|
الانتفاضات الشعبية العمالية بالمغرب بين القراءة الموضوعية و التكييف الانتهازي
وديع السرغيني
الحوار المتمدن-العدد: 1971 - 2007 / 7 / 9 - 11:27
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
توضيح أولي:
نظرا لأهمية المقال و لقيمة الموضوع المرتبط به ـ انتفاضة دجنبر 1990 بالمغرب ـ نحينه من جديد، لفتح النقاش و تعميقه حول قضايا الثورة و التغيير بالمغرب و حول سبل الارتباط بالكادحين أصحاب المصلحة في التغيير. ردا على مقال صادر بالعدد 3 من جريدة المناضلة ـ لسان حال إحدى المجموعات التروتسكية بالمغرب ـ إضراب 14 دجنبر: المجريات و الدروس، و استمرارا في الدفاع عن تاريخ نضالات الطبقة العاملة و انتفاضات الجماهير الكادحة، دعامة الطبقة العاملة و حامي ظهرها في الصراع من أجل القضاء على النظام الرأسمالي الاستغلالي و من أجل بناء المغرب الاشتراكي، نصير الحركة العمالية العالمية بدون تحفظ. كذلك و في إطار الصراع الفكري الجاد بين كافة الخطوط التي تدعي انتماءها للحركة الماركسية، و في إطار مناهضتها لكل التيارات التحريفية الانتهازية التي تستعمل الماركسية يافطة و التي تقفز بشكل سافر عن الإضافات اللينينية ـ ماركسية عصر الإمبريالية و عصر الأنظمة الفاشية البوليسية ـ نحاول جادين الدفاع عن هذا التاريخ لاستخلاص الدروس في اتجاه تقويم النقاش و العمل السياسي الماركسي حول المهام التاريخية للطبقة العاملة في الثورة و التغيير و بناء سلطتها الطبقية ـ دكتاتورية البروليتاريا ـ و تشييد المجتمع الاشتراكي، بكل ما تتطلبه هذه المهام من وضوح نظري مرجعي في الأمور التي ذكرناها و بشكل خاص فيما يهم الأداة التنظيمية الحاسمة، حزب الطبقة العاملة المستقل و كل مرتكزاته التنظيمية الجماهيرية و شبه الجماهيرية من نقابات و اتحادات شبيبية و جمعيات..الخ و من خلال متابعتنا للمقال، أي من التقديم إلى أخر نقطة في المقال، حاولنا قدر الإمكان البحث عن خيط ناظم نتلمس من خلاله متابعة حقيقية لما يتوخاه كاتب أو كاتبوا المقال، متابعة ترقبنا منها أن ترافق بموضوعية مجريات حدث سياسي مهم في تاريخ النضالات المغربية الطبقية، انتفاضة شعبية بكل المقاييس في مدن فاس، تاوجطات، طنجة، القنيطرة.. انتفاضة ووجهت بالقمع الرهيب، بالدبابات و القتل بالرصاص الحي، ثم المحاكمات الجماعية و التضييق الفاشي على أحياء شعبية بكاملها، مقال توخينا منه الإضافة من مناضل أو مناضلين تابعوا عن كثب أو شاركوا بقسط من الأقساط في صنع الحدث، ليتبين فيما بعد أنهم تابعوا الانتفاضة من خلال قصاصات الجرائد البرجوازية و تصريحات أبطالها بالبرلمان الرجعي.. و ليس من قلب أحياء باب فتوح و باب الخوخة و عين النقبي و سيدي بوجيدة و عين هارون... بفاس و بني مكادة و دشر بن ديبان.. بطنجة. مقال يفتقد لأية منهجية، اعتمد على تجميع لأراء منقولة من صحافة رجعية، لم يتعمق ناقلوها في مغزاها الطبقي العميق، مكتفين بزاوية النظر المؤسساتية المرتبطة بالنقابات و الأحزاب المؤطرة لها، دون الالتفات أو الانطلاق من أنوية الوعي الثوري داخل الطبقة العاملة و عموم المناضلين الميدانيين و الطلائعيين، ذوي الأصول الطبقية الكادحة و ذوي التطلع للارتباط الاستراتيجي بالطبقة العاملة و بكفاحية التيار النقابي داخلها.
