مها العراقية
الحوار المتمدن-العدد: 1963 - 2007 / 7 / 1 - 05:50
المحور:
حقوق الانسان
ليعلم العالم بأسره أي معاناة يتحملها العراقيون في العراق الجديد، وأية معانات تتحملها المرأة العراقية التي باتت تقوم بدورين دورها كأم وربة بيت وموظفة ودورها كرجل بعد أن مات الرجال بسبب القتل الطائفي أو بفعل الانفجارات والمفخخات. أما ماتبقى منهم وهم قلة، فقد فضلوا الانزواء في المنزل حفاظا على الأرواح وترك مهمة ادارة المنزل للزوجة
بقلم مها العراقية
قلت لابنتي
- اهتمي بشؤون البيت, لن أتأخر أكثر من ساعة. سأذهب إلى محطة البنزين..حاولي أن تعدي لنا الشاي وسأجلب عند عودتي بعض الحلوى.
حملت معي قنينة ماء مثلج وانطلقت بسيارتي إلى أقرب محطة بنزين ودخلت من طابور النساء دون انتظار طويل..كانت الساعة تشير إلى الثانية ظهرا .وكانت السيارات تصطف في طوابير بانتظار وصول دورها. إلا أن حملة (الجليكانات) كانوا يتجمهرون, ويزدادون عددا وينبثقون من أماكن لم أكن أراها...
وازداد انتظاري وتعبي..كنت أسأل سائق السيارة التي تقف أمامي, وهو مهندس أعرفه, عن سبب التأخير فيجيبني بأنهم(البحّارة)!
عقارب ساعتي تشير إلى الثالثة...
أتصل بزوجي لأطمئنه بأن الأمور تسير على ما يرام, وأتقدم بسيارتي بضع خطوات..ثم لا شيء.وأعاود السؤال فيصلني الجواب ذاته .
كنت أشعر بتزايد نبضات قلبي لفرط الحر...
تقدمت خطوات أكثر ..
وكانت الساعة تشير إلى الرابعة والنصف عصرا عندما لم أجد أمامي سوى سيارة المهندس الذي كان يملأ خزانه بزهو لا مثيل له .
وما هي لحظات حتى تجهم وجه الرجل قبل أن يسأل عامل المحطة:
- ما الخطب؟
ضغطت على منبه السيارة لأحثه على الاستعجال وعدم إضاعة الوقت.
أشار لي بالانتظار...
أخرجت رأسي من الشباك وسألته فقال:
- لقد نفذ البنزين من المحطة
- ولم تملأ سيارتك بعد!؟
- بلى, تسع لترات حسب!
- وماذا بعد؟
- لابد من مغادرة المحطة.
- هكذا؟وبكل بساطة!مصباح البنزين في سيارتي يعلن عن نفاذ الوقود!
- ابتاعي بضع لترات من الخارج, ساعدك الله!
كانت السيارة تنطفئ مع كل متر أتقدمه, فأضطر للجوء إلى الصبية لدفعي ريثما أجد من يبيعني .
أحسست بانقباض في صدري .
- من فضلك, خمس لترات.
حدّق في وجهي ساخرا وقال:
- لن أبيع سوى عشرين لترا. وان لم يعجبك, تقدمي, فالزبائن كثيرون!
رضخت للأمر, وابتعت العشرين لترا...
1 - 3
الساعة تشير إلى الخامسة عصرا...
إذا, لقد ضاع الوقت سدى, ولكن لابد لي من التزود بالبنزين..فتوجهت إلى محطة أخرى, وانتظرت في طابور النساء, فوجدت نفسي وحيدة...
تقدم مني أحد الحراس وأدرك مدى ارتباكي وتعبي فقال لي:
- تقدمي يا أختي, وخذي دورك بين صف الرجال .
شكرته ووجدت نفسي أقف في طابور مرتب وطويل, فحمدت الله, ومنّيت نفسي بالشاي الحار برائحة الهيل.
تقدم مني حارس آخر وصاح بي :
- من سمح لك بالدخول في صف الرجال؟هيا , عودي إلى الوراء, وأخرجي, وامضي من الباب الآخر.
جاءه الحارس الأول ليخبره أنه المسؤول عن ذلك.
