عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1959 - 2007 / 6 / 27 - 12:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العرب أميون ومحمد منهم (1)
هل محمد يقرأ ؟ كيف ذلك وماذا تعني كلمة أمي في اللغة العربية والمفهوم السائد آنذاك ؟
( 00 كل ما في القرآن من قصص الأنبياء الأولين وأخبار الماضين مما هو مسطور في التوراة وغيرها من الكتب القديمة يدل على أن محمداً كان على علم بأخبار الأمم الماضية , ومعنى ذلك أنه كان يقرأ الكتب القديمة , فيصح أن نستدل بما جاء في القرآن من القصص والأخبار على أن محمداً كان يحسن القراءة والكتابة , ولكن للمؤمن المتدين أن يعترض علينا فيقول أن محمداً لم يسبق له علم بأحوال الأمم الماضية وإنما جاء بهذه القصص وبهذه الأخبار عنهم بوحي أوحاه الله إليه بواسطة جبريل , فاستدلالكم بها على أنه كان يحسن القراءة والكتابة غير صحيح , ولا ننكر أن هذا الاعتراض حق بالنسبة إلى المؤمن بالوحي الذي يأتي به جبريل من الله , فلذلك نترك هذا الاستدلال الذي يجد فيه المؤمن المتدين معترضاً له علينا فلا نستدل على ما نريد بما في القرآن من القصص والأخبار التي جاء بها جبريل من الله , بل نستدل بما هو مأثور عن محمد من الأحاديث والأقوال التي قالها وتكلم بها ولم تكن وحياً أتاه به جبريل , وقد أوضحنا لك في مقالنا المتقدم أن لمحمد كلاماً خارجاً عن دائرة الوحي النازل به جبريل وأنه ليس كل كلامه من الوحي النازل به جبريل كما هو رأي الأكثرين من علماء المسلمين الذين / 260/ قالوا بجواز الاجتهاد للأنبياء 0 وحينئذ ٍ لا يجد المؤمن المتدين معترضاً له علينا في هذا الاستدلال 0
معنى كون العرب أميين
ولكنا قبل الدخول في تقرير ما نريد , نقدم لك كلمة نقولها في أمية العرب ما هي , وما الذي سماهم بالأميين , ولماذا أسماهم بالأميين , فنقول : إن الأمم كلها في عهد محمد قسمان : أمة لها نبي مرسل وكتاب منزل كاليهود والنصارى , وأمة ليس لها نبي مرسل ولا كتاب منزل كالعرب 0 فمحمد لما قام بالدعوة إلى الإسلام أراد أن يميز في كلامه بين الأمة التي لها كتاب و الأمة التي ليس لها كتاب , فسمّى العرب بالأميين , وأراد بذلك أنهم أمة ليس لها كتاب منزل ولا نبي مرسل , ليذكرهم في مقابلة الكتابيين , ولم يرد في هذه التسمية أنهم لا يقرأون ولا يكتبون لأن فيهم من يحسن القراءة والكتابة وإن كان أكثرهم لا يحسنها 0
فانظر كيف استعمل الأميين بهذا المعنى في آية جاءت في سورة آل عمران وهي : ( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم ) (1) وأراد بالذين أوتو الكتاب اليهود والنصارى , وبالأميين العرب لأنهم لا كتاب لهم لا لأنهم لايحسنون القراءة والكتابة 0
فإن قلت يجوز أنه سمى العرب أميين بمعنى أنهم لا يقرأون ولا يكتبون , وتكون هذه التسمية صحيحة باعتبار الأكثرية لأن أكثر العرب لا يحسنون القراءة والكتابة , قلت إذا صحّ هذا فأهل الكتاب من اليهود والنصارى أيضاً أميون كالعرب , بل جميع الأمم في ذلك الزمان أميون بهذا الاعتبار لأن القراءة والكتابة في ذلك العهد كانت مقصورة على طبقة خاصة من الناس , والذين يقرأون /261/ ويكتبون كانوا يعدون بالأصابع في كل أمة من أمم ذلك العهد , فالصحيح هو أنه سمى العرب أميين بالمعنى الذي ذكرناه , وهو أنهم ليسوا أهل كتاب أي ليس لهم نبي مرسل ولا كتاب منزل 0 وإذا كان العرب أميين بهذا المعنى فمحمد منهم أي هو أمي أي منسوب إلى أمة ليس لها كتاب , لابمعنى أنه لا يقرأ ولا يكتب كما جاء في سورة الجمعة : ( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم ) (2) 0 أي رسولاً أمياً منسوباً إلى أمة العرب التي هي أمة أمية ليس لها نبي مرسل ولا كتاب منزل 0
هذه هي الكلمة التي أردنا تقديمها لك قبل الدخول في تقري ما نريد , ومنها تعلم أن تسمية العرب الأميين هي تسمية اصطلاحية , فهي من مصطلحات القرآن كالصلاة والزكاة وغير ذلك , وتعلم أن العرب أميون بمعنى أنهم ليسوا كاليهود والنصارى أهل كتاب بل هم مشركون لا كتاب لهم يرجعون إليه في ديانتهم , ولا نبي لهم ينتمون إليه في ملتهم , وإن محمداً أمي أيضاً أي منسوب إلى أمة هذه صفتها , وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة كلهم أميون وإنه كانوا يقرأون ويكتبون بمعنى أنهم منسوبون إلى أمة هذه صفتها 0
