أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - زهير كاظم عبود - ولادة عراقية بعد زمن مرير














المزيد.....

ولادة عراقية بعد زمن مرير


زهير كاظم عبود

الحوار المتمدن-العدد: 597 - 2003 / 9 / 20 - 06:01
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    



حبلى هي الأرض العراقية ورحمها ممتلئ بالغضب .
تمتص عرق الرجال وضيم النفوس وحزن النسوة ،  تصنع منها النسغ الصاعد في أوراق نبات البردي في أهوار وضفاف الأنهار ،  في بلاد الأنهار التي شح مائها وتكاثرت أجساد أبنائها المتساقطين فوق رمال الشواطئ  وفوق سواقي الزرع  والسراب والحالمين بلزوجة الطين بعد أن تكلس وتحجر مثل قلوب الناس .
حبلى هي الأرض تمتلئ برمال الجزيرة التي هاجرت من بواديها ونزعت عنها جلدها الناعم الرطب واستحالت جمراً وهجيراً يهاجر متسللا عبر منافذ الحدود التي لم تزل غير مقفلة  .
حبلى هي الأرض تحفظ أشبار الوطن الذي تقافز شرقاً وغرباً وأنتشر فيها الشيص والعاقول والحنظل ، يزاحم القبور التي أمتدت وتلاصقت بين أطراف  المدن وداخل جسدها  ، وتبرعمت شواهدها تحفظ للأرض أمانتها وللتراب قدسيته وللجسد تحوله .
حبلى هي الأرض وبعد المخاض ولادة .
وستلد كائنا ممتلئا بالغضب ، يتلبس الغضب كل أحاسيسه  ، مشدوداً لكل انقباضات النفس تواقاً للحزن ، قابلاً للانفجاروالتشظي في الزمن الذي يختاره   .
حبلى كمن تمسك بالجمر ، تقلبه بين كفيها وتنظر ملياً باتجاه الأفق لكنها تطرق رأسها ناسية الجمر بين يديها والرطب فوقها لا يتساقط   .
وحدها من يتلقى ثقل الأجساد المتساقطة كالمطر ، وحدها من يحتضن بقية الأشلاء  التي عافتها الناس دون ردم ودون طمار ، وحدها من يتقبل الجيف البشرية غير عابئة بالروائح التي أبتعد عنها البشر  ، وحدها هي الأرض رغم أنها تفور مرجلاً من غضب ، فأنها لابد أن تحتضن الروح التي فرت من زمانها لاملاذ لها ، لاخيار لها ، لاسقف لها، لاقرار لها  ،  لاخيمة تضللها ، وليس بوسع الجهات الأربع أن تصير لها جهة خامسة .
لكنها تصير الملاذ والركن والسقف والصدر  والحضن الذي بات يحتضن الزمن العراقي حين تشح الأزمان وتهاجر كل طيور الكون عن هذه الأرض ، وتمتنع البلابل من نقرة التين عند الصباح ومن ثم سكرتها في الظهيرة  ، ويموت التمر في أعذاقها ، وتصمت كل رياح الشـــجر ،  وتسكت رقصات أنهارها ، وهلاهل أعراسها ، وصرخات أحزانها وحرقة أرواحها حين لاتكفي كل حرقة هذا  الكون أن تزيل أطنان من حزنها  الذي بات يتكلس فوق جدران القلب ويعمي العيون .
هي الأرض حبلى بأسماء أهلنا مع علاماتهم الفارقة ، وجروحهم الندية ودمائهم التي تيبست وأندملت فوق حزنها ، وصمتهم الغريب .
حبلى هي الأرض تختزن الزمان ودماء أبنائها البررة ، وتبرقع جبهتها بعباءات النسوة المتشحات بالسواد ، فترفع بيارقها من الحزن والغضب .
حبلى هي الأرض بالذكريات والقصص التي مرت فوقها ومرغت وجهها بالوحل وكللت جبهتها بالنجوم وداستها سنابك الخيل وحوافر البغال وسرت فوقها رياح الخريف وحفيف الشجر ، وأحتفظت بين جوانحها جثث المعتوهين والكبار والتائهين والصغار والثائرين والجبناء والعاهرين والشرفاء ، وتكدست فوق روابيها قصص الانتفاضات والثورات التي ملأت أرض الرافدين وتغلغلت في شقوق الطين وفوق صفحات ماء الأنهار المنسابة . 
حبلى هي الأرض ، حين تلثم أجساد من فروا من السجون ، ومن يتلحفها وسادة من خوف ، ومن يطويها مهابة ورفيق طريق .
حبلى ورفيقة درب فوق موجات رمال الصحراء أو من  تسللوا عبر الأنفاق المحفورة تحت جدران السجون  ، و الأطراف المتغضنة وسط ماء الهور والبرك الآسنة .
حبلى هي الأرض ممتلئة بجثث الشهداء ، وأنين الأمهات ، ورطب الوجع الصادر من محاجر الشيوخ ، ونحيب الأطفال ، ولطم الصدور ، والطين الذي يلطخ الوجوه  وانهيال التراب فوق الرؤوس وارتطام النفوس والأرواح التي دفنت ولم تزل على قيد الحياة .
حبلى وفي لحظات المخاض التي لم تزل من عهد أنكيدو حتى عبد الكريم قاسم  ومن عهد آشور بانيبال حتى عبد الجبار عبد الله مستمرة في الطلق .
لم تزل تمسك النخل وتستظل بالسعف وتحتمي بفي الجدران  وينعشها رذاذ الماء .
لم تزل منذ كل مامر من الدهر  ، ممتلئة جباهها بالعرق المالح ، متشققة الأقدام مثل أرضها اليابسة ، متبرقعة بالسواد ويجللها السخام  .
حبلى وممتلئة بالغضب وستقيء الحمل حين  تصطدم الغيوم ويحصل البريق والرعد ، ويزمجر البرد وتصطك أسنانها غير عابئة لحفيف الريح  أو لصوت البرق .
غير أنها لاتلبث أن تضع حملها ثقيلاً كما العمر يجري ثقيلاً ، ومراً كما طعم هذه الحياة المريرة ، عريضاً كما في جهاتها الأربع .
حبلى ونصفها الأسفل في وحل الهور ، متمسكة بالفضاء ، وجعها يملأ الأفق ، وصراخ المخاض يصل أقصى أركان  الأرض .
ورغم أن عسر الولادة تتخلله لحظات من الدهر والملح والحزن والدمع  ، لكن ولادة أخرى ستكون ممتلئة بالوجع الآدمي مرتفعة كما يرتفع النخل هادئة كما يرفرف السعف في فضاء البساتين  .
لكنها ستلد بالتالي وليداً انيقاً مشبعاً بشمس  العراق ومغسولاً بماء النهر ومحمياً بقباب أوليائنا الذهبية وجوامعنا الملونة بلون السماء  وحلواً كما الرطب المتوهج في تموز  .
ستلد عراقياً جديداً في زمن جديد .

