سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 1957 - 2007 / 6 / 25 - 11:00
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
سأبدأ من منطلق سياق العلاقة الوطنية الطيبة, والتي انتهجها الرئيس عباس ,في صياغة العلاقة مع حركة حماس , على أسس واضحة, وبرنامج وطني أكثر وضوحا, فبسط اذرعه مرحبا, وفتح قلبه بصدق للشراكة السياسية,من اجل رسم طريق وطني وحدوي شامل للمستقبل, ووفق رؤى وطنية شاملة, يكون بها حضور جاد لكل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني,في مواجهة التحديات السياسية, والأمنية , والاقتصادية الفلسطينية, وتتويج هذه المشاركة بتوافق وطني, وانصهار الهمم والآراء المختلفة في بوتقة العمل الوطني الاستراتيجي, والذهاب موحدين لخوض معترك السلام, وصولا إلى تقرير مصير بحده الأدنى ,إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس, هذه هي قاعدة الالتقاء المشتركة والمتوافقة وطنيا, والمقبولة لدى كل القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية,للعمل سويا على قلب رجل واحد.
سأنطلق بهذا السياق الطويل وصولا إلى السؤال الأساسي, من منطلق تصدي الرئيس لكل الأصوات المحتجة,على اختيار توقيت غير ملائم لحركة فتح المهلهلة, والمنقسمة على ذاتها,لإجراء الانتخابات التشريعية, وقرأت مسبقا نتائج تلك الانتخابات وفق واقعية المعطيات وقلت قبل شهر من إجرائها,على فتح أن تعد نفسها لكرسي المعارضة, واستخف الحالمون بهذه القراءة البرجماتية,عندها تحمل الرئيس بموقف وطني صلب ومسئول ,تبعات ما آلت إليه النتائج التشريعية وتداعياتها التاريخية على موقع وصلاحيات حركة فتح الدستورية, من ريادة المشروع الوطني, إلى موقع المعارضة الضعيفة, وقلت شخصيا حينها وسط الجماهير,باندفاع وردة فعل غير منطقية, وتجاوزا لأسباب السقوط الحقيقية, وبالإشارة الرمزية للرئيس ((من المسئول عن اخذ حركة فتح من غرفة العناية المركزة, إلى حلبة المصارعة, لتواجه خصما عنيدا,كبر وترعرع بالعمل الجماهيري, وعلى أنقاض التردي الذي أحدثه بعض رموز حركة فتح)).
سأنطلق من حيث مقولتي الموثقة في كثير من وسائل الإعلام ((هل حقا الرئيس قوي بحماس وضعيف بفتح)) , ومن منطلق المسئولية الوطنية المجردة بحكم مركزه كرئيس للجميع, وتجاوز كل خطوط الحزبية,لم يعير الرئيس لا الأصوات السابقة للانتخابات, ولا اللاحقة العاتبة في مراجعة الذات,والتي تحمله المسئولية لم يعرها أي اهتمام,بل لم يبدي أي أسف ولاندم على نتائج الانتخابات الديمقراطية النزيهة, وتعاطى مع تلك النتائج بكل روح فلسطينية مسئولة,حتى انه عندما كلف حزب الأغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة, اثبت بوضوح حسن نيته وذلك بتجاوز أولى العقبات البرتوكولية السياسية الدستورية الأساسية, حيث انه لم يأبه لعدم الرد على كتاب التكليف, والذي يحدد الخطوط العريضة للسياسة الفلسطينية , التي يجب أن تنتهجها حكومته,تلك الخطوط هي برنامج العمل الوطني الذي انتخب الرئيس عباس على أساسه, واهم تلك الخطوط التي تجاوزها تسهيلا على الحكومة الجديدة,الاعتراف بالكيان الإسرائيلي, وشروط الرباعية,انطلاقا من الأساس أن الكيان السياسي الدستوري الحديث, والبرلمان والانتخابات, هي نتاج وإفراز,لاتفاق بين طرفي معادلة الصراع الفلسطيني_ الصهيوني , برعاية تلك الرباعية الدولية,وحتى في أقصى الحالات وبعد تشكيل حكومة حماس, والتي قد تتطلب التقليل من الحياد الحزبي,كان الرئيس رجل يمسك العصا من المنتصف, ويحافظ على عهد وطني شامل قطعه على نفسه, ولم يكترث لأي من دعوات التطرف السياسي, ولم يقبل على الإطلاق عزل حكومته لمجرد أن لونها السياسي الأيدلوجي غير مقبول على بعض الجهات الدولية والكيان الصهيوني, ولم يقبل أو يسلم بسياسة الحصار والعقوبات الدكتاتورية الإجرامية على الشعب الفلسطيني,عقابا له على خياره الديمقراطي, ولن يسعنا الحديث هنا حول حقيقة سلوك الرئيس في مواجهة التحديات الدولية الظالمة.
