|
اعاصير دمشق قصة الانقلابات السورية بقلم شاهد عيان 1
سلطان الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 1963 - 2007 / 7 / 1 - 05:58
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
لقد سرح شكري القوتلي نصف الجيش ، واقدم على التصنيف المجحف لأسباب سياسية بعيدة كل البعد عن مصلحة الجيش ومصلحة البلاد ، وذلك قبل نشوب حرب فلسطين ، فأخذ الاستياء يزداد وينتشر في صفوف الجيش . ولما نشبت الحرب ومُنيت قواتنا بهزيمة سمخ غدا الاستياء نقمة عارمة وغضبا يتأجج . لما استلم حسني الزعيم القيادة انصرف فورا الى درس شكاوى الضباط ، وتلبية مطالبهم . اخذ يتصل بهم ، كبارا وصغارا ، ويستمع الى آرائهم بكل انتباه ، فأخذت الحال تتحسن بصورة مطردة ، سواء أكان من ناحية الاسلحة ام من ناحية الاغذية . وانتهت حرب فلسطين بالهدنة المعلومة ، وفي نفس كل أفراد الجيش خيبة مرة ، ونقمة على الأوضاع بصورة عامة وعلى رجال السياسة الذين كان استهتارهم سبب النكبة . كان في نفس كل واحد منا حسرة واقتناع باننا ، على ضعف امكانياتنا وقلة عددنا كنا نستطيع أن ننقذ فلسطين لولا----- و(لولا) هذه تجسدت في شكري القوتلي لما هو ، ولما يرمز اليه . وقد مهدت النقمة واختلاط حسني الزعيم بالضباط للانقلاب الأول الذي أطاح بشكري القوتلي . واكتسب حسني الزعيم شعبية كبيرة في اوساط الجيش حين جعل التغذية جيدة ، وحقق مع المتعهدين المتلاعبين وسجن المقدم حسن غنام ووفر بعض اسباب الترفيه لقطعات الجيش في الجبهة . لما وثق حسني الزعيم من قوته ومكانته في الجيش ، قرر، بالاتفاق مع رفقائه ، القيام بالانقلاب ، وكان اعوانه كثيرين ، اهمهم المقدم اديب الشيشكلي ، وهو جندي ممتاز ، وافر الذكاء ، والرئيس ابراهيم الحسيني ، والمقدم محمود بنيان -- وكان الجو مهيئا ، فنظم حسني الزعيم جمهرة من المدرعات والمشاة وسلم قيادتها للمقدم اديب الشيشكلي وجعل مركزها في قطنا ، ثم شرع يتخذ التدابير الانقلابية بكل حزم وكل دقة ، وفي صباح 29 أذار 1949 احتل دمشق عسكريا واعتقل رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورجال حكومته ، وفسما من ضباط الجيش الذين كانوا يدينون بالولاء للحزب الوطني ورجال الحكومة . كان هذا الانقلاب الاول من نوعه في تاريخ سوريا الحديث ، وقد قابله الجيش والشعب ، في بادئ الأمر بالسرور والابتهاج والارتياح لأنه قضى على ما اشتهر به عهد القوتلي من الميوعة والاستهتار والمحسوبية وتسخير المصالح العامة للأغراض الشخصية . ولكن بعد مرور أسابيع قليلة أخذت تظهر حقيقة حسني الزعيم ---لقد سكر الرجل بالنصر الذي أحرزه ، وبالشعبية الكبيرة التي نالها قأماط اللثام عن طموحه الى الديكتاتورة المطلقة ، واسفر عن غروره الاهوج الذي لا يقف عند حد ، فاذا بتصرفاته الشاذة تستفز الجيش اولا ، ثم تثير الاستياء والخيبة في اوساط الشعب وفي صفوف الاحزاب . في الجيش اقدم على تسريح عدد كبير من الضباط والجنود ، وهم ما يزالون في الجبهة ، وقد مضى عليهم سنة وستة اشهر تقريبا وهم في خطوط النار . صدر الامر بتسريحهم فجأة وبصورة اعتباطية ، دون تعويض ، وفوق ذلك انتزعت منهم البستهم العسكرية وارسلوا الى قراهم حفاة عراة لا يملكون شروى نقير ، ولا يجدون عملا يرد عنهم غائلة العوز والفقر والجوع --- ورأت دمشق مشهدا لم تقع العيون على مثله في التاريخ--- رأت رجلا يتجسد العزم في قسمات وجهه وتلمع البسالة في عينيه ، وقد راح يتجول في الشوارع والأزقة والاسواق متسولا يستجدي الاكف ، يمشي حافيا ، حاسرا ، ويرتدي كيس جنفيص تلمع عليه اوسمة البطولة والنضال في معارك فلسطين---وكلما بسط يده للمارة يقول : ((حسنة لهذا الرقيب في الجيش السوري ، صدقة لهذا المقاتل الذي سرحوه من الجبهة دون انذار ، ودون سبب، ودون تعويض -- ان أعمال حسني الزعيم الشاذة ، وسياسته الخرقاء ، هي التي جعلتنا نفكر بضرورة العمل للقيام بانقلاب جديد . فحسني الزعيم هو الذي حكم -بشذوذه وغرابة أطواره - على عهده بالانهيار ، وعلى نفسه بالموت . بدأت الاتصالات تجري ، بصورة مباشرة ، بين الضباط الناقمين ،فاتجهت الأنظار الى اللواء المتمركز على الجبهة الفلسطينية ، بقيادة الزعيم سامي الحناوي . كان هذا اللواء يتألف من ثلاثة أفواج مشاة عدد كل فوج 1700 مقاتل وسرية القيادة المؤلفة من 200 مقاتل وفوج المدرعات الأول وفيه حوالي 70 قطعة الية مدرعة . وفي ليلة من اوائل ايلول 1949 ، جاء الحناوي سرا من الجبهة ، تحت ستر الظلام ، فوصل في الساعة الثالثة عشر ليلا الى مكان الاجتماع السري الحاسم ، الى مرتفع حرش عين زيوان الواقع على مسافة خمسة كيلومترات غربي القنيطرة ، حيث كان يعسكر فوج المدرعات الأول . في ذلك المكان وفي خيمة عسكرية منفردة اجتمع ثلاثة : الزعيم سامي الحناوي ، والمقدم امين ابو عساف آمر فوج المدرعات الاول ، والملازم الاول فضل الله ابو منصور ، كاتب هذه المذكرات ، واخذنا نبحث الحالة الراهنة ، والخطر الذي يهدد البلاد ، وتفاصيل حركة الانقاذ التي لا بد منها . واتفقنا على بذل كل الجهود للقيام بالانقلاب والقضاء على عهد حسني الزعيم ، وقررنا، في حال الفشل ان ننسحب الى جبل الدروز ، لانشاء خط دفاع هناك ، يمكننا من مواصلة النضال . ولما تم الاتفاق على كل شيئ ، أقسمنا بشرفنا وبالله العظيم على القيام بالعمل الخطير الذي انتدبنا له انفسنا ، تلبية منا لنداء الوطن المحفوف بالاخطار . كُلف الحناوي بالاتصالات الشعبية . وبقي على ابو عساف وعليَ الاتصال بضباط الجيش . وفي تلك الأثناء أحس حسني الزعيم بأن هناك حركة خفية تستهدف عهده ، فاطلق جواسيسه يبحثون ، وبث العيون والارصاد قي كل مكان ، وأحاط نفسه بتدابير وقائية من كل نوع ، فغدت كل حركة مشبوهة تشكل خطرا على صاحبها ، وكل كلمة مبهمة تجعل قائلها في موضع الشبهة . هكذا أصبح شعار المعركة ((الضربة الرابحة لمن سبق ) واصبح كسب الوقت وسرعة التنفيذ شرطين جوهريين من شروط النجاح . وقد باشر حسني الزعيم تصفية الذين يرتاب بهم ويخشى نقمتهم ، فاخذ يُسرح بعض الجنود والضباط ، بعد ان كان قد سرح العقيد اديب الشيشكلي ، وكان ينوي الاستعانة بضباط اجانب من الاتراك وغيرهم ، لاقامة حراسة قوية تحميه من كل اعتداء . الا أن الضباط السوريين سبقوه الى العمل فتمكنوا من القضاء عليه. 13 آب 1949 ، كان فوج المدرعات الاول متمركزاً في معسكرات قطنا الواقعة على مسافة 30 كم من دمشق غربا ، وفي الساعة الحادية عشرة ليلا ، عقد اجتماع حضره كل من : الزعيم سامي الحناوي ، العقيد علم الدين قواص ، امقدم آمين ابو عساف ، الملازم الأول فصل الله ابو منصور آمر المدرعات ، الرئيس محمد دياب ، الرئيس عصام مريود ، الرئيس محمود رفاعي ، الرئيس فريد سيف درويش ، الملازم مصطفى دواليبي ، الملازم حسن حدة ، الرئيس محمد معروف ، الملازم يعقوب مبيض ، الملازم الأول مصطفى المالكي ، الملازم الأول انطون خوري ، الملازم الاول حسين الحكيم ، الملازم غالب شقفة ، الملازم عبد الغني دهمان ، الملازم نور الدين كنج ، الملازم بكري الزبري . قي ذلك الاجتماع التاريخي تقرر الانقلاب فورا ، اي في ليل 13-14 آب ، وكان قد تم الاتفاق مع ضباط حامية دمشق الذين اخذوا يراقبون ما يجري وهم على اتم الاستعداد لمجابهة الطوارئ ، ومن هؤلاء الضباط : الرئيس زياد الاتاسي ، الرئيس توفيق الشوفي --- كتبنا المهمات على اوراق صغيرة ، وتركنا للضباط حرية اختيار العمل الذي يريدون القيام به . ولما طُرحت مهمة احتلال قصر الرئاسة واعتقال حسني الزعيم ، ساد صمت ثقيل وعلا الاصفرار بعض الوجوه ، فمددت يدي الى الورقة واخذتها قائلا : ((هذه مهمتي --والله لو اخذها غيري لما رضيت )) فارتفعت الأيدي تحييني : (( يحيا ابو منصور !--)) وشرب الحاضرون نخبي ، كؤوسا مترعة من الوسكي . وفي الساعة الثالثة عشرة ليلا ، اي بعد مرور ثلاث ساعات على بدء الاجتماع وزعت المهمات خطياً على الضباط فأُعلن سامي الحناوي قائدا للانقلاب ، والعقيد علم الدين معاون قائد الانقلاب ، والمقدم امين ابو عساف قائد الجمهرة ، أما أنا -وكنت ملازما أولا- فقد أُسندت الي المهمة الرئيسية التي اخذتها وهي دخول الشام واعتقال رئيس الجمهورية حسني الزعيم ، فانطلقت للقيام بهذه المهمة على رأس ست مصفحات وستين جنديا تنقلهم سيارات . وانطلق في الوقت نفسه ، كل من الرئيس عصام مريود ، والملازم الاول حسين الحكيم ، والملازم عبد الغني دهان على رأس ثلاث مصفحات وثلاثين جنديا لاعتقال محسن البرازي ، رئيس الوزارة . وسار الرئيس محمد دياب والملازم نزر الين كنج مع ثلاث مصفحات وثلاثين جنديا لاحتلال مركز شرطة دمشق . ومشى الرئيس محمود رفاعي والملازم بكري الزبري مع ثلاث مصفحات وثلاثين جنديا لاحتلال البنك والمحافظة عليه . ومشى الملازم حسين حدة مع ثلاث مصفحات وثلاثين جنديا لاحتلال قلعة الدرك. اما القوة الباقية ، وهي مؤلفة من ست مصفحات وفوج مشاة وكل من الزعيم سامي