أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد ناشيد - لكي لا تكون الديمقراطية ضد الحداثة















المزيد.....

لكي لا تكون الديمقراطية ضد الحداثة


سعيد ناشيد

الحوار المتمدن-العدد: 1963 - 2007 / 7 / 1 - 05:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين نتحدث عن عالم ما بعد الحادي عشر من شتنبر، فإننا لا نقصد من وراء ذلك الحديث عن وضع جديد أحدثته تداعيات تلك الاعتداءات، ذلك أن ما فعلته آثار أنقاض مركز التجارة العالمي ليس أكثر من إزاحة الستار والكشف عما كان خفيا وراء عتمة اللامفكر فيه، فقد كانت القلوب المطمئنة إلى أن حكم الحداثة أمضاه الزمن، تسلم بأن انتصار العقل لا مناص منه ولا انفكاك عنه، ولذلك لم تكن العديد من المنزلقات الأصولية محط إعمال للفكر ولا حتى موضع سؤال، حتى ولو كانت من قبيل ما حظي به بابا الفاتكان من عضوية داخل الأمم المتحدة منذ عام 1964 بصفة مراقب دائم، لم يكن أيضا في عداد المفكر فيه طرح السؤال؛ كيف أمكن لكلمة الله أن تتسرب منذ عام 1954 إلى النشيد الوطني الأمريكي، وحول أثر ذلك على مستقبل جدار جفرسون الشهير، أي؛ جدار الفصل بين الدولة والكنيسة.

