|
حتى لا تتسلل ولاية الفقيه إلى البرلمان .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 1962 - 2007 / 6 / 30 - 07:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عممت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ لأول مرة ـ على كافة المصالح الخارجية التابعة لها ـ يوم 14/6/2007 ـ مذكرة تلزم الخطباء والأئمة والوعاظ والمرشدات الدينيات ، من جهة بـ (ضرورة طلب الإعفاء من المهام لكل من أراد أن يترشح أو يشارك في الانتخابات بتقديم الطلب قبل شهر من موعد الاقتراع ) ؛ ومن أخرى بـتجنب كل ما من شأنه أن يفهم أنه يدخل في إطار حملة انتخابية لأي مرشح للاستحقاقات المقبلة التي ستجرى في شتنبر المقبل . وهذه الخطوة التي لجأت إليها الوزارة الوصية على الحقل الديني تكتسي أهمية قصوى للاعتبارات التالية : أ ـ إنها تجسد الفصل بين الديني والسياسي الذي نص عليه الخطاب الملكي كالتالي ( فالسياسة والدين ، في نظام الملكية الدستورية المغربية لا يجتمعان إلا في الملك أمير المؤمنين ) . ولا يجادل عاقل في كون الخلط بين السياسي والديني يقود حتما إلى الفتنة التي عانت منها الأمة الإسلامية منذ نشأتها ، وها هي الفتنة تعود من جديد تهدد استقرار الدول وأمن المواطنين . وما الأعمال الإرهابية التي يرتكبها تنظيم القاعدة وتيار السلفية الجهادية إلا دليل على خطورة هذا الخلط . ب ـ تجنب المجتمع مخاطر الصراع الديني الذي يفجره الخطباء والدعاة من أعلى المنابر التي يعتلونها بحكم وظيفتهم الدينية التي تمنحهم سلطة روحية على ضمائر الناس . وقد عاش المغاربة لحظات عصيبة إثر صدور مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية ، حيث انخرط كثير من الأئمة والخطباء في الصراع السياسي الذي خاضه حزب العدالة والتنمية ضد الحكومة ومعها الهيئات والمنظمات السياسية والمدنية والحقوقية بهدف نسف المشروع الحداثي والديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب . د ـ تغلق الباب أمام التوظيف السياسوي للدين الذي يمنح للخطيب ـ المترشح للانتخابات أو المنخرط في حزب ما ـ فرصة أكبر ومباشرة للتأثير على قناعة المواطنين وتوجيههم للتصويت على جهة محددة . وحسبنا التذكير بالدور الخطير والحاسم الذي لعبه أئمة الجزائر في فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية سنة 1991 . هـ ـ تصون حرمة بيوت الله من كل استغلال سياسوي يحولها إلى "مقرات حزبية " ويحيد بها عن وظيفتها التعبدية المتعالية عن كل ما هو حزبي . ولنستحضر هنا كيف أن جماعة العدل والإحسان تركز على المساجد ومنابرها في ترويج خطابها وخلق تعاطف معها وكذا التعبئة للوقفات الاحتجاجية التي تقرر خوضها . وما ينطبق على الجماعة ينطبق ، بالتأكيد ، على حزب العدالة والتنمية. و ـ تحفظ لمنبر المسجد وظيفته الدينية التي تخاطب الناس من باب الاعتقاد الديني وليس الانتماء الحزبي . وهذا يضمن حياد المساجد وتعالي منابرها عن الانغماس في الصراعات الحزبية والانحياز إلى طرف سياسي ضد آخر أو خوض الصراع نيابة عن أطراف سياسية ضد الأطراف الأخرى المنافسة . وكل تهاون أو تقصير في ضبط ومراقبة منابر المساجد وخطب الأئمة والوعاظ ، سيعصف بالأمن الروحي ويقضي على كل عناصر الاستقرار . ومن ثم يضع المجتمع على نهج غزة الحمساوية لا قدر الله . إن هذا الإجراء الذي لجأت إليه وزارة الأوقاف سيظل إجراء محدود الفاعلية ، بل سيفقدها ، سواء قدم الأئمة والوعاظ طلبات الإعفاء أو لم يقدموها . والسبب يعود إلى أمرين أساسيين : أولهما : أن الإمام الذي يقرر الترشح للانتخابات لن يتمكن من الانسلاخ عن وضعية/صفة " الإمامة" التي ستظل تلازمه من وجوه عدة أهمها : ـ أن البطاقة التعريفية للمرشح ستحتوي على عناصر يتوخى منها التأثير على الناخب ، مثل المهنة والتكوين . ـ أن الإمام المترشح سيخوض الحملة الانتخابية بالزي / الهندام الذي اعتاد الظهور به على منبر المسجد . الأمر الذي سيجعل الناخبين يتمثلونه دائما إماما ، فيسقطون عليه صفات الوقار والصدق والنزاهة والخوف من الله والتعفف . أي يجردونه من لونه السياسي ويفصلونه عن برنامج حزبه الانتخابي . وهذه كلها عناصر تشجع الناخبين الغير متحزبين على المفاضلة بينه وبين باقي المنافسين . ثانيهما : أن الأئمة الذين سيفوزون في الانتخابات سيزاولون مهامهم التشريعية كأئمة ووعاظ وليس كأعضاء في أحزاب سياسية . فهم لن يستطيعوا التمييز بين وظيفة البرلماني التي تقتضي ، من جهة ، التعاطي مع القضايا المطروحة للنقاش والبت فيها كقضايا سياسية تحتمل الخلاف بين الفرقاء وتستدعي ، في أحايين عدة ، المناورة والدفاع عن مصالح فئات اجتماعية دون أخرى . وبين وظيفة الإمام الذي سيظل محكوما بتكوينه الفقهي فيحصر نفسه داخل حدّي الحلال والحرام ولا يتعامل إلا بهما . ومن جهة ثانية ، سيجعل الخضوع للشريعة كما يفهم حقائقها ويستنبط أحكامها مقدما على الخضوع للحزب والالتزام ببرنامجه الانتخابي . ومتى تمكّن الفقهاء من التسلل إلى البرلمان فلنقرأ الفاتحة على روح المشروع المجتمعي الحداثي /الديمقراطي . لأن هؤلاء الفقهاء سيتصدون لكل ما لا ينسجم مع أحكامهم الفقهية التي تتحكم فيها فتاوى الأموات وليس مصالح الأحياء ومطالبهم . وحسبنا هنا أن التذكير بمواقف الدكتور الريسوني من مطالب النساء ومن إمارة المؤمنين ،وموقف عبد الباري الزمزمي من اليسار والمعارضة الديمقراطية ، وموقف الحبيب التجكاني الذي كفّر المطالبين بتعديل مدونة الأحوال الشخصية . كل هؤلاء وكثير من أمثالهم ، إن هم تسللوا إلى قبة البرلمان ، لن يقبلوا بصفة "ممثلي الشعب " ، بل سيُصرّون على أنهم ممثلو الدين والناطقون بأحكامه . وخطورة هذا الأمر أن هؤلاء الأئمة البرلمانيين سيشيعون الفتنة بين الناس ـ عبر النقل المباشر لجلسات البرلمان أو عبر منابر المساجد ـ لمّا يتهمون الحكومة والأغلبية بالتشريع بما يخالف الإسلام كما يفهمونه . فنكون ، بالتالي ، أمام بداية التكريس "الديمقراطي" لولاية الفقهاء ، أي وصاية الفقهاء على مفاصل الدولة ومصادر التشريع . وحتى يغلق المغرب باب الفتن قبل إيقاظها ، على الحكومة أن تسن قوانين تمنع فئة الفقهاء والأئمة والوعاظ من ممارسة العمل السياسي أسوة برجال الأمن والجنود والضباط . لأن الحياد مطلوب في هذه الفئات .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هيئات العلماء ومواجهة الإرهاب أية استراتيجية ؟
-
حماس لن تقبل بأقل من الإمارة والسلطة
-
هيئات العلماء ومسئولية الانخراط في حركة الإصلاح الشامل .
-
مواجهة الإرهاب قضية خارج دائرة اهتمام المجالس العلمية.
-
العيب في ثقافة البداوة وليس في بول الإبل
-
الجزائر نيوز تحاور الباحث والكاتب المتخصص في الجماعات الإسلا
...
-
المراجعة فضيلة لم تنضج بعد شروطها لدى شيوخ التطرف
-
أحداث 16ماي الإرهابية بين النجاح الأمني والفشل الثقافي
-
حتى لا تفلح القاعدة في أفغنة شمال إفريقيا
-
هل سيفلح تنظيم القاعدة في أفغنة شمال إفريقيا ؟
-
لن ينتهي الإرهاب إلا بتجفيف منابع التكفير وتشجيع منابر التنو
...
-
وزارة الأوقاف ومسئولية التصدي للتطرف والإرهاب 2/2
-
وزارة الأوقاف ومسئولية التصدي للتطرف والإرهاب 2/1
-
الإرهاب عقائد تكفيرية قبل أن يكون عبوات تدميرية 3/3
-
حوار مع سعيد الكحل
-
الإرهاب عقائد تكفيرية قبل أن يكون عبوات تدميرية 3/2
-
الإرهاب قبل أن يصير عبوات متفجرة كان معتقدات متطرفة 1 .
-
سيد القمني تعال نحب الوطن فإن الغربان لا تنهش إلا الجيف .
-
الملك أكبر سند لمطالب النساء
-
هل تفجيرات الجزائر تنذر باتسونامي الإرهاب ؟
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|