|
كثر من وزارة قصرت في فضيحة دار الحنان لشديدي العوق
جواد الديوان
الحوار المتمدن-العدد: 1961 - 2007 / 6 / 29 - 11:39
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
تناولت الصحافة والمواقع الالكترونية فضيحة دار الحنان بالنقد ولم يخفف المؤتمر الصحفي لوزير العمل والشؤون الاجتماعية حول الموضوع من موجة الغضب، بل ازدادت هياجا. وينكر الوزير وقوع الحادثة، والانكار Denial من اليات الدفاع العقلي في التعامل مع التوتر (تناولت ذلك في مقالات سابقة) ثم يتهم الاعلام بالتركيز على الموضوع ويلوم القوات الامريكية لوصولها في ذلك التوقيت وبعدها يستغرب الضجة فهم مجرد معوقيين. كما تاخرت رئاسة الوزراء في الاعلان عن تشكيل لجنة تحقيقية رغم الكم الهائل من المستشارين (اشارت لذلك العديد من المواقع الالكترونية). وجاء الايضاح من مستشفى الاطفال بان الحادث وقع قبل شهر من الاعلان عنه مشيرا الى ان الاطفال وصلوا عرايا فتبرع لهم الموظفون والمراجعون بالملابس مما ساهم في اشعال موجة الغضب. ويؤكد الايضاح ارتباك المستشفى في السؤال الوارد لمن يسلمون الاطفال؟ ولم تقدم المستشفى في ايضاحها اي معلومات عن حالتهم الصحية ابدا (العوق وسوء التغذية اي الهزال الذي بدوا فيه وغيرها) وكذلك لم تكن هناك معلومات عن الحالة الصحية الانية لهم مثل الجفاف ونقص السوائل واضطراب الاملاح فقد تكدسوا في غرفة مغلقة في جو حار جدا بدون تكييف او تهوية او توفر مصدر ماء للشرب (كانوا مربوطين)، وكذلك الاضرار على الجلد (ظهرت في الصور بعض الاصابات الجلدية مثل اثار الضرب او حز من الربط والتهابات الجلد حيث تبولوا او تبرزوا حينما كانوا مربوطين لفترة من الزمن، واهمال النظافة يؤدي الى اصابات انتانية في الجلد وغير ذلك). ولم تشر الى طرق معالجتهم مثل سوائل بالوريد او سوائل بالفم او المضادات الحياتية او تقارير اطباء الجلدية واختصاصات الاطفال، اي لم يكن التقرير وافيا في موضوع خطير مثل هذه. واخيرا وصلت القوات الامريكية لتاخذهم الى جهة مجهولة بالنسبة للمستشفى كما ورد في ايضاحها (تعكس هذه الخطوة المتابعة للحالة والحرص على انجاز المهمة). وخلال ذلك لم تعلن وزارة العمل عن القضية او ان تعلن اقتحام القوات الامريكية للدار، ولم تبحث عن الاطفال طيلة وجودهم في المستشفى (لا يمكن نكران تواجدهم في المستشفى بعد ايضاح المستشفى)، ولم يوضح الوزير هذا الموضوع في مؤتمره. ولم تشر للقضية وزارة الصحة قبل الاعلان عنها الثاني! والظاهر ان المستشفى لم يبلغ وزارة الصحة او دوائر المركز بهذا الموضوع (جلب القوات الامريكية اطفال معوقين عراة ... الخ). ولم يشر للموضوع مدير عام التفتيش في وزارة الصحة في مقابلة تلفزيونية اخيرا بل اكد ثقته بالمفتش العام في وزارة العمل! ولم يحاول او دائرته جمع معلومات عن الموضوع، والمفروض ان تضع وزارة الصحة العراقيين بالصورة حول مثل هذا الامر باعتبارها مسؤولة عن الخدمات الطبية والصحية ومنها صحة هؤلاء الاطفال موضوع الازمة. ونشرت جريدة الصباح ايجازا عن المؤتمر الصحفي لوزير العمل والشؤون الاجتماعية دون تعليق او استنكار للحالة، ومع الايجاز كان ايضاح من المدير العام لدائرة العوق! بان اطباء المركز الصحي القريب من دار الحنان للايتام زاروا الدار قبل اقتحام القوات الامريكية ولم يسجلوا مشاهدات طبية مثل التي شاعت بعد ان تحول الموضوع الى قضية. اي لم يلاحظ اطباء المركز الصحي سوء التغذية الواضح للعيان عليهم بل من الصور التي تم عرضها (لم يعلق السيد المفتش العام في وزارة الصحة حول هذا الامر ولم تكن لديه معلومات حول الامر). في نهاية الثمانينات تبنت وزارة الصحة الرعاية الصحية الاولية اساسا لخدماتها، بعد ان اقرتها منظمة الصحة العالمية في مؤتمر الماتا في عام 1978 وقد مثل العراق استاذ من كلية طب البصرة حضر المؤتمر على نفقته الخاصة (رفض النظام السابق ايفاده للمؤتمر). وتعتمد