|
استرضاء أميركا حلم صعب المنال.
رامز صافي
الحوار المتمدن-العدد: 1965 - 2007 / 7 / 3 - 09:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
النظام السوري: هدفنا عرض صورة إيجابية عن قيم الدين الإسلامي وأخلاقه الإنسانية
استرضاء أميركا حلم صعب المنال.
هناك أخبار وأحداث، رغم أهميتها، تمر عليها الصحافة مرور الكرام ولا تنل ما تستحقه من تحليل أو نقاش . مثال ذلك خبر لقاء مفتي الجمهورية أحمد بدر الدين حسون بالحاخام الأكبر للجالية اليهودية في النرويج يوئاف مليكور وهو نجل عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب العمل ميخائيل مليكور.
فحسب موقع سيريا نيوز التي أوردت:.. وذكرت الإذاعة الإسرائيلية إن "الاجتماع عقد في الكنيس الكبير في أوسلو عاصمة النرويج حيث وجه المفتي حسون دعوة إلى الحاخام ملكيور لزيارة سورية "الذي رد "بإنه ينظر بإيجابية إلى هذه الدعوة".
وحول لقاء حسون بالحاخام قال مدير مكتب مفتي الجمهورية في حلب عبد الغني بكار في اتصال لـ سيريانيوز إن "هدف زيارة المفتي حسون للنروج للقاء رجال الدين المسيحي واليهودي لعرض صورة إيجابية عن قيم الدين الإسلامي وأخلاقه الإنسانية ومبادئه الأصيلة التي تستند على حب الشعوب والنظر إليها برؤية إنسانية بمعزل عن شريعتها الدينية". وحسب موقع العربية قال حسون (.. إنه دعا خلال لقاء الحاخام اليهودي إلى عودة يهود سوريا إلى بلدهم "فلهم بيتونهم وكنيسهم وأملاكهم كلها مفتوحة لهم، وسيكون لهم حقوق مثل أي سوري آخر.
وتابع "لم يطرد أي يهودي من سوريا ولا يوجد منع مغادرة ضدهم .. هم هربوا وسافروا بدون أي ضغوط وكل أملاكهم كما هي، ويوجد لهم في دمشق وحلب كنيسان ولا أعرف عددهم بالضبط.)
لأن مثل هذا اللقاء، وهذا رأيي، لا علاقة له بتعريف الحاخام المحترم بقيم الإسلام وأخلاقه التي يعرفها أكثر منا، ولأني اعتقد أن لهذا اللقاء أهداف سياسية تحتاج للتوضيح لم يفصح عنها سماحة المفتي حسون، ولأن ما حدث ليس جديداً على التاريخ، أستعيد من ذاكرة هذا التاريخ القريب أحداث أيام عشتها بوعي في جمهورية ألمانيا الديمقراطية في أواخر الثمانينات من القرن الماضي أعتقد أنها تشبه إلى حد بعيد ما يجري اليوم . في أواخر أيام نظام حكم ايريش هونيكر وتفاقم أزماته اعتقد عقل النظام أن تحسين العلاقات الثنائية المتوترة مع أميركا سيساهم في دعم نظام الحكم على الساحة الدولية وسيسهل عليه بعدها بناء علاقات أكثر ايجابية مع الدوائر الغربية عموماً واعتقد النظام أن استرضاء اللوبي اليهودي في أميركا( الواسع التأثير حسب تقديرات القيادة الألمانية آنذاك) هو مدخل ضروري لا بد منه لاسترضاء أميركا وهو بمثابة اشارة الفيزا لزيارة ايريش هونيكر الرسمية إلى واشنطن . ولتحقيق هذة الرؤيا قام هرمان أكسن ، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الألماني الموحد، بتاريخ 06.06.188 بزيارة رسمية إلى واشنطن وكان حتى ذلك الوقت أعلى مسؤول ألماني شيوعي يزور أميركا رسمياً، وكانت ألمانيا الديمقراطية إحدى الدول الصناعية العشر الكبرى وعضو في حلف وارسو. قام باستقباله جورج شولتز وزير الخارجية الأميركي ونوقش في هذا اللقاء موضوع زيارة رئيس الحزب ايريش هونيكر اللاحقة إلى واشنطن وكانت الآمال الألمانية المعقودة على هذة الزيارة التي جرى الإعداد لها في هذا اللقاء أنها ستشكل أعلى اعتراف دولي بنظام ايريش هونيكر. بتاريخ 18.10.1988 قام ادغار برونفمان، رئيس الكونغرس اليهودي العالمي، ولأول مرة بزيارة إلى ألمانيا الديمقراطية، استقبله إيريش هونيكر شخصياً وقال له في هذا اللقاء ( إن ألمانيا الديمقراطية تعترف بمسؤوليتها عن الهولكوست وهي مستعدة لتقديم