الحناوي ، والعقيد علم اليدين ، والمقدم امين ابو عساف ، والرئيس خالد جادة ، والملازم الاول يعقوب مبيض ، والملازم انطون خوري ، فقد كانت مهمتهم احتلال مركز الاركان العامة والتمركز فيه . واسندت الى الرئيس مخمد معروف مهمة اعتقال بعض الضباط المعروفين بولائهم لحسني الزعيم وبعض الشخصيات السياسية المشبوهة . وقد كان نظام الزحف على الوجه التالي : اولا - الزعيم سامي الحناوي مع اركانه وقائد الجمهرة امين ابو عساف . ثانيا -الملازم الاول فصل الله ابو منصور مع فرقته في المقدمة . ثالثا -الرئيسعصام مريود وفرقته . رابعا-الرئيسمحمود رفاعي مع فرقته . خامسا - الرئيس فريد سيد درويش مع فرقته . سادسا- الملازم حسين حده مع فرقته . سابعا - الملازم يعقوب مبيض في المؤخرة مع القوة الاحتياطية . يتبع من كتاب اعاصير دمشق فضل الله ابو منصور
#سلطان_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انفختت الطبلة وتفرق العشاق
-
انسحاب معارض شرس والنظام يترنح في سوريا
-
واحبيبي نبيل واحبيبي صفاء
-
لاهوت التحرير الأفريقي 4 في اطار التحليل الماركسي
-
لاهوت التحرير--3--لاهوت التحرير في أفريقيا
-
لاهوت التحرير 2- الألم الذي يعانيه الانسان الأسود
-
قراءة في فكر ديزموند توتو -1--لاهوت التحرير---لاهوت السود
-
طبول المنافقين تغطي على همس المتآمرين
-
برسم بعض الكتاب السوريين؛ مع الود
-
رسالة الى النظام السوري عبر موقع الحوار المتمدن
-
من بسيئ الى المعارضة السورية اليوم ؟؟؟
-
المغرر بهم والضالين آمين !!
-
قراءة في فكر هانس كينغ34 مقاييس وانحرافت في الاديان
-
قراءة في فكر هانس كينغ3ديانات للسلام وللحرب
-
قراءة في فكر هانس كينغ2 معضلة الدين في الأخلاق!
-
قراءة في فكر هانس كينغ2 الديانات تناقضات قواسم أخلاقيات
-
قراءة في فكر هانس كينغ 1-أخلاق بلا دين؟
-
انخفاض في نسبة الشعور القومي
-
اليكم كيف كان الوضع ؟
-
ملحق فتاوى الارضاع ع ع
المزيد.....
-
لحظة تصدي رجل هارب لشرطي أمريكي أدخلته في حالة حرجة.. شاهد م
...
-
بروتوكول تعاون عسكري بين مصر والصومال وسط خلاف بين مقديشيو و
...
-
برلين تؤكد أن التحقيق في تفجير -السيل الشمالي- لن يؤثر على ع
...
-
نائب نمساوي يدعو إلى وقف المساعدات لأوكرانيا بسبب تورطها في
...
-
سامي الجميّل في بلا قيود: تطرف حزب الله وإسرائيل يصعب إيجاد
...
-
إيران: إصابة أم بالشلل النصفي بعد إصابتها برصاص الشرطة بسبب
...
-
فلسطيني يستخرج شهادة ميلاد توأمه.. ويعود ليجدهما مقتولين مع
...
-
عدد القتلى في غزة يقترب من -40 ألفاً- منذ بدء الحرب، ووزير إ
...
-
لإفساح المجال لوجوه جديدة في اليابان.. كيشيدا يعلن عزمه الت
...
-
زيلينسكي: قواتنا أسرت أكثر من 100 جندي روسي في كورسك صباح ال
...
المزيد.....
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
-
فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو
...
/ طلال الربيعي
المزيد.....
|