وفاءا لمن صنعوا التاريخ
فبنظرة المؤرخ المطلع و الخبير تقدمت الجريدة بقراءة ماسخة و مزيفة للتاريخ ـ ذكرتنا بالشكل الذي تناولت به مجلة "إلى الأمام" انتفاضة 84 حين تقدمت بتقرير باهت و مقزم لحجم الانتفاضة و تضحياتها دون الاستشارة مع صانعيها و قيادييها في الميدان ـ قراءة لا تختلف عن قراءة المخبرين و عملاء الصحافة الصفراء في التعامل مع تجربة اليسار الجذري خلال مرحلة الثمانينات ـ و كأننا في سوق المنافسة، لتلميع تجربة دون أخرى، إذ لا ننكر أن الحضور الكفاحي لمنظمة "إلى الأمام"، كان له وقعه في تحفيز المناضلين الماركسيين الشباب و لا ننكر استماتة هذه المنظمة في مواجهة الإحباط و القمع و الاستئصال، كما لا ننكر وجود يساريين جذريين آخرين أعطوا للتجربة الماركسية اللينينية زخما بدون أن ينتموا لمنظمة "إلى الأمام"، كما لن تنسينا تضحيات "إلى الأمام" البارزة تضحيات المناضلين الثوريين من المنظمات الأخرى "لنخدم الشعب" و "23 مارس" و التجربة المتنوعة في الثانويات و القرى المهمشة و مجموع الأحياء الشعبية. قراءة "تاريخية" فيها الحيف و التصفية لتجارب معينة و لمصلحة تجربة محددة و محدودة، لأن اعتقالات منظمة "إلى الأمام" ـ مجموعة 26 ـ لم تشكل إلا نسبة قليلة من اعتقالات و قمع الثمانينات و لن أجازف إذا قلت بأنها لا تتجاوز 5% من الحصيلة العامة التي حصدت الانتفاضيين من عامة الجماهير و الطلبة القاعديين بشكل بارز و اليسار الاتحادي بدرجة أقل، فابتداءا من سنة 80 كانت المحاكمات في حق الطلبة القاعديين مناضلي إوطم تتجاوز العشرات كل سنة تقريبا. و للتاريخ و الجماهير و عموم المناضلين، نذكر بأن لائحة الشهداء خلال هذه المرحلة و التي تضم عشرات الطلائع الانتفاضيين فإنها تضم كذلك أحد قياديي منظمة "إلى الأمام"، التهاني أمين و تضم كذلك من القاعديين و المتعاطفين معهم العدد الكبير، الدريدي، بلهواري، شباضة، الأجراوي، زبيدة، المسكيني، أزوكار، أكروح و سعيد تلاميذ الحسيمة.. دون أن ننسى المنتصر البريبري مناضل من منظمة "لنخدم الشعب" و الهاشمي برضي.. و لن ننسى كذلك محاكمات منظمة "23 مارس" و التي تجاوز عدد مناضليها المعتقلين عشرة ـ مجموعة راكز و التي شاركها الرفيق شباضة السجن و الإضراب عن الطعام الذي أدى إلى استشهاده و إلى إعاقة الرفيق العلمي البوطي ـ.. كما لا ننسى الاعتقالات التي عرفها اليسار الاتحادي ـ رفاق مهدي و عمر في الجامعة و أعضاء اللجنة الإدارية الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (الطليعة فيما بعد) ـ..الخ فإهمال هذه المعطيات أو تجاوزها، فيه تحيز و فيه مغالطات كبيرة و كثيرة، خاصة و أن المقال موقع بتاريخ 91، لكي لا نقول بأن أصحابه لم يعايشوا تلك الفترة بتدقيقاتها، فمن يشطب هذه المعطيات من التاريخ فإما ذاكرته ضعيفة و إما أنه لم يعشها قط و بالتالي سيكون إما تاريخ المقال مزور و إما أن كاتبه مزور محتال مع سابق الإصرار. فبناء حركة سياسية جديدة تدعي الجذرية و اليسارية الماركسية، يبتدأ من التقديم الموضوعي للتجارب اليسارية بكل إنصاف ثم التقييم النقدي الإيجابي و الموضوعي كذلك على أرضية المعطيات الملموسة و ليس على الخلفيات الإقصائية و التصفوية المسبقة.
