أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - منير شفيق - فشل إملاءات الأغنياء















المزيد.....

فشل إملاءات الأغنياء


منير شفيق

الحوار المتمدن-العدد: 601 - 2003 / 9 / 24 - 01:20
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


     الحياة     2003/09/21
عندما هجمت العولمة بعد أن حولت اتفاقات "الغات" إلى اتفاقية "تريبس" وتشكلت على أساسها منظمة التجارة العالمية، صفق من صفق وكاد يطير أمام "هذا التحول العظيم الذي حول العالم إلى قرية صغيرة وسوق واحدة ورفع القيود عن تطور البلدان النامية والأكثر فقراً وجعل المعرفة في متناول الجميع بعد شيوع الانترنت". فمن الآن فصاعداً لا مجال لدولة استبدادية، أو قيود بيروقراطية أمام انفتاح الآفاق غير المحدودة بالنسبة إلى كل مجد مجتهد أو ذكي يعرف كيف يخوض غمار السوق. فالكل أصبحوا متساوين تحكمهم قوانين عالمية واحدة وقيم كونية مشتركة. أما من لا يريد الاندماج في هذا النظام الجديد، فليس له غير قارعة الطريق والبقاء في هامش التاريخ، وإذا به بعد الاندماج ينحدر إلى القاع.

كثيرون تناولوا هذا الانقلاب الاقتصادي الخطير بقصائد المدح والإكثار من ذكر ما يحمل من وعود. ولكن لم تمض بضع سنين حتى انكشف الغطاء وأخذت الحقائق تبيّن بما يكشف كم من الهُراء قيل حول العولمة والقرية الواحدة والمعرفة المعممة وآفاق التطوير المفتوحة أمام المُجدّين. فقد تبين أول ما تبين ان جزءاً مهماً من العولمة الاقتصادية تعامله الدول الغنية باعتباره طريقاً باتجاه واحد. وكانت علامة ذلك الحفاظ على دعمها لمزارعيها بما يقرب من بليون دولار يومياً (300 بليون سنوياً). ومن ثم ابقاء حدودها واسواقها مغلقة في وجه المنتجات الزراعية من البلدان النامية والافقر، وجعل المنافسة مستحيلة في هذا المجال الوحيد الذي يمكن أن تنافس فيه تلك البلدان.

أما في المقابل فكان على تلك البلدان النامية أن ترفع الجمارك أو تخفضها، وأن تسقط الحمايات عن صناعاتها، وتتخلى حكوماتها عن الدعم للمواد الأساسية أو للخدمات الصحية والتعليمية، الأمر الذي انتهى إلى نتيجة لا خلاف حولها، وهي ازدياد الهوة بين الدول الغنية المتقدمة والدول الأخرى بحيث يزيد المتقدم ثراء وتقدماً، والمتخلف (أو النامي للتلطيف) فقراً وتخلفاً.

لقد تم الوصول إلى اتفاقات "الغات" ومن بعدها "تريبس" عام 1994 عبر درجة عالية من الاحتيال والضغوط والتهديدات والاغراءات أو الوعود الكاذبة. وقد حدث مثل ذلك بالنسبة إلى انضمام بلدان العالم الثالث إلى منظمة التجارة العالمية حتى بلغ عدد أعضاؤها 146. ومن تخلف فعليه ان يلحق بالركب حتى لو كان إلى المجزرة.

لكن النتائج التي أسفرت عن التجربة، وهي أبلغ من كل الحجج التي قدمت في نقد العولمة، ولو جاءت مصدقة لها، أخذت تُشعر أغلب حكومات العالم الثالث بالكارثة أو بالزحف الحثيث إلى الكارثة. لهذا ووجهت الدول المتقدمة بمواقف لم تعهدها في دول العالم الثالث في المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في الدوحة عام 2001، وكاد المؤتمر أن ينفض على فشل لولا استدراك الأمر وتمديد الاجتماعات، فصدر بيان توفيقي أجل مسألة الدعم الذي تقدمه الدول الغنية لمزارعيها، إلى المؤتمر المقبل في كانكون في أيلول (سبتمبر) 2003، وترك الصراع الأشد الذي نشب حول براءات الأدوية النوعية الخاصة بالايدز والسل والملاريا للحوار والاتفاق حولها بين المؤتمرين، وبأسرع ما يمكن، بسبب خطورة التأخير على حياة ملايين المرضى من الفقراء. وبالفعل وقع في 29/8/2003 اتفاق ظلم الفقراء لما احتواه من شروط تعجيزية جعلت عدمه خيراً منه.

