أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف الاول من آيار -العلاقة المتبادلة مابين الاحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني - عادل الامين - دراسات سودانية(4)المدنية والحضارة















المزيد.....


دراسات سودانية(4)المدنية والحضارة


عادل الامين


الحوار المتمدن-العدد: 1971 - 2007 / 7 / 9 - 11:34
المحور: ملف الاول من آيار -العلاقة المتبادلة مابين الاحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني
    


المدنية والحضارة

المدنية غير الحضارة ، وهما لا يختلفان اختلاف نوع ، وإنما يختلفان اختلاف مقدار .. فالمدنية هي قمة الهرم الاجتماعي والحضارة قاعدته .
ويمكن تعريف المدنية بأنها المقدرة على التمييز بين قيم الأشياء ، والتزام هذه القيم في السلوك اليومي ، فالرجل المتمدن لا تلتبس عليه الوسائل مع الغاية ، ولا هو يضحي بالغاية في سبيل الوسيلة . فهـو ذو قيـم وذو خلـق . وبعبارة موجزة ، فالرجل المتمدن هو الذي حقق حياة الفكر وحياة الشعور

هل المدنية هي الأخلاق؟؟

هي كذلك ، من غير أدنى ريب !! وما هي الأخلاق ؟؟ للأخلاق تعاريف كثيرة ، ولكن أعلاها ، وأشملها ، وأكملها هي أن نقول أن الأخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة . ولقد قال المعصوم (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق . )) فكأنه قال ما بعثت إلا لأتمم مكارم الأخلاق ، ومن أجل ذلك قلنا أن محمدا عاش في أوج المدنية التي جاء بها الله عن طريقه ، ووصفه تعالى فيها بقوله (( وإنك لعلى خلق عظيم )) .
وحين سئلت عائشة عن أخلاق النبي قالت (( كانت أخلاقه القرآن )) ومعلـوم أن القرآن أخلاق الله ، وأخلاق الله إنما هي في الإطلاق ، ومن ههنا جاء التعريف بأن الأخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة .
ولقد كان محمد أقدر الناس على حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة ، وذلك لشدة مراقبته لربه ، ولدقة محاسبته لنفسه ، على كل ما يأتي ، وما يدع ، في جانب الله ، وفي جانب الناس . أليس هـو القائل (( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا )) ؟
بل ان حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة إنما هو سنة النبي ، التي طالما تحدث عنها الناس ، من غير أن يدركوا حقيقتها . وهذه السنة هي التي أشار إليها في حديثه المشهور عن عودة الإسلام ، وذلك حيث يقول (( بدأ الإسلام غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء ! قالوا من الغرباء يا رسول الله ؟ قال الذين يحيون سنتي بعد اندثارها . ))
فسنته هي مقدرته، في متقلبه ومثواه ، وفي منشطه ومكرهه ، على حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة ، وتلك هي قمة الأخلاق ، وهي أيضا قمة المدنية .
وأما الحضارة فهي ارتفاق الحي بالوسائل التي تزيد من طلاوة الحياة ، ومن طراوتها .. فكأن الحضارة هي التقدم المادي ، فإذا كان الرجل يملك عربة فارهة ، ومنزلا جميلا ، وأثاثا أنيقا ، فهو رجل متحضر ، فإذا كان قد حصل على هذه الوسائل بتفريط في حريته فهو ليس متمدنا ، وان كان متحضرا ، وانه لمن دقائق التمييز أن نتفطن إلى أن الرجل قد يكون متحضرا ، وهو ليس متمدنا ، وهذا كثير ، وأنه قد يكون متمدنا ، وهو ليس بمتحضر ، وهذا قليل ، والكمال في أن يكون الرجل متحضرا متمدنا في آن . وهو ما نتطلع إليه منذ اليوم .