الكنفدرالية الديمقراطية للشغل و مبدأ الوحدة النقابية
و بنفس المنهج ـ إن كان هناك منهج ـ و بنفس الارتباك الذي ينم عن غياب منهجية في آخر المطاف، أثارتني مسألة مهمة بخصوص التاريخ و التأريخ، حين انطلق المقال من بداية سنة 80 دون أن يتكلم عن ملابسات تأسيس المنظمة النقابية "الكنفدرالية الديمقراطية للشغل" بقرار حزبي اتحادي ـ نسبة لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ـ و دون أن يقدر مضاعفات هذا الإجراء الانشقاقي و تأثيره السلبي على القواعد النقابية بما فيها بعض العناصر العمالية في بعض القطاعات! لم يتكلم عن هذا و لا عن فتوحات النقابة الجديدة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل ابتداء من الإعلان عن إضرابات 79 البطولية و لم يتكلم عن خيانة النقابة و انتهازيتها اتجاه قواعدها و مناضليها من المعتقلين و المطرودين الذين تعرضوا للجلد و التنكيل..الخ لم يتكلم عن ملابسات و حيثيات الإعلان عن الإضراب الوطني 20 يونيو 81 و ما صاحبه من انتفاضة جماهيرية بالبيضاء، ذهب ضحيتها المئات من شهداء و معتقلين.. لم يتحدث المقال عن مقاطعة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل لإضراب 18 يونيو الذي دعت له نقابة الاتحاد المغربي للشغل و لا لتصريحات زعماء الكنفدرالية الديمقراطية للشغل تجاه إضرابات هذه النقابة العمالية و تجاه الحركة الانتفاضية و تنصلها منها لحد إدانتها. كان الأجدى و الأجدر أن يحصر الرأي و يقدم بشكل فردي و تكون بالتالي المحاسبة مخففة لأقصى حد، لكن و بعد الإعلان على أن القراءة كانت جماعية، وجب علينا محاسبة الرأي بوصفه رأي جماعي خاص بجماعة أو تيار "المناضلة" و ليس شيئا آخر. فلا يمكن أن تكون القراءة علمية و صائبة لمجريات انتفاضة دجنبر و الإعلان عن إضراب 14 دجنبر الوطني و التنسيقات النقابية و الحزبية المصاحبة له، دون الرجوع لسنوات الإعلان عن ميلاد الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بما تشكله من ظرفية سياسية متميزة، أطرت الممارسة السياسية و النقابية، المعارضة، و جب الوقوف عما خلقته هذه الظرفية من اصطفافات و تحالفات، و تعارضات و اصطدامات..الخ فمن يدعي القراءة لمجريات 14 دجنبر و هي انتفاضة عمالية و جماهيرية بكل المقاييس، سقط خلالها الشهداء و اقتيد فيها الشباب المناضل للمحاكمات ـ محاكمات أحيطت بالصمت المريب و القمع الرهيب ـ دون أن يتكلم عن طبيعة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل و ملابسات إنشاءها و الفترة السياسية التي أنتجتها، فترة شعارات "المسلسل الديمقراطي"، "الإجماع الوطني"، "السلم الاجتماعي"، "تمتين الجبهة الداخلية" و "القضية الوطنية" ـ قضية الصحراء الغربية ـ..