|
البغض في الله
كامل النجار
الحوار المتمدن-العدد: 1962 - 2007 / 6 / 30 - 07:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تسلّم الكاتب السعودي تركي الدخيل رسالة إيميل قال له كاتبها (أبغضك في الله يا تركي الدخيل. واعلم أن الدين منصور بفضل الله. وأنت ستعلم عاقبة ما تقول فلن تنفعك جريدة وثن أو وطن كما يقولون. تب إلى الله قبل الموت. وستعلم حينما ينتشر الإسلام أكثر وأكثر أنك في ضلال وخسارة. أسأل الله أن يريني فيك آية، وأن يجعلك عبرة لأمثالك.) (إيلاف، 25 يونيو 2007، نقلاً عن الوطن السعودية). وبالطبع هناك ملايين من أمثال كاتب هذه الرسالة الذين يبغضون الناس، لا بسبب ضرر لحق بهم من أولئك الناس، وإنما لأن الناس المبغوضين ليسوا مسلمين، أو أنهم مسلمون تفكروا في الإسلام وانتقدوا ما يرونه غير ملائم لوقتنا هذا. فالإسلام، منذ انتشاره في المدينة وما حولها، لم يُعلّم أتباعه النقاش والحوار مع المختلف عنهم معتنقاً أو مذهباً، وإنما أوحى لهم بالمقوله المشهورة (من ليس معنا فهو ضدنا) التي اقتبسها حديثاً الرئيس الأمريكي السلفي جورج دبليو بوش بعد غزوة مانهاتن المعروفة. بدأت رسالة الإسلام في المدينة بتبغيض غير المسلم في أعين المسلمين وفي قلوبهم، وأصبح من لا يؤمن بما يؤمنون به عدواً لله، وبالتالي عدواً للمسلمين. وسورة التوبة التي تُعرف أيضاً بسورة براءة لأنها أبرأت ذمة الرسول من كل المعاهدات التي كان قد دخل فيها مع اليهود والمشركين، مليئة بآيات الحقد والكراهية. (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه إنّ إبراهيم لأواه حليم) (114). فإبراهيم النبي الذي أرسله الله لهداية البشر وتعليمهم القيم السمحة، تبرأ من أبيه الذي أنجبه ورباه وصرف عليه وأحبه، ليس لأن أباه قد قسى عليه وضربه، ولكن لأن أباه أصبح عدواً لله لأنه لم يتّبع دين إبراهيم الجديد. ثم تأتي سورة الممتحنة المدنية لتقول للمسلمين (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) (4). وعلى المؤمن أن يتّبع هذه القدوة الحسنة ويبدي العداوة والبغضاء لمن لا يتبع ملته. ولما أيقن الرسول أن اليهود لن يتّبعوا ملته الجديدة، جاءه القرآن يقول (وقالت اليهود يد الله مغلولة غُلّت أيديهم ولُعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليذيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) (المائدة 64). فإذا تجاوزنا عن فكرة أن كل اليهود اجتمعوا وقالوا إنّ يد الله مغلولة، وهو قول يُستبعد أن يأتي من أناس آمنوا بالله وعبدوه قبل المسلمين بألفي عام، أقول، لو تجاوزنا عن هذه الفكرة وأيقنا أن اليهود قد قالوا تلك المقولة، لماذا يُلقي بينهم العداوة والبغضاء، وهم جميعهم قالوا إن يد الله مغلولة؟ فلو قالها فريق وامتنع الفريق الآخر عن قولها، لفهمنا أن يُلقي بين الفريقين العداوة والبغضاء. أمّا أن يُلقي العداوة والبغضاء بينهم وهم كلهم مشتركون في الإثم، فعقاب يتحدى المنطق. أما كان الأجدى أن يخسف بهم الأرض كما خسفها بالذين من قبلهم؟ وبالطبع لم تقف العداوة والبغضاء عند اليهود، فالقرآن يقول للمسلمين في نفس سورة المائدة (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذُكّروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة). فالنصارى لم يقولوا يد الله مغلولة ولكن لمجرد أنهم نسوا جزءاً مما ذُكروا به، وهو ميثاقهم الذي أخذه الله منهم، أغرى الله بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة. وبما أن الله كان قد أخذ ميثاق أو شهادة جميع بني آدم حتى قبل أن يُخلقوا، فقال (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن ذلك غافلين) (الأعراف 172). فجميع بني آدم نسوا شهادتهم أو ميثاقهم مع الله، وبالتالي لابد أن يكون الله قد أغرى بينهم العداوة والبغضاء. وبعد أن كانت العداوة والبغضاء عمومية وتعم جميع من لم يسلم، تدرج الأمر وأصبح أكثر خصوصية عندما قال القرآن للمؤمنين (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) (التوبة 23). فالمؤمن الذي يتولى أي يصادق ولا يكره أباه وأخاه الذين لم يسلما وجههما لله، يكون ظالماً. ومَنْ من المؤمنين يحب أن يكون ظالماً؟ فلا بد لهم أن يكرهوا ويبغضوا آباءهم وإخوانهم إذا لم يسلموا؟ وكأن ما جاء في القرآن لا يكفي، تأتي السنة لتأكد للمسلمين حُسن الكراهية والبغضاء في الله. وهناك حديث مشهور أتى بعدة روايات يقول: قال رسول الله (أفضل الحب الحب في الله وأفضل البغض البغض في الله) رواه مسلم. وفي شرح هذا الحديث يقول الإمام المناوي: (من أفضل الأعمال أن يحب الرجل الرجل للإيمان والعرفان لا لحظٍ نفساني كإحسانٍ، وأن يكرهه للكفر والعصيان، لا لإيذائه له. ومن البغض في الله بغض النفس الأمارة بالسوء واعداء الدين وبغضهما مخالفة أمرهما والمجاهدة مع النفس بحبسها في طاعة الله. وكذا من أبغض في الله أبغض أعداءه وبذل جهده في مجاهدتهم بالبنان واللسان. وقال ابن أرسلان: وفيه أنه يجب أن يكون للإنسان أعداء يبغضهم في الله كما له أصدقاء يحبهم في الله تعالى) (فيض القدير، شرح الجامع