سلمان محمد شناوة
الحوار المتمدن-العدد: 1961 - 2007 / 6 / 29 - 11:39
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كيف تحولت ثقافتنا إلى ثقافة متحجرة وكيف وصلنا إلى هذا الحد من الفقر الفكري والعقلي بحيث سبقتنا دول تعتبر وليدة منذ زمن صغير , فعمر أمريكا لا يتعدي بضعة قرون ولم تتشكل فعلياً إلا خلال قرنين من الزمان , وكثيراً ما جلسنا وتفاخرنا بان لنا حضارات لها ستة أو سبعة أو حتى عشرة الآلاف من السنين , وأننا وأننا .
لمدة طويلة من الزمن توقف الحراك الفكري في بلادنا العربية , بحيث أصبحنا في أخر الصف الثقافي العالمي , لقد دخلت بلادنا إلى نفق التخلف لمدة طويلة , وكانت هناك أسباب كثيرة ساهمت بالوضع الذي نحن فيه .
كيف يتحول مجتمع من مجتمع حي نابض بالحياة إلى مجتمع ميت , وكيف يستطيع هذا المجتمع إن يرى النور مره أخرى , هناك كثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات وقبل ذلك تحتاج إلى قراءة وتحليل ونقاش , وحراك فكري بين أقصي اليسار إلى أقصى اليمين لنصل إلى نتائج تكون قاعدة يمكن إن ننطلق منها من جديد .
لو قمنا بعملية مقارنة بسيطة بين مكتبة العربي ومكتبة الأوربي أو الأمريكي اليوم لوجدنا , إن لدينا بضعة مئات من عناوين الكتب نحافظ عليها اباً عن جد , ووجدنا لديها ملايين عناوين الكتب والتي تخرج يوميا للمطبعات , وتخرج للقأري , لوجدنا إن دولة مثل اسبانيا والتي تعتبر في أسفل التطور الأوربي , تخرج سنويا من إعداد الكتاب ما يساوي الوطن العربي بأجمعه .
ماذا نفعل حتى نحول الإنسان إلى إنسان منتج , يفكر ويحلل ويناقش , ثم يضع رؤيا جديدة جديرة بالمناقشة , كيف نطور الإنسان بحيث نجعله إلية للتقدم وليس إلية للتخلف , كيف نحول التراث العربي والإسلامي , إلى محرك يدفعنا للإمام بقوة وليس سجناً يضعنا بين قضبان الماضي , لا حديث لنا إلا بأفكار أتى بها الأقدمون تقيدنا بين جدرانها بحيث غيرها ونقاتل بشدة على إبقاء تراث الموتى هو القاعدة , والإحياء هم الاستثناء .
صدام أو حوار الحضارات
حين جاء الإسلام لم يكن لنا من النصيب الثقافي سوى ذاك التراث الشعري الشفوي القديم والذي ورثناه من الجاهلية , فلم يكن لنا كتاب واحد مكتوب منذ ذاك العهد البعيد , وأول محاولة كانت لكتابة كتاب (( هو كتابة القرآن الكريم )) والذي كتب في بادي الأمر على العظام وجريد النخل والجلود , فلم يكتمل كتابا كامل إلا بعهد أبو بكر حين أصاب الموت الأعداد الكبيرة من القراء , والذين كانوا يحفظونه بقلوبهم .
ثم كانت المرحلة الثانية هي الصدمة التي تلقاها العرب حين دخلوا البلاد المفتوحة (( العراق والشام ومصر )) حين وجدوا لديهم سجلات مكتوبة ودواوين يسجل بها كل شاردة وواردة .
ثم كانت صدمتهم التالية أثناء حكم عبد الملك الأموي, حين حرص على تحويل كل الدواوين إلى اللغة العربية حيث كانت تكتب بالفارسية بالعراق, واليونانية في بلاد الشام, والقبطية في مصر.
كتابة التراث الفكري العربي لم يبدأ إلا بنهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي , حيث استلزم كتابة (( الحديث النبوي )) فظهر مع هذه النوع من الكتابة (( كتابة التفاسير والتاريخ , والسير , وخاصة سير الخلفاء والتراث القديم المتمثل تاريخ الرسالة والخلافة .
ولكنه كانت كتابة ملوكية وليست كتابة شعبية, حيث كانت عملية الكتابة عملية مكلفة جدا, بحيث كانت عملية كتابة أو نسخ كتاب تستغرق أشهر إن لم يكن سنوات. وهذا لم يكن باستطاعة البسطاء من الناس , إنما كان يتأتي بأمر الخليفة أو احد القادة أو احد التجار .
