|
أطباء خانوا مهنتهم
كامل النجار
الحوار المتمدن-العدد: 1968 - 2007 / 7 / 6 - 12:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تغير الطب كثيراً مما كان عليه عندما كتب أبقراط حوالي العام أربعمائة قبل الميلاد قسمه الذي التزم به وأصبح مكملاً لشهادة الطب التي يحوز عليها أي طبيب درس الطب في أي بلد في العالم الحديث. في ذلك القسم تعهد أبوقراط أن يداوي المرضى ويخفف آلامهم ولا يجري أي عملية هو ليس مدرباً على إجرائها وأن لا يتمعن في محتويات أي بيت يدخله من أجل علاج مريض، وألا يعطي المريض سماً ولا يساعده على إنهاء حياته، وأن لا يعطي الحامل لبوساً يؤدي إلى إجهاضها، وأن لا يتقاضى أجراً على علاج زملائه أو تعليم أبنائهم الطب، وأن يحافظ على نقاء حياته ومهنته. وحتى خمسينات القرن المنصرم التزم أغلب الأطباء بهذا القسم، ولكن مع ازدياد أعداد الأطباء وازدياد مطالب الحياة، انحرف بعض الأطباء وخانوا مهنتهم ومرضاهم بعدة وسائل ولعدة أسباب. السبب الأعم هو الجشع. أعداد غفيرة من الأطباء، وفي جميع أنحاء العالم، أصبحوا يجرون عمليات جراحية غير ضرورية أو غير مفيدة للمريض من أجل تحصيل أجر إضافي من المريض. وفي بلاد مثل الهند والصين عمد بعض الأطباء إلى إعطاء المرضى مدمني المخدرات ما يحتاجونه منها مقابل أخذ كلية من المدمن وبيعها لمريض غني يأتي من الغرب أو من الخليج. وللأسف فإن هؤلاء الأطباء يعرفون جيداً أن جزءاً كبيراً من المدمنين يعانون من مرض نقص المناعة المكتسب (الأيدز) ومع ذلك يبيعون كليته إلى المرضى فيعدونهم بالأيدز. وشركات الأدوية لعبت دوراً كبيراً في إفساد الأطباء بتقديم الرشاوى المغرية في شكل رحلات مدفوعة التكاليف إلى مؤتمرات علمية في أجمل بلاد العالم وعلى شواطئ البحيرات والمحيطات، حتى يصف هؤلاء الأطباء الأدوية التي تنتجها تلك الشركة التي دفعت لهم ثمن الرحلة. أو حتى بتقديم منح مادية لهم ليزوروا أبحاثاً يزعمون أنها تثبت أن الدواء الذي تنتجه تلك الشركة يفوق ما تنتجه الشركات الأخرى. وهؤلاء الأطباء يخونون مهنتهم ومرضاهم بطرق غير مباشرة. وهناك أطباء في المستشفيات الخاصة يجرون فحوصات لا يحتاجها المريض، بل قد تكون مضرة له مثل تكرار الفحوصات المقطعية بالأشعة (CT Scan) التي لا تقدم ولا تؤخر في علاج المريض، من أجل زيادة دخل المستشفي، وبالتالي زيادة الحافز المادي للطبيب. وهناك أطباء خانوا مهنتهم بالجهل وعدم مواكبة التطورات العلمية وظلوا يمارسون طب القرن المنصرم على مرضى العصر. وهناك نوع من الأطباء خانوا ليس فقط المرضى بل مواطنيهم عامةً من أجل السلطة. وربما أحسن مثال لهذا النوع من الأطباء هو الدكتور هيستج باندا ( Hastings Banda) الذي توفي عام 1997 بعد أن حكم جمهورية ملاوي ثلاثين عاماً متتالية. هذا الرجل درس الثانوية في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة، ثم درس الطب في جامعة تنيسي Tennessee وتخرج عام 1937. ولكن لكي يمارس الطب في المستعمرات البريطانية كان لابد له من أن يتحصل على درجة طبية بريطانية، فدرس الطب مرة أخرى في جامعة أدنبرة البريطانية وتخرج منها عام 1942 ثم مارس الطب كطبيب عمومي في اسكوتلندا حتى عام 1960 عندما عاد إلى بلاده، نياسالاند، التي كانت مستعمرة إنكليزية. والمرء يتخيل أن رجلاً كهذا عاش ودرس وعمل في أمريكا وبريطانية أن ينقل ما عاشه من حرية وتقدم وعلم إلى بلده ليفيد مواطنيه. وعندما استغلت نياسالاند في عام 1964 أصبح دكتور باندا رئيسها. وفي ظرف وجيز ألغى الأحزاب السياسية وأنشأ حزبه الواحد وجعل عضويته فرضاً على كل إنسان في ملاوي (الاسم الذي اختاره هو لنيسالاند بعد الاستقلال). ويقال أن شباب الحزب كانوا يبيعون كروت العضوية للأجنة وهم في