|
الشباب والراهن :أية علاقة ؟
محمد البوزيدي
الحوار المتمدن-العدد: 1956 - 2007 / 6 / 24 - 11:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إن المتأمل لواقع الشباب العربي ليقف مذهولا من هول الصدمة والكارثة التي تحيط بشبابنا : شباب تائه ،غير واع بالتحديات الراهنة والمستقبلية الملقاة على عاتقه ، والأنكى أنه يواصل مسارا خاطئا ينخرط فيه بكل تلقائية، فنراه يتصرف دون تحديد دقيق لرسالته في الحياة بل ودون توضيح لطموحاته المستقبلية .. فماهو وضع شبابنا اليوم ؟ ومن المسؤول عن هذا الوضع ؟ وكيف تساهم المؤسسة التعليمية في ذلك ؟ ومالعمل لإنقاذه من هوة ساحقة يكاد يسقط الأغلبية فيها ؟ شباب غفل أصبح الشباب العربي يعيش وضعية خاصة تتميز بمفارقات غريبة وعجيبة يمكن اختزالها عموما في انخفاض المستوى التعليمي بشكل متدني: فإذا كانت فترة السبعينات والثمانينات قد عرفت طفرة قوية في المستوى الفكري العام ، واقترنت بجد واجتهاد خاصين زكاها كمية الإصدارات الورقية والمستوى الذي وصلت إليه الجامعات المختلفة رغم قلة الإمكانيات ، فإن السنوات السبع الأولى من الألفية الثالثة قد سجلت تراجعا ملحوظا في المستوى الثقافي عامة والمستوى العلمي خاصة ويمكن رصد بعض تجلياتها كما يلي : 1. قلة الإصدارات الثقافية وضآلة الاختراعات العلمية مقارنة مع الدول المتقدمة ... فقد تراجع استخدام ورق الصحف في العالم العربي لكل ألف فرد من 3.3 كيلو جرام في العام 1985، ليصبح في العام 1995، 2.7 كيلو جرام فقط، في الوقت الذي ارتفع فيه في أوروبا في الفترة نفسها لكل ألف نسمة من 55.7 كيلو جرام إلى 82.2. ولم يعد الكتاب العربي الأكثر رواجاً يوزع أكثر من ألفين نسخة، 2. سيادة نمط استهلاكي خطير دون أن يواكبه طموح نحو الابتكار والإنتاج المعرفيين 3. الاقتصار على الإنغلاق في أوساط الثقافات المحلية بل والرسمية منها والمتجلي في المقررات الدراسية دون الطموح لتطوير المعارف المختلفة بالتعرف على سائر اللغات والثقافات الأخرى و التقنيات الحديثة التي لاتظهر أخرى إلا لتفسح المجال لإبداع جديد. 4. هيمنة فكر خاص وتصور معين للحياة يزكي الجانب المادي على الجانب المعنوي في الشخصية الإنسانية . ترى من المسؤول ؟؟؟؟؟؟؟ إن معالة الظواهر السالفة الذكر تقتضي منا فحص أدوار مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تراجعت عن أداء أدوارها بشكل مريب. 1+ الأسرة : لقد قدمت استقالتها عمليا في تهيئ الشباب لواجهة المستقبل القادم ، فنمط العلاقات العائلية لم تعد تنبني على الاحترام والتوجيه ، بقدر ما أصبحت تستند على مفهوم خاطئ أصلا للحرية الشخصية التي يساء استغلال فهمها بما يعود على الشباب بالكثير من المتاعب . 2+وسائل الإعلام: إن الطفرة الإعلامية التي تشهدها الدول العربية قد أثرت بشكل كبير وسلبي في الشباب العربي ، فأغلب القنوات تدعو للاستهلاك المفرط لكل شيء، كما تشجع القنوات *الفنية * نمطا خاص من التفكير يتميز بالنزعة الليبرالية المميعة لكل القيم الجادة والهادفة، بشكل أفقد الشباب شخصيتهم القوية المعروفة ، وتركهم فريسة لكل شيء قادم مما أصاب المناعة المفترضة للشباب ضد تيارات الميوعة والغزو الفكري التي تتهدد أوطاننا في الصميم وجعلهم معبرا آمنا لها إلى كل الفئات الاجتماعية الأخرى خاصة الشباب. 