وعليه نطرح أول سؤال: ماهي مصلحة حركة حماس على أساس هذه الأرضية اغتيال الرئيس أبو مازن؟؟؟!!!
ومنذ عدة أشهر تسربت معلومات تفتقر إلى الكمال والأدلة والثبوتيات, مفادها أن حركة حماس, تقوم بحفر نفق مخصص لاغتيال الرئيس أبو مازن, وذلك أثناء قدومه إلى قطاع غزة, وكان هذا الاتهام قبل قيام حركة حماس بالاستيلاء المسلح على المقار الأمنية الفلسطينية, وما خلفه ذلك الحسم العسكري من مآسي درامية ودموية, ولسنا هنا بصدد نقاش الأسباب والمسببات اخذ بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة,فما حدث كارثة وطنية,لاغالب فيها ولا مغلوب, فالجميع خاسر ومهزوم, ويبقى خيار تدارك الانهيار الشامل مسئولية وطنية عظمى.
وفجأة ومن وسط ثورة الاحتجاج الشعبي عبر الفضائية الفلسطينية,ذهل الجميع عندما قطع البث على بدء عرض شريط كامل,تحت عنوان(0تفاصيل مخطط اغتيال الرئيس عباس)), مما زاد السخط والرعب في أوساط الجماهير,على اثر هذا ا المشهد الواضح من باطن الأرض وعلى سطحها, وقد أصيب الجميع بذهول أخر تطلب تفسيرا منطقيا, بعيدا عن الاتهامات الجزافية والاتهامات المضادة العبثية, وهناك مليون سؤال وعلامة استفهام, حول كيفية وصول الشريط للرئيس , واتخاذ قرار بثه للجميع؟؟؟!!!
ففي بداية الأمر , وقبل خطاب الرئيس في المجلس المركزي لمنظمة لتحرير الفلسطينية , كان رد حركة حماس على صور الشريط الأولية باهتا, ولم يتجاوز تعقيبهم الأولي عندما سربت المعلومات لوسائل الإعلام في المرة الأولى دون إقرانها بالدليل,بان أي فعل من هذا النوع إنما تعده حماس لمواجهة أي اجتياح صهيوني, وما عزز طرح حركة حماس, أن السيد الرئيس كان لدية معلومات مسبقة, وتحذيرات من مخطط لاغتياله, إلا انه أصر على التوجه إلى قطاع غزة,ولم يكن لدينا مسبقا أي تفسيرات على إصراره, والذي وضحه خلال خطابه,انه لم تكن قد حانت ساعة الصفر لاغتياله قبل أحداث غزة الدموية,والأسئلة كثيرة,أهمها لماذا جازف الرئيس وضرب بعرض الحائط كل التحذيرات ,لو كان لديه ذرة شك بان هناك تخطيط حقيقي لعملية تستهدفه؟؟؟!!! ومن يعرف ساعة الصفر غير صاحب القرار بها؟؟؟!!!
وخلال كلمة الرئيس أمام المجلس المركزي,اقر بثبوتية الدلائل أن المخطط فعلا كان معدا لاغتياله ,بالصوت والصورة, ونحن من طرفنا شاهدنا الصورة, دون التأكد من الصوت الذي يشير لإعداد الخندق خصيصا لاغتيال الرئيس, أو ربما لأسباب أمنية اقتطع ذلك الجزء الصوتي .