بطون امهاتهم. ورغم أن دكتور باندا لم يتزوج ولم ينجب ذرية إلا أنه سرق قوت شعبه الفقير وجمع ثروة تقدر بحوالي أربعمائة مليون دولار، بينما يعيش، حتى اليوم، أربعة وخمسون بالمئة من الشعب تحت خط الصفر الذي حددته الأمم المتحدة. وفتح باندا السجون والمعتقلات لمعارضيه وقتل منهم الكثير. ورغم فقر بلده فقد تبرع دكتور باندا بمبلغ ثلاثمائة وخمسين ألف جنيه سترليني لكلية الجراحين الملكية بادنبرة في عام 1982، وتبرع كذلك بمبلغ اثنين مليون دولار لجامعة ويلبرفورس Wilberforce في أمريكا. وعندما مات باندا تحفظت البنوك الغربية على أمواله ولم يُسترجع منها أي شيء حتى الأن. والمثال الآخر هو الدكتور بشار الأسد الذي أصبحت المستشفيات في بلدة خرابات خالية من الأدوية والمعدات الطبية بينما امتلأت سجون ومعتقلات سوريا بالمناضلين ضد ديكتاتوريته. فبشار الأسد، مثل باندا، قد خان شعبه، ومرضاه، ومهنته ونفسه من أجل السلطة، وتسبب في قتل المعارضين في سوريا وخارجها، رغم قسم أبقراط وهناك أطباء خانوا مرضاهم ومهنتهم، ربما بسبب أمراض نفسية. وخير مثال لهذا النوع من الأطباء هو الدكتور هارولد شبمان الإنكليزي. هذا الطبيب الذي عمل كطبيب عمومي في وسط إنكلترا، ووثق به مرضاه، كان يحقن كبار السن منهم بجرعات كبيرة جداً من المورفين تقود إلى موتهم. ولم يستفد الدكتور من موتهم بأي شيء حتى عام 2000 عندما قاده الجشع المادي إلى تزوير وصية آخر امرأة قتلها. أدت الوصية المزورة إلى شكوى للشرطة وبالتالي انكشف أمر الدكتور شبمان الذي تقدر السلطات القانونية أنه قتل مابين مائتين وأربعمائة مريض. وأخيراً، وبعد إدانته وسجنه، انتحر الدكتور، فأراح واستراح ولكن أخطر نوع من الأطباء الذين خانوا مهنتهم وضمائرهم، هو النوع الذي وقع تحت تأثير الأيدولجيات الدينية. فهناك، مثلاً، الدكتور اليهودي الإسرائيلي، باروش جولدستين Baruch Goldstein الذي ارتكب مجزرة مسجد الخليل في فبرائر 1994. هذا الطبيب ذو الأصل الأمريكي، درس الطب بأمريكا ثم هاجر إلى إسرائيل وانضم إلى حزب كاخ الذي أسسه الحاخام مائير كهانة Meir Kahane الذي كان يقول إن العرب والمسلمين حشرات يجب سحقها. كان دكتور باروش متعصباً ليهوديته لدرجة أنه كان يرفض علاج الجرحى غير اليهود عندما كان طبيباً بالجيش الإسرائيلي. هذا الطبيب أنساه تعصبه لتعاليم الحاخام كاهانة، الذي غسل دماغه، كل ما كان قد أقسم عليه عندما تخرج من كلية الطب، فحمل بندقيته الأوتوماتيكية ولبس زيه العسكري الرسمي واقتحم مسجد الخليل وقتل تسعة وعشرين رجلاً وجرح مائة ةخمسين من المصلين الذين تغلبوا عليه وضربوه حتى الموت. وبدل أن يخجل اليهود مما فعله طبيبهم جعلوا قبره مزاراً للمتعصبين مغسولي الدماغ مثله ونحتوا على قبرة الآتي (هنا يرقد القديس الدكتور باروش جولدستين تحرسه الأرواح الطاهرة. نطلب من الرب أن ينتقم لدمه المسفوح ظلماً. أيادي الطبيب طاهرة وقلبه نقي وقد قُتل شهيداً في سبيل الرب). ويقابل تعصب اليهودية وغسيل أدمغة أتباعها تعصب الإسلام وغسيل أدمغة أطبائه وأتباعه عامةً. وكعادة الإسلام فإنه يبز في كل شيء وفي كل مجال. وأمثلة الأطباء المسلمين الذين خانوا مهنتهم كثيرة، ولكن خير مثال هو ما حدث قبل أيام في إنكلترا حينما تآمر أطباء مسلمون من الأردن ولبنان والعراق والهند على تفجير السيارات المفخخة في شوارع لندن ومطارات بريطانيا. فالأطباء الستة المعتقلون وزوجة أحدهم التي تعمل فنية مختبر ينتمون إلى الإسلام السياسي الذي غسل أدمغتهم وأقنعهم بتفجيرات تقتل الناس الأبرياء، الذين قد يكون منهم مسلمون وعرب، لا لشيء إلا لأن الغالبية من الضحايا المحتملين ينتمون إلى الديانة المسيحية. هؤلاء الأطباء الصغار جاءوا إلى إنكلترا من أجل التخصص