 



#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتحار طريق للشهادة أم مخالفة لأمر الله
- الوثائق العراقية الدامغة
- سماحة حجة الإسلام والمرجع الأعلى للمسلمين آية الله السيد الس ...
- أعداد مسودة الدستور
- الضمير الغافي في زمن صدام ؟
- احتمالات
- رحيل المناضل والمثقف العراقي باسم الصفار في استراليا
- رداً على الكاتبة أمل الشرقي
- رسالة الى عضوة مجلس الحكم الأنتقالي الدكتورة رجاء الخزاعي
- حرب الصحاف
- من سيمثل العراق ؟
- رسالة أخيرة من مواطن عراقي الى الخائب صدام حسين
- الصهيونية والأرهاب العالمي
- أهل مكة أدرى بشعا بها
- الخط السري بين القناة الفضائية و شبكة الأرهاب
- حقوق الأنسان في التشريع الجزائي العراقي الجديد
- متى يستقر الحال في العراق ؟
- ذكريات عبقة من الديوانية
- وحقاً لاننسى الصابئة المندائية
- الانتفاضة لاتحمي مرتكبي الجرائم الخسيسة في العراق ودولة القا ...


المزيد.....




- بعد عزل الرئيس.. كوريا الجنوبية تحدد موعد الانتخابات الرئاسي ...
- مواصفات الهاتف المنافس الجديد من Xiaomi
- الجزائر وفرنسا: كيف يفتتح البلدان -المرحلة الجديدة- بعد أزمة ...
- جماعة أنصار الله: غارات أمريكية قتلت شخصين على الأقل في صعدة ...
- مالي والنيجر وبوركينا فاسو تستدعي سفراءها من الجزائر بعد اته ...
- ما قصة اشتعال السباق النووي بين الصين والهند وباكستان؟
- نتنياهو يصل واشنطن لمناقشة -ملفين رئيسيين- مع ترامب
- بدنيا ونفسيا.. إسرائيل تعلن عدد جنودها المصابين في حرب غزة
- الجيش الروسي يسيطر على بلدة في سومي ويدمر 100 مسيرة أوكرانية ...
- -لا يتذكر-.. أردني أن حاول فتح أبواب طائرة متجهة إلى سيدني


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - زهير كاظم عبود - ولادة عراقية بعد زمن مرير