الأستاذ/ عبد الحليم قنديل
أعيش في منطقة صحراوية نائية تعتبرها محافظة الإسكندرية إصبعاً زائداً فلا يمر عليها السيد المحافظ إلا مسافراً عبر الصحراوي إلى القاهرة ليقدم تقرير عن الساعة النافوريه الآن... وتشتهر العامرية بأنها حولت الإسطبلات إلى مطاعم خمس حمير وأن مائها سكوب وبالألوان لوجود وحده فيدرالية بين مواسير المجاري والماء الجاري, ويبدو أن أخر مسئول زارها كان طومان باي ليختبأ من سليم الأول عند المزلقان لكن ناموسها الحريص على صله الدم أجبره على التسليم لسليم. ونتمتع كباقي سكان المحروسة بمساحة حرية كبيرة جداً نستغل نصفها فقط في التعبير عن الرأي والنصف الأخر نسقعه لنبيعه للدول المحرومة من إنجاب الحرية. ويؤنس وحدتي تليفزيون قديم متهالك أسود × أسود صنع في مصر وبالتحديد في إحدى شركات الأسمنت, ولأن التيار الكهربي عندنا ضعيف ولا يعبر عن نبض الشارع فإن تليفزيوني لا يظهر فيه سوي قناة واحدة وللدقة مربعاً صغيراً فقط يتوسط الشاشة لكنة أصبح بالنسبة لي كثقب الباب أري منه الدنيا والأستاذ/ صفوت شريف - رأسه فقط- وهو يتحدث بانفعال وعصبية يهتز معها الجهاز عن الزيادة المتوقعة في الريادة وعصر الفضائيات بقشرها مع قليل من السكر في الخلاط.. وأسمع عن وجود قلاقل في العراق وفلسطين ومع ذلك تصر نشرة الأخبار الشريف أن تردد في مربع الشاشة المضيء عندي:
- "تلقي سيادته اتصالا هاتفياً"... يخبرني أصدقائي الذين يملكون دشاً بالتقسيط أن هناك حشوداً ومواويل تركي فأجري إلى ثقب الباب لأتابع الموقف فأجد المذيع يؤكد:
- "تلقي سيادته اتصالاً هاتفياً"... يلتهب الموقف وتشتعل النيران ويقدم المفتشون تقريرهم ويظهر المذيع في الركن المضيء الهادي ليقول بهدوء:
- "تلقي سيادته اتصالاً هاتفياً"... ومنعاً للرتابة يظهر أحياناً "هاند" تليفون وسلك ملتوي وواخد على خاطرة ويختفي المذيع من على وش الدنيا لكنه يصرخ وهو يختفي:
- "تلقي سيادته اتصالاً هاتفياً"... إلى أن زارني يوماً صديق بلا دش مثلي فتركته مع الجهاز في الصالة لعله يسرقه فإذا به يوقظني من النوم قائلاً:
- "يظهر الموقف إتعقد جداً".
- "قالوا إيه؟ تلقي سيادته اتصالاً؟".
- "لا أبداً... ده تليفزيونك بيجيب حاجات جديدة خالص يا عم".
- "إزاى؟".
- "المذيعة المره دى ظهرت في جنب الشاشة مش في الوسط وقالت (تلقي سيادته برقيه)".