3+الشباب نفسه : يتحمل الشباب مسؤولية عظمى في وضعه الحالي ويمكن حصر مسؤولياته فيما يلي : • تدني حاسة الفكر النقدي والتعامل التلقائي مع كل الانتاجات المختلفة . • ميول الشباب الحالي لإشباع الحاجات المادية المباشرة / فنون – رقص- رياضة ...../على حساب الحاجات المعنوية / فكر- علوم - تقنيات حديثة.../ التي أصبحت في نظره حاجة تكميلية وليست أساسية في صنع شخصية الإنسان، وتأتي هذه الميولات كنتيجة موضوعية للوضع الاقتصادي الذي أصبح يعيشه المفكر والعالم عموما وسط السلم الإجتماعي ،إذ يتفوق عليه *الفنان*والرياضي ورجل الأعمال الأمي .... • لا مبالاة الشباب بالمستقبل واهتمامه بالحاضر ومحاولة الاستمتاع باللحظة بغض النظر عن نوعيتها . المؤسسة التعليمية والشباب منذ سنوات خلت تشكلت علاقة خاصة للشباب بالمؤسسة التعليمية ، فقد كانت هذه الأخيرة تسارع الزمن لتأطير الشباب وإعدادهم لتحمل المسؤوليات المستقبلية الملقاة على عاتقهم في النهوض ببلدانهم والدفع بها إلى قاطرة التقدم الإنسانية . من هنا كانت المدارس والجامعات تبدو كمعابر آمنة للشباب للمرور إلى الحياة العملية التي تمكنه من تحقيق طموحاته الشخصية أو القيمية والتي تتجلى في تحقيق الأهداف العامة في الحياة . لكن هل مازالت هذه العلاقة قائمة الآن ؟ وهل مازال الشباب يجد ذاته في المؤسسة التي يقصدها ؟أم يذهب لها قسرا ؟ومالسبب ؟ وللجواب باختصار عن هذا السؤال ودون الدخول في التفاصيل يمكن القول أن العلاقة بين الطريفين أصبحت تفتر شيئا فشيئا إن لم تتحول أحيانا لعلاقة تنافر غريبة الأطوار لاعتبارات يمكن جردها بإيجاز كما يلي: • اعتماد المؤسسة على منهجية التلقين المتجاوزة والتي تعتمد شحن الشباب بالمعلومات عوض بناء منهجية نقدية تعتمد تركيب المعطيات وتحليلها وصولا لبناء المعرفة والمعلومة المطلوبة مما يفيد في تشكيل الشخصية . • إن هذه التقنيات التعليمية المتجاوزة تأتي انطلاقا من الأدوار والوظائف الإيديولوجية التي تلعبها المؤسسات الرسمية داخل جهاز الدولة فالمقررات عموما باختلاف تخصصاتها تتجه لصنع شخصية الشباب وفق المقاس بشكل لا تهدد *النظام العام * ولا تزعجه وتحافظ على البنيات القائمة سياسيا واقتصاديا وفكريا....... .. يقول البحث في علم الاجتماع د عبد الرحيم العطري :*المؤسسة هي التي تستطيع أن تؤمن الاستقرار للنظام... وهي التي تضمن إعادة إنتاج نفس الرموز والمعطيات في الاتجاه الذي يخدم مصالح الذين هم فوق! إ ن المأزق التربوي الذي وصلت إليه المؤسسة التعليمية اليوم. يظهر في تدني أسهمها في بورصة المجتمع، وفقدانها للمصداقية، وتمثلها من طرف الكثيرين كمجال للفرملة وإعادة إنتاج التهميش والبطالة، مما يطرح من جديد أزمة البدائل المحتملة للخروج من هذه الوظيفة الملتبسة * • العنف الممارس على الشباب من خلال طريقة الامتحانات والتي تجعل الشاب عبدا للأستاذ، فيصوغ الأفكار والأجوبة المطلوبة ،ويحترم المنهجية المبنية على علاقات عمودية مما يفقد الشباب شخصية المفترضة مبكرا ويدفعه لولوج المؤسسة قسريا وليس عن قناعة مبدئية . يقول الدكتور عبد الرحيم العطري: *ومن بين الوسائل القمعية التي تتمكن بواسطتها المؤسسة من تصريف عنفها هناك نظام الامتحانات الذي يكاد يكون دائما مؤسسة سادية، لا صلة لها لا من قريب أو بعيد بضرورات الدراسة والبحث العلمي (لم يكن سقراط وأفلاطون يستخذمان الامتحانات)لكن الضرورات الناتجة عن التطور التكنولوجي وثقافة الجماهير يمكن أن تتأمن بوسائل أكثر وظيفة وأقل سادية .... إن الامتحانات بطرائق تنفيذها الراهنة تمارس نوعا من العنف في حق زبناء المؤسسة....... ففي المؤسسة الجامعية مثلا يصل الامتحان إلى ذروة التعبير السادي... الذي يحيل الأمر إلى لحظة تأديبية لتقليم الأظافر وتصفية الحسابات ! لكن هذا العنف لا يتوقف عند هذه اللحظة بل تتواصل آثاره في عمليات التقويم التي يضطلع بها الأساتذة بعد الامتحان، والتي تكون فرصة سانحة لتفريغ ما تبقى من ذرات التعسف الرمزي. خصوصا وأن التقويم لدينا مازال بعيدا عن الموضوعية المطلوبة* • إن هاجس البطالة قد أوجد في الشباب العربي عقدة النفور من المؤسسة التعليمية إذ أصبح الشاب يرى في كده واجتهاده المتواصل لسنين عديدة طريقا آمنا نحو الشارع والإعتصامات المختلفة وبالتالي احتمال تعرضه لعنف المؤسسة العسكرية التي تسعى للحفاظ على النظام العام من* شغب* الدكاترة والمجازين الذين يطالبون بحقهم في الشغل . إن هذه الوضعية تدفع بالشباب لطريقين مختلفين الأولى: هي البحث عن منافذ شغل مبكرا بمستوى متدني من التعليم . الثاني :هو البحث عن وسيلة عيش بعيدا عن الميدان الفكري والتقني. وكلا الطريقين يؤدي حتما إلى فقر المعني بالأمر من ناحية الإنتاج والتفكير . • عدم توفر المؤسسات التعليمية على فضاءات مناسبة للاشتغال والوسائل الكفيلة بتطوير مواهب الشباب وجعلهم يواكبون التطورات المعاصرة خاصة في المجال العلمي، فأغلب البلدان العربية لا تخصص مبالغ مالية محترمة لتشجيع البحث العلمي مما أفرز ظاهرة الأدمغة المهاجرة إلى الخارج،فقد أظهرت الدراسات أن الاستثمار لا يزيد في البحث والتطوير عن 0.5 من الناتج القومي الإجمالي؛ أي أقل من ربع المتوسط العالمي. ناهيك عن الفجوة الكبيرة بين النظم التعليمية السائدة واحتياجات سوق العمل. ففي تقرير صدر في العام 1998 عن هيئة اليونسكو أبرزت الأرقام أن العرب أنفقوا 0.14% فقط في العام 1996 من الدخل القومي على البحث العلمي، في الوقت الذي أنفقت فيه إسرائيل 2.53%على البحث العلمي، واليابان 2.9% وكوبا 1.62%. وتأتي المفارقة الغريبة أن قطاع التسليح ينفق منه العالم العرب مايقارب 40% من الناتج الوطني وكلها تذهب لقمع الداخل أو عمولات أو تبقى الأسلحة في المخازن قبل أن تصبح من الماضي للمتاحف. • عدم السماح بمواصلة الدراسة في مستويات عليا لتهيئ أبحاث علمية وأطروحات نقدية وثقافية وفق مبررات واهية كقلة الاعتمادات أو الأطر أو البنايات ..... مالعمل ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لمعالجة الوضعية السالفة الذكر نقترح مايلي : 1. القيام بتعبئة الشباب لإرجاع الثقة بنفسه والتي يفقدها يوما بعد يوم نتيجة الأوضاع الراهنة وهيمنة الشيوخ والزعماء التاريخيون على كل مقاليد الامور خاصة في الشأن الثقافي والعلمي والسياسي. 