ونوعية الكتابة لم تكن ابدأً تخرج عن كتابة (( القرآن والحديث النبوي, والتاريخ وسيرة الخلفاء والتاريخ الذي يرضى عنه الخليفة أو السلطان.
لم تكن هناك ابدأ أي ثقافة شعبية. ولم تكن هناك تعليم يرفع مستوى العامة من الناس إلى المستوي التعليمي المطلوب بحيث يخلق لدينا طبقة أدبية مثقفة واعية , تستطيع خلق حوار فكري ممتاز , فأختزل التعليم فقط بجدران المساجد وجدران القصور , فكان تعليم وثقافة نستطيع إن نطلق عليها تعليم النخبة وثقافة النخبة , وهي بكل الأحول لا تقترب من العامة أبدا .
وكانت هناك بضع سنوات ذهبية بعمرنا الطويل ويعتبر عصر المأمون والذي حكم لمدة ثمانية عشر سنة حالة استثنائية , كان المأمون مشغولا في بداية عهده بحروبه الداخلية , ثم قام بحملة لترجمة الكتب اليونانية إلى اللغة العربية , ولو لاحظنا لوجدنا إن معظم التراث العربي والفكري يستند على هذه الكمية من الكتب التي تم ترجمتها من اللغة اليونانية والهندية والفارسية إلى اللغة العربية , فكتب أرسطو وأفلاطون ومعظم الفكر الأجنبي في ذاك الوقت تم ترجمته في عهد المأمون , استطاع العرب في تلك الفترة من ترجمة الكتب ثم قاموا بتحليلها ومناقشتها ومحاولة إضافة الصبغة الإسلامية عليها فظهر لدينا , رجال مثل الجاحظ والرازي وابن سينا والفارابي هؤلاء يمكن إن نطلق عليهم أبناء((أكثر من حضارة )) فكانوا نتاج لعملية فكرية في ذاك الوقت .
الغزو التتاري والصليبي للدولة الإسلامية والعربية والذي كان غزو من دول لا يوجد بها نتاج ثقافي أدى إلى دخولنا إلى النفق المظلم وحتى بعد السيطرة العثمانية لم نستطيع لمئات من السنين إن نخلق إنتاج ثقافي متميز , إنما تحول الناتج الثقافي إلى ناتج تقليدي , مبني على الأسلوب التعليمي البسيط (( الكتاتيب )) والتي لا تعطي اى تميز للإنسان , إنما تخلق منه ببغاء أخر يردد فقط ما يسمعه ويحفظه من كتب لا تعد على الأصابع .
وحين انخفض المستوى الثقافي للمتعلمين انخفض بدوره المستوى الثقافي للعامة من الناس , لان التعليم كان مكلفا , فلا يستطيع إن يتعلم إلا أبناء النخبة من التجار والقادة أما العامة فلم يكن لهم من نصيب الثقافة إلا ما يسمعوه هنا و هناك من هذا الشيخ أو ذاك , ونحن نعرف بطبيعة الحال إن هؤلاء الشيوخ مستواهم الثقافي متدني , فلا يملكون من أدوات الثقافة إلا بضع كتب يرددونها بكل مناسبة , وحتى يطور هذا الشيخ نفسه يجب إن يذهب إلى حواضر المدن وخاصة بغداد والقاهرة والنجف وقم ودمشق , وهذا الأمر مكلف جداً .
ثم كان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر , وكانت غزوة نابليون للأراضي المصرية , لم يحضر نابليون معه جيشاً فقط إنما احضر , المطبعة وجيش من المهندسين وعلماء الآثار , فكانت نقطة تساوت بها صدام الحضارات مع حوار الحضارات , الطبقة التي أتت بعد هزيمة نابليون وخروجه من مصر أرادت لها شي مغاير عن الفترة ما قبل نابليون , فأرسل محمد علي مجاميع إلى فرنسا أخذت بأسلوب العلمي الحديث والمتطور , كمية الكتب والدراسات التي تم ترجمتها في تلك الفترة لازالت تغني الحياة المصرية لغاية اليوم .
