|
الروافد الثقافية و الفكرية للإرهاب
حميد هيمة
الحوار المتمدن-العدد: 1963 - 2007 / 7 / 1 - 05:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
شهدت مدينة الدار البيضاء، مؤخرا، سلسلة من الأحداث الإجرامية: عبارة عن تفجيرات انتحارية ،" أبطالها" أعضاء خلايا الحركات الإسلاموية الناشطة في المغرب.
وقد أثارت، هذه التفجيرات الإجرامية، نقاشا واسعا في الأوساط الصحفية والسياسية،،، المغربية . كل ، من موقعه ومن زاوية نظره واصطفافه / تموقعه السياسي ، يحاول مقاربة السؤال الجوهري : لماذا توالي الأحداث الإرهابية في المغرب؟ بلد " الاستثناء " !
والملاحظ ، أن كل القراءات والتأويلات المقدمة انزلقت نحوى تفسيرات أحادية ، وبالتالي عجزت ، في تقديري ، عن الإمساك بالعوامل / الأسباب العميقة المنتجة " للثقافة " الإرهابية والمغذية لها .
1- العوامل الثقافية.
" ليس الدين – والتراث – أفيونا للشعوب لأنه مخدر لها بأفكار أخروية ووعود سماوية ، فحسب بل وأيضا لأنه اغتصابا للواقع وتغييب للآن " عزيز عظمة .
* إن البنيات الثقافية ، ذات الروافد العربية والإسلامية ، المتراكمة عبر فترات تاريخية مختلفة ، وخصوصا خلال فترات الجزر الحضاري ، هي بنيات مساعدة لإنتاج "الفكر"الأصولي ومحفزة على امتداده ؛ فالثقافة السائدة هي ثقافة الولاء الطاعة، في إطار علاقات عمودية : الشيخ والمريد . وهي ذات البنيات التي تعتمدها الحركات الاسلاموية في بنياتها التنظيمية و" أنساقها الفكرية " . بمعنى ، أن المجتمع المغربي ، كمجتمع عربي و إسلامي ، مهيأ ثقافيا لاستقبال الفكر الأصولي .كما أنه –المجتمع- يعادي التفكير الحر : المتمرد على الجاهز.
والحال ، أن سيادة هكذا بنيات ثقافية تعزى لأسباب مركبة ، منها الأسباب السياسية : فخلال مرحلة سبعينيات القرن المنصرم ، عملت الدولة المغربية على تجفيف شعب الفلسفة من الجامعات المغربية و عوضتها بشعبة الدراسات الإسلامية. في سياق عمل الدولة المغربية على ترتيب بيتها الداخلي ، بعد الانقلابين الفاشلين ، والمد الجماهيري المسنود ، آنذاك ،من القوى التقدمية .وبذلك ، مكنت ،الدولة المغربية،الحركات الاسلاموية من مريدين ومشاريع نشطاء لتمرير الخطاب الرهباني لأوسع الفئات الاجتماعية . والواقع ، أن التضييق على الفكر الحر له امتدادات عميقة ، نذكر ،مثلا،نكبة ابن رشد ، خلال العصر الوسيط ، وبالتالي إعدام مرحلة جنينية للفكر النهضوي المجهض.
فماذا لو تبلورت طبيعيا الحركة الرشدية في العالم الإسلامي ؟ هل كانت تستطيع مواجهة وإزاحة المقاربات الفقهاوية ؟ هل تستطيع خلخلة الإرث الثقافي التقليداني ؟ وهل سيكون ، بعد ذلك ، مبرر للحركات الاسلاموية في رفض الإنتاج الفكري " الدخيل " ؟ وهل كان ذالك التطور المفترض أن يجنبنا هذه الأحداث المأساوية ؟
لسوء الحظ ، فحركة التاريخ لا تعتمد " لو " !!!
2 ثقل الفكر الديني المغلق:
يغفل المهتمون بنشأة وتطور الحركات الاسلاموية ، دور الفكر الديني ؛ الذي يشكل مرجعية تغترف منها الحركات الاسلاموية المعاصرة بعضا من تصوراتها السياسية في الآن وفي الاستقبال ، أيضا،إن تطلب الأمر !!
لذلك سنحاول مقاربة السؤال التالي : كيف توظف وتكيف الحركات الاسلاموية التراث الديني لشرعنة ممارستها الإرهابية ؟
وقبل تقديم عناصر الإجابة، نلفت انتباه القارئ اليقظ ، إلى التمييز بين الدين كمعطى سماوي مطلق الصحة ،حسب " رفعت السعيد" ، وبين الفكر الديني ، كاجتهاد بشري ، نسبي الصحة . وموضوع اشتغالنا هو الفكر الديني ....
