كاوار محمد سعيد بلو
الحوار المتمدن-العدد: 1968 - 2007 / 7 / 6 - 03:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
( وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا )
لم يذكر القرآن الكريم في تناوله لسير حياة الأنبياء أكثر من خمسة و عشرين نبياً و رسولاً , و كذلك لم يتعدّ عدد الأنبياء في الكتب السماوية الأخرى أكثر من عشرات قليلة . إذن , فأين بقية الأنبياء الذين لم يذكرهم القرآن ؟.
يقول الله تعالى في كتابه ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) , ويرى الفقهاء أن الله سبحانه وتعالى أرسل ثمانية آلاف نبي شملوا مختلف العصور و الأماكن و الشعوب , نصفهم من بني إسرائيل و الباقي لسائر الأمم .
وفي تفسير هذه الآية يقول إبن الكثير " ما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث اللّه تعالى إليهم النذر وأزاح عنهم العلل " , وكذلك يقول القرطبي في تفسيره لهذه الآية " أي بشيرا بالجنة أهل طاعته، ونذيرا بالنار أهل معصيته " . ويرى بعض الفقهاء أن العرب ( أهل البادية ) لم يحظوا بنبي غير محمد ( صلى الله عليه و سلم ) من بين هذا الكم المذهل من الأنبياء و الرسل حيث يصرح القرطبي في تفسيره أنّ الفقيه إبن جريج قد قال في تفسيره للآية السابقة "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير" أي سلف فيها نبي، إلا العرب . و بذلك تكون الشعوب الاخرى قد حظيت بنصف العدد من المرسلين على مرّ التاريخ البشري .
و على ضوء ما تقدم فإن الآريين كسائر شعوب العالم لابد أن يكون لهم نصيب من ذلك , فيرجح البعض , وبالعودة الى المراجع التاريخية ، أن زرادشت هو نبي مبعوث الى الامم الآرية, فبداية ظهرت ديانته في أذربيجان و توسعت شيئاً فشيئاً حتى شملت الأراضي الكوردية غرباً و الجزء الشرقي من الهند شرقاً فجل سكان هذه المنطقة يعتنقون هذه الديانة .
بعد مجيء الدين الإسلامي الحنيف و تحديداً إبان الفتوحات دخلوا سكان بلاد الفارس و كوردستان و تركيا و آسيا الوسطى في الإسلام , أما الذين رفضوا اعتناق الإسلام فجزء منهم بقوا في مناطقهم و الآخر فروا إلى الهند حيث مارس طقوسهم بحرية أكبر
نشأة زرادشت
في أحدى زوايا مدينة أذربيجان النائية كان يعيش رجل إسمه بوروزهازيو (Borozhajyo ) من قبيلة سيبتاما مع زوجته دوغدوما ( Dogdoma ) , ويرى بعض المؤرخين إن أباه كان يرعى ماشيته في الحقل، فرأى شبحان، وأعطياه غصنًا من نبات، ليمزجه باللبن ويشربه هو وزوجته ، ففعل وشرب ما طلبه منه الشبحان، فحملت زوجته و أنجبت طفلاً سماه ب زرادشت (Zaratoshtra ) في سنة 660 ق.م عندما بلغ السابعة من عمره قرر أبواه أن يعلماه أحسن تعليم و أرسلاه إلى أماكن بعيدة ليدرس على يد الحكيم كوروس الذي أمتدت شهرته بالحكمة إلى جميع أنحاء هذه البلاد ,وبعد تعليمه على أيدي أشهر المعلمين في تلك المنطقة , ثمة أمور نادى بها وهم : القول الحسن و العمل الحسن و الفكر الحسن , وكرس جلّ حياته خدمة للناس حيث تطوع للذهاب إلى ميدان القتال لمعالجة المرضى و المقاتلين .
عندما عاد زرادشت إلى موطنه أذربيجان طلب منه أباه أن يتخلى عن أفكاره و أعماله في الجيش و يتزوج ويستقر ويعيش حياة محترمة كصاحب أرض و ماشية . و لكنه لم ينفذ من نصيحة أبيه سوى الزواج بفتاة إسمها هافويا ( Havoya ) , وواصل عمله في خدمة المرضى وعلاجهم في كل مكان , حيث ظل عشرة أعوام وهو يعمل بين الفقراء و المساكين , ويبتكر بين حين و آخر وسائل جديدة لتخفيف آلام الناس .
فلسفة زرادشت
أثبت زرادشت بأن لابد للحياة مدبرين قديمين يقتسمان الخير والشر، والنفع والضر، والإصلاح والفساد، وهذان الأصلان هما (أهورا مازدا وأهريمن) وتعني (النور والظلمة). وكل شيء عندهم يدور وفق قاعدتين، الأولى: كيفية امتزاج النور بالظلمة، هذا هو المبدأ والقاعدة الثانية : سبب خلاص النور من الظلمة وهذا هو المعاد.
ومن المرتكزات الأساسية في فلسفة زرادشت وهي :
• ألإله أهورا مازدا ( Ahora Mazda ) :
لقد عرف أهورا مازدا , الذي يطال البدايات و النهايات , فورد في كتاب آفيستا ( Avesta )المقدسة :
" إن أهورا مازدا هو الإله العظيم * هو القديم و الأزلي * لم يلد و لن يموت * وهو روح الأرواح * يرى و لا يُنظر ولا تدركه عين أو بصر "
كما يؤكدون بأن الشرك بالإله واحد إثم كبير و يعتبر ذلك مخالفاً لكاتبهم المقدس آفيستا .
