|
ميلاد حزب اليسار في المانيا
نبيل يعقوب
الحوار المتمدن-العدد: 1956 - 2007 / 6 / 24 - 11:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"الرأسمالية هي الخطر الذي يهدد السلام والمصالح الاجتماعية للشعب والمناخ" شهدت المانيا يوم 16 يونيو ميلاد حزب اليسار والذي وحد حزبي "الاشتراكية الديمقراطية" من شرق المانيا (60 الف عضو) وحزب العدالة الاجتماعية من غرب المانيا (10 الف عضو). جاء نشوء حزب اليسار تكليلا لعملية التوحيد التي استمرت لمدة عامين، وادت لخوض الانتخابات العامة في سنة 2006 بقائمة انتخابية مشتركة نجحت في الدخول الي البوندستاج بكتلة برلمانية واحدة تحت اسم "كتلة اليسار" وحققت مؤخرا انتصارا في انتخابات برلمان مقاطعة بريمين فنجح اليسار لاول مرة بعد الوحدة الالمانية في دخول برلمان مقاطعة في غرب المانيا. اعلن قادة اليسار انهم يتركون خلفهم صراعات سياسية وايديولوجية دامت قرنا كاملا لتتركز الجهود على التصدي للرأسمالية المنفلتة من عقالها والتي دمرت ما كان يعرف باسم الدولة الاجتماعية، ولمقارعة العولمة الرأسمالية التي تنشر الحروب في العالم من اجل المصادر الاولية والاسواق. ترددت في مؤتمر الوحدة الدعوة للعودة للقانون الدولي، ولعدم المساس بالحريات الديمقراطية، وبالغاء القوانين والسياسات التي تحكم على الملايين بالفقر في واحدة من اغنى دول العالم. بقيام هذا الحزب الجديد تغيرت الخريطة السياسية لالمانيا فتعززت التعددية السياسية لتشمل اليسار الذي اصبح كما اتفق محللو السياسة الحزبية في المانيا ظاهرة راسخة، وتصدعت نظام الاحزاب الثلاثة او الاربعة التي تعبر عن التيارات المحافظة والليبرالية، والتي ظلت تحكم البلاد بالتبادل مجمعة على اقصاء اليسار في تشكيل الحكومة الاتحادية. وطبقا لعدد اعضاء الحزب وايضا حسب أحدث استطلاعات الرأي يعد حزب اليسار القوة السياسية الثالثة في المجتمع ( نحو 11 بالمائة في الانتخابات البرلمانية العامة). وكان حزب اليسار قد حصل على 4 ملايين صوتا في الانتخابات العامة منذ اقل من سنتين.
"الحرية والاشتراكية" بدلا من "الحرية بدل الاشتراكية"
وقد حافظ اليسار على نسبة 20 الي 25 بالمائة من اصوات الناخبين منذ الوحدة الالمانية في مقاطعات الشرق بينما لم ينجح اليسار في الغرب في تحقيق وجود برلماني في البوندستاج فيما عدا عدة سنوات بعيد الحرب العالمية الثانية كان فيها الحزب الشيوعي الالماني ممثلا في البرلمان. وتؤكد نتائج الاستطلاعات الحديثة قبولا ملحوظا من الرأي العام لوجود حزب لليسار ويؤيد ربع الناخبين ان حزب اليسار مؤهل للمشاركة في الحكم على المستوى الاتحادي. بهذه الوحدة حقق اليسار الالماني خطوة حاسمة في التغلب على مشكلة بنيوية اذ تبين اليسار في شرق المانيا انحصاره في الشرق وفشله في الامتداد نحو الغرب، كما تبين آلاف المنتمين اليسار النقابي وللحزب الديمقراطي الاجتماعي في الغرب ضرورة الاستقلال السياسي عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي للتمكن من الدفاع بفعالية عن مصالح العاملين. خلال اكثر من عامين تواصل الحوار والعمل المشترك بين حزبي اليسار للتوصل الي مفهوم مشترك للتوحد بين قوتين سياسيتين نابعتين من جذور سياسية وثقافية وتاريخية مختلفة. ولكن المتغيرات الاقتصادية الاجتماعية السريعة التي تمثلت في هجوم الرأسمال على المنجزات الاجتماعية التاريخية للعاملين وتحول السياسة الخارجية الالمانية الي مواكبة السياسات الامريكية مما انعكس في توسيع المشاركة العسكرية الالمانية في افغانستان وافريقيا والشرق الاوسط مثلت تحديا واجه اليسار من حزب الديمقراطية الاجتماعية في الغرب فانفصلوا عن حزبهم ليؤسسوا حزب العدالة الاجتماعية. وانبثق مؤتمر الوحدة الذي انعقد في برلين عن مؤتمرين عقدهما كل من الحزبين بشكل متزامن ومتجاور واختارا عددا متساويا من المندوبين لمؤتمر الوحدة وكذلك في انتخاب قيادة الحزب التفاوت الواضح في عدد الاعضاء وفي نفوذ كل منهما في مناطق وجوده. اهتم الاعلام الالماني اهتماما كبيرا بتغطية وقائع المؤتمر التوحيدي. وهب قادة الحزب الليبرالي واحزاب الحكومة بالهجوم على الحزب الجديد وانطلقت التصريحات والمقالات لترسم الخطر الذي يهدد المانيا. وكان الحزب الليبرالي الذي وضع لمؤتمر حزبه