(.....)
تعمل الحركات الاسلاموية ، في تبريرها لممارساتها الإجرامية ؛ والتي تغطيها برفع الظلم ؛ مواجهة الجبروت ؛ تغيير المنكر، إلى التكييف الإيديولوجي للنصوص القرآنية والحديثية .وإذا تعذر الأمر تنجزاستبارات في اجتهادات الأسلاف لعلها ،أي الحركات الاسلاموية ، تظفر بما قد يضفي الشرعية الدينية على مواقفها. ثم تنزعها قسرا من سياقاتها لتسقطها ميكانيكيا على أحداث ووقائع آنية تختلف ، جوهريا ، عن أسباب نزول النص الديني .من ذالك ،مثلا ، الاعتماد على آيات القتال ، كقوله تعالى : "آذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم قدير"{الحج 39} . وهذه الآية ،كما وضح ذلك الجابري ،" مثلها مثل جميع آيات القران الكريم ، إنما تقرر حكما له مناسبته ومقاصده ،،،{و} هي ، حتى بالنسبة للذين يقولون بها ، ليست قاعدة مطلقة " .
وتعزز هذا الفهم التعسفي للنصوص الدينية بآراء و فثاوي عدد من الفقهاء : "كالغزالي" ،،،"سيد قطب" ؛ الذي اجتهد ، كما قال " رفعت السعيد" ، على اعتصار فثاوي دينية تخدم ، سياسيا ، جماعته { الإخوان المسلمين} ، معتمدا في ذلك على قواعد بائسة بمقياس تطور المعرفة في عصرنا هذا " حسب نصر حامد أبو زيد.
لقد شكلت هذه المنابع والمرجعيات مرتكزات نظرية ، استمدت منها الحركات الاسلاموية تبريراتها في ممارستها للعنف إزاء الأنظمة القائمة والمخالفين لها سياسيا وفكريا . من ذالك ، ما أقدمت عليه الحركات الاسلاموية ، في طبعتها المغربية ، من أعمال قتل في حق المناضلين التقدميين : عمرين جلون ، ايت الجيد ، بوملي ،،،. واعتبر قتل هؤلاء "جهادا" ضد العناصر الملحدة، كما نشرت ذلك جرائدهم. كما أن المتصفح لرسالة التهديد ، الذي توصل بها " سعيد لكحل" ، سيلاحظ أنها تحفل بعدد من النصوص الدينية ، تدعوا إلي سفك دماء الكفار والملاحدة ،،،الخ.
والحال ، أن انشداد الحركات الاسلاموية إلى الماضي " الذهبي" ، الذي تسعى إلى إحيائه في الملبس والمأكل ،من جهة ،وغرقها ، من جهة ثانية ، في النصوص الدينية – هو، في واقع الأمر، تعبير واضح عن بؤس وعجز ذهنية المتأسلم على تقديم إجابات ممكنة لأسئلة راهنة . لذلك ، يحتمي بالنصوص الدينية ويتوسل على أجوبة الأسلاف لإخفاء حالة العجزو،،،.
فكيف ، إذا ، نواجه هكذا الوضع ؟ هل بتجفيف فكرنا الراهن من كل ما هو لاتاريخي ؟ أم بتنقية هذا التراث بإضاءة جوانبه الايجابية وطرد الباقي ؟ يبدو لي ، أن المدخل الممكن ، راهنا ، هو إحالة التراث إلى مجاله الطبيعي و الاجتهاد للحيلولة دون امتداده الى المستقبل.
#حميد_هيمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأمازيغية في منظور الدساتير المغربية -1908-1996: مقاربة كرن
...
-
الأسباب / العوامل المنتجة للفعل الإرهابي : ثقل الفكر الديني
...
-
1-الأسباب / العوامل المنتجة للفعل الإرهابي : العوامل الثقافي
...
-
نظرة حول التحقيب التاريخي المعتمد بالمقررات المغربية
-
قراءة أولية للوسائل التعليمية التعلمية في دروس تاريخ الممالك
-
قراءة أولية للوسائل التعليمية التعلمية في دروس تاريخ الممالك
...
-
المدرس في ظل واقع ذاتي وموضوعي متغير :المغرب نموذجا
-
قراءة نقدية للبعد المعرفي لدروس تاريخ الممالك الأمازيغية-الم
...
-
التاريخ والثقافة الأمازيغيان: بين المقاربة الدستورية والتناو
...
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|