مي أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1965 - 2007 / 7 / 3 - 10:07
المحور:
المجتمع المدني
أنا من مواليد الأعظمية محلة السفينة بيت جدي يرحم الله أجدادكم واقع على شط دجلة , جيران بيت السيد ناجي القشطيني مباشرة . ما زلت أذكر ( مسناية ) بيت جدي الذي كان يحملني من تحت ابطي ويدلي رجلي بمياه دجلة , وكنت حفيدته الأثيرة التي لم يحب أحدا من أحفاده الخمسة وخمسين مثلما أحبها .
يوم مولدي الحقيقي هو الثامن من آذار من سنة !!!!!!!!!!!!!!! 1954
هل تعرفون قصة جبره .. ذلك الرجل الذي زار مقبرة ناس أجانب فشاهد قبر جون مكتوب عليه : عمره الزمني تسعون عاما , وعمره الحقيقي عشر سنوات .
وقبر ماتيلدا مكتوب عليه : عمرها الزمني ستون عاما , وعمرها الحقيقي سنتان .
وقبر ريجي : عمره الزمني خمسة وسبعون عاما , وعمره الحقيقي ثلاثة أشهر .
تعجب جبره من هذه الحكايات وسأل مرافقه : ما الفرق بين العمر الزمني والعمر الحقيقي ؟
قال المرافق : العمر الزمني : هو عمر الإنسان من لحظة ولادته الى لحظة موته , أما العمر الحقيقي , فهو عمر لحظات السعادة الحقيقية التي عاشها ذلك الإنسان .
حين فهم جبره هذا المعنى قال لمحدثه : عندما أموت إكتبوا على شاهدة قبري : هنا يرقد جبره من (( ك.. )) أمه إلى قبره , لأني لم أشاهد ولا لحظة فرح واحدة بحياتي .
جبره , لم يكن وحده في هذا الحال , فإذا كان جبره عراقيا , كل العراقيين اليوم حالهم من حال جبره .
قلت لكم : إن تاريخ مولدي هو الثامن من آذار 1954 .
في العهد الملكي العراقي , كان أول تعداد سكاني للعراقيين قد وقع عام 1947 ومقرر أنه سيتم تجديده كل عشر سنوات .
المواليد التي تاتي بين القيدين تمنح سجلا في القيد السابق يرحل الى القيد اللاحق حالما يتم صدوره .
وهكذا حصلت على بطاقة أحوال مدنية عراقية قيد 1947 مواليد 1954 أحتفظ بها لحد اليوم .. مثبت فيها يوم مولدي هو الثامن من آذار .
من سوء حظنا نحن العراقيين ... قرر الأمريكان وكرد فعل على نسف البريطانيين لحكومة مصدق الإيرانية ( أمريكية الدعم _ شيوعية الصورة ) ونكاية بالبريطانيين , نسف نظام حكمنا الملكي البريطاني وتعيين خليفته الجمهوري الأمريكي .
قتلوا الملك فيصل الثاني ووضعوا بدله رئيس مجلس السيادة الفريق نجيب الربيعي الذي لم يكن يحل ولا يربط أمام دكتاتورية رئيس الوزراء الزعيم الأوحد عبد الكريم قاسم , الذي جير كل شيء بآسمه ولحقته ثلة من الرعاع , شيوعيين وغيرهم كثير , طاح بهم حظ الوطن الى أن تمت الإطاحة بهم على يد البعثيين المدعومين أمريكيا أيضا , فسياسة الفوضى الخلاقة التي يتكلم عنها بوش لم تكن من اختراعه ولا من اختراع الوالدين اللذين خلفاه , بل هي سياسة أمريكية تنشر الفوضى في العالم وتستفيد من كل النتائج المترتبة على تلك الفوضى سلبا أو إيجابا .
ولم نكن ندري لماذا حين صدرت سجلات نفوسنا الرسمية في العام 1957 .... صدرت بتاريخ يوم أوحد موحد هو الأول من تموز , مهما اختلفت سنوات وأماكن تولدنا , وقتها قيل لنا , هذا يوم مولد مدني لا علاقة له بيوم المولد الحقيقي .
لم يكن يعنيني كطفلة في ذلك الوقت أي يوم يكون يوم مولدي , قدر ما كان يعنيني أن كعكة عيد ميلادي التي كانت تحافظ على رونقها في آذار البارد حتى آخر لقمة يزدردها المحتفلون معي بعيد ميلادي , صار شكلها ( يخني عتيق ) وهي تذوب كريمتها وتختلط ألوانها , وتفقد رونقها وشهيتها في عيون الآكلين في كل أول من تموز .....