المدنية الغربية

على هذا الفهم الدقيق ، فان المدنية الغربية الحاضرة ليست مدنية ، وإنما هي حضارة ، وهي ليست مدنية لأن موازين القيم فيها قد اختلت ، فتقدمت الوسيلة وتأخرت الغاية . ولقد ورد في (( رسالة الصلاة )) قولنا (( ان المدنية الغربية الآلية الحاضرة عملة ذات وجهين : وجه حسن مشرق الحسن ، ووجه دميم .. فأما وجهها الحسن فهو اقتدارها في ميدان الكشوف العلمية ، حيث أخذت تطوع القوى المادية لإخصاب الحياة البشرية ، وتستخدم الآلة لعون الإنسان : وأما وجهها الدميم ، فهو عجزها عن السعي الرشيد إلى تحقيق السلام ، وقد جعلها هذا العجز تعمل للحرب ، وتنفق على وسائل الدمار أضعاف ما تعمل للسلام ، وأضعاف ما تنفق على مرافق التعمير ..
فالوجه الدميم من المدنية الغربية الآلية الحاضرة هو فكرتها الاجتماعية ، وقصور هذه الفكرة عن التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة .. حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة ، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة ، وفي الحق أن العجز عن التوفيق بين هاتين الحاجتين :
حاجة الفرد ، وحاجة الجماعة ظل آفة التفكير الاجتماعي في جميع عصور الفكر البشري .
وهذا التوفيق هو ، إلى اليوم ، القمة التي بالقياس إليها يظهر العجز الفاضح ، في فلسفة الفـلاسفة ، وفكر المفكرين ، ويمكن القول بأن فضيلة الإسلام لا تظهر ، بصورة يقصر عنها تطاول كل متطاول ، إلا حين ترتفع المقارنة بينه وبين المذاهب الأخرى إلى هذه القمة الشماء .)) هذا ما قلناه في (( رسالة الصلاة )) يومئذ ، ونقول اليوم أن من آيات اختلال موازين القيم في هذه المدنية الغربية المادية ، أن الشيوعية الروسية أعطت اعتبارا للمجتمع ، وهو وسيلة ، فوق ما أعطت الفرد ، وهو غاية وان الاشتراكية فيها تقوم على حساب الحرية الجماعية ، وعلى حساب الحرية الفردية ، وليست الرأسمالية في الغرب بأحسن حالا ، في هذا الباب ، من الشيوعية الروسية .
فشل المدنية الغربية
وهذه المدنية الغربية الآلية الحاضرة قد بلغت نهاية تطورها ، وقد فشلت فشلا نهائيا وظاهرا في أن تنظم حياة المجتمع البشري المعاصر ، وآية هذا الفشل أن مجتمع ما بعد الحرب العالمية الثانية لم يذق الاستقرار الذي ذاقه مجتمع ما بعد الحرب العالمية الأولى ، حين كانت هذه المدنية الغربية لا تزال غنية بأفانين الحلول لمشاكل ذلك المجتمع ، فقد كان المنتصر في الحرب العالمية الأولى منتصرا في السلام أيضا ، وقد كان بذلك قادرا على تنظيم المجتمع العالمي يومئذ ، بصورة من الصور ، مهما يكن عيبها ، فقد كانت كافية لتحقيق نزع السلاح ، ولو إلى مدى ، والى حين ، وكانت كافية لتحقيـق لون من الاستقرار . وأما المنتصر في الحرب العالمية الثانية ، وهو بريطانيا ، فقد أصبح منهزما في السلام الذي أعقبها ، وان أردت الدقة فقل ، لم يكن في الحرب العالمية الثانية منتصر ومنهزم ، وإنما أصبح الجميع في مركب واحد ، تلفهم الحيرة في جناحها الأسود ، وها قد انقضى على نهاية الحرب نيف وعشرون عاما ، ولا تزال البشرية من خوف الحرب في حرب ، فهي تتحدث عن السلام ، وتنفق على التسلح أضعاف ما تنفق على مرافق التعمير وما ذاك إلا لأنها لا تعرف طريقا إلى السلام إلا طريقا يقوم على تخويف العدو من عواقب المجازفة بإشعال نار الحرب .
وسبب فشل المدنية الغربية الآلية الحاضرة في تنظيم المجتمع الحاضر هو أنها بلغت نهاية تطورها المادي الصرف ، في هذه المرحلة الحاسمة ، من مراحل تحولات المجتمع البشري المعاصر ، وأصبحت تفتقر إلى عنصر جديد تشفع به عنصرها القديم ، وتلقحه به ، وتزيد بذلك من طاقتها على التطور ، ومن مقدرتها على مواكبة ، وتوجيه حيوية المجتمع الحديث .
روسيا ، وهي تواجه الفشل اليوم في تحقيق الاشتراكية ، بله الشيوعية وتنكص على أعقابها ، إلى إجراءات هي أدخل في الرأسمالية منها في الاشتراكية ، تتوخى بها إيجاد حوافز للإنتاج جـديدة ، تعطي أكبر الدليل على أن المدنية الغربية الحاضرة بلغت نهاية تطورها المادي الصرف ، ووقفت عند نهاية الطريق المسدود وسيصبح لزاما عليها أن ترجع إلى مفترق الطرق ، حيث تبدأ بسلوك طريق آخر ، كانت شرة الثورة قد أذهلتها عن سلوكه منذ نصف قرن مضى . ولن تجد الصين فرصة التجربة الطويلة التي وجدتها روسيا ، ذلك لأن الزمن قد أزف ، وأن المفارقة الكبيرة بين طاقة المجتمع البشري الحديث ، وقصور المدنية الغربية أصبحت تتضح كل يـوم ، وقد أخذت الصين تشعر بهذا التناقض الرهيب ، ولكنها لم تهتد إلى متنفس له إلا في هذه الحالة العصبية ، التي أسمتها سخرية ، بالثورة الثقافية يقوم بها ، في الشوارع والأماكن العامة ، المراهقون ضد أساتذة الجامعات والعلماء ، وهي تستهـدف ، فيما تستهدف ، تأليه ماو تسي تونـغ ، وجعل كتاباته مصادر الثقافـة الوحيـدة ، ومناهل الحكمة التي ينتـهي عندها رأي كل ذي رأي .
وليس من الضروري أن نذكر الغرب الرأسمالي هنا ، لأن مفارقات المدنية الغربية تمثلها الشيوعية في روسيا وفي الصين أكثر مما يمثلها الغرب ، ولأن الغرب الرأسمالي ليس بصاحب رأي جديد في المدنية الغربية ، وإنما هو مقيم على القـديم ، على تطوير يسير سببه تطرف الثورة الشيوعية ، مما اضطره إلى ملاقاتها في نصف الطريق ، في محاولة الإبقاء على نظامه القـديم ، في وجه الثورة المجتاحة . فسبب فشل المدنية الغربية الآلية الحاضرة إذن ، هو أن تقدمها المادي والآلي ، لم يشفع بتقدم خلقي يصحح موازين القيـم ، ويضع الآلة في مكانها من حيث أنها خادم الإنسان وليست سيدته ، فالتقدم المادي غير متناسق ، ولا متساوق ، مع التقدم الروحي ، وفي تفكيرنا الاجتماعي المعاصر ، كما سبق بذلك القـول ، الرغيف يجد اعتبارا فوق ما تلقى الحرية ، وهـذه الظاهرة تنطبق على المذاهب الاشتراكية ، كما تنطبق على الرأسمالية ، وفي الحق أن الشيوعية لا تختلف عن الرأسمالية ، إلا اختلاف مقدار فهي كالرأسمالية ، مادية في الأصل ، ولكنها أكفأ منها ، من حيث المقدرة على تحقيق الوفرة المادية ، وعدالة توزيعها ، وما ينبغي أن نخدع عن هذه الحقيقة بملاحظة العداوة النائرة بينهما ، فإنما هي بمثابة العداوة التي تكون بين الفرق المختلفة في الدين الواحد فهي عـداوة لا تدل على اختلاف المنبت كما تدل على وحـدة الأديم الذي تقوم عليه هذه الفرق المتناحرة .
وإذا أردنا أن نضع سبب فشل المدنية الغربية الآلية الحاضرة وضعا محددا ، وجب علينا أن نقرر أن مرد هذا الفشل هو عجز هذه المدنية عن الإجابة على سؤالين ظلا بغير جواب صحيح طوال الحقب السوالف من التاريخ البشري ، وقد أصبحت الإجابة عليهما ضربة لازب .
والسؤالان هما : ما حقيقة العلاقة بين الفرد والجماعة ؟ وبيـن الفـرد والكون .





