توطئة
لكراس الذي نضع بين أيدي القارئ هو مجموعة من الأوراق سبق نشرها في جملة من المنابر الوطنية والجهوية في أوقات متفرقة، لكنها كلها ذات الصلة الوثيقة بالإشكاليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يعيشها المغرب.
وربما تكون هذه الصفة التجميعية قد لا ترضي بعض القراء، ولربما قد تفقد بعض الشيء من العضوية في المؤلف، إلا أن السبب الذي دفعنا للقيام بذلك هو أن مختلف النصوص المجمعة في هذا الكراس تطرح جملة من التساؤلات وعلامات الاستفهام لازالت قائمة لحد الآن، وذلك ضمن النظرة الشمولية للأمور وبنوع من التوازن لا تنقصه الجرأة.
1
يتحدثون عن التغيير وهل يكون التغيير بدون تغيير بعض العقليات..؟!
بالرجوع إلى السنوات الأخيرة يتبين بجلاء أنه تم طرح عدة تساؤلات حول سبل التغير السياسي..فكان من الضروري الوقوف على توفير الشروط والبنيات والمؤسسات الكفيلة بتحقيق درجة من التطور السياسي على مستوى النصوص والمنهجيات والمفاهيم...وكان الاعتقاد سائدا أن تزويد البلاد بنصوص وتشريعات ومؤسسات، كفيل بتحقيق الطفرة المرتقبة في مجال التطور السياسي وتحقيق التغيير المرتقب...لكن عاينا أن المطلوب لم يتحقق بالدرجة المرجوة، الشيء الذي يدفع إلى التساؤل والمساءلة من جديد..مساءلة الواقع المعيش والممارسة الفعلية على صعيد الركح السياسي والركح الاجتماعي، فتبين بجلاء أن العنصر الحاسم في هذا المضمار هو الإنسان. فلا تكفي النصوص والتشريعات والمؤسسات والآليات والتصورات لأنه لا ديموقراطية بدون ديموقراطيين حقا، يكرسونها تكريسا.
ففي الحقيقة، التطور والتقدم...وبالتالي التغيير، يرتبط إلى درجة كبيرة بتطوير وتنمية الموارد البشرية ثقافة ووعيا وفكرا وعملا وممارسة.وبكلمة: تطوير العقلية أي تغيير الإنسان.
إن التغيير المنشود لا يتوقف على اعتماد تدابير وسياسات وبلورة نصوص وابتداع آليات وإحداث مؤسسات، وإنما يتوقف بالدرجة الأولى على تغيير العقليات، وهذا يكاد يستحيل تحقيق دون إعداد الإنسان الفعال فكرا وممارسة.
فلا ديموقراطية بدون ديموقراطيين يكرسونها تكريسا..إنما ستظل روحا بدون جسد ، فكرة مطاطية هيلونية دون وعاء يحتضنها وبدون قناة تقودها إلى التسجيد على أرض الواقع المعيش في المؤسسات وفي الهيئات وفي الإدارات وفي الأحزاب ..وفي المجتمع.
الرغبة في إرساء الديموقراطية حاضرة بقوة، والإرادة الفعلية لإحداث آلياتها أعطت ما يمكن أن تعطي حاليا...لكن هل لدينا ديموقراطيين يكرسون الديموقراطية تكريسا ؟
هذه مجرد علامة استفهام.
2
فقدان الثقة مشكلة العصر...عندنا !
الثقة ...كانت هي الأساس وهي الدعامة لكن مع الأسف فقدناها اليوم. ومع فقدانها تولد اليأس والاكتئاب والإحباط في النفوس.
أينما وليت وجهك لا تلاحظ إلا القلق والتذمر باديان على وجوه المواطنين..الكل يصرخ: لا خير في الكل.
