطيني حين كتب فی مقال له بعنوان "بداية النهاية" والذي نشر بتاریخ 7/7/2007 في جريدة الشرق الأوسط اللندنية و8/7/2007 في الموقع الإلكتروني "صوت العراق" في أن نهاية القوى الإسلامچية ستكون في العراق , بأن حركة التاريخ لا تسير لصالح هذه القوى الإسلامية السياسية المتطرفة والإرهابية أو التي تريد ربط الدين بالدولة لتمارس أوهامها الطائفية في الحكم , إذ أن العراق بلد القوميات والديانات والمذاهب الدينية المتعددة , بلد الاتجاهات الفكرية المتعددة والتنوع. والمشكلة لا تكمن في أن العراق سيخرج من هذه المعركة منتصراً على قوى الظلام والطائفية والتشدد , إذ أنها مؤكدة رغم الغيوم التي تلبد سماء وسط وجنوب وبغداد العراق , بل أن المشكلة تكمن في عدد الضحايا الغالية الذي يسقط يومياً إلى حين الخلاص من هؤلاء الإرهابيين القتلة والمتطرفين المتشددين. إن الإنسان لا قيمة له لدى هؤلاء الناس , في حين أن الإنسان هو اثمن شيء في هذا العالم , أنه الهدف والوسيلة في آن واحد من أجل بناء الحياة الجديدة في العراق الجديد.
8/7/2007 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