المهم وعلى الفور انبرت قيادات حماس على الساحتين الداخلية والخارجية, لتدفع بتكذيب الادعاءات, وتراوحت الردود في اتجاهين شبه متناقضين, مابين رد الاتهام باتهام فبركة الشريط, واتجاه أخر يؤكد عليه كإجراءات عسكرية لمواجهة أي اجتياح صهيوني, وهنا سنتناول الدفاعين على حدة.
السيد- أسامه حمدان ,,,, ودعوى الفبركة :
كما جاء على لسان ممثل حركة حماس في لبنان, والذي قال : لاعلم لقيادة حركة حماس بمثل هذا الشريط على ارض الواقع, وان السيد خالد مشعل علم من الرئاسة بالشريط ووعد بإرساله, وحتى وقتنا هذا لم يصل ذلك الشريط المزعوم على حد قول السيد أسامه حمدان, وهو حديث نعتبره مسئول يصدر عن قيادي بارز في حركة حماس,حيث قال: إن ذلك الشريط المعروض مفبرك,مما يجعلنا نفهم أن مابث على فضائية فلسطين,لاعلاقة له بحركة حماس, وتعني الفبركة نفض اليد من كل التفاصيل, والفبركة تعني اختلاق قصة وأحداث من صنيعة آخرين, وذلك من اجل النيل من سمعة حركة حماس.
وهنا ومن منطلق التجرد الغير مقبول على البعض,فلابد منه سعيا للوصول لمقاربة منطقية للحقيقة, دعونا نفترض جدلا للتعاطي مع هذا التصريح المسئول على محمل الجد, كفرضية صحيحة 100% , وانه لاوجود ولا علم للحركة بمثل هذه القصة المفبركة بالصوت والصورة,وهنا نقول يتوجب على حركة حماس في مثل هذه الحالة المفبركة,أن تشرع فورا ببعض الإجراءات الأمنية,كي تمسك بدليل براءتها من الفبركة,لتفضح ادعاء الآخرون, وذلك بتشخيص الوجوه التي ظهرت في الشريط, والتي يتقمص بها هؤلاء الأشخاص هوية حركة حماس, وأزياء ذراعها العسكري(القسام), واضعف الإيمان تقوم باعتقالهم والتحفظ عليهم, طالما أنهم غير تابعين لها ومشتركون في مؤامرة الفبركة,وذلك خشية من أن يقوم الطرف الذي يقف خلف هذا العمل المفبرك باغتيالهم لدفن الحقيقة!!! وبهذا تكون تفاصيل عملية الفبركة بالدليل والبرهان لدى حركة حماس, لتدفع بها عن سمعتها, بالدليل العملي وتكشف النقاب عن المجرم الحقيقي, الذي قام بفبركة هذا الشريط للنيل من علاقة الحركة بالرئيس عباس.
تصريحات قيادية أخرى - والاعتراف بالشريط على أساس انه موجه للاحتلال:
ثم تتوالى التصريحات من أعلى مستويات قيادة الحركة السياسيين والعسكريين, لتدفع باتجاه معاكس لما ورد على لسان السيد - أسامه حمدان, بل والاعتراف صراحة بعمليات الحفر وتجهيزها بالمتفجرات,ليس من اجل اغتيال الرئيس, وإنما من اجل مواجهة أي اجتياح مرتقب, كما يهدد به قادة الكيان الإسرائيلي, ردا على جحيم صواريخ المقاومة الفلسطينية.