انتشر " وباء " فقدان الثقة على جميع المستويات وفي كل الأوساط والمرافق، الخاصة منها والعامة، الحكومية منها وغير الحكومية، السياسية منها وغير السياسية...أصبح الراجح هو الاحتراس....الاحتراس من أي شيء ومن كل شيء..الاحتراس من أي شخص ومن كل شخص..وأصبح لا مناص من البحث عن الوسائط والسبل غير الواضحة لقضاء المأرب وتحقيق الأهداف وبلوغ الغايات.
لم تعد هناك ثقة في التعليم ورجاله وهم الذين بالأمس القريب كان الجميع يكن لهم الاحترام الزائد عن العادة..أما الآن فأصبحوا يوصفون بصفات يندى لها الجبين، وقس على ذلك الموظفين والتجار والجيران.....أما رجال السلطة، فإن أفعال بعضهم دفعت العامة لنبذهم، وقس على ذلك العدل والقضاء، لاسيما وأنه كثيرا ما كان يخيب الآمال والأماني في الدفاع عن الحق والبحث عن الإنصاف. ولا يخفى على أحد أن العدل هو الأساس في بناء المجتمعات، وإذا كان الناس ينظرون في القضاء وكرا للزبونية فلا خير يرجى.
وفقدان الثقة في الأحزاب السياسية هو بمثابة الخروج من حلبة اللعبة السياسية وربما لفظها وتعريض الوضع للانفجار في أي وقت، ما دامت أغلبية الشعب على هامش الركح السياسي.
فقدان الثقة من شأنه أن يهدد كيان المجتمع ويكسر الروابط القائمة بين فئاته وشرائحه وفعالياته...وهكذا ينتشر الحقد وتتوسع دائرة البغضاء لكل القائمين على الأمور وعلى مختلف المستويات.
ألا يدعو هذا إلى إعادة النظر في الأسباب والمسببات ؟
هذه مجرد علامة استفهام.
3
كم يتقاضى هؤلاء..أصحاب المناصب السياسية ؟
أرقام للتأمل
المناصب السياسية كثيرة ومتعددة ببلادنا. فهناك الوزراء وكتاب الدولة ومدراء الدواوين والمكلفون بمهمة والملحقون الإعلاميون والبرلمانيون ورؤساء المجالس الجماعية ورؤساء أللجن. ويمكن الوصول حتى إلى ربط القائمين على الكتابات الخاصة والمستشارين بهذه المناصب، فكم تكلف هذه المناصب الشعب المغربي ؟
فالوزير الأول يتقاضى شهريا 70.000,00 درهم ( 7 ملايين سنتيما) علاوة على امتيازات النقل والسائق الخاص ومقر الإقامة والتعويضات ، والوزير يتقاضى كذلك 70.000,00 درهم شهريا ويستفيد من نفس الامتيازات عموما. وكاتب الدولة يتقاضى 50.000,00 درهم ( 5 ملايين سنتيما) ، لكن يتقاضى مسؤولوا الدولة عموما أقل ما يتقاضى المسؤولون عن المؤسسات العمومية وشبه العمومية.
أما مدير الديوان فيتقاضى أجرا يتراوح ما بين 12.000,00 و 16.000,00 درهم شهريا ، والمكلف بمهمة يتراوح راتبه الشهري ما بين 9000,00 و 12.000,00 درهم ، والكاتب الخاص للوزير يتقاضى 8000,00 درهم شهريا .
أما البرلمانيون فيتقاضون 37.000,00 درهم شهريا ، وبعد خصم الضرائب والتحملات الاجتماعية يتبقى ما يناهز 28.000,00 درهم علاوة على الاستفادة الدائمة من تخفيضات النقل 50 في المائة بالنسبة للطائرة ، المجانية بالنسبة للدرجة الأولى بالقطار ، و50 في المائة من مصاريف الإقامة بالفنادق المصنفة بجميع أرجاء البلاد. كما يستفيد البرلماني كذلك من خصم يقدر ب :45 في المائة من الرسوم الجمركية المتعلقة بتعشير السيارة الخصوصية مرة واحدة في كل حقبة تشريعية ، كما له حق المعاش إذا انتخب مرتين.