أما بخصوص المجوسية فهم يرون بأن هناك إختلاف كبير بين ديانتهم و المجوسية , فالمجوسيين يعبدون النار أما الزردشتين يقدسونها و لا يعبدونها .
• الشيطان اهريمان ( Ahrwman ) :
لقد عرف أهريمان بأنه روح شريرة يعمل على نجس العناصر وهو وراء كل أفعال الخبيثة , ومن أجل القضاء عليه وضع خطة تتدرج على ثلاثة مراحل :
1ـ المرحلة الأولى كان الشيطان خلالها نائما ،وهذه هي مرحلة الخلق الكامل .
2ـ المرحلة الثانية يهاجم الشيطان خلق الله ، فيختلط الخير بالشر.
3ـ المرحلة الثالثة تبدأ عملية الفصل بين الخير والشر التي تنتهي بدحر الشيطان ورهطه ليكون الكون كاملا وطيبا إلى الأبد ، وينتفي منه المرض والألم والحزن والموت .
• آفيستا ( Avesta) :
تسمى كتابهم المقدس آفيستا ، ويعني الأساس واللبنة والمتن، وقد كتب باللغة الأفستائية التي كانت سائدة في إيران القديمة، والتي تتحد في أصولها مع الّلغة السانسكريتية. ويعتقد العديد من المحققين أنّ الخطّ الأفستائي قد ظهر في العهد الساساني (٢٢٦ - ٦٤١ م)، وكان أفستا في بداية الأمر محفوظاً في الصدور،ثم كُتب بالخطّ المذكور،وقيل إنه نجز بعد ظهور الإسلام.
ومهما يكن من أمر، فإن أغلب الباحثين متفقون على أن أصل أفستا كان ضخماً للغاية، حتى قيل إنه نسخ على (١٢٠٠٠) جلد من جلود البقر، أما الأفستا الموجود اليوم، فهو يضم (٨٣٠٠٠) كلمة، ويحتمل أن أصله كان يضمّ (٣٤٥٧٠٠) كلمة (أي أربعة أضعاف).
ويتألّف أصل أفستا من (٢١) نَسْكاً (كتاب أو قسم)، ولا يختلف عنه الأفستا الموجود، حيث يتألّف من (٢١) نسكاً أيضاً.
وينقسم أفستا إلى خمسة أقسام:
١ـ الياسنا (أي العبادة والمهرجان) ، ويطلق على مقطع منه اسم الغاثا(ويعني النشيد). وهذا القسم ـ وهو أشهر أقسام الأفستا، ويضمّ أدعية ومعارف دينية ـ يُنسب إلى زرادشت نفسه، في حين تُنسب سائر أقسام الأفستا إلى زعماء ديانة زرادشت.
٢ـ الفسبريد (أي الزّعماء و الأعيان) ، وتشتمل على أدعية.
٣ـ الفانديداد (أي القانون المضاد للشيطان) ، ويُعنى بمسائل الحلال والحرام والطهارة والنجاسة.
٤ـ الياشت (أي أدعية الأناشيد و التسابيح).
٥ـ مجموعة نصوص قانونية (أو الأفستا الصغير) ، وتتطرق إلى الأعياد والمراسم المذهبية وأناشيدها.
و لدى الزردشتيين ـ إلى جانب كتاب أفستا ـ كتاب تفسيري يسمّى زَنْد أفستا، وكتب مقدّسة أخرى دُوّنت بالّلغة السانسكريتية.
• الإعتقاد بالآخرة و مبدأ الثواب و العقاب :
الزردشتيين يتصورن بأن الدنيا بالعالم الآخر بجسر الإنفصال , و عندما يموت الناس فأن أرواحهم تبقى و تجتاز هذا الجسر , حيث أن الأرواح الطيبة تمر على هذا الجسر وهي مطمئنة , وعندما يصل إلى الطرف ألآخر فهناك فتاة عذراء تنتظره في أرض تبدوا كالبساط الملون .
أما الأرواح الشريرة عندما لا تقدر أن تجتاز هذا الجسر حيث يشعر بالإرتباك و الخوف و الفزع نتيجة لما أرتكبه من المآثم و الأخطاء , فسوف يلقي مصيره الجحيم .
هناك أعداد من الزردشتيين يعيشون في إيران فهم يقولون بأنهم امتداد للديانة الزردشتية الأصلية محافظين على مبادئهم و معتقداتهم , وهناك أعداد كبيرة من الزردشتيين في الهند و تحديداً في مدينة بومباي لقد فروا إليها ليمارس طقوسهم بحرية , ولقد طرأت إليها تغيرات كثيرة فمن بينها , عبادة النار .
المصادر :
• هل كان زرادشت نبياً ؟! تأليف ممدوح الزوبي/ الطبعة الأولى 1998م
• مقال عبر شبكة الإنترنيت /نايف رشو الأيسياني : لماذا الاستنكاف وتظليل الحقيقة في تاريخ الائيزديين؟
• مقال عبر شبكة الإنترنيت/ د. محمّد علي آذر شب/ موقف الإيرانيين من الدعوة الإسلامية .
• مقال عبر شبكة الإنترنيت / د. خليل عبد الرحمن
#كاوار_محمد_سعيد_بلو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