هل كان بإمكان عملية الحادي عشر من شتنبر أن تحدث تلك الوخزة الموجعة التي تستنهض قيم الحداثة والأنوار التي لم تبق اليوم مجرد طموح فلسفي، وإنما أمست اليوم ضرورة من ضرورات الأمن والسلام ؟ .
ليست طائرات ابن لادن هي التي قادت المجتمع الأمريكي على وجه التحديد، إلى الوقوع في ما عبر عنه الفيلسوف الأمريكي جورج سوروس حين صرح بالقول بأن المجتمع الأمريكي يتحول اليوم من المجتمع الأكثر انفتاحا في العالم، وبالمعنى " البوبري " للمجتمع المفتوح، إلى مجتمع مغلق وواقع تحث نفوذ الأصولية.(1)
بل ليست تلك الطائرات الانتحارية هي التي أدت إلى ما لاحظه الباحث الفرنسي كوي صورمان من انتقال للمجتمع الأمريكي من مرحلة الثورة الثقافية المضادة لسنوات الستين والسبعين، إلى مرحلة الثورة المضادة المحافظة. (2)
إن ما قامت به عملية الحادي عشر من شهر شتنبر إذن، هو أنها أماطت اللثام عن سؤال عودة الدين إلى الشأن السياسي.
ثمة معادلة ظلت ثابتة في الفكر السياسي للقرن العشرين مفادها أنه حين تتعارض بعض عناصر الحداثة مع الديمقراطية، وهو أمر كثير الحدوث، علينا أن نتوجه بالنقد و المراجعة إلى جهة الحداثة وليس إلى الديمقراطية، سيما وأن الخوف من إيقاظ أشباح هتلر وستالين يحملنا على ذلك ، وفي هذا الصدد ، من المهم أن نحيل إلى الكتاب الشهير الذي أصدره زيكمانت باومان Zygmunt Bauman تحث عنوان غني بالدلالات ( الحداثة والهولوكوست ) ، إن المتهم الرئيسي في جرائم الهولوكوست بالنسبة للكتاب هي الحداثة عينها . وهو نفس الادعاء الذي سبق أن وضع صياغته الفلسفية ليوستراوس ، إنه أيضا التوجه الذي يلائم ميول الأصوليين وأهواءهم .
لقد أصبحنا اليوم في مواجهة السؤال: لماذا أمست الديمقراطية تزدهر والانتخابات تنتشر موازاتا مع ازدهار وانتشار الفكر الأصولي ؟ لماذا أمست الديمقراطية مفتوحة على الأفق الأصولي ؟ .
إنه سؤال مشرع ومفتوح على مختلف الاحتمالات؛ إلا أنه: هل بإمكاننا فعلا أن نزعم انتصار الديمقراطية وندعي انتشارها في وقت أمسى فيه القرار السياسي رهينا بالقرار الاقتصادي ومطوقا بنماذج التنمية وبرامج الاقتصاد التي أصبحت كونية وشمولية ؟ هل بإمكاننا أن نتحدث عن تعددية سياسية في غياب إمكانية تعدد نماذج التنمية ؟ وإذا كانت الديمقراطية هي امتلاك الناس لمصيرهم ، فهل يمكن أن يكون التحكم في الدولة بعد انهيار وظائفها الاجتماعية ، هو الطريق إلى تحكم الناس في مصيرهم وامتلاكهم لسلطة القرار ؟
يبدو وضع الديمقراطية اليوم كما لو أنه على النحو التالي: منذ سنوات الثمانين والتسعين بدأت الديمقراطية الحديثة تشتكي من تراجع نسبة مشاركة الناس في عمليات التصويت والانتخاب، في حين أن تلك النسبة المتضائلة من المشاركين في العملية السياسية، تتجه في أكثر من بلد إلى تسليم (سلطة القرار السياسي ) إلى الشعبويات الدينية، لكن الناس، وفي الوقت الذي يغادرون فيه مجال السلطة السياسية، فإنهم يتجهون إلى الانخراط في دينامية تنظيمات المجتمع المدني. إن المتأمل اليوم في المجتمع الأمريكي و في غالبية مجتمعات الشرق الأوسط لابد وأن يقف على حقيقة ثنائية الأبعاد؛ حقيقة يتقابل داخلها مجتمع سياسي حامل للمشروع الأصولي، في مقابل مجتمع مدني يظل حاملا للمشروع الحداثي من خلال قيم المواطنة، حقوق الإنسان، التنمية المستدامة، مناهضة الحروب....
عندما نقول بان المجتمع المدني هو الآن حامل المشروع الحداثي ، فحينها سيغدو سؤال الحداثة السياسية، و بنحو ما، سؤالا حول كيفية إقحام المجتمع المدني في دائرة صنع القرار السياسي ، و بذلك يتأتى لنا أيضا استرجاع القرار السياسي من تلك القوى التي اصطلح عليها الفيلسوف الأمريكي جورج سوروس بالتحالف بين الأصولية الدينية و الأصولية المالية. وحيث أن المشروع الحداثي هو في أساسه مشروع لم يكتمل، حسب فرضية هابرماس الشهيرة، فلاشك أن استكماله لن يكون مجرد حاجة إنسانية إلى التقدم و إلى تحسين نوع الحياة فوق الأرض، وإنما يمسي أيضا واجبا من أجل الأمن. إننا نحتاج إلى فرضية هابرماس ليس فقط من أجل أن يحدث الأفضل وإنما أيضا لكي لا يحدث الأسوأ. وهنا يمكن الوقوف على ملاحظة قويةّ، إذا لم تكن أزمة العلاقة بين الحداثة و الديمقراطية تحيل إلى أزمة المشروع الحداثي ، و لا حتى إلى إفلاسه ، وفق ما يدعيه أعداء الحداثة وخصوم الأنوار، فلا شك أ ن الأزمة تربض في مكان ما.
