أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود جلبوط - أسئلة ولدي الصغير الصعبة














المزيد.....

أسئلة ولدي الصغير الصعبة


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 1958 - 2007 / 6 / 26 - 09:25
المحور: القضية الفلسطينية
    


كنت جالسا أحملق ساهما إلى التلفاز أتابع من غرفة الجلوس الأحداث الأخيرة في غزة , تحرير غزة كما يقولون , وبالكاد أصدق ما تراه عيناي , عندما باغتني ولدي الصغير عليّ والدمع ينساب على وجنتي انفعالا وقهرا , ليس من الاقتتال , فربما كان هناك كثيرا من المبررات والاختلافات بين الطرفين التي تسمح و تؤدي في كثير من الأحيان إلى حسمها بالسلاح , ولكن كان هذا لشراسة الاقتتال ومزاعم الاقتتال التي يصرح بها مسؤولي التنظيمين من أجل مصلحة الشعب الفلسطيني , واللاإنسانية التي يتصف بها المقنعون خلال ممارسة القتل فيما بينهم, والحقد وعدم احترام الموت والموتى الذين يسقطون وخاصة من الطرف المنهزم , والاستخفاف بالرموز الوطنية التي تعودنا أن ندلل بها على فلسطينيتنا إن كان أثناء الصدام المسلح مع العدو على مدى الحقبة الماضية , أو أثناء إشهارها في مسيراتنا ومظاهراتنا أمام العالم ليتعرفوا علينا بها , أو , وكما في الفترة الأخيرة , لدعوة الأوربيين للتضامن معنا والخروج بمظاهرات تؤيد قضايانا نسير ونرفعها سوية كدلالات وشعارات وطنية , وإذ الآن وفجأة , وأمام ناظري يدوسها ويهينها أهلها لصالح رموزهم الحزبية والمذهبية والعشائرية الطائفية البديلة , فبئس ما فعلوا .

تقدم مني صغيري مندهشا يحضتنني ويمسح دمعتي , فهو قلما ما شاهدني على هذه الحال , تجللني تقطيبة كبيرة وغيمة سوداء من القهر ثقيلة تعلوها زادت من اسوداد البقع السوداء المحيطة بالعينين على الوجه المريض , باغت منظري المخيف هذا ولدي الصغير وأخافه , فما كاد يهدأ من الصدمة التي اعتورته بسبب المرض الخبيث الذي ألم بي خلال الفترة الماضية عندما انتابه خوف من فراقي , وراح يهاجمني بأسئلته الصعبة , لماذا أنت حزين جدا يابابا , ولماذا تبكي , ومن هؤلاء بابا ؟ وأين يحدث هذا؟ ومن يقتل من؟ من هم الصهاينة من بينهم ومن هم الفلسطينيون ؟ من هؤلاء المقنعون يا والدي؟أليس هذا العلم الفلسطيني الذي يرمونه بعيدا؟ أليس هذا جدي أبو عمار الذي يدوسون صورته ؟ بلى بابا :إنهم الصهاينة , والتفت جانبا إلى الجدار يلقي بنظره على العلم الفلسطيني الذي يوشح لوحة المسجد الأقصى المعلقة , وأسرع راكضا إلى مكتبتي يجلب صورة أبي عمار الذي يعرف أين تتواجد بين أشيائي في مكتبي ليتأكد من أنها هي التي رآها .

تحجر القهر كله في حلقي خلال أسئلة ولدي الصغير لدرجة الاختناق , ولم تسعفني إرادتي ولا حلمي ولا حكمتي ولا خبرتي بأي كلمة أجيب بها صغيري , بل زاد من قهري وأضعف سيطرتي على نفسي فأشحت بوجهي عنه لكي لا يرى غصبا عني دموع القهر فأزيد خوفه وارتباكه.

كيف أشرح لولدي الفلسطيني الصغير هذا الذي يجري وهو الذي تعلم مني منذ أن بدأ بالتلعثم بأول الكلام و امتلك بدائيات التفكير أن جيش الكيان الصهيوني , ومنذ أن طرد جدته وجده من فلسطين 1948 هو الذي يمارس القتل والتنكيل ضد أهلنا الذين صمدوا في فلسطين , والأمريكي الذي احتل العراق حديثا , وأنه ينبغي علينا الدفاع عن أنفسنا والمقاومة بكل الوسائل لردعها واعادة بناء بيتنا الذي أحرقته واستعادة المزرعة التي استولت عليها , والبقرات والحصان والأرانب والعصافير والدجاج , والثأر منها لأنها قتلت أهلنا وأقاربنا والكلبة والقطة أمام أعين الجد والجدة , وعلينا أن نشرح هذا لكل العالم وخاصة هنا المحيط بنا في ألمانيا , عن عدالة قضيتنا وهمجية عدونا وعنصريته .