أما الأمي في اللغة فهو الذي لا يعرف الكتابة والقراءة , وهو المنسوب إلى الأم لأن الكتابة مكتسبة , فكأنه على ما ولد عليه من الجهل بالكتابة , ولكن العرب لما كانوا ليسوا أهل كتاب يرجعون إليه في ديانتهم , اصطلح محمد على تسميتهم بالأميين لأنهم بمنزلة الأمي بالمعنى اللغوي باقون على ما ولدوا عليه من الجهل بالكتابة والدين , فالأمي بالمعنى اللغوي نسبة إلى الأم , والأمي بالمعنى الاصطلاحي نسبة الأمة أي إلى العرب 0 وقد استعمل محمد الأمي بالمعنى اللغوي في القرآن أيضاً وذلك في سورة البقرة حيث قال عن اليهود : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) (3) 0 هذا / 262/ وقد آن أن نأخذ بك إلى الدخول في تقرير ما نريد 0
جاء في الأحاديث المأثورة والروايات المنقولة في كتب السير ما يستدل به على أن محمداً كان يحسن القراءة والكتابة , فمن ذلك ما وقع يوم صلح الحديبية , فقد ذكروا أن محمداً لما أمر علي بن أبي طالب أن يكتب كتاب الصلح بينه وبين سهل بن عمرو الذي فوضت إليه قريش أمرها حين أرسلته إلى محمد , جعل يملي عليه وهو يكتب , فقال له : أكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو , فقال سهيل : لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ولم أصدك عن البيت , ولكن أكتب باسمك واسم أبيك , وفي لفظ لو أعلم أنك رسول الله ما خالفتك , أفترغب عن أسمك وأسم أبيك محمد بن عبد الله , فقال رسول الله : امح رسول الله , فقال علي: والله لا أمحوك أبداً , فقال : أرنيه , فأراه إياه فمحا رسول الله بيده , وقال لعلي : اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبدا لله سهيل بن عمرو, فجعل علي يتلكأ ويأبى أن يكتب إلا محمد رسول الله , فأخذ رسول الله الكتاب بيده , فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله (1)0
وعلى هذه الرواية اعتمد ابن خلدون في تاريخه عندما تكلم عن صلح الحديبية , إلا أنه عذّ ذلك معجزة له حيث كتب وهو لايعرف الكتابة : قال صاحب السيرة الحلبية وهذه الرواية هي ما وقع في البخاري , وقال ما قاله ابن خلدون أي أطلق الله يده بالكتابة في تلك الساعة خاصة , وعد ذلك معجزة من معجزاته , وأراد بعضهم أن يتأول الكلام فقال أن معنى " كتب " ههنا أمر بالكتابة , وهو تأويل بعيد لأن علياً امتنع عن الكتابة , فمن البعيد أن يأمر غيره بها , ولم يذكره الرواة خصوصاً بعد قولهم : أخذ الكتاب بيده فكتب " /263/ فصريح قولهم أخذ الكتاب أنه هو الكاتب , وأنكر بعضهم لفظ " بيده " قال وكون هذا في البخاري في نظر , فإن الذي في البخاري هو " وأخذ رسول الله الكتاب ليكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله " (2) الحديث 0 فلفظة " بيده" ليست في البخاري 0 وأنت ترى أن العبارة صريحة في أنه هو الذي كتب لا غيره , وإن كانت لفظة " بيده " غير موجودة , بل أن لفظة " بيده " لا تفيد إلا التأكيد , ويكفي أن يقال أخذ الكتاب ليكتب فكتب , ولا حاجة إلى بيده , وقال صاحب السيرة الحلبية إن أبا الوليد الباجي المالكي تمسك بظاهر قوله " فكتب " فذهب إلى رسول الله كتب بيده , فشنّع عليه علماء الأندلس في زمانه بأن هذا مخالف للقرآن , فناظرهم واستظهر عليهم بان هذا لا ينافي القرآن وهو قوله : ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمنك ) (3) لأن هذا ينفي مقيد بما قبل ورود القرآن , وأما بعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته , فلا مانع من أن يعرف الكتابة من غير معلم , فتكون معجزة أخرى ولا يخرجه ذلك عن كونه أمياً (4) انتهى 0 ) يتبع 00
(1) سورة آل عمران , الآية : 20 0
(2) سورة الجمعة , الآية : 2 0
(3) سورة البقرة , الآية 78 0
(1) السيرة الحلبية , 3/19 – 31
(2) السيرة الحلبية , 3/ 21 0
(3) صورة العنكبوت , الآية : 48 –
(4) السيرة الحلبية , 3/ 21 –
* من كتاب الشخصية المحمدية لكاتب والشاعر – معروف الرصافي
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