|
المسارات الخاطئة في الإستراتيجية السورية
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 1968 - 2007 / 7 / 6 - 03:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعتقد الدائرة المحيطة بالإدارة السورية، أن المعطيات التي سارت على إثرها بالأمس، يمكن السير فيها الآن على جميع المستويات الديبلوماسية والسياسية. الاعتقاد السوري نابع من أن القوى الأخرى - روسيا والصين - الموازية نوعاً ما للقوة الأمريكية، بإمكانها توفير هامش بسيط للحركة، مثلما هو الحال قبل سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار الكتلة الشيوعية، دون الأخذ في الحسبان أن المصالح الاقتصادية فقط، تأتي في صلب أولويات السياسة الروسية الصينية. فاستمرار هذه الدائرة القديمة في رسم مسارات إستراتيجية النظام الحديث، حسب رؤيتها الخاصة، التي لم تخرج عن رؤية ستينات وسبعينات القرن الماضي، أدت على الدوام إلى إبطاء عام في مجمل حركة السياسة السورية، وفقدان الثقة المتبادلة مع الأطراف الآخرين. ولان التحولات الدولية كانت تسير في السابق بشكل طبيعي يمكن اللحاق بها، نظراً للتوازن الدولي الذي كان قائماً آنذاك، حينها استطاعت دوائر النظام السوري التكيف مع هذه التحولات، وتمكنت من قراءة متغيراتها. وبالمقارنة، لا اختلاف بين مسارات الإستراتيجية السورية ونظيرتها العراقية إبان حكم صدام حسين، من ناحية ارتكاب الأخطاء الجسيمة داخلياً وخارجياً، التي وفرت الذرائع اللازمة للتدخل في مختلف الأشكال، واحتلال العراق احد ابرز أشكال التدخل. القصور الذي شاب عمل الإستراتيجية السورية، نتج بسبب انتهاج عدة مسارات في اغلبها خاطئة، بحيث انعكست الأخطاء جملة واحدة عليها، حتى لو تحققت بعض النجاحات الصغيرة بالصدفة، لا يمكنها التغطية بالكامل على كل الأخطاء، وجميع المسارات تكاد تكون محصورة بدورها في لبنان، طبعاً دون أن نستثني العراق وإسرائيل. فيما يتعلق بإسرائيل، فالمسار الذي وضعته في حسبانها، انجاز التسوية التي هي خيار استراتيجي لديها، وإنهاء حالة العداء مع إسرائيل، الأخطاء التي لازمت هذا المسار في مقدمها شطب اتفاقية جنيف عام 2000، وبالتالي إلغاء أي كلام عن السلام، بسبب التحفظات السورية على الاقتراحات التي عرضها الوسيط الأمريكي، في وقت كانت فيه إسرائيل (ايهود باراك ) عازمة على تقديم تنازلات فعلية على الأرض المحتلة، ما اخرج المسار المذكور من التداول كلياً، وجمّد جميع الإشارات والرسائل الداعية لاستئناف المباحثات. أمّا الوضع في العراق، فقد سارت الإستراتيجية السورية بعكس ما أريد لها قبل الحرب وبعدها، قبل الحرب تجاهلت دمشق عمداً الأصوات الأمريكية المطالبة بوقف استيراد النفط العراقي، وعشية التحضير للحرب وحشد الحلفاء، توقعت إدارة بوش الابن تعاون سورية في عهد الأسد الابن في الحرب، كما تعاونت سابقاً في عهد الأسد الأب مع بوش الأب في حرب الخليج الثانية عام 1991، بعد الحرب استشاطت الولايات المتحدة غضباً، نتيجة تساهل النظام السوري في ترك حدوده الشرقية سائبة أمام تسلل المقاتلين الأجانب إلى العراق، وعدم اتخاذه الإجراءات اللازمة بضبط الحدود. برغم ذلك لم تكترث دمشق كثيراً للمطالب الأمريكية حول العراق، لدرجة أنها تجاهلت رزمة الاملاءات والشروط التي حملها كولن باول وزير الخارجية الأمريكي السابق، الحركة الوحيدة التي أظهرتها تجاه العراق، الاعتراف بالحكومة العراقية، وتفعيل العلاقات الديبلوماسية معها، بعد أن كانت مجمدة في السابق. خطأ الإستراتيجية السورية في العراق، أنها التحمت بإستراتيجية طهران المقوضة للاستقرار من حيث الشكل والجوهر، بعيداً عن الكلام المعسول والتصريحات التي تتناقلها وسائل الإعلام، من حرصهما على امن وسلامة العراق، الدليل على ارتباط الإستراتيجية السورية بالإيرانية، قبول أمريكا بدعوتهما استثنائياً من باقي دول الجوار العراقي لحضور المؤتمرات الأمنية حول العراق، واللقاء بهما على انفراد، ولعل تقرير بيكر ـ هاملتون استدرك أن امن العراق لا يتحقق بدونهما، قد لا يكون الدور السوري في العراق موازياً للدور الإيراني من حيث النشاط الديبلوماسي والاستخباراتي، لكنه يتممه من زاوية تامين المصالح السورية، لو جاءت على حساب الأشقاء العراقيين أصحاب الأرض، فاتهامات المسؤولين العراقيين الكبار بشكل متكرر تحت سيف الإثباتات والدلائل، دليل آخر على التدخل السوري - الإيراني في شؤون بلادهم. المسار الثالث الأشد خطراً على مصير النظام السوري، هو