الزميلة العزيزة "أمنية فهمي" في مقالها السابق الجميل جعلتني أتذكر قصة "عم حنفي الميت" وهو رجل زاهد متصوف مسالم ليس لـه إلا في الذكر والإنشاد وموائد الثريد الذي هو خير الأطعمة... وتتلخص قصته في أنه توجه للسجل المدني لعمل بطاقة ففتش الموظف في الأوراق أمامه ثم أخبره انه ميت, فثار عم حنفي وشتم الموظف فقال لـه الموظف: "على العموم أنا مش حأرد علي واحد ميت زيك... أنت مايجوزش عليك إلا الرحمة", وقف عم حنفي مذهولاً وسط السجل المدني يأخذ شهيقاً وزفيراً بصوت مرتفع وظل يتنفس وهو يسال الموجودين: "أنا بأتنفس أهو, إزاى ميت بقي... هات أيدك على قلبي... قلبي بيدق أهو" نصحه الموجودون بالكشف في مستشفي إستثماري نظيف ربما يكون الموظف صادقاً... لأن المستشفيات الحكومية مش بتعرف حاجه ورد أحد الموجودين: "فعلاً دول قعدوا يعالجوا أمي حداشر سنه وهيه ميته وإحنا مانعرفش... لحد ما أخذناها لأستاذ كبير قال أنها ميته من سنين طويلة... يمكن قبل ما تولدنى"... فكر عم حنفي في إعطاء رشوة للموظف ليبعثه حياً لكنه تراجع وانصرف... في منزله قلبتها زوجته مناحة وهي تقول أنا عارفة الحكومة مادام نوت على حاجة يبقي حتعملها حتعملها... خسارتك يا حنفي... نام عم حنفي ليلتها حزيناً فرأي نفسه في المنام يركب حصاناً أبيض مالوش ديل ويقف في وسط السجل المدني وحوله زملاؤه المتصوفون يحملون الرايات الخضراء ويدقون الدفوف ويهتفون: "حي... حي... حي" لكن الموظف البارد يخرج لهم لسانه من خلف الشباك... أستيقظ عم حنفي وقد صمم على وضع حد لهذه المشكلة فتوجه إلى السجل المدني ووقف في طابور الميتين وأخيراً وصل إلى الشباك أمام الموظف فاستجمع عم حنفي شجاعته وصرخ في الموظف بكل قوه: "أنا مش ماشي من هنا ولا مدفون إلا لما أعرف أنا مت إمتي وأزاي؟". أخذ الموظف يراجع الأوراق أمامه ثم قال بهدوء: "يا عم حنفي إنت مت من سنتين في حادث انفجار أنبوبة في وجهك" سرح عم حنفي بتفكيره قليلاً ثم وضع يده على جبهته وقال للموظف: "أيوه فعلاً أفتكرت... أنا آسف يا أستاذ, سامحني" ثم أنصرف راضياً سعيداً إلى جنه الخلد.