تعويضات مالية رمزية للضحايا) وقام هونيكر بتقليد برونفمان وسام النجمة الكبرى لصداقة الشعوب. بعد شهر واحد من الزيارة بدأت أعمال البناء لإعادة إعمار الكنيس اليهودي في برلين المهدم أثناء الحرب. لم تتحقق الزيارة ( الحلم) لواشنطن لأن النظام السياسي القائم في ألمانيا انهار قبلها، فقد خرجت الجموع إلى شوارع برلين ولم يتمكن النظام الحاكم إدارة الأزمة الداخلية التي كان قد تجاهلها أربعين عاماً. هذا شيء من التاريخ القريب ورغم أن المقارنات التاريخية لا تستقيم دائماً فسورية ليست ألمانيا وهناك فوارق في درجة تطور البلدين واختلاف الظروف والثقافات،لكن ما يعنينا في هذا السياق هو الفكرة القائلة أن الحصول على التأييد الأميركي يخلص النظام من أزماته. وليس سراً أن عقل النظام السوري يرى أن أميركا هي مفتاح الحل والربط في منطقتنا وأن مواجهة الضغوط الخارجية الأمريكية وفك العزلة يكون عبر الوصول إلى اتفاق مع اسرائيل يجعل أميركا تعترف بالدور الاقليمي السوري ولهذا لا بد من فتح أقنية مع المنظمات والجاليات اليهودية العالمية الواسعة التأثير. ولهذا لا نستطيع رؤية لقاء مفتي الجمهورية مع الحاخام الأكبر في النرويج إلا من خلال رؤية مجموعة النشاطات والجهود السابقة والجديدة التي بذلها ويبذلها النظام السوري للوصول إلى كسب رضا أميركا ومنها مساعي السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى في محاولة الوصول إلى الجالية اليهودية في أميركاومنها زيارة ابراهيم سليمان إلى اسرائيل الذي كان قبلها قد فاوض اسرائيل لمدة سنتين بسرية كاملة، يضاف ليها دور امير قطر المميز في الوساطة بين سورية واسرائيل، ولا نعتقد أن زيارة المستشار الألماني السابق شرودر الأخيرة لسوريا والمعروف بقوة علاقاته مع اسرائيل والدعم القوي والمتميز الذي قدمه شرودر للجالية اليهودية في ألمانيا في فترة حكمه إلا جزء من هذة الجهود التي يبقى قسم هام منها في حيز السرية، تماماً مثلما بقيت المفاوضات بين المفاوض السوري سليمان واسرائيل سرية إلى أن كشفت عنها إسرائيل. والحقيقة إنه من المستحيل تصديق أن مفتي الجمهورية حسون يلتقي الحاخام الأكبر اليهودي في النرويج دون معرفة المسئولين السوريين وموافقتهم المسبقة، فسورية بلد تدار سياسته بصرامة بالغة ولامجال فيه للمبادرات الفردية. لا يجد النظام السوري حرجاً أن يعلم المواطن السوري بتفاصيل الحوارات والمفاوضات السرية مع إسرائيل التي دامت سنتين من الإذاعة والصحف الإسرائيلية وبتأكيد من المفاوض سليمان شخصياً. ولا يتجرأ احد في حزب البعث، الحزب القائد، أو الجبهة التقدمية أن يطلب توضيحاً من القيادة السورية أو دعوة السيد سليمان من قبل مجلس الشعب ليفتح تحقيقاً برلمانياً. ولا يغير النفي السوري الرسمي شيئاً أمام حقائق دامغة.
لا نعرف حقيقة هل سيستجيب الحاخام الأكبر مليكور لدعوته العودة إلى بلده الأم سورية ولا نعرف هل ومتى سيبدأ إصلاح الكناس اليهودي في حلب ودمشق، لكن نعرف وبالتأكيد أن هناك آلافاً من السوريين الغير اليهود في المهجر ممنوعون من العودة وهم يحلمون بلقاء بلدهم ورؤية ذوييهم وربما يحلمون مثلي بطعام عشاء على سفح قاسيون. مسكين مفتي سوريا الذي يستطيع أن يطلب من اليهود السوريين العودة إلى بلدهم الأم سورية ويطمئنهم على أملاكهم وكنائسهم ولكنه لا يستطيع دعوة السوريين المنفيين الطوعيين والقسريين إلى العودة إلى بلادهم. وأحمق هذا النظام السياسي الذي يستطيع إرسال مئات الرسائل والمبعوثين إلى أميركا وإسرائيل عبر العالم لكنه لا يستطيع دعوة المعارضة الوطنية إلى حوار وطني لحل أزمات البلد.
#رامز_صافي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|