- كلا, لم أسمح لها بذلك. لتعد إلى الخلف وتستدير وتغادر إلى الباب الآخر!
- على جثتي!لقد سمحت لها بذلك, ولن أتراجع عن كلامي.
ازداد الثاني حنقا علي, وراح يضرب سيارتي بكل قوته, فأحسست أن السقف سيتهشم فوق راسي, فقلت له :
- حسن, لاتغضب يا أخي, تبا للبنزين..اسمح لي بالخروج وأأمر السيارات من خلفي بالابتعاد.
أخرج الأول مسدسه وأطلق عيار تين ناريتين باتجاه السماء, وقال :
- ستدخل!يعني ستدخل!
تيبس حلقي خوفا, وارتعد جسمي, وأصبحت قدميّ مجرد خيطين لا يقويان على الحركة...
استجمعت شجاعتي, وتقدمت بالسيارة بضعة أمتار, وفجأة, تقدم مني أربعة حراس وسألني أحدهم:
- أنت من دخلت طابور الرجال !
رأيت أحدهم ينتشل سلاحه من نطاقه ..
أسندت رأسي على متكأ المقعد, ورددت كلمة الشهادة, وضغطت على هاتفي النقال في محاولة للاتصال السريع بزوجي ...
كنت أسمع صوته يردد ألو..ألو
لكني لم أكن أقوى على الإجابة!
- أين أوراق سيارتك؟
أحسست بخدر يشل ذراعي ولساني..فنظرت إليهم وقلت لهم:
- لا..!..أريد ..!..بنزين..!..أبدا..!!
ويبدو أنني أثرت عطف أحدهم فقال:
- خطية!دعوها تدخل المحطة, لا شأن لها بما حدث !
تقدمت بسيارتي, وكان صوت زوجي يزداد حدة, ألو..ألو !
- أنا بخير, لقد دخلت المحطة, وسأعود بعد قليل .
ملأ لي العامل خزان الوقود, فأجزلت له العطاء إذ لم أكن أصدق أنني سأنجو من المأزق الذي وضعت نفسي فيه دون قصد .
أدرت مفاتيح السيارة لأنطلق بها, ولكن لا شيء!
كررت المحاولة, مرة واثنتان, وعشر ..ولكن دون جدوى!
استعنت بالعامل الذي زودني بالوقود, فجاء ومعه ثلاثة رجال .. حاولوا..ولكن عبثا .
2 - 3
أحسست بأن نهايتي قد دنت .فكيف لي البقاء في هذا المكان المنعزل مع سيارتي العاطلة في الساعة السادسة والنصف عصرا؟وكيف سأستقل سيارة أجرة؟وأين أضع سيارتي العاطلة؟
أسئلة كانت تدور في رأسي وتنهش أفكاري.
تقدم مني آخرون وعرضوا علي المساعدة.
- أديري المحرك.
- افتحي لنا الصندوق.
أطفئي التبريد .
كنت أمتثل لأوامرهم كتمثال من الخشب.
ترى, كيف سأخرج من هذه المحنة؟تبا للبنزين!لن أكرر المحاولة, سأبتاعه من السوق السوداء, وسأخصص ميزانية له..سأستغني عن أشياء كمالية كثيرة !
لن أعاود الكرة. أبدا فكرامتي أغلى من البنزين!
انتبهت الى صوت أحدهم يقول لي:
- هيا يا أختي لقد أصلحناها لك.قودي السيارة واضغطي على دواسة البنزين...هيّا !
أحسست بأن الدماء عادت لتسري في عروقي.
كانت الساعة تشير الى السابعة مساء. اتصلت بزوجي أكثر من مرة أطمئنه فيها على سلامتي .وما ان اقتربت من الحي الذي أسكن فيه حتى وجدت عائلتي وبعض من شباب الحي بانتظاري!
دخلت المنزل فوجدته حارا.بلا كهرباء!
لن أشرب الشاي بالهيل بل استلقيت على الارض مستعيدة أحداث اليوم المشؤومة...وكانت ثلاثة خيارات تتقافز في رأسي :
هل أستغني عن البنزين والمولدة؟أم أبتاعه من السوق السوداء؟او أعيد رحلة اليوم من جديد؟!
#مها_العراقية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