وبخصوص رئيس مجلس الجهة فيتقاضى شهريا 7.000,00 دهم ، أما أعضاء مكتب الجهة فيتقاضون ما بين 4000,00 و 6000,00 درهم شهريا .
في حين يتقاضى رؤوساء الجماعات الحضرية 4500,00 درهم كتعويضات وأعضاء مكاتب المجالس 3000,00 درهما ، ورؤساء الجماعات القروية ستقضون ما يناهز 1600,00 درهم أما نوابهم فيحصلون على ما يقارب 800,00 درهم.
فماذا يقدم هؤلاء للشعب المغربي، مقبل هذه الأجور ؟
4
الدولة تغدق على جرائد غير مقروءة !
على غرار الدعم المادي لأحزاب هناك كذلك دعم الصحافة، لكن ليست صحافة، وإنما الصحافة الحزبية، وهو دعم مادي تمنحه الدولة للصحف الحزبية، ويقتطع من مال الشعب المغربي. فهل فعلا الدعم المالي للصحافة الحزبية يعتبر أمرا مجديا حاليا وفي صالح مسار تطور البلاد؟ بل أكثر من هذا، هل هو يخدم مسار التغيير المنشود؟
إن الدعم المادي المباشر الذي تجود به الدولة على الصحف الحزبية، حتى تلك التي لا قراء لها، هو مأخوذ من جيوب المواطنين، بل مقتطع اقتطاعا من جوع بعضهم !
فهل فعلا المواطن يقبل هذا الوضع ويرضى عنه ويتفق عليه؟ وهل كل تلك الصحف المدعمة من المال العام تقوم فعلا بخدمة تذكر تجاه المواطن ؟
هناك جرائد لا يتعدى عدد قرائها 200 أو 300 فهل هذه الحالة لا تعد هدرا للمال العام؟ علاوة على أن استمرار دعم تلك الجرائد يجعلها اتكالية وربما " طفيلية "لا تفكر في تطوير نفسها، أو السعي للاعتماد على ذاتها، وبالتالي ستظل تهدر المال العمومي إلى ما لا نهاية ودون فائدة.
في حين هناك جرائد لها طاقم صحفي ولكن تنقصها البنيات الأساسية للمواطن من دعم الجرائد التي لا قراء لها وتستفيد من الدعم اعتبارا ليافطتها السياسية فقط.
ولا يخفى على أحد، أنه في ظل سيادة الصحافة الحزبية ليس هناك خضوع لمتطلبات المرودية أو الأداء الصحفي المهني الصرف، إن الجرائد المدعمة غالبا م لا تكترث لحجم مبيعاتها ما دام في كل الحالات هناك دعم الحزب وإعانات الدولة.
لقد أضحى دعم الجرائد ببلادنا كأنه " صدقة " تمنح لجرائد، من المال العام، وأن هناك منابر لا تصدر إلا بفضل " الدعم ـ الصدقة " دون سواه، والأمثلة ليست قليلة في هذا الصدد.
ألم يحن الوقت بعد، في ظل دولة الحق والقانون وسيادة المواطنة، وفي خضم مرحلة التغيير، مراجعة هذا الوضع خصوصا وأن المال الممنوح هو مال الشعب ؟ أليس من الأفضل والأوالمعنوية، في صيغ أخرى أكثر فعالية ؟ من الناحية العملية والمعنوية، للدعم غير صيغة الهبة والصدقة، كالإعفاء الضريبي وتسهيل الاستفادة من الإشهار و " قروض" مساعدة في ميدان التكوين أو اقتناء البنيات الأساسية أو الخروج من الضائقات المالية ؟
هذه مجرد علامة استفهام.
