|
اخلعوا تعصبكم قبل أن تحاوروا
صبحي سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 1966 - 2007 / 7 / 4 - 11:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مرة أخرى أقول إنني من متابعي هذا الموقع، الذي نأمل أن يكون ساحة للحوار الحر،ونتمنى ألاّ يُدنَّس هذا الموقع بالأحقاد والضغائن وجهل الجاهلين. وأنا ممن يقدس الحوار الحر لأنني أرى فيه طريقاً راقياً سامياً إلى الحضارة، التي نتمناها ونحلم بها، ونعمل في سبيلها، بكل ما نملك من قوة وجهد. ولكن، للحوار مستويات، ومراتب. فهناك (حوار) ينحدر، مع الأسف، إلى حدود (التنابح)، أو التشاتم البذيء، لأنه يهدف إلى تسفيه الآخر. وهناك حوار يسمو إلى آفاق التناجي، الذي يجري بين العقلاء والأحبة. والحوار يبدأ وينطلق من احترام وجهة نظر الآخر، للاغتناء بها. ويختنق هذا الحوار بتعصب أعمى، لا يرى صاحبه إلاَّ نفسه وأفكاره وقيمه، في أعلى المراتب، بكل عجرها وبجرها، كما يُقال. وهدف الحوار أن أرتقي بنفسي وأفكاري، لا أن أقمع، أو أخنق فكر الآخر وأسفِّهَ كلَّ مالا يُعجبني فيه. وكم نحن بحاجة إلى حوار يسمو بنا إلى أرفع درجات الإنسانية. وأعتقد أن هذا النوع من الحوارات الراقية مازال قليلاً ونادراً، لأن أكثر الحوارات، تنطلق من موقف فكري متحجر، يصل في كثير من الأحيان إلى العدائية المطلقة، التي لا تقبل النقض أو الاستئناف. فمن يدعي أنه قادر على أن يحمل الحقيقة وحده، فهو معتوه. وما من أحد، مهما أوتي من الذكاء والعبقرية والأخلاق، قادر على أن يسير إلى بالحقيقة، بصدر مفتوح، وعقل حر، إذا كلن لا يرى إلاَّ نفسه. فالحقيقة هي أكبر بكثير من كرتنا الأرضي، وأوسع من مجموعتنا الشمسية، لأن الحقيقة تخصنا جميعاً. ومن المستحيل أن نملك الحقيقة كلها، ولكن يحق لنا أن نحلق في ملكوتها، كما تحلِّق النجوم في الفضاء. فهناك من يدنس هذه الحقيقة بتعصبه الأعمى، ويبتعد عن ضيائها المقدس، بعقله المتحجر. ومن أسوأ أنواع الحوار والمناقشة، تلك التي يسعى أصحابها إلى تسفيه الأديان، وبخاصة الحوار الذي ينطلق صاحبه من فكر عفن يريه أن دينه هو الأفضل، وفكره هو الصحيح فقط، بين الأديان، في كرتنا الأرضية، وأن كل العيوب والسلبيات والمثالب الأخلاقية، تكمن في الطرف الآخر فقط. و أوضِّح بصراحة: ليس هناك أحط، ولا أحقر من حديث، مهما كان نوعه، يخرج من رجل يظن، ويتوهم أنه مسلم، ويتحدث فيه عن المسيحية من موقف متعالٍ، ويسعى إلى إقناع نفسه، بما يراه سلبياً في الدين المسيحي، الذي قدَّم للبشرية أسمى مراتب المحبة، بل فجَّر ينابيع المحبة المقدسة في كرتنا الأرضية. ومع الأسف، فإننا نسيء جميعاً إلى هذه الينابيع، دون استثناء. وليس هناك أسوأ من رجل يظن ويتوهم أنه مسيحي، ويحاول أن يصطاد في الماء العكر، ويقدم لنفسه، كمعلم جاهل متعصب، وكـ(أنا) متحجرة، ما يراه سلبياً في الدين الإسلامي. ولا أنصِّب نفسي مدافعاً عن الدين المسيحي، ولا أقدم نفسي كمحام للدين الإسلامي، ولكن أقول مقتدياً بالسيد المسيح:( من كان منكم بلا خطيئة، فليرجمنا بكل أحجار الدنيا، أو فليطلق علينا ما يملك من رصاص ومدافع وصواريخ). **يجب أن ندرك أن بين المؤمن بالدين، وغير المؤمن، هوَّة كبيرة لا يمكن تجاوزها بالتراشق بالاتهامات والشتائم، والحروب الباردة السقيمة، والحروب الساخنة المدمرة، التي استنزفت طاقات البشرية، واغتصبت 75بالمائة من ثرواتنا المادية والعلمية، وجلبت لكوكبنا كوارث لا تحصى. ولا زالت هذه الحروب ـ الباردة والساخنة ـ تستهوي أشرار العالم، وتجار الحروب، لأن هذه الحروب المدمرة تلبي رغباتهم، وتروي أهواءهم المريضة. و التعصب يقودنا إلى مثل هذا الدمار، وويلات الحروب. ** أكرر ثانية بأني علماني، وأقف باحترام شديد أمام جميع الأديان، وأفاخر بأني أعتز بمبادئ الدين المسيحي، وأفخر بمبادئ الدين الإسلامي، وأرى أن الدينين ينبعان من منبع واحد، ولا أرى ضرورة أن أخوض في العديد من الأمور المختلف عليها. وقصور العقل وضيق الرؤية، تجعل من هذا المختلف عليه، براكين سرطانية ووباء ساحق، يهدد كرتنا الأرضية. وهذا الاختلاف، موجود في الدين الواحد، وفي الطائفة الواحدة، وحتى بين شقيقين من الدين والطائفة نفسها. فإذا رفع الشقيقان راية وأعلام الخلافات، فإنهما سيصلان إلى السيوف، ومن ثم إلى الفناء..