الرعاية الصحية الاولية على تعاون القطاعات (مثل التعليم وخدمات البلدية وغيرها)، ومشاركة المجتمع (المنظمات الغير حكومية) والتكنولوجيا المناسبة (تكنولوجيا مقبولة علمية واجتماعيا وغير مكلفة وبالامكان تطبيقها في المؤسسات الصحية). ومن التكنولوجيا المناسبة مراقبة نمو الطفل عبر وزنه المتكرر في فترات محددة. ومراقبة النمو تم اختصارها الى العلاقة بين الوزن والعمر ومنذ ولادة الطفل وحتى عامه الثالت او الخامس، وتحدد نقطة الوزن (احداثيات س و ص) في كل زيارة على بطاقة الطفل فتتفهم العائلة وخاصة الام تطور نمو الطفل وتفخر بانجازاتها، ويسهل على الطبيب الاشارة الى عوامل الخطورة لصحة الطفل والتدخل لمعالجتها ويظهر الشكل المرفق احد اشكال كارتات مراقبة النمو. وتم ترجمة كل هذه الى اشكال بيانية وسموه طريق الصحة. وتم اضافة اشكال توضح اتجاه النمو الصحي والتعرض للخطر وحالة الخطورة في صحة الطفل، وكذلك اشكالا توضح النمو النفسي والعقلي والعصبي (الوقوف والمشي والنطق والانفعلات والحركات الاخرى) ومواعيد التلقيح وحسب الجدول المعتمد في كل بلد، وارشادات في التغذية (الرضاعة الطبيعية والمختلطة واعطاء الاغذية). وكانت هناك ندوات ودورات لاتباع مثل هذه المخططات والمنحنيات وتدوين الوزن (تم تكليف الكوادر الطبية الوسطى للقيام بالوزن وتسجيل ذلك ليتكامل المنحنى ليعطي صورة واضحة عن نمو الطفل)، الا انه لم تتابع الكوادر الطبية في المراكز الصحية او المستشفيات ذلك حيث ينحصر الدور التقليدي للطبيب في وصف الدواء فقط رغم اسم الحكيم. ويعد حرب 1991 وفرض الحصار (الحصة الغذائية تعادل الف سعرة حرارية للشخص الواحد في اليوم الواحد ) وتكررت زيارات المنظمات الدولية مثل اليونسيف لتتحرى عن سوء التغذية بين الاطفال المتوقع بسبب ذلك الحصار والحصة الغذائية لم تتوفر في دوائر الصحة وقتها مثل تلك الارقام لعدم اتباع اليات مراقبة النمو ولذلك كانت هناك بعض المسوحات الاولية ، (جرت كل تلك المحاولات الاولية في المركز الصحي للشيخ عمر ، واشارت تلك المحاولات الى بدايات الكارثة لاطفال العراق. وقدمت جامعة هارفارد اول معلومات اولية (جداول) حول سوء التغذية (فشل النمو بمؤشرات بايولوجية) مع توقعات للمستقبل بعد ان اجرت مسحا لكل العراق ، فقد زار الفريق في تشرين الاول 1991. ولم تكن الرعاية الصحية الاولية من مواد التدريس في كلية الطب وحتى في الدراسات العليا في الفروع المتعلقة بها (علوم الاوبئة وطب المجتمع والصحة العامة وغيرها). ما اردت ان اقوله فقد تم اهمال هذه التصورات في حين استطاع خبراء الدول المتقدمة دراسة المتغيرات وبعضهم استطاع التنبوء بنسب وفيات الاطفال الرضع ودون الخامسة من العمر من مؤشرات سوء التغذية (د. كارفيلد وقد اصبحت خبيرة في الاضرار الصحية للحصار بعد ان نشرت مجموعة من البحوث حول مختلف الجوانب الصحية للحصار)، ولذلك ليس من المستغرب الا ينتبه الكوادر الطبية لسوء التغذية بين المعوقين من دار الحنان، ولم يشر له تقرير المستشفى (ركز الاعلام حول اصابتهم بالهزال وبتعبيرات كثيرة على الصحف العالمية والمواقع الالكترونية). ولابد من طرفة، فقد حاولت اليونسيف مساعدة الاطفال المصابين بسوء التغذية في العراق عبر برنامج التاهيل الغذائي، وكانت المشكلة من يستحق المواد الغذائية الاضافية واجوبة الاطباء تشير الى مرضى سوء التغذية والتي عندها يفضل ادخال الطفل للمستشفى، وكانت اشكالية وتم اعداد جدول يوضح العمر والوزن الذي عنده يكون الطفل مصابا بسوء التغذية ويستحق الاغذية الاضافية وساءت الحالة الصحية لاطفال العراق بعد ذلك بشكل مخيف (الاشارة الى صراع بين التعليم الكلاسيكي للطب والتصاق الطبيب بدور محدد). ولذلك يجب الا نستغرب اشكالية تحديد سوء التغذية وما عزف عليه الاعلام مؤخرا. يسعى العالم للوقاية من العوق عبر اجراءات عديدة من خلال الرعاية الصحية الاولية ومن تلقيح الفتيات