|
العولمة الموضوعية تقرّب العالم، لكن سياسات العولمة الحالية تسير بالاتجاه المعاكس
كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 76 - 2002 / 2 / 27 - 20:32
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
مرحلة متقدمة ومتميزة من مراحل تطور الرأسمالية علي الصعيد العالمي - العولمة الموضوعية تقرّب العالم، لكن سياسات العولمة الحالية تسير بالاتجاه المعاكس ويفترض أن نشير هنا إلي أن الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها أكبر دولة نووية في العالم، تمتلك في الوقت نفسها إمكانيات غير محدودة وتساهم في تنمية وتطوير القوي المنتجة علي الصعيد العالمي، ومنها أبرز التقنيات الحديثة ووسائل الاتصال والمعلومات، كما أنها تمتلك كفاءات كبيرة جداً وتكدس لديها كفاءات وخبرات قادمة من مختلف بلدان العالم، وتسعي كثرة من الناس للعيش والعمل فيها، باعتبارها بلداً مفتوحاً علي الجميع. ولكن هذا البلد الأمريكي يعيش الكثير من المتناقضات ايضاً، ومنها رغبته في الهيمنة علي العالم وتسيير دفة العالم وفق ما تراه حكومته. وهو أمر غير مقبول، إذ أنها تضعف يومياً دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لصالح دورها الحاسم. وهو أمر يواجه بالرفض وأحياناً التحدي الذي يثير مشكلات جديدة باستمرار. منذ الربع الأخير من القرن العشرين تنامت عملية العولمة وتعاظمت في العقد الأخير منه، وهي ما تزال مستمرة ومتطورة في مختلف الاتجاهات. والعولمة عملية موضوعية لا يمكن الوقوف بوجهها، لأنها ترتبط بمستوي التطور الذي بلغته القوي المنتجة علي الصعيد العالمي والثورة المعلوماتية (الأنفوميديا) التي دخلها هذا العالم في ظل النظام الرأسمالي العالمي. الإرهاب والعولمة لكن عملية العولمة الموضوعية شيء والسياسات العولمية التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص وبقية الدول الصناعية السبع الكبار بشكل عام شيء آخر تماماً. فإذا كانت العملية الموضوعية تقرب العالم بعضه من البعض الآخر وتوفر إمكانية استخدام التقنيات الحديثة من قبل الشعوب التي ما تزال في بدايات تطورها الرأسمالي لتعجل من عملية النمو والتقدم وإزالة التخلف فيها وتقليص الفوارق بين شعوبها وشعوب البلدان المتقدمة، فأن السياسات العولمية الراهنة، سياسات اللبرالية الجديدة، التي تمارسها الدول الصناعية السبع الكبار تسير بالاتجاه المعاكس إلي حدود بعيدة. فما هي العولمة؟ تعتبر العولمة مرحلة متقدمة ومتميزة من مراحل تطور الرأسمالية علي الصعيد العالمي، كما إنها لصيقة بالمجتمعات الرأسمالية المتقدمة، علي الرغم من أن وقائع دورها وفعلها وتأثيرها ونتائجها أو عواقبها لا تقتصر علي تلك المجتمعات فحسب، بل تمتد، سلبيا أو إيجابيا، إلي بقية بلدان وشعوب العالم. وللعولمة امتداد في تاريخ الرأسمالية منذ نشوئها وتطورها والتحولات التي شهدتها في القرن التاسع عشر وبخاصة في النصف الثاني منه وأوائل القرن العشرين. كما إنها نتاج التحولات البنيوية العميقة التي كانت تجري في رحم الرأسمالية الإمبريالية، التي غطت الفترة منذ نهاية القرن التاسع عشر حتي نهاية العقد السادس وبداية العقد السابع من القرن العشرين، والتي اتخذت مسارا أكثر وضوحا وتميزا مع انهيار نظام الحكم الاستعماري والبدء بممارسة أشكال جديدة للهيمنة الرأسمالية علي اقتصاديات وشعوب بلدان القارات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض أجزاء من أوربا، تلك التي أطلق عليها بصواب أساليب الاستعمار الجديد . والقديم في ظاهرة العولمة الرأسمالية ناشئ من طبيعة الرأسمالية ذاتها، باعتبارها نظاما اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا عالميا يرتبط بالمجتمع وبمستوي تطور العلاقات الإنتاجية والقوي المنتجة فيه، إضافة إلي علاقتها الوثيقة بالسوق الدولية. ولكنها تبرز اليوم بمستوي جديد متقدم وخصائص نوعية متميزة ذات أبعاد جديدة. والتعرف عليها وتحليل مكوناتها والقوانين الفاعلة فيها وتطورها ضرورة ملحة تستوجب استخدام المنهج العلمي في التحليل ليساهم في وضع وممارسة سياسات وإجراءات ومواقف جديدة بشأنها. ولهذا لا يجوز الركون إلي القول الشائع بأنها ظاهرة قديمة وليس هناك من جديد، وأنها لا تخرج عن كونها ظاهرة وبدعة استعمارية يراد بها الهيمنة علي العالم وحسب. إذ أن مثل هذا الطرح يخلط بين مسألتين هما موضوعية الظاهرة التي تواجهها البشرية بفعل التغيرات الجارية في عالمنا المعاصر من جهة، وبين السياسات التي تمارسها الدول الرأسمالية المتقدمة في ظل النظام الرأسمالي العالمي السائد لجعل العولمة تخدم مصالحها مباشرة من جهة أخري.
