|
هل للمرأة دور في عراق ما بعد التغير؟
علي ماضي
الحوار المتمدن-العدد: 1964 - 2007 / 7 / 2 - 11:49
المحور:
الكتاب الشهري 4: دور المرأة في عراق ما بعد التغيير, حرية ومساواة المرأة بالرجل جزء أساسي من قيم المجتمع المدني الديمقراطي
ينقل صاحب كتاب في أطياف اليابان: أن احد علماء الأحياء أثار المثل الصيني القائل: له حاجبان كحاجبي دودة القز في نفسه تساؤلا مفاده ،أو ليس دودة القز من الحشرات ؟! من المفروض أن تكون لها لوا مس؟ أين ذهبت اللوامس ؟وما هو سبب تلاشيها؟! فشد الرحال على اثر هذه التساؤلات إلى صين موطن تربية ديدان القز ،فلاحظ أن مربي هذه الديدان قد تدخلوا في أدق تفاصيل حياة هذه الحشرة ،فهم يجمعون هذه اليرقات في علب كارتونية صغيرة يقدمون لها أجود أنواع الأطعمة الخالية من العفن والبكتريا المضرة ،أمـّا بالنسبة للحشرة الكاملة فهم يجمعون الذكر مع الأنثى ،مجنبينهما مشقة الطيران بحثا عن الآخر، ولأن هذا التدخل في الحياة الطبيعية لهذه الحشرة استمر لآلاف السنين، فان الجينات وبالتفاعل مع نمط المعيشة الجديد أنتج صفات وراثية جديدة أدت إلى ضمور اللوامس في يرقة فراشة القز والى ضمور عضلات أجنحة الحشرة الكاملة افقدها قدرتها على الطيران. هذه القصة جعلتني أفكر في قضيتين مهمتين ،قضية الدعاء فاحمد الله واثني عليه لأنه أنفذ مشيئته بمنظومة الأسباب ونتائجها ،ولم يعتمد آلية الدعاء والاستجابة ،وإلا لضمرت كل الأعضاء في جسم الإنسان ما عدا لسانه،لأنه سيكون العضو المستخدم الوحيد. أما القضية الثانية فهي قضية المرأة ،حيث أنها تعرضت لنفس التشويه إذ فـُرض عليها نمط من المعيشة ،استمر للفترات طويلة جدا أدت إلى حدوث تعديلات وراثية كبيرة أظهرتها على ما هي عليه الآن من ضعفٍ بحاجة إلى قوامية الرجل نصفها الأخر. للمفكر الإسلامي محمد باقر الصدر إجابة ذكية عن سؤال طالما تردد في الذهنية الإسلامية ،ألا وهو لماذا تطور الغرب الكافر بشكل كبير ،في حين كان نصيب المسلمين كل هذا التخلف والتراجع؟!في حين أن المنطق الإسلامي يقول :من كان مع الله فنصيبه التوفيق؟ يجيب السيد محمد باقر في معرض بحثه الموسوم سنن التاريخ في القران الكريم بما معناه أن لله سننا(قوانين) طبيعية ،أنفذ فيها مشيئته؛ ومن يستثمر هذه القوانين ويتوافق معها ،سيحصد نتائجها بغض النظر عن هويته الدينية سواء كان مسلما ،أو مسيحيا ، أو ملحدا. وهذا ما حصل مع الغرب في كافة مجالات الحياة ،ومن ضمنها محور المرأة ،حيث أعادوا تأهيلها إلى أن استعادت حجمها الحقيقي في المجتمع إلى درجة تخلصت معها من قوامية الرجل فأصبحت كنفسه، حيث أراد لها النص القرآني(خلق لكم من أنفسكم أزواجا) ،وأصبحت رقما لا يستهان به في مجمل الإنتاج القومي لتلك البلدان. أرى أن المسلمين ازدوجوا مع المرأة بشكل واضح ،في حين أن الكثير من النصوص الدينية يمكن أن تشكل منفذا لإخراج المرأة المسلمة من وضعها الحالي ، ومن هذه النصوص وصية رسول الإسلام (أوصيكم بالضعيفين قالوا :من يا رسول الله . قال: اليتيم والمرأة .) ليس من الصعب على المتتبع أن يلاحظ أن الفقهاء تعاملوا مع اليتيم بشكل صحيح حيث سنّوا له القوانين التي تحفظ له حقوقه ،إلى أن يصبح مؤهلا لتولي أمر نفسه ،ثم ترفع عنه الوصاية ،كان من المفروض أن يتعامل المسلمون مع قضية المرأة ،وفقا لنفس القاعدة ،فتبنى المؤسسات التي تعيد تأهيلها إلى أن تستعيد فراشة الشرق جناحيها لتحلق عاليا ، في مصاف أخيها الرجل حيث أراد الله لها أن تكون.