الخ لن يفيد الحركة العمالية و الاشتراكية في شيء. فترة تؤرخ لتواطؤ طبقي سياسي جديد بعد تصفيات اليسار الماركسي اللينيني و اليسار الاتحادي ـ بالاغتيالات و الاعتقالات و الإعدامات و بمنع و حصار مرتكزات اليسار، الجماهيرية إوطم الطلابية و النقابة الوطنية للتلاميذ ـ و بعد أن رأت النور "إوطم" جديدة و "وداديات التلاميذ" و "النقابة الوطنية للتعليم العالي" و الكنفدرالية الديمقراطية للشغل.. و بعيدا عن التجني و التهكمات نقول للمناضلين الذين لهم متابعة و لو بسيطة بما حدث في الفترة الأخيرة داخل مؤتمرات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و الكنفدرالية الديمقراطية للشغل و الانشقاق الحزبي ـ النقابي داخل هذه المؤسسات، بأن المعطيات كافية لفهم أطروحتنا بخصوص متابعة الحركة النقابية بالمغرب و دور الحركة العمالية في تأجيج الصراع الطبقي و في إعلان و قيادات الانتفاضات. نقول، تخطيا و تجاوزا للإسقاطات، أن النضالات القوية و وثيرة الصراع الطبقي خلال تلك المرحلة عددت الرهانات و أن الرهان الرئيسي و الأساسي لجبهة العداء لم يتأسس على رهان القوة ـ لأنها كانت ضعيفة بما يكفي لزعزعتها ـ بل على رهان قوة و انتشار التيار الاشتراكي عموما و الماركسي اللينيني بشكل خاص، أي بكل ما حملته هذه القوى و شبيبتها من استعداد نضالي و كفاحي مبدئي لحد الاستعداد للاستشهاد. فلا يمكن تجاوز فترة ولادة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل هكذا، بدون تحليل للظرفية و المرامي الطبقية المفتتة لوحدة الحركة النقابية، إذ و تحت أية دعاوي تدعي محاربة البيروقراطية و الهيمنة البرجوازية، لا يمكن لتيار ماركسي أن يتبنى و يبارك خط التفتيت النقابي، خاصة إذا كان التفتيت بقرار و توجيه حزب برجوازي صريح يعادي صراحة المشروع الاشتراكي و آليات الوصول أو المساهمة في تشييده. فالتفتيت و الانشقاق غير مقبول و من ينٌظِر له فهو خائن لوحدة الحركة النقابية و الحركة العمالية بشكل خاص، خائن للطبقة العاملة و لمشروعها ـ خاصة في مرحلة الوعي الأولي و للتمثيلية الجنينية المحدودة للخط البروليتاري في صفوفها ـ فحين تتم الانشقاقات من طرف حزب برجوازي و نقابات أو اتحادات رجال التعليم، البريد و الصحة، فلن يحتاج الموقف منها للنباهة و الفراسة و الذكاء للرد عنها، يحتاج للحس الطبقي السليم المرتبط بمهام الطبقة العاملة و بمهام الطلائع الماركسية و إستراتيجية الارتباط بها و بشكل خاص بطلائعها. فتوجيهات الإمبريالية الأمريكية لمرحلة السبعينات و نصائحها السياسية خاصة بعد الهبٌات الثورية و عنف الصراع داخل الطبقات الحاكمة نفسها و بروز تيارات سياسية جديدة تميزت بخيار الكفاح المسلح ـ الحركة الماركسية المغربية و حركة 3 مارس الاتحادية و تيار الضباط الأحرار ـ و ما نتج عنها من اتفاقات سياسية جديدة دبرت المرحلة بالشعارات التوفيقية المعروفة ـ المسلسل الديمقراطي، السلم الاجتماعي، القضية الوطنية، الجبهة الداخلية... ـ أعطت للقطب الاتحادي دورا جديدا في الساحة بعد الحسم مع التيارات الجذرية داخله و تصفيتها، و بعد شل حركة منظمات حركة اليسار الجديد باعتقال قادتها و بمنع الإطارات الشبيبية التي شكلت مرتكزاتها ـ إوطم النقابة الوطنية للتلاميذ ـ توافقات حددت للقطب الاتحادي دوره في أن يقود حركة معارضة جديدة ملتزمة بمضامين الشعارات أعلاه و محاصرة للمد الثوري في مواقع انتشاره الكلاسيكية بمبادرة إحياء وداديات التلاميذ على أنقاض النقابة الوطنية للتلاميذ، و في الجامعة باقتناص مكسب رفع الحظر عن المنظمة إوطم. و قد تشكل هذا القطب من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و