يقاتل المحافظون الجدد من أجل نشر رسالة الانتخابات في كل بقاع الأرض، ويسعون إلى إعلاء كلمتها حتى في البراري، من قبيل أفغانستان حيث اضطرت المفوضية العليا للانتخابات إلى الاستعانة على وعورة المسالك بمئات الحمير و البغال و عشرات الجمال، بل إنهم لم يترددوا قيد أنملة في جعل وجود الديمقراطية سابق عن وجود الدولة، كما تفيد بدلك تجربة الانتخابات الفلسطينية، إنهم يدركون بأن الانتخابات قد تكون في بعض الأحيان، الأسلوب الأمثل للإجهاز على قيم الحداثة. وفي الوقت الذي أمست فيه الانتخابات الحرة و النزيهة لا تفرز سوى قوى أصولية تسيطر على حقل سياسي أمسى بحكم العولمة النيوليبرالية منزوع السيادة، فلا شك أن معنى دلك أ ن ثمة خلل ما، إن لم يكن يتعلق بمفاهيم الحداثة والأنوار فلا شك أنه يتعلق بمفهوم الديمقراطية.
نعتقد أن النقاش الذي أعقب أزمة الدور الأول من الانتخابات الرئاسية بفرنسا لعام 2002، وعندما تمكن اليمين المتطرف من حصاد نسبة من الأصوات كادت أن تعصف بالمشروع السياسي الفرنسي، قد تمحور حول السؤال الأساسي اليوم؛ هل ما تزال الديمقراطية التمثيلية قادرة على تأمين استمرار و ازدهار المشروع الحداثي الأنواري ؟
في أعقاب أهوال الهولوكوست النازي، ساد الشعور بأن قيم الحداثة قد خذلت الضحايا وتنكرت الأنوار لوعودها. ترتب عن دلك مزاج ناقم عن الحداثة ، سيما في أوساط أبناء الضحايا والناجين ، وهم بالذات رعاة ديمقراطية شرق أوسطية منتجة للأصوليات على طريقة الليكود وحماس .وادا كان الأصوليون البروتستانت داخل الولايات المتحدة الأمريكية كانوا من أشد أعداء الصهيونية ولفكرة وجود دولة إسرائيل، فإن أصوليتهم لم تحل دون ان يتحولوا اليوم إلى الموقف النقيض،اد أن المرء يجدهم أكثر ولاء لإسرائيل حتى من الطوائف اليهودية نفسها .إنها الخبرة الأساسية التي تنير طريق المحافظين الجدد لرسم خارطة طريق نحو عالم مؤلف من الأصوليات الدينية. وليس مصادفة أن المدير الحالي للبنك الدولي السيد بول وولفويتس ، وهو من المحافظين الجدد ، يعد من أبناء ضحايا تجربة الهولوكوست .
على الرغم من أن المسافة التي تفصلنا اليوم عن جريمة الهولوكوست ، يأباها البعض إلا أن تبعد عنا ، إلا أن بعد المسافة بقوة الزمن يجعل مناقشة الفرضيات الأساسية في حل من أي التزام أخلاقي صوب الضحايا، بل إن التزاما من هدا القبيل هو بالذات ما يضعنا أمام ضحايا جدد ، هم ضحايا الحادي عشر من شتنبر .
بالنظر إلى ضعف المجتمع السياسي اليوم أمام تحالف الأصولية الدينية والأصولية المالية، يتجه الذكاء السياسي نحو تطوير مفهوم الديموقراطية التشاركية من حيث هي ديمقراطية قادرة على تامين مشاركة المجتمع المدني، كحامل للمشروع الحداثي ، في دائرة صنع القرار السياسي .
حين ننظر إلى تجارب الدول، فإننا نجد أن الغالبية العظمى قد نجحت في تحقيق مرحلة الانتقال نحو الحداثة بحكم قوة الدولة وأحيانا استبدادها وتسلطها، يمكننا أن نفكر في أمثلة عديدة من قبيل تجربة فرنسا خلال حكم روبيسبيير ، تجربة ألمانيا خلال حكم بسمارك ، تجربة إسبانيا خلال حكم فرانكو، تجربة تركيا خلال حكم أتاتورك...الخ، من خلال كل هده التجارب وغيرها، نلاحظ كيف أن عملية الانتقال تتم عبر مرحلتين: مرحلة الانتقال نحو الحداثة، ثم مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية،.يريد المغرب أن يحقق الإنتقالين معا دفعة واحدة وخلال مرحلة يجملها تحت مسمى المشروع الحداثي الديمقراطي، فهل هناك بديل للدولة، في زمن لم تعد فيه قوة الدولة ممكنة، سوى المجتمع المدني ؟
لا تحيل الديمقراطية التشاركية إلى مجرد علاقة جديدة بين المواطنين وسلطة القرار، علاقة من شانها أن تحقق مثال الديمقراطية، بمعنى امتلاك الناس لمصيرهم، وإنما تحيل هنا الديمقراطية التشاركية إلى حقل غني، يمكننا أن نصطلح عليه بالتربية السياسية للمواطنين.هنا تكمن الوظيفة العملية لمنظمات المجتمع المدني، وهنا تكمن أيضا الوظيفة التوجيهية للفلسفة السياسية مند سقراط، روسو وكانط.

الهوامش

1- George Soros , pour l’Amerique ,traduit par Larry Cohen , editions Dundo,Paris 2004, p :19 , 20 .


2- Guy Sorman , made in USA , editions Fayard,2004 , p: 131 .



#سعيد_ناشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار و سؤال الإسلام في فرنسا
- المسألة الدينية عند نيكولا ساركوزي
- الجريمة بتفويض إلهي


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد ناشيد - لكي لا تكون الديمقراطية ضد الحداثة