5
المراقبة الشعبية للمنتخبين
يبدو أن الوقت قد حان للتفكير في صيغة من صيغ المراقبة لتمكينهم من التصدي للمنتخب الذي يخل بدوره تجاههم بعد أن منحوه أصواتهم وثقتهم حتى تمكن من النجاح. خصوصا وأن دوره الأساسي يتمثل في تمثيل مصالحهم وطرح قضاياهم ومشاكلهم للبحث عن حلول لها.
ولعل أحسن السبل، هو تمكين المنتخب من احترام إرادة ناخبيه وعدم التلاعب بالثقة التي وضعوها فيه، لاسيما في كل ما هو مرتبط بالبحث عن المنفعة الشخصية عوض المنفعة العامة.
ومن الأسباب التي تؤكد إقرار مثل هذه المراقبة معاناة السكان من جراء أفعال وممارسات من انتخبوهم لتمثيلهم وطرح مشاكلهم. ومن شأن مثل هذه المراقبة أن تجعل الذين أخذوا على عاتقهم الدفاع عن الشأن العام أن يترشحوا للحصول على امتياز ، ماديا كان أم معنويا ، وإنما انطلاقا من قناعة خدمة الشأن العام التي تستوجب التضحية وليس الطمع في تحسين الوضع. ولعل من بين أهم الشروط التي يمكن أن تساعد على بلوغ هذه الغاية ضرورة توفر المرشح على كفاف العيش، لكن هيهات هيهات بين ما نريد وبين الواقع المعيش. فهناك جماعات تضم مستشارين عاطلين وآخرين، وهم كثرة لا يتوفرون على كفاف العيش. فهل لهؤلاء أن يضحوا لخدمة الشأن العام ؟
هذه مجرد علامة استفهام.
6
المقاطعة: من منا لا يعرفها ؟
من منا لا يتمنى أن يقاطعها إلى الأبد ؟!
لعل أول إدارة يتعرف عليها المرء في بلادنا رغما على أنفه هي المقاطعة. فمنذ أول لقاء مع هذه الوحدة الإدارية يتمنى لو استطاع مقاطعتها قطيعة تامة أو على الأقل أن تقاطعه هي...ولو تم ذلك لارتاح واستراح إلى الأبد.
فكيف أنها تسمى " مقاطعة " ولا تقوم بفعل القطيعة بل على العكس من ذلك تماما حيث أنها " تلصقه" 24 ساعة على 24 ساعة، إنها تلبسه ـ كما يقال ـ طول حياته من مرحلة تكونه في رحم أمه إلى مماته وأحيانا كثيرة حتى بعد وفاته ؟
إنها ليست " مقاطعة " وإنما " ملاصقة " " تدخل في الصحة " على الدوام.
هذه هي المقاطعة وما أدراك ما المقاطعة.. كل شيء وكل كبيرة وصغيرة تمر عبر المقاطعة. .وليس من الغريب أن تكون المقاطعة حاليا من أشهر بؤر الرشوة الأكثر تداولا في مجتمعنا..فمن منا لم يكتو بنارها ولو مرة في حياته، ولو على مستوى أدنى تسعيرتها ( 10 أو 20 درهما ).
فما محل هذه المقاطعة من الإصلاح والتغيير والترشيد ؟
لا حديث بتاتا عل هذه " المنطقة الممنوعة " التي حسب البعض ذوي الحنين القوي للعهود البائدة عليها أن تظل محافظة على هيبتها.
هذه هي المقاطعة، الوحدة الإدارية، التي من المفروض عليها أن تساهم بامتياز في تجسيد تقريب الإدارة من المواطن..لكن الواقع المعيش هو على العكس من ذلك بالتمام والكمال لأن المرء ببلادنا يفضل الابتعاد عنها بعد السماء عن الأرض لأن أي اقتراب منها من شأنه تنغيص الحياة عليه إن آجلا أم عاجلا.
7
خصوم الفكر كانوا ولازالوا موجودين ببلادنا، في كل مكان متأهبين، مستعدين للوثب والنهش والخبش والعض، تارة باسم دواعي الأمن، وأحيانا كثيرة من موقع التسلط والخوف على المواقع والمصالح.