ويجدر بالذكر أن المؤتمر الذي سبق مؤتمر الدوحة، وعقد في سياتل، كشف عن تناقضات بين الدول الغنية نفسها، وعلى التحديد بين أميركا وأوروبا، وأميركا واليابان، تتعلق بالأغذية المعدلة جينياً، وبمجموعة مخالفات تمارسها أميركا لاتفاق منظمة التجارة، مثلاً قانون التشجيع الضريبي للصادرات الصناعية، الأمر الذي أضاف عاملاً آخر إلى احتجاجات بعض بلدان العالم الثالث لينتهي المؤتمر إلى فشل. وهنا يجب أن يُشار إلى تعاظم أهمية الحركة الاحتجاجية على العولمة ومنظمة التجارة، كما تجلت في شوارع سياتل التي تحولت إلى ساحة مواجهة، مما كشف عن الوجه الآخر العنفي للعولمة، وأرهص بانطلاقة نضالات عالمية لا تترك العالم خالياً للشركات المتعددة الجنسية لتحوله إلى مزرعة أسياد وعبيد تشهد أبشع ألوان الاستغلال وتنتج المآسي والكوارث.

ومن هنا يمكن القول إن مؤتمر كنكون استعد ليكون حلبة مصارعة حقيقية على رغم اتفاق أميركي - أوروبي على بلدان العالم الثالث في موضوع الدعم الزراعي، والذي كان عرابه المفوض الأوروبي باسكال لامي المتهم من بعض المثقفين الأوروبيين بالتواطؤ مع أميركا حتى على أوروبا نفسها، وإن كانت أوروبا منقسمة في الحقيقة بين تيار أوروبي استقلالي وآخر اطلسي مؤمرك. وهذا الانقسام يظهر في الاقتصاد أحياناً أكثر مما في السياسة، وأحياناً في السياسة أكثر. ولا شك في أن هنالك علاقة مركبة معقدة من نقاط الاختلاف (التناقض) والاتفاق بين أوروبا وأميركا. وفي كل مرة يطغى احدهما على الآخر من دون أن يصبح حالة دائمة، وإن ترجحت غلبة الاختلاف في عهد إدارة بوش على رغم اتفاقهما المذكور.

مؤتمر كنكون فشل وقد انشطر إلى بلدان شمال وجنوب بعد أن تحولت كتلة الـ21 من العالم الثالث إلى كتلة تضم تسعين بلداً، ما أربك كثيراً من التوقعات التي افترضت استحالة توحيد مواقف هذا العدد من الدول النامية، لأن هنالك اختراقات كثيرة تَنْفُذ عبر الضغوط أو الاغراءات أو التهديد والوعيد لتحول دون الحد الأدنى من التضامن الذي يحمي مصالح تلك الدول. لكن الذي حدث مع ما أبدته أميركا المؤيدة أوروبياً من عناد وتصلب، فرض أن تتسع المعارضة وتوحّد موقفها لينتهي المؤتمر بالفشل، أو بالأصح برسالة تقول لدول الشمال: هذا العالم ليس لكم وحدكم، ولن يصبح مكاناً صالحاً للعيش إذا لم يكن للجميع. ومن ثم تُراعى مصالح الدول النامية ويصار إلى عقد اتفاقات لا تبرم بليل، أو من وراء الظهر، أو بالاحتيال والضغوط والوعود الكاذبة، وإنما من خلال مساومات منصفة تضع في اعتبارها المصالح المتبادلة المشتركة. والأهم: تعتمد معياراً متماسكاً وتجعل طريق النظام الدولي يمضي في الاتجاهين.

لهذا يمكن القول إن فشل المؤتمر كان أفضل من نجاح يقوم على الاملاء وفرض مصلحة واحدة. وهو فشل يمكن أن يتحول إلى نجاح إذا استمر تضامن بلدان العالم الثالث وتعزز، لأن ذلك هو الشرط لتحقيق مساومة منصفة بين بلدان الشمال والجنوب. وهذا لا يتحقق إلا إذا يئست أميركا، على الخصوص، من شق صفوف بلدان الجنوب بإرهاب بعضها اخضاعاً أو تمييعاً، وشراء الفاسدين في بعضها الآخر.

وأخيراً، كان من المحزن أن تنطلق أصوات معلقي ومراسلي ومراسلات بعض القنوات الفضائية العربية بالندب على فشل المؤتمر، واعتباره ضد مصالح البلدان النامية بدلاً من أن يُلقى اللوم على انانية ممثلي الدول الغنية وظلمهم.

 



#منير_شفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أميركا والإستراتيجية الذاهبة الى الفشل
- أكثر من منهجين في التعاطي مع أميركا
- فشل أميركا وإطلاقها حملة من المواجهات البائسة
- بين دافوس وبورتو أليغري: كيف نقرأ المنتديين وآفاقهما؟
- فشل الإشتراكية لا يبرئ العولمة
- حجتان واهيتان لتأييد الحرب الأميركية
- أوهام ( الإقتصاد الجديد ) و ( التنمية البشرية )


المزيد.....




- شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا ...
- جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
- زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
- كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
- مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
- ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
- مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
- جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - منير شفيق - فشل إملاءات الأغنياء