حزب التقدم الاشتراكية و يمين منظمة 23 مارس التي بادرت للانخراط في الشرعية عبر تأسيسها لجريدة أنوال. خلال هذه الفترة تأسست الكنفدرالية الديمقراطية للشغل أي في ظرف ما زالت أزمة النظام في تعمق واضح و ما زالت الصراعات الطبقية تعرف وثيرة تصاعدية ملموسة و ما زالت الاحتجاجات الانتفاضية تقمع بالهراوات و الرصاص الحي و المحاكمات الجماعية، كما هو الحال بتمارة، تسلطانت، أوريكة، امزميز... خاصة خلال مرحلة جفاف 79 ـ 84. إلى جانب هذا عرفت الساحة نضالات عمالية قوية و بقيادة الاتحاد المغربي للشغل، أبرزها نضالات المنجميين بخريبكة أحولي، جبل عوام.. نضالات عمال الموانئ بالبيضاء و نضالات السككيين..الخ لم تتخلف الشبيبة الثورية عن هذا الغليان بل تجدد الوعي و اتسع من جديد و فتح النقاش حول الأطروحات و المرجعيات و أنجزت التقاييم بشقيها النقدي و المراجعاتي و كان الإعلان عن مرحلة ثورية جديدة لم تتوقف حتى مطلع سنة 84 بعد أن أعلنت الجماهير انتفاضتها و سخطها من جديد، انتفاضة ضد البؤس و الجوع و البطالة و ضد المساس بمجانية التعليم.. في هذه الفترة بالذات انشق الاتحاديون بكنفدراليتهم البديلة معلنين عن إضراب 79 في قطاعات الصحة و التعليم بأهداف حزبية ضيقة توخت الإشعاع للمولود الجديد أكثر من أية مبدئية نضالية واضحة، إذ سيتضح ذلك جليا في انعدام و قصور التشهير بمضاعفات الإضراب، يعني ما وقع من عنف و تنكيل و طرد و توقيف و اعتقال في حق النقابيين الكنفدراليين. نفس السلوك السياسي صاحب الغليان الطبقي المرتبط بزيادة 28 ماي 1981 في أثمنة المواد الأساسية، القرار الذي واجهته الجماهير الشعبية بحزم، شاركها خلال مواجهتها و سخطها اليسار الجذري بقوة، سواء مناضلو الحركة الماركسية اللينينية المغربية أو الشبيبة الثورية بالجامعات و الثانويات و كذا مناضلو اليسار الاتحادي قبل انشقاقه و قد تجلى ذلك في المعارك الميدانية و المظاهرات في الأحياء الشعبية بمدن الرباط، سلا، المحمدية، البيضاء، مراكش، أكادير، القنيطرة.. لقد امتنعت الكنفدرالية الديمقراطية للشغل عن مشاركة الاتحاد المغربي للشغل في إضراب 18 يونيو 1981 بالبيضاء و المحمدية و ادٌعت أن الدولة وراء الدعوة للإضراب! بل ادٌعت أن "المقدمين" ـ أعوان السلطة المخبرين ـ يعبئون الناس لإنجاح الإضراب! في الوقت الذي كانت الأحياء الشعبية في المدن المذكورة أعلاه، في حالة احتجاج مستمر كذلك خلال يناير 1984 حيث الانتفاضة و الشلل و الإضرابات المنظمة من دون نقابة، لم تتدخل الكنفدرالية الديمقراطية للشغل لتوسيع الإضراب أو تبنيه، بل شهٌرت بانتفاضة الجماهير، إذ سماها زعيم حزب النقابة ع. بوعبيد "بالأحداث الموجهة من جهات خارجية"! و لم تكن "الجهات الخارجية" سوى مواقع العمل الثوري الشبيبي في الثانويات الجامعات و الأحياء الشعبية، المواقع التي أنتجت مناضلين طلائعيين جدد بالرغم من تراجعات و اختفاء أو تلاشي منظمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية. بعد إخماد الانتفاضة و اعتقال قيادييها و دفن شهدائها و تطويق بؤرها القوية ـ مراكش، الحسيمة، تطوان ـ تمت العديد من المحاكمات في مختلف المدن الكبيرة، في حق اليساريين الجذريين، أزيد