فكم سابقا من كتاب صودر ؟ وكم من مؤلف مبدع توبع ؟ وكم من صحيفة منعت ؟ وكم من مشاريع جمعيات قبرت في المهد ؟ وكم من فكر نبذ؟ وكم من الأقلام وكم...وكم ؟
وكذلك كم من متمرد دجن؟ وكم من أفكار حضنت بعد تحويرها وإفراغها من مدلولها ؟ وكم من امرئ قبل " قبلة الموت " ؟.
ألهذا وجب باستمرار حماية الحرية والدفاع عنها والاحتياط من الاغترار بالمظاهر ؟
هذه مجرد علامة استفهام.
8
يشعر أغلب الشباب ببلادنا بالاغتراب والفراغ واليأس والسأم، اندفع بعضهم إلى اعتناق مذاهب زادت من حيرتهم وقلقهم، ورمى بعضهم بأنفسهم إلى أحضان المخدرات هروبا أو تناسيا للواقع المر المزري.
وأساس القلق واليأس هو فقدان الثقة في الغد وضياع الأمل... فقدان الثقة في الوطن وانعدام قنوات مجدية لدمجهم في مجتمعهم عوض تفعيل آليات تهميشهم باستمرار.
إقدام شبابنا لا ترتكز على أرض صلبة، أغلبهم واعون وعيا نابضا ومدركون إدراكا ثاقبا أنهم مهمشون في وطنهم.
فكيف لهم وهم على هامش المجتمع أن يسايروا الركب الحضاري ؟
من أين لهم بذلك ومواكبة الركب الحضاري أول ما تستوجبه الثقة بالنفس ؟
وكيف لهم، وهم المهمشون قسرا ورغما عنهم، أن يعوا الحاضر والمستقبل وأن يساهموا في الخلق والإبداع خدمة للبلاد وتنميتها ؟
وكيف لهم أن يعتزوا بأنفسهم وأن يشعروا أنهم حاضرون في مسار ركب الإنسانية ؟
هذه مجرد علامة استفهام !.
9
الفكرة...الكلمة ...حرية مطلقة يحميها القانون أصلا ولا يصادرها قضاة ولا شرطة ولا جهاز إداري أو أمني ولا قواد ولا شيوخ ولا إمام ولا مفتي ولا.الفكرة، الكلمة...لنا الحرية وكامل الحرية في قبولها أو لفظها أو رفضها لكن لا يمكن بأي وجه من الوجوه منعها أو اغتيالها لا من طرف سلطة ولا جهاز ولا بواسطة سلاح أو قمع أو تخويف أو ترهيب.
وهذا هو لب حرية التفكير والتعبير، لذا يقال أنها " مقدسة «..فلا مكان في ملفات القضاء لمتبعة تدعى جريمة الفكر أو الفكرة، أو جريمة الكلمة أو الرأي أو الموقف أو جريمة التعبير أو نشر مقال أو جريمة إصدار كتاب أو جريمة بث خبر.
وفي حالة عدم وجود حرية الفكر، ألن يكون هذا خرقا لمقتضيات الدستور بامتياز، فهو أعلى قانون في الهرم يعلو ولا يعلى عليه ؟
هذه مجرد علامة استفهام !
10
أكثر من عشرة ملايين طفل دون الخامسة يموتون سنويا في العالم، ويشكل سوء التغذية سببا مباشرا أو غير مباشر لحدوث أكثر من 55 % من هذه الوفيات. و 75 % منهم مصابون بداء سوء التغذية دون بروز أعراضه عليهم.
وسوء التغذية ينجم عن غذاء غير متوازن، إنه ملازم للفقر في عالم يعيش فيه ما يناهز 5 مليار إنسان بأقل من 16 درهم يوميا.