2. حملات تحسيسية لتشجيع الشباب على الإبداع والعطاء خاصة في المجال العلمي 3. توفير الإمكانيات المادية واللوجيستيكية المهنية الضرورية للعمل الثقافي والفكري خاصة داخل الكليات العلمية والتقنية. 4. إعادة النظر في السياسات الرسمية المتبعة في مجال التربية والتكوين والعلوم وإصلاح الدوار المختلفة المسندة لمؤسسات ناهيك عن إصلاح المناهج والمقررات الدراسية . 5. خلق جوائز تشجيعية مهمة لتحفيز الشباب على الإبداع ومواكبة العصر الحالي /جوائز نقدية شواهد تقديرية /منح دراسية ......... 6. تكريم الشباب المتفوقون ليكونوا عبرة لآخرين 7. تأسيس مؤسسات شبابية يسيرها الشباب أنفسهم لصياغة سياسات جديدة للعناية والاهتمام بالشباب 8. تخصيص جزء هام من الناتج الداخلي الخام للبحث العلمي والتقني....... 9. ضرورة تعاون بين مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية – الأسرة –المجتمع – المؤسسات التعليمية والشبابية المختلفة وهيئات المجتمع المدني ......لضمان تفاعل إيجابي مع هذه المقترحات خاتمة قد تبدو هذه الأفكار والأحكام قاسية بعض الشيء ،وقد يقول البعض بعدم تعميمها –وهو على صواب لكن الشاذ لا يقاس عليه - لكن الواقع يزكيها .....وإن الغيرة على شبابنا من الوضع الراهن الذي يعيشونه ويزكونه بشكل أو بآخر –بوعي أو بدون وعي - هو الذي حفزنا على تعرية الواقع كما هو ، بل وجب عدم النظر إليه من وراء الغربال ليتسنى لنا إصلاحه ومعالجته قبل فوات الأوان ، فصراع الحضارات وتطور الواقع يهدد بتركنا تائهين في محطة قطار يوشك على الانطلاق ومقاعده الأمامية محجوزة مسبقا ، ونخشى من أن يتحرك بدوننا فلن نستطيع اللحاق به للمحطات القادمة.... المغرب
#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذكريات معلمة في الخليج كتاب يرصد التعليم بمدينة صحار بسلطنة
...
-
فاس
-
ربيع الصيف
-
الهجرة في * موسم الهجرة إلى أي مكان* للمبدع محمد سعيد الريحا
...
-
علي الصحراء
-
علي و الصحراء
-
البحر
-
سلك احسن لك
-
العاصفة
-
اليتيم
-
آلام بلا حدود
-
في حوار مع محمد سعيد الريحاني: “فصل المقال في ما بين الأغنية
...
-
تيمة المرض في نص - مأدبة الدم - للفقيدة مليكة مستظرف
-
بور تريه الفنان الملتزم سعيد المغربي
-
السلام.........السلام
-
أحمد فؤاد نجم
-
الرحيل
-
في الذكرى الخامسة لموقع الحوار المتمدن
-
بورتريه حول الفنان المغربي الراحل العربي باطما
-
المستنقع
المزيد.....
-
جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR
...
-
تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
-
جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
-
أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ
...
-
-نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
-
-غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
-
لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل
...
-
ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به
...
-
غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو
...
-
مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|