الذي تزامن مع مؤتمر اليسار شعار "الحرية بدل الاشتراكية" ورد عليه رئيس حزب اليسار لا فونتين بالقول "الحرية من خلال الاشتراكية". انتخب المؤتمر رئيسين هما اوسكار لافونتين، الفيزيائي، ورئيس حزب العدالة الاجتماعية والرئيس السابق للحزب الديمقراطي والذي استقال من منصبه كوزير للمالية في حكومة شرودر بعد ان انقلب شرودر على برنامج الحزب واصبح المروج الاقوى للنهج النيوليبرالي، ولوتار بيسكي الاستاذ السابق في كلية السينما، ورئيس حزب الاشتراكية الديمقراطية والذي لعب دورا رئيسا مع جريجور جيزي في تحويل حزب االاشتراكية الموحد الذي حكم المانيا الديمقراطية الي "حزب الديمقراطية الاشتراكية". لافونتين والمساس بالمحرمات
في خطابه امام مؤتمر الحزب الذي لا زالت قوته الاساسية تكمن في شرق المانيا بيسارها ذي الجذور الشيوعية اراد لافونتين والذي عاش معظم حياته السياسية في حزب طالما عادى اليسار وخاصة الشيوعي منه التأكيد على قناعته بالانتماء الي تقاليد الحركة العمالية مذكرا بنضالات الاشتراكيين الالمان التاريخية منذ عهد بيسمارك، مذكرا بروزا لوكسمبورج وكارل ليبكنخت (مؤسسا الحزب الشيوعي الالماني). وشارك لا فونتين جريجور جيزي (رئيس الكتلة البرلمانية للحزب في البوندستاج) ولوتار بيسكي في التأكيد على ان تطبيق سياسات اجتماعية وسلامية وحامية للمناخ والحفاظ على الديمقراطية يتطلب تغييرات في النظام. وطالب لا فونتين بتأميم شبكات الامداد بالطاقة وبتحكم الدولة في اسعارها وامتدح شافيز رئيس فنزويلا وايفو موراليس رئيس بوليفيا لقيامهم بتأميم المواد الاولية في بلديهما وتحدث عن بناء اشتراكية القرن الحادي والعشرين. اعتبر الاعلام المناهض لليسار تعرض قادة حزب اليسار بالنقد للنظام مساسا خطيرا بالمحرمات وخطرا يواجه الجمهورية. والدستور الالماني يتضمن بالفعل مادة تسمى "المادة الابدية" تمنع تغيير النظام الاساسي الليبرالي. وبالفعل فقد بدت كلمات لافونتين امرا مثيرا في بلد ينتمي لاوروبا الرأسمالية ذات المجتمعات الرأسمالية الراسخة والتي اصبح لنظامها القديم في مكانة الايمان الديني. مطالبة لافونتين بتأميم شبكات الامداد بالطاقة اعتبرها الاعلام السائد مطلبا شيوعيا!
مؤتمر حزب اليسار كان حافلا بالافكار والدروس وبالصراحة والشفافية في الحديث عن ان ما تحقق هو بداية الطريق والذي لن يخلو من صعوبات. ومن اهم المشاكل التي يشتد الجدال حولها في حزب اليسار هي السياسات الاجتماعية وبالاخص الموقف من الخصخصة. والمسألة ليست حوارا نظريا فحسب لأن حزب اليسار المشارك في حكومة مقاطعة برلين يتحمل مع حليفه الديمقراطي الاجتماعي المسؤولية عن عمليات الخصخصة في المقاطعة وعن سياسات تسريح العاملين بحجة خفض الانفاق الحكومي. بسبب هذه السياسة خسر حزب اليسار نصف ناخبيه في الانتخابات الاخيرة في المقاطعة. هنالك ايضا خلاف يتجدد مكررا في ندوات الحزب حول الموقف من العمليات العسكرية الخارجية تحت غطاء الامم المتحدة. حاليا يلتزم الحزب بقرارات مؤتمريه في مونستر ودورتموند والتي ترفض مشاركة المانيا في اية عمليات عسكرية خارجية. وتصرح دوائر من الحزب الديمقراطي الاجتماعي بأن اليسار سيظل غير مؤهل للمشاركة في الحكومة الاتحادية طالما ظل على رفضه لقيام المانيا بمسؤوليلتها العالمية، والمقصود هو المشاركة في عمليات عسكرية خارية. التلويح باغراء المشاركة في الحكومة الاتحادية يثير جدالا متجددا في حزب اليسار.
وحدة اليسار اكدت امكان التقاء الفرقاء المتصارعين وامكان العمل المشترك لصياغة الحاضر والمستقبل وربما ايضا لانتاج فهم مشترك للتاريخ.
#نبيل_يعقوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قمة الثمانية في المانيا بين الوعود والنتائج الفعلية تمخض الج
...
-
قمة الثمانية في المانيا
-
اين يقف اليسار الالماني من القضية الفلسطينية وكيف يرى اشتراك
...
-
رؤية اليسار الالماني في حوار عن الشرق الاوسط وعن اشتراكية ال
...
-
مؤتمر الامن الدولي في ميونيخ: عندما تتحدث روسيا بلغة الاستقل
...
-
رغم العولمة .. الاستقلال الوطني ممكن
-
المحافظون الالمان بين تعثر الاصلاح والحيرة امام مجتمع متعدد
...
-
!كرة القدم.. الهوية والعداء للأجانب فى ألمانيا
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|