العولمة الجديدة برزت المعالم الأولي للعولمة الجديدة مع تسارع عمليات تركز وتمركز هائل لرؤوس الأموال بيد الشركات الرأسمالية الاحتكارية المتعددة الجنسية وهيمنتها الواسعة علي الإنتاج والتبادل، بما فيه اتجاهات تحرير التجارة الخارجية أو تدويلها المتسارع منذ نهاية العقد السادس وبداية العقد السابع، والتنامي المستمر لدور ونشاط المؤسسات المالية والنقدية الدولية ورأس المال المضارب في العلاقات الاقتصادية والمالية الدولية وتأثيراتها الملموسة المباشرة وغير المباشرة والحاسمة بالنسبة إلي عدد غير قليل من البلدان النامية أو البلدان الرأسمالية من غير مجموعة السبع الكبار، وفرض رؤيتها الخاصة ومشروعها الإستراتيجي حول اتجاهات التطور الاقتصادي والتنمية الوطنية والحياة الثقافية والعسكرية علي السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية في عدد متزايد من بلدان العالم بما ينسجم مع المصالح الحيوية للاحتكارات والدول الرأسمالية المتقدمة. ثم اقترنت هذه العملية المعقدة بجملة من التحولات العميقة في بنية النظام الرأسمالي الدولي، وكذلك في الدور الكبير والمهيمن للشركات الرأسمالية الاحتكارية المتعددة الجنسية التابعة بشكل خاص للمراكز الدولية الثلاثة، الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان، وهيمنة الأولي علي مقدراتها ووجهة نشاطها إلي حدود بعيدة، بالاقتران مع وحدة العملية الاقتصادية والإنتاجية فيها بالمقارنة مع بلدان الاتحاد الأوروبي بشكل خاص، وقدراتها المالية الكبيرة وتفوقها وهيمنتها العسكرية، وإنهاء العمل باتفاقية بريتون وودز في عام 1973 بعد وقوع الأزمة النفطية الدولية. وأخيرا ارتبطت هذه العملية بإنهاء تجزئة السوق الدولي إلي سوقين دوليين، السوق الرأسمالي والسوق الاشتراكي ، والعودة إلي سيادة السوق الرأسمالي الدولي الواحد، والمنافسة التي ما تزال محتدمة، علي الرغم من علاقات التشابك القائمة في ما بينها، أي في ما بين تلك المراكز والدول، إضافة إلي الأزمة البنيوية الطويلة الأمد التي كانت وما تزال تلقي بظلالها علي عالمنا الرأسمالي كله، مقترنة أو مصحوبة بعدد غير قليل من الدورات الاقتصادية المتنوعة وذات الأمد والحدة المتباينتين.
العولمة الرأسمالية والعولمة الرأسمالية، باعتبارها عملية اقتصادية ــ مالية واجتماعية ــ سياسية، وعلمية ــ تقنية، وفكرية ــ ثقافية، وبيئية، وإعلامية وعسكرية، ما تزال تسير في طريق التطور والتكامل كمرحلة متممة ومستقلة ومتقدمة من مراحل التطور الرأسمالي والتدويل الاقتصادي. ولا شك في أن النصف الأول من القرن الحادي والعشرين سيشهد تطورا سريعا في هذا المجال وستبرز معه إلي السطح وأكثر من أي وقت مضي تناقضات العولمة الأساسية المرتبطة بطبيعة وبنية الرأسمالية الدولية في مرحلتها الجديدة، وبالتالي يمكن للبحث العلمي الآفاقي أن يشخص بشكل أولي طبيعة واتجاهات ومضامين وأوجه بروز التناقضات والصراعات المحتملة التي يمكن أن تتفاقم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والإعلامية والعسكرية، وكذلك في مجالات البيئة والعلوم والتقنيات الحديثة علي النطاق الدولي وعلي المستويات التي أشير إليها سابقاً في ضوء فهم واستيعاب حركة وفعل القوانين الاقتصادية الموضوعية وتأثيراتها المتبادلة ونتائج تلك الحركة والفعل والتأثير. ولا شك في أن التناقض الرئيس، وبالتالي، الصراع الرئيس علي النطاق الدولي، كان وسيبقي علي امتداد عقود قادمة يدور بين المراكز والأطراف، إضافة إلي التحالفات السياسية والاجتماعية المحتملة التي يمكن أن تنشأ باعتبارها أحد أشكال أو أدوات التحري عن حلول عملية لتلك التناقضات والصراعات علي الصعيدين الإقليمي والدولي. ولكن هذا لا يعني غياب التناقضات الأخري التي سوف تحتدم في المستقبل أيضا، بفعل التغيرات الجارية، والتي سوف تتنامي في المستقبل، في موازين القوي في مراكز القوة الثلاثة، إضافة إلي ما يجري اليوم من تحولات في الصين وفي روسيا الاتحادية والهند وبلدان جنوب شرقي آسيا. وإذا كان لبلدان المراكز الصناعية الثلاثة إستراتيجية واضحة المعالم والأهداف وهي تخوض الصراع في إطار العولمة الجارية، فإن بلدان الأطراف ما تزال لا تمتلك إستراتيجيتها الواضحة، وهي ما تزال تتحري عنها. وفي سعيها هذا توصلت إلي تشكيل ما سمي بمجموعة الـ15 دولة التي تضم حاليا أكثر من عشرين دولة بهدف تحديد إستراتيجيتها علي غرار ما تم في سنوات السبعينيات عندما شكلت مجموعة إلـ77. ومع ذلك فهي لا تمتلك حتي الآن الإستراتيجية التي تؤهلها لخوض الصراع في إطار العولمة الجارية وتحقيق نتائج مرضية لاقتصادياتها ومجتمعاتها وحياتها القادمة.
الزمان
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|