من 300 معتقل و غالبيتها الساحقة من الطلبة القاعديين و المناضلين التلاميذ ذوي الارتباط بالفكر اليساري الماركسي و بعض من قدماء الحركة الماركسية اللينينية و الحركة الاتحادية اليسارية.. وصلت الأحكام خلالها لحد الثلاثين سنة مع ما رافقها من اختطافات و تعذيب بالمخافر السرية الرهيبة. هذه بعض ملامح المنهجية التي نتوخى استعمالها في متابعة أحداث وسمت تاريخ الصراع الطبقي و مدٌته بخبرة تاريخية وجب استخلاص الدروس منها و أول درس نبدأ بتسطيره هو تحذير مجموع المناضلين الثوريين و الماركسيين من تزييف التاريخ و من الطمس أو التلاعب بالمعطيات ثم التقزيم لحدث قوي كالانتفاضة الشعبية و تجريده من بعده الطبقي. فليست المجريات هي المتابعة الكرونلوجية لقرار الإضراب تاريخ الإعلان و طريقة الإعلان.. و طرح الأسئلة، هل هو فوقي أم قاعدي؟ هل هو صادر عن النقابات أم عن الأحزاب الموجهة لها؟ مع إشارات تحاول أن توضح مستوى فطنة و ذكاء المتابعين، كبلاغات الالتزام بالمنازل الموجهة للنقابيين، مثلا، و كأننا نتخيل أو ندٌعي شيئا من استعداد الأساتذة و المعلمين و الأطباء و الممرضين و أساتذة التعليم الجامعي و بعض المستخدمين للنزول للشوارع قصد تنظيم الإضراب و الإشراف عن المتاريس و قيادة المظاهرات و حرب الشوارع ضد قوات القمع التي لن تكتفي بالهراوات..الخ أو بالإشارة / الاكتشاف إلى الدويري رأسمالي قيادي بحزب الاستقلال ـ و كأنه الاستثناء و ليس القاعدة ـ ليس لدينا أدنى شك في نقابة الدويري الحزبية الاتحاد العام للشغالين بالمغرب و ليس لدينا شك في قاعدتها الأساسية من أصحاب الطاكسيات و الشاحنات و المقاهي و بعض من عمال البلديات و المصالح الوزارية ـ عمال الزبونية الانتخابية و الوزارية ـ فقط كان حريا بالمتابعين من أنصار جريدة "المناضلة" أن يتساءلوا عن وجود النقابات بمعامل الدويري التازي الشعبي..ـ و هم جميعهم "استقلاليون" ـ بل و عن مجموع المنتخبين للغرف الصناعية تحت لائحتي حزب الاستقلال و حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية..!
ما كان ينبغي حمل السلاح
قديما تمت محاربة الفتاوي في حق الطبقة العاملة و في حق حركة الصراع الطبقي بشكل عام، حاربها ماركس انجلز بخصوص تجربة كمونة باريس العمالية و المآل الذي وصلت إليه، ثم لينين في تقييمه لثورة 1905 الروسية حين انتقد الشعار الانتهازي الذي رفعه المرتد بليخانوف ـ ما كان ينبغي حمل السلاح ـ ليوضح الفرق بين خلاصات ماركس انجلز اللذين حذرا من ثورة بدون شروط، قبل حصولها، لكن بعد اشتعالها و اتساعها، دعماها و شاركا في امتدادها و نصحا المناضلين العماليين الأمميين بدعمها بل و بمشاركة الفوضويين و البلانكيين في قيادتها و تقويمها على عكس بليخانوف الذي كان ينادي بالثورة و الانتفاضة المسلحة قبل 1905 لكنه تراجع و زعق و صاح في وجه العمال المنتفضين بفتواه الشهيرة ـ ما كان ينبغي حمل السلاح ـ نجد نفس الثقافة و نفس الفتاوي و نفس التقاييم "حركة عصيان واسعة.. النظام البرجوازي" ليصل سؤاله الاستنتاجي و الانهزامي بشكل واضح، المزيف السافر للتاريخ و الوقائع "ماذا انتزع الإضراب: لا خبز و لا دستور"! شعار لم توضح المتابعة الصحافية أصله، هل هو شعار النقابات و أحزابها؟ أو هو شعار الجماهير المنتفضة؟ أو هو فتوى جديدة يرفعها أنصار الجريدة تجاه الانتفاضات و العصيانات الشعبية الجماهيرية. و لمن ليست له دراية بمجريات الانتفاضات الشعبية العمالية و لمن لم يكن له سابق اشتراك في هذه الأشكال العصيانية القوية، نخبره بأن هذه الأشكال و إن كانت دائما تحتاج "للنقطة التي أفاضت الكأس" أو للشرارة المشعلة للفتيل ذي الارتباط ببرميل البارود.. فإنها تتجاوز هذه "النقطة" و هذا "الفتيل" بمجرد إطلاق الشعار الأول. فشعارات الخبز و المطالبة بالإصلاحات السياسية و بالحريات.. لا تخيف الماركسيين الثوريين في شيء، فقط يخيفهم تجريدها عن واقع الاستغلال الشمولي و عن مشروع التغيير الجذري الاشتراكي و بشكل خاص مطلب السلطة السياسية المدخل لأي تغيير حقيقي.. ذلك ما نعتبره و بكل صدق ثوري أنه لازم الانتفاضات الشعبية و الحريات العصيانات جميعها. خلال العصيانات الجماهيرية الكبيرة كانت دائما شعارات ثورية تدين الدولة الحالية و تشهر بشكلها الملكي و برموز النظام و بأعلام الدولة و صورها الرسمية.. تنظيم الهجوم على المؤسسات المالية ذات الرمزية المرتبطة بنظام البذخ و الامتيازات.. تنظيم الهجوم على الثكنات و الكومساريات و مراكز القيادة ـ السلطة ـ..الخ فأين هذا من المعطيات لمتابعة المجريات؟ إن غالبية التيارات السياسية الإصلاحية لا تتجرأ على متابعة الانتفاضات من زاوية إبراز هذه الحقائق العاصفة لأطروحتها، فقط طلائع العمل الثوري من مناضلي الحركة الماركسية اللينينية المغربية المنظمين و غير المنظمين، خاصة قادة و مؤطري الانتفاضات الميدانيين و كل من له شرف القيادة و الارتباط و الدعم لهذه الشعارات، من لهم هذه القوة النابعة من قناعة التغيير مع الجماهير و بالجماهير ذات القيادة الطبقية العمالية بدون بديل و لا منازع. هل أخلص المقال لهذه الرؤية أم تحاشا كل هذه المعطيات وفاءا لخط تزييف معطيات التاريخ؟ إن المعاينة و المشاركة الميدانية تؤكد أن حضور القمع بأقصى درجاته الدموية ارتبط دائما بقوة الحضور الجماهيري ـ "الرعاع و الأوباش" كما كان يسميهم الدكتاتور السابق ـ و شكل هذا الحضور و الشعارات السياسية المرافقة لهذا الحضور، فالنهب الواسع و المنظم لمواقع البذخ و الرأسمال و الهجومات الكبرى على معاقل جهاز الدولة القمعي و دمج الجمهورية و الحرية في شعار واحد ـ إلا بغيتو الحرية قلبوها جمهورية ـ معطيات طبعت كل الانتفاضات التي عاشها و فجرها و نظمها كادحو المغرب. أما شعار الدستور، فلم يرفع قط خلال الانتفاضات، يرفع داخل القاعات المكيفة: نعم، داخل الاجتماعات الحزبية اليمينية و "اليسارية": أي نعم، يرفع من خلال الصحافة البرجوازية الحزبية، النقابية و الجمعوية..! بكل تأكيد. أما شعار الخبز و الدستور، فشعار يعنيكم أنتم و يعني منهم على شاكلتكم من الإصلاحيين الذين تنتقدون البعض منهم دون إعطاء البدائل الملموسة. فالكلام عن غياب "القيادة البروليتارية" لم يعد له ذلك البريق القديم و لم يعد كاف لستر العورات، لقد تجاوزته الموضة بكثير خاصة إذا كان التهافت، و فقط، لاحتلال المواقع ـ و بالكوطا ـ داخل المؤسسات البرجوازية، فأين هي