اعتقد أن هذا التعامل المجحف مع المرأة سببه أن المجتمعات العربية منحدرة من قبائل أبوية النسب،بسبب التصحر الذي أصاب المنطقة العربية بعد نهاية العصر الجليدي الأخير ،والتصحر معناه الندرة ،والندرة مع البدائية تقودان إلى الصراع الذي يعتمد على الرجل دون المرأة وهذا يقود بالنتيجة إلى نشوء مجتمع ذكوري خالص يحط من منزلة المرأة ويقلل من قيمتها،على اعتبار أنها لا تشكل رقما في الحروب التي كانت تخاض من اجل البقاء على قيد الحياة،في حين أن معظم المجتمعات الغربية منحدرة من قبائل أموية(تكون ألام هي الأساس في حساب النسب) النسب ،كما كشفت عن ذلك بعض الملاحظات التي تركها علماء الانثروبولجي الذين عايشوا القبائل البدائية ،ودرسوا أنماط القرابة فيها .
أن حال المرأة العراقية ليس بأفضل من حال المرأة العربية ،بل هو أسوء منها بكثير نظرا للظروف الخاصة التي مر بها العراق، والتي أدت ليس إلى جمود وسبات في كل محاور الحياة فحسب،بل وإلى تراجعهاٍ أيضا . فالمرأة العراقية غير مؤهلة لأن تلعب دورا في المجتمع ، فهي وبسب الإيحاء الذي مارسه المجتمع عليها مقتنعة تماما من أنها يجب أن تكون تحت قوامية الرجل ،وان هذا القبول يعدّ من السّمات الحسنة التي تزين شخصية المرأة ،بل أن المنظومة التربوية تعتمد أسلوبا ،يركز هذا الإيحاء ،على الرغم من أن الأم ،هي العمود الأساس في هذه المنظومة التربوية ،فكثيرا ما شاهدت ألام تشجع الولد الذكر على أن يضرب أخته ،وتجبر الأنثى المسكينة على الخنوع والقبول ،وكأنها بذلك تجنبها أن تكون لها شخصية قوية ،فهي تدرك تماما أن قوة الشخصية لدى الأنثى قد يكون وبالا عليها ،وكثيرا ما سمعت صفة البنت الصلفة(الوقحة) تطلق على تلك التي تحاول أن تدافع عن قناعتها . ومما ساعد على ترسيخ قناعة قوامية الرجل على المرأة ،هو العزل الذي يمارس بحقها حيث أنها بعد الزواج تنعزل عن مواكبة العالم الخارجي منشغلة بتربية الأطفال ورعاية الأسرة ،فتقضي معظم وقتها ما بين غسل الملابس وطهي الطعام وتنظيف المنزل ،هذه العزلة تسبب لها تخلفا ثقافيا ،عن الرجل الذي يقضي معظم وقته خارج المنزل يحتك بالعالم الخارجي ، ويتبادل مع الآخرين الأفكار ممارسا حياته الطبيعية ،مما سبب( تناشزا اجتماعيا) كما يسميه الدكتور علي الوردي،يجعل المرأة تؤمن بتخلفها الثقافي ، بل أن بعض العوائل تتباهى في المحافل العامة أنها ترسم حدودا لتعليم المرأة ،فما أن تبدأ المسكينة بتعلم القراءة والكتابة ،حتى تحرم من إكمال حقها في التعليم ، تحت ذريعة أن التعليم يفسد الفتاة ،ويبسط أمامها سبل الانحراف . ما زال صدى إحدى النساء وهي تخطب في جلسة الآباء والأمهات المدرسية وتستنكر أن يكون للفتاة هاتف نقال،وتحذر من وجود جهاز الستلايت في المنازل ،وترى إن الفتاة يجب أن تحذوا حذوا نسوة من عصر صدر الإسلام، اللائي كن لا يخرجن الا تحت جنح الظلام وبلا قنديل ينير لهن الطريق خشية أن يُرى ظلها، إنها تروج للعودة بالمرأة إلى أكثر من ألف عام إلى الوراء ، قد يقول قائل أن هذا رأيها وليس بالضرورة ،أن يكون رأي المجتمع ، ولكن المعترض سيغير رأيه لما لقيه خطابها من استحسان بين جموع الحاضرين. ما استعرضته يشكل حال