الخطأ الاستراتيجي الكبير في لبنان، وما سبقه من أخطاء تكتيكية قديمة، ذلك عائد كما اشرنا في البداية إلى الإصرار على قراءة المتغيرات العالمية بالأسلوب القديم ذاته، والآثار المترتبة عن هذا المسار وصلت لحد العزلة الكاملة، يلاحظ أن حلقاتها بدأت تتراخي تدريجياً، ربما لجس نبض السلوك السوري وترك فرصة أخيرة له ليعدّل سلوكه قبل أن تفلت الأمور من نصابها وتسير به إلى حافة الهاوية. مما لا شك فيه أن الإستراتيجية السورية السابقة في لبنان، وضعت في حسابها استبعاد المواجهة مع الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي، لذلك تجنبت ارتكاب الأخطاء الكبرى وقصرتها على الأخطاء الصغرى، التي أشار إليها الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه أمام مجلس الشعب في الخامس من آذار (مارس) 2005. فربط المسار اللبناني بالمسار السوري تحت مظلة معاهدة الأخوة والتعاون الموقعة عام 1991، وسَعَ من شهية الفئات السورية - اللبنانية المستفيدة اقتصادياً بالتدخل سياسياً وامنياً للحفاظ على مصالحها الواسعة، بالوقت نفسه بدأت بعض الشخصيات اللبنانية النافذة في الغرب، بالإفصاح عن انزعاجها من التدخل السوري في شؤون بلدها، خصوصاً في موضوع الانتخابات الرئاسية اللبنانية صيف 2004 والتمديد ثلاث سنوات قسراً للرئيس اللبناني اميل لحود. الواضح أن دمشق لم تستوعب الرسالة الأمريكية ـ الفرنسية المشتركة، التي طالبتها بعدم التدخل في الانتخابات الرئاسية، ما دفع الدولتين وبالتحديد أمريكا التي طالما بحثت عن الفرصة المناسبة للامساك بالحلقة السورية الأضعف، والاتجاه إلى مجلس الأمن الدولي واستصدار قرار ملزم بإخراجها من لبنان (القرار 1559). بعد خروجها وقعت أحداث جسام هزت الدولة اللبنانية، راح ضحيتها عشرات القادة السياسيين والإعلاميين، ورداً للاتهامات الموجهة إليها، اعتبرت دمشق أن ما حدث شأن لبناني داخلي، بما فيه الانتخابات النيابية التي أفرزت الأكثرية النيابية والحكومة الحالية، لكنها اعتبرتهما أكثرية وهمية وتجاهلت وجودهما، التناقض هنا، انه طالما اعتبرت أن كل ما يحدث في لبنان شأن خاص، لا علاقة لها به، فلماذا تتحفظ على موضوع المحكمة الدولية وترفض التعاطي معها مستقبلاً؟ لماذا تؤيد مساعي المعارضة اللبنانية بتغيير حكومة السنيورة، إذا كانت حريصة على عدم تدخل الآخرين في شؤونها؟ إنّ مسار الإستراتيجية السورية هذه الأيام يلتقي بشدة مع المسار الإيراني أكثر من السابق، والفارق بين اليوم والأمس، أنّ إيران دخلت في مرحلة المواجهة المفتوحة مع الغرب على خلفية برنامجها النووي المثير للجدل، ولن تكون سورية بمنأى عنها، بل ستكون حلقة الصراع الرئيسية، وسيتبين مصيرها على ضوء مصير حليفتها إيران، في لعبة الأمم الكبيرة التي لا مكان فيها للصغار تحت الشمس.
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الارتهان الإقليمي سيد الموقف في لبنان
-
مربعات حزب الله الأمنية
-
سقوط وولفويتز :انتكاس في خيارات بوش
-
حزب الله وملء الفراغ السوري
-
خيارات لحود – حزب الله الانقلابية
-
خلافات إيران الخفية مع سورية
-
مواجهات لبنان : لمواجهة مخططات الفتنة
-
الأصولية تطرق أبواب سورية
-
سورية وأوهام السلام المتبادلة مع إسرائيل
-
حزب الله يفلس محلياً ويقترب إقليمياً
-
تحالفات الجنرال عون الرئاسية
-
السلطة الحزبية ومبررات وجودها الدائم
-
مخارج سورية) لحل الأزمة في لبنان)
-
الشرق الأوسط وعجائب الزمن الإيراني
-
أقنعة حزب الله المزيفة
-
سورية وحدود دورها المعتدل في لبنان
-
معنى الاستقلال في سورية
-
الديموقراطية العربية : آفاق مسدودة ومآزق متكررة
-
أهداف بيلوسي في دمشق
-
الماركسية الكلاسيكية ونفيها التاريخي
المزيد.....
-
سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص
...
-
السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
-
النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا
...
-
لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت
...
-
فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
-
-حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م
...
-
-الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في
...
-
-حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد
...
-
اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا
...
-
روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|