عبودية الكتاب
هناك قصة غربية عن شخص يدعي السيد جاكسون هذا الشخص اشترى كتاب من احد أكشاك بيع الكتاب , وكانت هناك موضوع يفترض به إن يلقي حوله خطاب أو دراسة معينة إلى جمع من الأساتذة , قراءة هذا الكتاب كانت تساعده للفهم , قراء الكتاب بصورة جيدة ثم ألقى الموضوع بشكل إنشائي تقليدي , المشكلة إن جمع الأساتذة هؤلاء لم يفهموا شي من الذي قاله , وكان هناك ملل شديد بالاستماع , هنا نصحه احد الأصدقاء قال له انك تقراء بلسان شخصية خيالية هي التي كتبت الكتاب, هذه الشخصية غير موجودة بيننا , ولكنك أنت موجود , لماذا لا تحاول إن تقرأ الكتاب مرة أخرى بحيث تجعل نفسك تناقش صاحب الكتاب بالذي كتبه , بالفعل قرأ الكتاب مره أخرى , ولكن هذه المرة كانت ليست كالسابقة , إنما اخذ يناقش الآراء , ويبحث في الأسئلة حول هذه النقطة أو تلك , واخذ يبحث عن الإجابات بمصادر خارجية عن هذا الكتاب , ثم ذهب ليقي دراسته , فقام بإلقاء الدراسة بروح تختلف عن الروحة الأولى , نجد هنا حتى الروح اختلفت , فلم يشعر احد بالملل , وهو يلقي دراسته .
القراءة لدينا (( قراءة ميتة )) لأننا نتحول إلى عبيد لهذا الكتاب أو ذاك , وحين نتحول إلى عبيد ساعتها الكتاب هو الذي يسيرنا , ولسنا نحن من نسير الكتاب , وهذا الفرق بين عملية القراءة عند الغرب وعندنا حيث تتحول القراءة إلى كائن حي , تظهر به شخصيتنا نحن , وأسلوبنا نحن , وقدرتنا نحن , على تسير دفة الحديث .
كل كتب التراث لدينا المفروض إن نقرئها مره أخرى بأسلوب جديد يختلف عن أسلوب عبودية الكتاب .
العقل البشري (( كائن حي ينبض بالحياة )) وليس كائن ميت بعملية ميكانيكية فقط يحفظ ثم يردد ما يقوله مثل الببغاء.
شخصية الإنسان يجب إن يكون لها دورها الكبير في البحث والسؤال ووضع تصور جديد , وأفكار ورؤية جديدة حول مواضيع قديمة , يجب إلا تسيطر علينا , سيطرة السيد للعبد , إنما حين نبحث بها نبحث بها للبحث عن أسئلة جديد نكتشف مع الوقت إجابات جديدة لمواضيع قديمة ))
إننا في حاجة أولا وقبل كل شي إلى التمرد على المعرفة الميتة والثورة على الأفكار الجامدة والواقع إن جانب غير قليل من (( جمودنا الفكري )) راجع إلى إننا نحشو أذهان أبنائنا بالمعلومات المتحجرة . بدلا من العمل على تنشيط وظيفة التفكير عندهم . وحسبك إن نلقي نظرة على معظم برامجنا التعليمية , لكي نتحقق من إننا نكاد نقتصر على تزويد ذاكرة التلميذ العربي بالعديد (( من الأفكار )) التي تتاح له الفرصة , من بعد لاستخدامها أو اختبارها , أو ربطها بأفكار أخرى , فالتلميذ عندنا يتقبل المعلومات بشكل سلبي تام , دون إن يفطن إلى قيمة تلك الأحمال الفكرية التي تنوء بها ذاكرته . وهو يعرف الكثير من الجزئيات والتفاصيل ولكنه قلما يقف على المبادئ والأصول . ولعل المهم في التعليم أن تقدما له المبادئ الرئيسية.
يقول الإمام علي (( ربوا أولادكم لأنهم مخلوقون لعصر غير عصركم )) .
بالفعل أنهم مخلوقون لعصر غير عصر الإباء لان هناك فرق بين عصر الإباء وعصر الأبناء ومحاولة إنشاء الجيل على صورة طبق الأصل , عملية لا تستقيم مع روح العصر , وخصوصا العصر هذا , لأننا نرى إن هناك كل يوم جديد , وكل يوم اختراع , وكل يوم هناك أفكار جديدة تولد , حتى تتطور , لأنها إذا لم تتطور بسرعة , وبسرعة جدا , لا أمل لها بالاستمرار والحياة , الفكرة مثل الإنسان تولد لفترة طفولة وشباب وقوة وكهولة ثم موت , وتموت لان كل يوم يأتي لنا بمزيد من الأفكار ولا يستطيع القديم إن يقاوم حيوية الجديد , لان الجديد دوما يملك روح الشباب إما القديم , يحاول إن يحافظ على نفسه بوقار الشيوخ , ودائما تكون الغلبة للجديد , ومن الملاحظة إن الدورة الزمنية للفكرة في القديم أطول زمنياً من الدورة الزمنية للفكرة في العصر الحالي , بينما هناك من الأفكار في الأزمان الغابرة تستمر لمئات من السنين , الأفكار في هذه الأزمان ربما لا تستمر لبضع أشهر لتأتي غيرها اقوي حجة وشباباً وحيوية .