وهذا ما دعا بعض ذوي النزعة الإنسانية إلى المطالبة بالاعتراف بحق جديد من حقوق الإنسان، وإصباغ عليه صفة حق من حقوقه المتعارف عليها دوليا، وهو " الحق في التغذية " فماذا يعني هذا الحق يا ترى ؟
" الحق في تغذية مجدية وحق كل إنسان في أن يكون في مأمن من الجوع " وحسب المنظمة العالمية لتغذية فإن أكثر من 800 مليون نسمة الذين يعانون من سوء التغذية في العالم هم بمثابة شهادة جلية وحجة صارخة على مدى الحرمان من ممارسة وتطبيق والاستفادة من هذا الحق.
ولازلنا نلاحظ أن الدول الغربية ـ بعضها على الأقل ـ لا تتورع في استعمال السلاح الغذائي ضد دول أخرى، ولعل حالة العراق كافية كمثال، فهل من المشروع ومن باب الشرعية استعمال العقوبات الغذايئة ؟
وهناك تساؤل آخر أفظع:" حقوق الإنسان، تستعمل في حالة عدم احترامها والإقرار بها لمعاقبة الدول " الحق في التغذية "، ولا يحترم ولا يعتد به لمعاقبة بعض الدول فهل حقوق الإنسان أصبحت عملة، تحترم تارة وتنتهك أخرى لمجرد بلوغ الهدف: معاقبة الدول والشعوب لكن ليس أية دولة وأية شعوب ؟
هذه مجرد علامة استفهام.
11
إدارتنا بحاجة ماسة إلى " نظافة " الإثراء الغير المشروع على حساب الشأن العام
لا مناص من إرساء ثقافة المحاسبة والمساءلة
في فترة من الفترات تناقلت الأخبار اختلاسات مالية وتلاعبات بالمال العام، إلا أن أغلب هذه القضايا لا زالت في طي الكتمان.
لا يخفى على أحد أن هناك فسادا في مختلف جوانب تسيير الشأن العام لاسيما فيما يتعلق بتدبير المال العام، وهذا الفساد يعد من الأسباب الرئيسية للإثراء غير المشروع على حساب الشأن العام.
سمعنا الكثير والكثير في هذا الصدد..
لقد تم الحديث عن 20 مليار سنتيم في قضية مواد المطاعم المدرسية وعن 90 مليون درهم في نازلة تعشير السيارات بطنجة وبضعة ملايين أخرى في نازلة مماثلة بالناظور وأكثر من مليار سنتيم في ملف وكالة الكهرباء والماء بالقنيطرة وملايين أخرى ببنك فلاحي و 3 ملايير ببنك عقاري ومليار بالخطوط الجوية وملايين ببنك و 4 ملايير بشركة مختلطة مغربية ـ فرنسية وملايين بإحدى الغرف التجارية والصناعية، وملايين أخرى بالسلف الشعبي.
كما سمعنا وقرأنا على صفحات بعض الجرائد أنه تم اكتشاف تجاوزرات ببنك مركزي تهم ملايين إلا أنه سويت القضية بإرجاع الأموال المتصرف فيها بدون إتباع المساطر الواجب إتباعها ربما لتفادي ولتلافي الفضيحة في وقت تم تقديم موظفين في مختلف وكالات البنك بتهمة اختلاس مبالغ مالية أقل أهمية، وهذا ما حدث كذلك في إطار وكالة أنباء عندما سويت القضية مع أحد أطرها دون اللجوء إلى القضاء.
أما الاختلاسات المتعلقة بالجماعات المحلية والمجالس المنتخبة، فقد نشرت عنها الصحف الكثير، كما أن المجلس الأعلى للحسابات وقف على عدة خروقات في الملفات المتعلقة بتسيير وتدبير الجماعات المحلية إلا أن هذا المجلس لا يمكنه القضاء بالإكراه البدني، مما دفع إلى التساؤل حول إمكانية عرض بعض تلك الملفات على القضاء أو تطبيق القوانين الجاري بها العمل بصددها.