فحملهم إسلامهم إلى التخصص في المتفجرات وقتل الأبرياء بدل علاجهم وتخفيف آلامهم. والمثال الآخر هو الدكتور الظواهري الذي تخرج في كلية الطب بالقاهرة وكان من أنجح الطلاب، ولكن بدل أن يتبع خطى أبيه ويتخصص في الأمراض الجلدية، اتبع خطى بن بلادن وتخصص في غسيل أدمغة الشباب المسلمين ليفجروا أنفسهم في شوارع وقطارات ومطارات بلاد العالم المسيحي لقتل أعداء الله والإسلام. وهناك نوع من الأطباء المسلمين خانوا مرضاهم ومهنتهم إما لتزمتهم لإسلامهم وإما لطمع مادي لجني أموال طائلة مما يبررونه ويقومون بفعله رغم تأكد مهنة الطب من أضراراه. وكمثال لهؤلاء نذكر طبيبة سودانية متخصصة في أمراض النساء والولادة، نشرت كتاباً على الانترنت حشته بفضائل ختان الإناث كما رواها علماء المسلمين وحاولت استغلال علم الطب لتوهم العامة بأن ما تفعله مفيد للمرأة المسلمة، وهي، كما علمت من بعض الزملاء، تقوم بختان البنات في عيادتها الخاصة وبالأجر. هذه الطبيبة اسمها ست البنات خالد محمد علي. وأهدت كتابها عن الختان إلى كل مجاهد ومجاهدة في سبيل الله. ولم تكن هي الوحيدة التي حاولت إلباس هذه العادة الضارة لبوس الطب، فقد ألف طبيبان مصريان من استاذة طب الأزهر بمصر، وهما د. محمد حسن الحفناوي، ود. صادق محمد صادق، كتيباً أيدا فيه ختان الإناث (رغبةً في المحافظة على كرامة المرأة وكبريائها وأنوثتها وجب علينا اتباع تعاليم الإسلام وختان الفتاة بالصورة المرجوة وهو الإشمام، أي إزالة جزء بسيط من البظر لكي يُحد من حدة الانفعالات) (مجلة أكتوبر، العدد 938، 16 أكتوبر 1994). هذان الطبيبان يودان إنقاص المتعة الجنسية التي وهبتها الطبيعة أو وهبها الله للمرأة، كأنما إلههم لا يعرف كيف يحد من المتعة إن أراد، فطلب من هذين الطبيبين إزالة جزء مما خلق في عضو الأنثى. وهناك دكتور مصري يقيم في أيرلندا واسمه أحمد عبد الكريم نجيب، ألف كتيباً استعرض فيه أقوال العلماء المؤيدين والمخالفين للختان واستنتج أن الختان سنة ويجب اتباع السنة، دون أن يتعرض لأي جوانب طبية توضح مضار الختان بالنسبة للانثى. وأنا أعتقد أن أكثر الأطباء خيانةً لمهنتهم هم الذين يفعلون ما يفعلونه بسبب إنتمائهم العقائدي، لأنهم يعبدون إلهاً دموياً يطلب منهم قتل وذبح الأبرياء ليتقربوا له بهم. فأي إله هذا الذي يعطي البشر ديناً يدعو إلى قتل من لا ينتمي إليه؟ أليس من مصلحة البشر أن يعبدوا الأصنام ولا يقتلون بعضهم البعض من أجل إرضاء إله غائب في السماء، زاهد في التدخل لحماية أرواح الأطفال والنساء وأبرياء خلقه من قنابل ومتفجرات عباده مغسولي الدماغ؟ بئس إله ظل يجلس كالصنم في عليائة ويشاهد القتل والدمار الذي حل بالبشر منذ أول يوم أتى به موسى يحمل ألواحاً من الحجارة، ربما أتت من إله من حجر.
#كامل_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البغض في الله
-
عندما نقتال العقل من أجل النقل
-
بلطجية الأزهر ورضاع الكبير
-
فتاوى تحض على الجهل
-
الإعجاز غير العلمي
-
التجارة الرابحة والمسابقات الدائرية
-
الأمل يتضاءل مع انتشار فضائيات السحر
-
التحديات الحضارية للأمة الإسلامية
-
المؤتمرات الإسلامية وطواحين الهواء
-
هل يعتذر المسلمون ؟
-
لا معقولية الوجود الإلهي
-
هل يصلح الإسلام دستوراً لدولة؟
-
من يحمينا من عمر؟
-
إنهم يعبدون القرآن
-
4/4 محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان
-
محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان 3/4
-
محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان 2
-
محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان 1
-
الإسلام وجراب الحاوي
-
وثنية الإسلام
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|