بروليتاريتكم أمام مهمة بناء حزب الطبقة العاملة المستقل بمرجعيته الماركسية اللينينية و بخطه الثوري الاشتراكي الواضح بشعارات برنامجه و تحالفاته. كما أن الاختباء وراء شعارات العجز و التعجيز "كغياب برنامج مطالب منطلقة من الظرف و مستوى الوعي و متجهة بحزم ضد أسس النظام البرجوازي". لماذا لا تأخذوا، أنتم مثلا، المبادرة في هذا الاتجاه، و لتتشكل الأنوية الأولى للعمل البروليتاري المنظم و لتطرح البرنامج العملي المراعي للأوضاع و مستوى الوعي؟ سنوات مضت و تضحيات قدٌمت و ما زلنا نسهل الأمور و نبرر الفرار و الانسحاب بشكلين من الشعارات، شكل تراجعي انهزامي واضح و شكل تعجيزي تيئيسي يربط مهمة التنظيم بالأقدار و بثقافة "المهدي المنتظر". فغياب القيادة البروليتارية لا نفهمها إلا في إطار حزبي مستقل للطبقة العاملة بمرجعيتها الماركسية اللينينية و برنامجها الذي يبدأ بحسم السلطة السياسية عبر دك أسس النظام القائم و عبر التأسيس لسلطة ديمقراطية تقودها المجالس العمالية في البوادي و المدن، و يستمر بكل مستلزمات البناء الاشتراكي من ثورة زراعية، تأميم للبنوك و المؤسسات الصناعية الكبرى بناء الاقتصاد الاشتراكي المبني على التخطيط.. أما برنامجكم و إن كان حدد "الأهداف و بحزم ضد أسس النظام البرجوازي"، فيبقى كلام فارغ إذا لم توضحوه بدقة و أنتم من طالبتم بالمزيد من رفع الوعي عند الجماهير! فما هكذا يتقدم الوعي، فالوعي يتطور بالاقتراحات الواضحة و الدقيقة كي تتمكن من الوصول إلى الطلائع العمالية ليعملوا على زرعها في جسم عموم الكادحين عمال و غير عمال. أما لازمة "الظرف و مستوى الوعي" فلازمة موضوعية يراد بها باطل ـ و الباطل هو الانحراف و المراجعة و التزييف باسم الماركسية ـ لأن الدراسة لم تتقدم و لن يقدم أصحابها شيئا في المستقبلين القريب أو البعيد، لمعالجة هذه الغيابات و للإجابة عن التساؤلات و معيقات الانتصار الثوري الظافر.
و.السرغيني
#وديع_السرغيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ا-الجمعية المغربية لحقوق الإنسان- بين الشراكة و المعارضة
-
تنسيقيات مناهضة الغلاء تحقق المسيرة و تمنع المنع
-
دروس انتفاضة يناير
-
حزب -النهج الديمقراطي- و السياسة بموقفين
-
مهامنا في ظل العهد الجديد
-
الانتفاضات الشعبية العمالية بالمغرب بين القراءة الموضوعية و
...
-
قراءة أولية للأرضية التأسيسية لمنظمة -أ-
-
عودة إلى سؤال، إلى أين يسير النهج الديمقراطي بطنجة
-
حول ملابسات الصراعات الدموية بالجامعة
-
جمعية المعطلين ينحروها ام تنتحر؟
-
جورج حبش -شهيد- الجهل و الأمية
-
كفاح و أساليب نضالية جديدة ...عمال حمل البضائع بميناء طنجة
-
حول أحداث العنف الطلابي بمراكش و أكادير
-
تخليد ذكرى يوم الأرض بطنجة غاب يسار ... و حضر يسار آخر
-
رسالة إلى الرفاق الأوطميين
-
عمال -ديوهرست- المطرودون ... من الاعتصام إلى الاحتجاج في الش
...
-
مواصلة ديوهيرست لحربها الشرسة ضد العمل النقابي
-
الملكية بالمغرب تدشن السنة الجديدة باستقطابات جديدة
-
عاملات و عمال ديوهرست بطنجة في الواجهة
-
مأساة عمال و عاملات شركة يازاكي بطنجة
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|