من المؤكد إن رجال الفكر لدينا كثير ما ينسون إننا نربي أبناءنا لأنفسهم لا أنفسنا إننا ننشي جيل جديد يستطيع على الرؤية والتفكير والتحليل , فكيف ننشئ هذا الجيل , إن عملية حشو أذهان أبنائنا بالمعلومات المتحجرة , بدل من العمل على تنشيط وظيفة التفكير لديهم , إننا لو نظرنا إلى معظم برامجنا التعليمة نجد هذه الحقيقة , وهي مشكلة تحجر النظام التعليمي كله , في عصر واحد يرفض إن يتطور إن يماشي الحياة والعصر .
سواء كان أسلوب التعليم القديم وأسلوب التعليم الجديد , هناك مشكلة حقيقية في كيفية تحويل الإنسان إلى كمية متحركة نابضة بالحياة يستطيع إن يفكر وان يحلل وان يناقش , وان يخلق رؤيا جديدة , كثير من المعلمين يرفضون إن يناقشهم التلاميذ أو يحاولون إن ينظرون إلى المنهج التعليمي بصورة أخري .
أسلوب التعليم القديم ولمدة أربعة عشر قرناً حولتنا إلى عبيد إلى للمحتوي التعليمي والذي تحول إلى كائن مقدس , لا يمكن أبدا إن يناقش أو نحاول إن ننظر إلى صورة تخالفه ابدأً , ننقله كما هو لا أكثر فلا يجوز أبدا , إن نخلق رؤيا جديدة أو على الأقل نحلل أو نناقش . فلم يخرج أسلوب التعليم القديم بحال من الأحوال عن مرحلة السطوح والحواشي وبحث الخارج, بينما جامعات أوربا والتي تشكلت من القرن السادس عشر لغاية اليوم وجدت له طريق أخر يختلف اختلاف جذري عن هذا الأسلوب بالتعليم.
كثير من المتعلمين على الأسلوب الديني حين نفتح معه اى موضوع للمناقشة , يبدأ بالقول إننا نحن لانعرف من أمور الدين شيء , فمثل إن هناك المحامي وهناك الطبيب وهناك المهندس , يوجد هناك رجل الدين , الذي يكون هو المتخصص بعلوم الدين , فلا يجوز لأي احد إن يبدي رأي حول موضع ديني أو دنيوي يرى المتكلم هذا أو غيره يجب مناقشته ,
هناك أسلوب عند الطبقة المتدينة وهو تصنيف الناس إلى عالم وجاهل والعالم هو بطبيعة الحال يجب إن يكون رجل الدين والجاهل يجب إن يكون بطبيعة الحال العامة من الناس.
هؤلاء أضافوا أسوارا وأسوارا من القدسية على المعلومات الدينية والتي نرى أنها يجب إن تكون في متناول الجميع من الناس , لا إن تكون في حوزة قلة قليلة من الناس , لان عملية الاستغلال والتلاعب على العواطف الدينية تقع دائما في المسافة بين من يعرف ومن لا يعرف .
الشيوعية والرأسمالية
نحن في يومنا هذا ندين لكل الأفكار الشيوعية والاشتراكية التي نشرت بيننا مشاريع التعليم المجاني والصحة المجانية لكل البشر فخلقت لنا إنسان أخر يختلف عن إنسان ما قبل القرن العشرين , كل الأدباء والمفكرين والرواد التي استطاعوا في مطلع القرن العشرين والذين قاموا بترجمة الفكر الشيوعي والاشتراكي لنا , فخلقوا من الإنسان العربي إنسان أخر , هذه الأفكار وبصراعها مع الأفكار الرأسمالية ونظرتها للإنسان الفرد والحرية والديمقراطية .
تعلمنا من الاشتراكية أهمية القطاع العام في خلق فرص تعليمية أفضل للإنسان , فلولا القطاع العام والذي كان نتاج الأفكار الشيوعية والاشتراكية لم يكن متخيلا لملايين البشر في عالمنا العربي إن يتعلموا وان يصلوا إلى مراحل التعليم العليا الماجستير والدكتوراه , فتكونت لدينا طبقة كبيرة من المتعلمين والذين هم ألان يقودون المجتمع من الخليج إلى المحيط .