قبل الزواج بلقاح الحصبة الالمانية على سبيل المثال ووقاية الاطفال من الاصابة بالكساح وسوء التغذية والعناية بالمراهقين والشباب عبر التثقيف الجنسي والفحوصات ما قبل الزواج والاستشارات الجينية (للوقاية من الامراض الوراثية) وما يلحق ذلك من فحوصات داخل الرحم، ورعاية الحوامل (مراقبة تطور الجنين ووظائف المشيمة) وخدمات الولادة وما بعد الولادة ثم رعاية الطفل (مراقبة النمو والتلقيحات والوقاية من الامراض الانتقالية الشائعة ... وغيرها) وغيرها الكثير من الاجراءات التي اضحت روتينية في الدول المتقدمة. ولا زالت تشكل مثل هذه الاجراءات حلما في العراق، فلا زالت رعاية خدمات رعاية الحوامل تفشل في الوقاية من امراض اختفت في العالم المتقدم ومثال ذلك فان 30% من حديثي الولادة الذين تم استبدال دمهم لاصابتهم باليرقان الشديد (سبب من اسباب العوق حيث يتاخر استبدال الدم) بسبب الاهمال في اعطاء مادة انتي دي (عدم توفرها في المراكز الصحية والمستشفيات والصيدليات الاهلية وصعوبة حفظها ). وفي البحرين (عمرها كدولة اقصر من العراق كثيرا) استطاعت التغلب على انتشار امراض الدم الوراثية عبر برنامج للتثقيف والاستشارات ما قبل الزواج وفحوصات الحمل واصبح مثلا مرض نقص انزيم G6PD نادر الحدوث لديهم وفي العراق هذا النقص يشكل 20% من اسباب استبدال الدم بسبب اليرقان بين حديثي الولادة . وعند تجاوز خدمات الولادة والرعاية فان العراق سعى لزيادة عدد المعوقين من حروبه (تهمل الحكومات بعد 2003 معوقي حرب ايران وغيرها وربما اعتبرتهم مقصرين لمشاركتهم في تلك الحروب! ولذلك قطعت عنهم نسب العجز في الرواتب رغم عدم الغاء القرارات الخاصة بذلك، وفسر احد اعضاء مجلس النواب الحاليين بانهم حاربوا ايران) وتضيف احداث العنف اعداد اضافية من المعوقين! دون اهتمام كذلك، ومنع التجول المتكرر ولمدد طويلة يؤثر على خدمات الولادة (التاخر في الوصول للمستشفيات ونفاذ المواد والاعتماد على القابلات الاهليات ... الخ). ان الاهمال الذي بدى واضحا في قضية دار الحنان هي اشكالية عامة كما يبدو ، ولا زال التفكير في الشكليات لا المضمون، ونعمد الى حصر الصلاحيات في يد واحدة، واختيار اشخاص يؤثرون مصالحهم الشخصية ويتخوفون من تحمل المسؤولية ولذلك لم يظهر من يستطيع العمل لتجاوز المحنة. وتعلمت الناس في بلدنا لا تخجل من اضافة القاب لها لا تحملها مثل دكتور او استاذ مساعد وهو لا يحمل الشهادة او المرتبة! فاصبح الهم اللقب والمرتبة دون العمل، ومن الطريف ان بعض مجلات كليات الطب ترسل بحوثا للتقييم لاشخاص لم ينشروا بحثا ولم يتعاملوا مع مجلات الطب العالمية! ولا يرغبوا حتى بمجاراتها فلهم خصوصياتهم. فسرت العاملات في الدار بل والباحثات الاجتماعيات وضعية الاطفال بسذاجة! فهم عراة بسبب حرارة الجو وانقطاع الكهرباء (مشكلة عامة فماذا يفعلون؟) وايد ذلك الوزير، ويضيف الوزير بان اثار الربط على ايديهم لان بعضهم لا يفرق بين الطعام والفضلات او للسيطرة على الهياج، ولا اعلم ان كانت مثل هذه التوصيات قد وردت طبيا!. وكيف التعامل مع المصابين بلوثات عقلية. ان العنف كوسيلة ردع تنتشر في الاوساط الشرقية حتى في التعامل مع المرضى نفسيا وعقليا . ولذلك لم استغرب مقولة وزير العمل بانهم مجرد اطفال معوقين. ومن الغريب ان تزور الدار القوات الامريكية ولم تفكر الجوامع المحيطة بالدار ذلك، ولم تصل مساعدات لايصالها لهم. لم تكن المسالة خاصة بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ولكنها مسالة تتعلق باشكاليات المجتمع العراقي، وتتلاشى كل العلاقات الانسانية بضغط الظروف الحالية (العنف والارهاب) وما سبقه من حروب خاضها النظام السابق.
#جواد_الديوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملاحظات حول محنة الطفولة في مقالات الدكتور المقدادي
-
قادة في العراق
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|