السواد الأعظم من نساء العراق ،أما الخواص واقصد اللائي حصلن على مقاعد في المجلس الوطني العراقي ،فإنهن ينقسمن إلى قسمين 1. المثقفات بثقافة قوامية الرجل على المرأة ، حيث لا يجدن حرج من أن يعلن بان للرجل حق أن يضرب المرأة ضرب غير مبرح(لا يدمي لحم ولا يكسر عظم) ،ما زلت اذكر إجابة إحداهن في معرض سؤال لأحد الصحفيين عن السبب الذي يكمن وراء عدم إقرار معاهدة( بيساو) لضمان حقوق المرأة في الدستور العراقي ، حيث قالت: أنا لدي ما هو أفضل من بيساو ، أن معاهدة بيساو تظلم المرأة بمساواتها بالرجل لأنها واقعا لا تساويه في كثير من الأشياء ،متناسية أن هذا الدستور لا يعطيها حق منح جنسيتها إلى ولدها الذي يخرج من بين حنايا ضلوعها هي ،وهذا تجسيد للنظرة القديمة التي تنظر للمرأة على إنها وعاء للحمل ليس أكثر . ويتمتع هذا القسم من النساء بدعم المجتمع ورعايته لكونه لا يشكل خروجا عن المألوف والمعتاد . 2. المتحررات من قيود المجتمع،واللائي يؤمن بتذويب الفوارق بين الرجل والمرأة ،ويعملن على أن تكون العلاقة بينهم،علاقة مشاركة حقيقية ،ويرفضن تماما قوامية الرجل عليهنّ. وهنّ لا يحظين بدعم معظم أفراد المجتمع ،رجالا ونساء،ولقد سمعت أكثر من مرّة تعليقات مهينة يعلق بها الرجال ،والنساء على حد سواء ، حين يشاهدون امرأة متحررة تبدي رأيها في قضية سياسية أو قانونية بجرأة وذكاء . أن المرأة(اقصد معظم النساء وليس جميعهن)، وبهذا المستوى الثقافي غير قادرة على أن تلعب دوراً ايجابياً ،في عراق ما بعد التغير ،وإنها بحاجة إلى إعادة تأهيل،بحاجة إلى أن تخرج من دائرة الإيحاء التي وضعها فيها المجتمع،بحاجة إلى أن ننقذها من نفسها هي على حد تعبير الكاتبة وفاء سلطان ،وقبل البداية بإعادة تأهيلها، يجب أن يصار إلى بناء مجتمع يتقبل المرأة التي يمكن أن تقف ندا للرجل أو تتفوق عليه ،في بعض الأحيان،كما و يجب أن تـُشرع القوانين التي تحميها ،ويجب أن تكون هناك دولة قوية قادرة على تنفيذ هذه القوانين ،وهذا كما لا يخفى على المتتبع مفقود في وقتنا الحاضر. لذا أرى أن محور الكتاب الشهري كان يمكن أن يناقش ما هي السبل الكفيلة للخروج بالمرأة العراقية من محنتها الحالية ،بدلا من أن يطرح للنقاش دور المرأة في بناء ما بعد التغير.
#علي_ماضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوضع الامني في جنوب العراق(1)
-
إلى الاستاذ عماد البابلي مع التحية
-
هامش على تعميمات الاستاذ الفاضل الدكتور عبد الخالق حسين
-
تاملات في كتاب مهزلة العقل البشري للدكتور علي الوردي(طبيعة ا
...
-
( تأملات في كتاب مهزلة العقل البشري للدكتور علي الوردي(1
-
من سيوقف صناعة الغيلان في العراق؟
-
إقليمي الوسط و الجنوب المزمع إقامتهما في العراق
-
قراءة متاخرة في الحدث اللبناني
-
العلمانية
-
الاشعور
-
صديقي ومنطق العجوز الأنكليزية
-
سياسة الحمق في ايران والعراق
-
شمس التغير لن يحجبها غربال
-
بلدي بين ياسي وتفاءلي
-
صراع الديكة
-
العقلية البدائية
-
لقطات
-
دراما المشهد السياسي في العراق
-
أحداث ألاعتداء على المراقد... تحت المجهر
-
مسكوا الحمار
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
|