تعلمنا كذلك من الرأسمالية الديمقراطية والحقوق الفردية, والدولة المدنية القائمة على فصل السلطات (( فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة )), قائمة على نظام المحاسبة فلا يكون بعد اليوم أشخاص لا تصلهم يد المحاسبة بحجة أنهم ظل الله أو خليفة الله في الأرض.
تعلمنا منهم أهمية الصحافة والسلطة الرابعة التي تعتبر ضمير الناس فتنقل الحراك المستمر للناس في مواجهة سلطات ربما تحولت يوماً ما إلى استبداد .
تعلمنا منهم أهمية منظمات جمعيات المجتمع المدني والتي تعتبر بحق سلطة خامسة تتحرك للإنسان وللإنسان فقط.
نحتاج إلى ثورة على الجمود الفكري :
هناك علاقة وثيقة بين الجمود الفكري والاستبداد وبدراسة التاريخ نجد إن الجمود الفكري يكون حيث يكون الاستبداد, فالاستبداد يحتاج إلى تجمد القوالب الفكرية بفكرة واحدة فقط, هي بقاء الحاكم, وأي مناقشة أو محاولة مناقشة , تُصفى دموياً فورا.
إن كل ثورة فكرية تحتاج إلى حرية فكرية , فازدهار الحركات الفكرية تزدهر إثناء الحريات وخاصة الحرية الفكرية , فأرسطو وأفلاطون وسقراط لم يتحصل لهم النبوغ إلا بظل حرية فكرية إثناء الديمقراطيات اليونانية القديمة , وكلنا نعرف ماذا حدث لابن المقفع مثلا وهو مترجم كتاب (( كليلة ودمنة )) فلقد كان معارض سياسي للدولة لم يستطيع إن يصدر إنتاجه الثقافي إلا من خلال كتاب بلسان الحيوانات , وغيره كثير , أما ابن رشد فلقد حُرقت كتبه في إحدى ساحات الأندلس العامة .
ونحن اليوم حين نوجه الاتهام إلى قادة الفكر ورجال الدين والساسة لأنهم النخبة الموجودين في المجتمع وهؤلاء مسئولين قبل غيرهم , مشكلة هؤلاء أنهم لا يزالون في حالة سبات عقلي فهم دائما , يفتتحون احاديثم بعبارة إن كل الناس على جهل وهم العارفون , هذا التقسيم وللأسف نجده في بداية كل رسالة عملية لعلماء الدين الشيعة حيث يقسمون الناس إلى (( عالم رباني )) وتلك هي طبقتهم , وجاهل وهذا باقي الناس , مشكلتهم هذه البروج العاجية التي بنوها وحبسوا أنفسهم بها , ولم يخرجوا إلى الشارع , حثي يعرفوا معاناة الإنسان العادي . ومشكلتهم أيضا القدسية التي أضافوها على الأشخاص وعلى أقوالهم بحيث نجد أهل الفكر يدورون بفلك شخصيات ماتوا قبل مئات السنين, لا يتجاوزونها أبدا إلى أيامنا هذه.
ليس من شأن الموتى إن يحجروا على حرية الأحياء فأن تراث الماضي لا ينبغي أن يكون قيداً يغل حركتنا ويشل تفكيرنا ,(( دعوا الموتى يدفنون موتاهم )) , كل التراث الديني والفكر الذي ورثناه من عصور القديمة يجب إلا تكون قيدا بحيث تغل عقولنا عن التفكير والاستدلال والبحث والتحليل والمناقشة , فنحن رجال وهم ورجال , ومثلما قالوا هم بأنفسهم (( كل قول يعرض على الكتاب والسنة )) وكل ما خالف هذا الكتاب وهذه السنة فهو رد , لا قدسية للأشخاص وأقوالهم , حتى السيرة والتاريخ يجب إن ننظر له بنظرة أخرى وأفكار أخرى , حتى القرآن والسنة يجب إلا نتوقف عند التفاسير القديمة لأشخاص ماتوا من ألاف سنة أو أكثر , فالتفسير أيضا غير مقدس , والسنة النبوية كتبت بعد النبي بمدة طويلة , آليات المعرفة لا ترتبط بأشخاص معينين , الإنسان مستمر إلى يوم القيامة , واستمرار الإنسان هو استمرار للفكر , والفكر يتطور حسب البيئة والمجتمع , والحراك الفكري يجب إن يستمر , يوميا يولد الآلاف مشاريع الإنسانية , فلا بد إن يولد أيضا معهم مشاريع الفكر والنبوغ الفكري .
سلمان محمد شناوة
[email protected]
#سلمان_محمد_شناوة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