على طريق الشعب
دور الدولة والقطاع العام في اعادة اعمار العراق
لا جدال في أن إعادة إعمار العراق على مختلف الصعد وفي كل الميادين هي مهمة شاقة عسيرة، بعد التدهور الشامل والخراب الواسع الذي طال عموم البنى التحتية وآليات تأمين الخدمات على مدى أكثر من عقدين، جراء حروب النظام الدكتاتوري والحصار الأقتصادي الذي فرض على شعبنا.
إن حجم الخراب الواسع وطبيعة المرحلة التي نعيشها يتطلبان استنفار كل الطاقات والكفاءات المادية والتقنية والبشرية التي تزخر بها بلادنا، وتعبئتها في الجهد المطلوب لوضع العراق على سكة التطور الاجتماعي- الأقتصادي والحضاري بما يؤمن الاستقرار ويوفر العيش الأمن اللائق والكريم لجميع الفئات والشرائح الاجتماعية التي لاقت الأمرين على يد الطغمة العبثية السابقة وأزلامها .
إن الطيف الواسع من الحاجات المتنوعة والتحديات الفريدة من نوعها، التي تواجه الجميع في ميدان اعادة الأعمار الأقتصادي تؤكدان حاجة البلاد الماسة الى وجود و نشاط القطاعات الأقتصادية الأربعة، العام والمختلط والتعاوني والخاص، وتعايشها في المرحلة الجديدة التي نمر بها.
ان هذا الامر يتطلب الحاجة لاجراء دراسات تتعلق بالجدوى الاقتصادية والاجتماعية للمنشآت والصناعات القائمة حالياً ووضع الحلول والمقترحات العلمية والعملية بشأنها، والتي تأخذ بنظر الأعتبار كفاءة هذه المؤسسات وربحيتها وقدرتها التنافسية من جانب، ودورها في ايجاد فرص عمل و مستوى مقبول من الضمانات الأجتماعية-الأقتصادية من جانب آخر.
ويقودنا هذا لقول كلمة بشان "الخصخصة"، التي يتزايد الحديث عنها في هذه الايام، ففي الوقت الذي نتفق فيه مع الآخرين على ضرورة دعم القطاع الخاص في إحتلال موقعه الطبيعي والنهوض بدوره المطلوب، الى جانب القطاعات الثلاثة الأخرى، ونقر ان هناك مؤسسات و هيكليات اقتصادية حكومية غير فاعلة و فاشلة من حيث الجدوى الاقتصادية وهي بحاجة الى اعادة نظر جذرية ، الا اننا نرى ان عملية الخصخصة لبعض المنشآت، التي هي بحاجة اليها، ينبغي ان تتم وفق ضوابط محددة و دراسات علمية تاخذ بعين الاعتبار حاجة البلاد والرغبة في تطوير اقتصادها و انعاشه قبل أي اعتبار آخر.
اننا نرى ان المطلوب في الوقت الحاضر هو التركيز على احياء نشاط المؤسسات الحكومية، لان ذلك ضروري لاستيعاب اليد العاملة، و تحفيز العملية الانتاجية، و توفير مستلزمات نجاحها، و يتم ذلك من خلال تامين ادارة حديثة غير بيروقراطية و بعيدة عن الفساد، إدارة تاخذ بنظر الاعتبار حاجات السوق و متطلبات عملية اعادة البناء.
إن " الكثير من الشركات الحكومية القديمة ليست تنافسية، لكنها مصدر توظيف اساسي، و يجب الا تغلق في هذه المرحلة التي يشتد فيها عدم الاستقرار"-هذا ما اكدته بعثة خبراء امريكيين زارت العراق في حزيران وتموز الماضيين في تقرير لها قدمته الى الادارة في واشنطن. و اوصى تقرير اللجنة بضرورة " إعادة إحياء الشركات الحكومية و ابقاؤها قيد التشغيل في المدى القصير لتامين العمالة".
وفي هذا السياق ايضا نرى ضرورة التفكير، قبل التوجه لخصخصة مؤسسات القطاع العام، بالقطاعات التعاونية المتنوعة و باسلوب الشركات المساهمة، التي توفر الفرص لمشاركة اوسع قطاعات الشعب في ملكية المؤسسات الانتاجية و الخدمية و غيرها.
الى جانب ذلك ينبغي توفير فرص مناسبة للرأسمال الوطني و اعطائه الاولوية بالمقارنة مع الراسمال العربي و الاجنبي، ليلعب دوره المطلوب، و ذلك من خلال تقديم التسهيلات المالية و الضريبية و سن التشريعات القانونية و غيرها من الضمانات.