وهنا يجب أن نتوقف قليلا لنأخذ بهذه الفرضية كذلك على محمل الجد ونسلم بمصداقيتها إذا ما أردنا الوصول للحقيقة,ونطرح سؤال هام, ربما خبرتنا العسكرية في مقارعة العدو الصهيوني بزرع المتفجرات في كل أنحاء قطاع غزة إبان الاحتلال,لم تصل إلى هذا التخطيط الميداني الضخم, ولنقيس هذه الفرضية, ونفترض أن الاجتياح الصهيوني بدء فعلا بزحف وتقدم مئات الآليات النازية من شمال قطاع غزة وصولا لشرك المقاومة(النفق) ويتم فعلا تفجير النفق, وهنا نتساءل عن النتائج, فهل المقصود بهذا النفق تفجير آلية أو اثنتين؟؟؟ وإذا كان كذلك,الم يكن بالإمكان الاستعاضة عن هذا العمل الطويل والشاق, بزراعة راسية أو متفجرات جانبية تؤدي نفس الغرض,كما حدث سابقا وتم تفجير أسطورة المركفاة على يد الألوية والكتائب,بهدف توجيه اكبر صفعة للكيان المتغطرس, والمغتر بصناعته الاعجازية التي أبهرت العالم ومن ثم أسقطت المقاومة الفلسطينية تلك الأسطورة الكاذبة؟؟؟ واقصد هنا أن النفق يكون لعملية واحدة, وربما لن تمنع زحف الاجتياح, وطالما يوجد البديل, فلم كل ذلك العمل الشاق والغير متوقع انه سيحسم معركة الاجتياح؟؟؟
وعليه ومن وجهة نظري, أن مثل هذا النفق, وكمية المتفجرات الضخمة ,تُعد لهدف واحد, له من الفعل السابق لهدف العملية أثرا بالغا في حسم لمعركة وتحقيق الأهداف, ولا اجزم هنا بهذا التتبع والاستدراك,بأنه مُعد لاغتيال الرئيس عباس, وإلا لتم اغتياله سابقا,بدليل أن نقطة الصفر على غير طرح الرئيس, تكون قبل السيطرة العسكرية على قطاع غزة, أو تكون على الأقل شرارة أولى كي تسقط على إثرها كل القلاع دون مقاومة بعد اغتياله, لما يحدثه ذلك من ارتباك, ورغم جاهزية النفق, وعلم الرئيس وتحذيره ومواجهة ذلك بالإصرار للتوجه إلى غزة,فلم تحدث عملية الاغتيال, لأنه بعد سقوط القلاع الأمنية وسيطرة حركة حماس بالمطلق على قطاع غزة, لايكون بعدها نقطة صفر!!!! لان الرئيس لن يتوجه للقطاع بعدها, فلماذا لم يتم اغتياله قبلها, طالما هو الهدف؟؟؟؟ وما مصلحة حركة حماس من اغتيال الرئيس عباس؟؟؟
والخلاصة المنطقية من وجهة نظرنا, ومن خلال تحقيقنا هذا, وطالما افترضنا أن مثل ذلك النفق يُعد لهدف واحد ما, وهذا الهدف كما خلصنا له لم يكن اغتيال الرئيس عباس, يكون السؤال الأهم هو:
إذا لم يكن الرئيس عباس هو المستهدف بدليل توفر الفرصة لذلك؟؟؟ فمن الذي كان مستهدف إذن؟؟؟ وربما من استهدفتهم حركة حماس بذلك لا تنكر أنهم أهدافا معلنة للحركة, وتعطي نفسها كل الحق لذلك من منطلقات وطنية كما يدعي كبار قادتها, وتبقى الإجابة رهن توضيح الملابسات لدى حركة حماس, التي قد تهتم كأولوية أمنية, بكيفية تسريب الشريط, وحقيقة الطريقة التي وصل بها ليد الرئيس عباس, الذي هو في رأيها غير مستهدف, لما يحمله ذلك التسريب الخطير من أخطار اكبر على انتهاك سرية عملها.!!!!
وفي المحصلة السياسية رغم هول الكارثة والمأساة الدموية التي اجتاحت غزة, وعلى عكس رؤية البعض الذي يتوقع حسما خارجيا عسكريا بعيدا عن حسابات اللعبة الكبرى,فإنني أتوقع ومن خلال قراءتي لبعض المعطيات السياسية الشحيحة,أن تفتح قنوات جديدة للحوار,فقد ترك الرئيس الباب مواربا لذلك, وستقبل حركة حماس شروط الرئيس أبو مازن, بعد سعيها لتحسينها(تعديلها) لتحقق مصالحها بالحد الأدنى وتفلت من شرك معقد ورطت نفسها به نتيجة الحسم العسكري والسيطرة على قطاع غزة بالكامل, وسيتحقق الحد الأعلى لرؤية الرئيس عباس سياسيا, وربما تشكل الحكومة الثانية عشرة, على أسس جديدة يكون قد تغير على خارطتها الإستراتيجية,الركائز الأساسية من حيث رموز وقواعد اللعبة السياسية.
والله من وراء القصد
[email protected]
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