كيف أشرح لولدي الصغير أن الذي يخلع العلم الفلسطيني من ساريته ويحطم صورة أبي عمار هو صاحب القضية وابنها وليس الصهاينة ؟ وهو الطفل الصغير قد تعود أن يتلفح الشال الفلسطيني الموشح بالعلم والمزركش بصورة أبي عمار كل صباح ذاهبا إلى مدرسته يمشي الخيلاء بين أترابه من الصغار الألمان يجيبهم بكل ثقة على سؤالهم ماهذا يا علي الذي ترتديه : إنه علم فلسطين , علمي , وهذا جدي أبو عمار .
كيف يمكن لي أن أفسر لولدي الصغير اقتتال هؤلاء المقنعين بكل هذا الحقد والقسوة لم تردعهم جماهير النساء والأطفال والشيوخ العزل الذين خرجوا يتظاهرون ليشكلوا من أجسادهم حاجزا بينهم بكل جرئة للفصل بين المتقاتلين ليصونوا الدم الفلسطيني من أن يهدر باليد الفلسطينية ؟, وأنا الذي علمته على المحبة وعدم الحقد وقبول الآخر والاعتراف بالاختلاف , فهو لايعرف له انتمائا دينيا قدر ما يحمل ولائا وطنيا واجتماعيا .

لقد تعود عليّ الصغير مبكرا على مصاحبتي للمشاركة بنشاطات الجالية العربية والفلسطينية ومناسباتها وأعيادها , والاشتراك بمعظم الاحتجاجات والمظاهرات المشتركة مع الألمان والأوربيين المؤيدة للقضية الفلسطينية أو المنددة بحروب أمريكا و“إسرائيل“ ضد شعبنا العربي إن كان في فلسطين أو العراق أو لبنان , وأصطحبه معي دائما عن قصد إلى مركز جمعية أصدقاء فلسطين ليستمع للمناقشات باللغة الألمانية أو العربية , أحاول جاهدا توريثه الهم الوطني , وبناء وجدانية عربية شرقية فلسطينية لديه , لكي لا ينسى أن لنا حقوقا ضائعة يجب استعادتها في فلسطين وغيرها , ولكي يبقى متحمسا ومتضامنا لقضايا الشعوب الفقيرة العادلة في منطقتنا العربية وفي العالم الثالث عامة , فبات يحب الناس أصحاب البشرة السمراء الأفريقية , يهوى اللعب والخربشة بالخط العربي , ويميز انتماء الناس إلى القارات من خلال أشكالها المتميزة , إلا أن معلوماته عن الرموز الدينية قليلة وقليلة جدا .

يلحق عليّ الصغير بي إلى مكتبي ويحاصرني بأسئلته : بابا أرجوك أن تجيبني من هم هؤلاء المقنعين الذين كانوا يطلقون النار وأنزلو العلم الفلسطيني وحطموا صورة أبو عمار ؟ أهم الصهاينة يا أبي أم الأمريكان , أهم من رجال شارون أم جورج بوش؟
لم أتمكن من أن أنبس ببنت شفة , بل احتضنته إلى صدري , وقبلته من جبينه وربت على كتفه وقلت له : عندما تكبر كمان شوي سأشرح لك كل شيء , وسأجيب على كل أسئلتك .




#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في المشهد الفلسطيني
- سقوط الورقة الأخيرة
- إعلان
- مرة أخرى في المشهد السوري
- ذكرى النكبة , ثم النكسة , على قصف أو حصار المخيم المباح
- مايجري خلف المشهد السوري الأخير
- نكبة الشعب الفلسطيني المتجددة
- من الذي يضعف الشعور القومي والوطني واقعيا في سوريا؟
- هل نتعلم من عدونا
- أسئلة ابنتي الصغرى الصعبة
- وردتان
- في يوم الأرض
- رحل صوتي ..وقلبي معه إلى أن يعود
- لا يلد القهر سوى انكسارا
- رثاء لصديقي الذي كان يسكن في الضفة الأخرى من المنفى وقضى فيه ...
- أمنيات
- نداءا للحياة
- الصيغة اللبنانية الطائفية المتفجرة دوريا 3
- الصيغة الطائفية اللبنانية المتفجرة دوريا 2
- الصيغة اللبنانية الطائفية المتفجرة دوريا 1


المزيد.....




- لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء ...
- خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت ...
- # اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
- بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
- لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
- واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك ...
- البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد ...
- ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
- الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
- المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5 ...


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود جلبوط - أسئلة ولدي الصغير الصعبة