أما إذا حرص الشقيقان، وحافظا على القواسم المشتركة، فإنهما سيعيشان بسلام، نادى به السيد المسيح، وصُلب من أَجله، وصُلب وقُتِل في سبيله آلاف الأحرار، عبر التاريخ. **لماذا لا نستميت، ولا نقاتل في سبيل البحث عن القواسم المشتركة، بين ما يُسمى بالأفكار والمبادئ، المختلفة، التي صبَّ عليها الجاهلون والأشرار، زيوت العداء، وأوقدوا فيها نيران الحقد والضغائن؟ فإذا تعذَّر علينا أن نُصغي إلى السيد المسيح ونتبع تعاليمه الرائعة:(أحبوا أعداءكم)؟، فلماذا لا نبحث عن تلك القواسم المشتركة بين العقول والأفكار المتناقضة والمختلفة، فعسى أن تخفف هذه القواسم المشتركة من سموم التعصب الأعمى، الذي يقودنا إلى الجحيم، ويحيل كرتنا الأرضية إلى ساحات للصراع العدائي المقيت، بدل أن تكون كرتنا الأرضية روضة للحوار، توفر لنا السلام، وتقودنا إلى المحبة والوئام، وإلى جنة في الأرض، قبل أن نحلم بها في السماء؟ ولماذا يتاجر الأشرار والجهلة، والمتعصبون العميان والعمَّه، بكل ما يرونه سلبياً في الطرف الآخر، ولا يرون في أنفسهم إلاَّ الإيجابيات، التي يغتصبونها وهماً، ليستأثرون بها، دون سواهم من الناس؟ لقد آن الأوان أن نرتقي بحوارنا وعقولنا وأرواحنا، ليبحث كل من عن أخطائه وعن سلبياته، وآنَ لنا أن ندرك بأننا لا يحق لنا أن نقسِّم الناس إلى ملائكة وشياطين، ويدعي كلٌّ منَّا أن الله قد خصه بحديقة الملائكة دون سواه من العالمين. فنحن في القرن الحادي والعشرين، ونغرق في سيول جارفة من الانجازات التكنولوجية، فأين هي إنجازات الإنسان على الصعيد الفكري، والروحي والأخلاقي؟ وإلى متى تبقى كرتنا الأرضية تحت رحمة مبادئ وأخلاق هابيل وقابيل العدائية، تحطم أرواحنا وعقولنا براكينُ الأحقاد والضغائن الماحقة الساحقة؟ أقول ثانية إنه علينا أن نطفئ نيران الأحقاد السامة، وندرك أنه لا يحق لنا أن نحتل مروج الملائكة، ونطرد الآخر إلى جحيم الشياطين. ومن هنا نقول للسيد بولس رمزي، الذي نشر مقالة في هذا الموقع يوم 29/6/2007 ، بعنوان (الإسلام هو الحل)، ولغيره ممن ينطلقون من الموقف نفسه، إن الإسلام لا يمثله أيمن الظواهري، والإسلام ليس ملكاً لابن لادن وسواه، كما هو الحال بالنسبة لبوش، الذي يتوهم بأنه يمثل المسيحية، بينا يرى الملايين من البشر، أن بوش لا يمثل إلاَّ أشرار الأرض وأغبيائهم، بينما أرى شخصياً أن المسيحية يمثلها رجل إنسان عبقري كالبابا شنودة والمطران كابوتشي، وأنور عطا الله، وغيرهم ممن آمنوا قولا وفعلاً بتعاليم المسيح السامية. وأؤكد ثانية أن المهاترات الصبيانية الشريرة، لن تقودنا إلاَّ إلى المزيد من الحروب، وإلى مزيد من الويلات والكوارث. قد أحبُّ غاندي، ولا أميل إلى فلان وفلان، على سبيل المثال، من عظماء التاريخ، لكن هذا لا يعطيني الحق أن أطلق أحكاماً جازمة تضع غاندي في قمة المُثُل الإيجابية، بينما أضع الآخرين في حضيض السلبيات والمثالب الأخلاقية والمسلكية. أيها الأصدقاء! أيها الأحبة، إذا أردتم أن تعيشوا بسلام، وتتمثلوا المبادئ السامية قولا وفعلاً، فاخلعوا تعصبكم تسيروا إلى أعلى مراتب السمو الإنساني!
#صبحي_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التعصب شجرة ميتة
-
ردا على مقالة لو كانت السيدة عائشة
-
قصة من وحي الحرب العراقية
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|