حتى على كيكة عيد ميلادي اعتدت سياسة أمريكا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
عام 1968 وقع الإنقلاب الأمريكي البعثي الثاني في العراق ,, وفي العام 1977 قدم البعثيون للعراقيين (( مكرمة )) إحصاء قيد 1977 الذي صدرت بموجبه وثيقة الأحوال المدنية لكل منا .
قدمت اعتراضا على تاريخ ميلادي .. وأبرزت شهادة جنسيتي قيد 1947
فصدرت وثيقة أحوالي المدنية عام 1977 بتاريخ ميلادي الصحيح
الثامن من آذار
منذ الثامن من آذار 77 وحتى الثامن من آذار 96
كنت احتفل بيوم ميلادي
بالرقص والزغاريد
وانا التي كنت اغني لنفسي , قبل الغير : هابي برث داي تو يو
سنة 97 ... غادرت العراق هاربة .. من البطش
درت العالم دورتين ونصف
لأجد نفسي في استراليا بلد الهجرة واللجوء
كان القانون في هذا البلد أن تمنح الداخل إليه الجنسية الأسترالية
بعد ثلاث سنوات من تاريخ الدخول .
على وجهي
صارت خمس سنوات من تاريخ الحصول على الإقامة الدائمة
منذ عدة سنوات أقيم في كانبيرا
وأعمل في جامعتها الى جانب دراستي فيها
لكن ضابطة الهجرة المسؤولة عني , الاسترالية من أصل صيني
إسمها :
جوجان جاي جن
وقبل حصولي على الجنسية بأربعة أيام
بعثت لي رسالة
قالت فيها : أنتم العراقيون كلكم متولدون بتاريخ الأول من تموز ... اذا كنت يا مي عراقية فيجب أن تصححي تاريخ ميلادك مع دائرة الهجرة , ودائرة الضريبة , والبنك , والجامعة , وسجل طبيب العائلة , وتعيديه الى تاريخ الأول من تموز , وتستحصلين رسائل تأييد منهم تؤكد قيامهم بالتغيير , حتى أنظر في قضية منحك الجنسية الأسترالية .
كتبت لها وقلت : يا سيدتي هذا جواز سفري العراقي الذي دخلت فيه الى استراليا وفيه مثبت تاريخ ميلادي في الثامن من آذار .
فأرسلت لي ردا في غاية الوداعة والمسالمة قالت فيه : حتى اذا كان تاريخ مولدك هو الثاني من تموز , فعليك تصحيحه الى الأول من تموز ولن أقبل بغير هذا التاريخ .
لم يكن عندي خيار .. اتصلت بالجهات المذكورة أعلاه وطالبتهم بالتصحيح منذ أحد عشر شهرا . واستلمت رسائل من بعض منهم , لكن دائرة الضريبة لم ترد علي حتى الآن , ينتظرون نهاية السنة المالية وغلق ملفاتها لإرسال الرد .
اليوم حل عيد ميلادي الحكومي .... أردت الإحتفال
نظرت فوجدت نفسي خالية من كل شيء إلا الحزن
نزلت من احدى مواقع الطرب ( لطمية ) عدت يا يوم مولدي , عدت يا أيها الشقي , التي ( يقراها ) فريد الاطرش .
وصرت أردد مع المتنبي قصيدته الرائعة التي يقول فيها :
بِمَ التعللُِ؟! لا أهلٌ ولا وطنُ ولا نديمٌ، ولا كأسٌ، ولا سكنُ
أريدُ من زمني ذا أن يبلغني ما ليس يَبْلُغُه من نفسه الزمنُ
لا تلقَ دهرك إلا غير مكترثٍ ما دام يصحب فيه رٌوحَك البدنٌ
فما يُديم سُرورٌ ما سُرِرتَ به ولا يرد عليك الفائت الحَزَنُ
مما أضّر بأهلِ العشقِ أنهمُ هووا وما عرفوا الدنيا ولا فَطَنُوا
تفنى عيونُهُمُ دمعاً، وأنفسهم في إثرِ كُلِّ قَبيحٍ وجهُهُ حَسَنُ
تحملوا ··· حَمَلَتْكُمْ كُلُّ ناجيةٍ فكلُّ بَيْنٍ عليَّ اليومَ مؤتمنُ
ما في هوادجكم مِن مّهجتي عِوضٌ إن متُ شوقاً، ولا فيها لها ثمنُ
يا من نُعِيتُ على بُعْدٍ بمجلسهِ كُلٌّ بما زعم الناعون مُرتَهَنٌ
كم قد قُتِلتُ، وكم قد مِتُ عِنْدَكُمُ ثم انتفضت فزال القبر والكفنُ
آخر الكلام ... أحبك يا عراق .... وأموت حسرة في البعد عنك , وآفاق الكون بما رحبت لن تغنيني عن لحظة أكحل بها عيني بترابك
د . مي أحمد
كانبيرا _ استراليا
1/ 7 / 2007
#مي_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