#عادل_الامين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرة مدينة: ....بيت الشاتي...........
- حدث في معسكر اللاسلكي
- كانوا في زيارة ابنهم ال(ديك..تور)ا
- الغجر..أول دروس الحرية
- فضائية الحوار المتمدن
- ملامح من الفكر السوداني المعاصر(6-7):الاسلام والسلام
- ملامح من الفكرالسوداني المعاصر(5-7):آيات الاصول وآيات الفروع ...
- ملامح من الفكر السوداني المعاصر:(4-7)المجتمع العبودي،المراة، ...
- ملامح من الفكرالسوداني(3_7):الفرد والمجتمع
- ملامح من الفكر السوداني المعاصر(2-7) نشاة المجتمع
- ملامح من الفكر السوداني المعاصر(1_7):تطوير شريعة الاحوال الش ...
- ملامح من الفكر السوداني المعاصر:الرق والراسمالية ليستا اصلا ...
- الديمقراطية والاشتراكية والإسلام ((ملامح من الفكر السودانى ا ...
- سيرة مدينة:الخرطوم 1991
- كلاب بابلوف تعاود النباح من جديد
- الغرب والاسلاميين كمثل العنكبوت اتخذت بيتا
- اساطير النزاعات في ميزوبتميا ووادي النيل
- رسالة الى مواطن عراقي
- السيرة الذاتية ل(شجرة الموسكيت)ا
- دارفور...اطفال الزمن الآسن


المزيد.....




- نخب -صداقة العمر-..4 صديقات يُعدن إحياء صورة لهنّ بعد 35 عام ...
- السعودية تتقدم على مصر ودولة عربية تلحق بهما.. ترتيب القوة ا ...
- -الكتاب الأبيض-.. استثمارات الصناعة العسكرية والدفاع في أورو ...
- اليوم العالمي للنوم: إليك خمس نصائح إن فعلتها في الصباح تمنح ...
- كالاس: واشنطن وعدتنا بعدم قبول أي شروط روسية حول أوكرانيا إل ...
- علاج بطعم الموت لمدة 10 دقائق
- مصري يدخل موسوعة غينيس ويحطم رقما جديدا خلال صيامه
- عاصفة مدمرة في كاليفورنيا (فيديو)
- المجلس الوطني الكردي يرفض الإعلان الدستوري السوري المؤقت
- أرمينيا وأذربيجان تتوصلان إلى -اتفاق سلام- بعد نحو 40 عاما م ...


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف الاول من آيار -العلاقة المتبادلة مابين الاحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني - عادل الامين - دراسات سودانية(4)المدنية والحضارة