الصغير للإمام المناوي، ج2، الحديث رقم 1241. دار المعرفة، بيروت، طبعة ثانية 1391 هجرية) فالكراهية في الله بعد أن كانت مستحبة، أصبحت واجباً على المسلم، كما يقول ابن أرسلان. فلا بد أن يكون للمسلم أعداء يبغضهم في الله. بل يجب على المسلم أن يبغض النفس الأمارة بالسوء، وبما أن القرآن يقول لنا على لسان يوسف: (لا أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) فهذا يعني أن الغالبية العظمى من الناس يجب أن يبغضوا أنفسهم لأنها أمارة بالسوء. وهاهو فقيه آخر يقول لنا: (ومن البغض في الله بغض كثيرٍ ممن يَنسب نفسه للعلم في زمننا لما أشرق عليهم من مظاهر النفاق وبغضهم لأهل الخير، فيتعين على من سلم قلبه من المرض أن يبغضهم في الله لما هم عليه من التكبر والغلظة والأذى للناس. حدثنا يوسف بن موسى قال: ثنا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (ص): أفضل العمل الحب في الله والبغض في الله ) (البحر الزاخر للبزاز، طبعة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى عام 1424 هجرية، تحقيق محفوظ الرحمن زين الله، الحديث رقم 4076، ص 69). وزاد ابن عباس في الحديث السابق وقال: (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله). والقرآن يكرر شبه الجملة (إن الله لا يحب) مراراً، فيخبرنا (إن الله لا يحب الكافرين، والظالمين، والفساد، والمعتدين الخ). وقد كرر (إن الله لا يحب) تسع عشر مرةً، في عشر سور. وذكر الحب قليلاً، فقال (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبكم الله ويغفر لكم ذنوبكم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) ( آل عمران 31). وكذلك (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) (المائدة 54). ثم قال (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص ( الصف 4). و (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله( البقرة 165). ولم أجد في القرآن آيات غير هذه تتحدث عن الحب. ولكن الحب في الإسلام ليس حباً تلقائياً ينتج من مودة واستحسان بين الناس، ولا الكراهية تلقائية، فالحب يأتي بأمر إلهي. يُخبرنا القرطبي في تقسير الآية 31 من سورة آل عمران (في حديث لأبي هريرة، قال: قال رسول الله "ص": إنّ الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال إني أحب فلاناً فأحبه. قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له الحب في الأرض. وإذا أبغض الله عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فابغضه، قال: فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إنّ الله يبغض فلاناً فابغضوه، فيبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض.) انتهى. فحتى الله يبغض العبد ويأمر جبريل وملائكته وأهل الأرض أن يبغضوه كذلك بدون أي سبب سوى أن الله يبغضه. قارن كل هذا البغض في الله والكراهية فيه مع تعاليم المسيحية التي تقول ( وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر , بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا , ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين) (إنجيل متى، الآيات 39-41، الإصحاح 5 ) وقال السيد المسح (وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم , باركوا لاعنيكم , أحسنوا إلى مبغضيكم) (إنجيل متى الآية 44 ،الإصحاح 5 ) . وقال كذلك (فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم بهم لأن هذا هو الناموس والأنبياء) (إنجيل متى، الآية 12 ، الإصحاح 7 ). فهل الشخص الذي أرسل الإيميل إلى تركي الدخيل خرج من تعاليم الإسلام أو قال شيئاً لم يحث عليه الإسلام؟ هل نستغرب أن يكره المسلمون كلَ ممن يمشي على الأرض إن لم يكن مسلماً؟ وأي أجيال تُخرّج لنا البلاد الإسلامية مستقبلاً عندما يغذي شيوخ الكراهية والبغض في الله عقولهم النامية بمثل هذه الآيات والأحاديث؟ ألا تفسر هذه الآيات والأحاديث الشبق والشهوة والسعادة التي رأيناها على وجوه من ذبحوا أعداء الله في العراق ليتقربوا بهم إلى الله فيحبهم ويأمر جبريل أن يحبهم، ويأمر جبريل أهل السماء والأرض أن يحبوهم؟
#كامل_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما نقتال العقل من أجل النقل
-
بلطجية الأزهر ورضاع الكبير
-
فتاوى تحض على الجهل
-
الإعجاز غير العلمي
-
التجارة الرابحة والمسابقات الدائرية
-
الأمل يتضاءل مع انتشار فضائيات السحر
-
التحديات الحضارية للأمة الإسلامية
-
المؤتمرات الإسلامية وطواحين الهواء
-
هل يعتذر المسلمون ؟
-
لا معقولية الوجود الإلهي
-
هل يصلح الإسلام دستوراً لدولة؟
-
من يحمينا من عمر؟
-
إنهم يعبدون القرآن
-
4/4 محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان
-
محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان 3/4
-
محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان 2
-
محمد الحسيني إسماعيل ووفاء سلطان 1
-
الإسلام وجراب الحاوي
-
وثنية الإسلام
-
نهرو طنطاوي ولغة القرآن
المزيد.....
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|