وللإشارة فإن الملفات المرتبطة بالجماعات المحلية والمجالس المنتخبة التي عرضت على أنظار محكمة العدل الخاصة بالرباط لم تهم إلا قضية رئيس مجلس بلدي بمراكش والملفات المتعلقة ببعض مداخيل المجازر في بعض الجهات في بلادنا، وقد تم الاعتماد بالدرجة الأولى على الاختلال الحاصل بين إحصائيات الأطباء البيطريين التابعين لوزراة الفلاحة والمداخيل المثبتة في حسابات القباضات البلدية ، علما أن هذه الاختلالات توجد بالنسبة لكافة الجماعات المغربية بدون استثناء ، إلا أنه تم الاقتصار على متابعة موظفين بعضهم دون آخرين.
وهذه وضعية دعت إلى عدة تساؤلات، لاسيما وأنه ساد اعتقاد مفاده، أن الغرض من ذلك كان تهدئة حملة التطهير وذر الرماد في العيون، ولما تبين أن المسألة أكبر من ذلك تم " حبس المرقة " كما يقال، علما أن مجموعة من الموظفين الجماعيين ذهبوا ضحية في هذا الإطار ولا من التفت إلى حالهم.
إن المتتبع للوضع في هذا المجال يستخلص أننا نسمع الكثير من سوء تدبير الأموال العامة لكن نادرا ما نسمع عن متبعة المسؤولين عن تلك الأفعال، وحين يحدث ذلك يكون المتهم مجرد كبش، ضحية يتحمل مالا طاقة له به.
هذا في وقت ظلت فيه المحاسبة والمساءلة مطلبا أساسيا للشعب المغربي والمجتمع المدني لأن هناك عدة جرائم ارتكبت في حقه وضد مصالحه ولأن ثروات البلاد تعرضت لنهب وحشي قل مثيله في العالم.
ومن المعلوم أن المحاسبة مرتبطة ارتباطا عضويا مع تحمل المسؤولية إنها تتمفصل معها ـ حي أن المسؤولية لن تستقيم بغياب المحاسبة، إلا أنه في بلادنا سادت ثقافة عدم المحاسبة وتغييبها، وهي ثقافة كرسها المخزن وأجهزته وآلياته ودواليبه تكريسا. لقد تم تغييب ثقافة المحاسبة والمساءلة إراديا لذا كانت المؤسسات التشريعية ومختلف الهيئات المنتخبة تفتقد للمصداقية اللازمة لوجودها النزيه.
وهذا الواقع ساهم في تشجيع عدد من المسرولين إلى الاهتمام بمصالحهم الشخصية وتحصين وتنمية امتيازا تهم وتوسيع معاملاتهم المالية والتجارية والعقارية على حساب مسؤولياتهم التي تملصوا منها تملصا.
والآن وقد كثر الحديث عن تخليق الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن لابد من العلم أنه لا تخليق بدون إرساء ثقافة المحاسبة والمساءلة وبدون بجدير منطق التقييم ومحاسبة المسؤولين كيفما كان موقعهم، لأن لكل مواطن الحق في محاسبتهم وطلب مساءلتهم.
لكن هل فعلا يمكن في أي وقت مهما كانت الظروف مسائلة الذين خربوا البلاد أو ساهموا بشكل أو بآخر في تخريبها لاسيما وأن إصلاح ما تم تخريبه من شأنه أن يرهن مستقبل أكثر من جيل ؟
هل يمكن مساءلة مسؤولين سابقين وآخرين في أمور أزكمت رائحتها الأنوف على امتداد أربعة عقود ؟
للوهلة الأولى يبدو أن الأمر مستبعد في الظروف الحالية خصوصا وأن هناك شخصيات من العيار الثقيل معنية بشكل أو بآخر في هذا الأمر أو ذاك أو هذا القطاع أو ذاك. .فالقضية ضخمة لأنها تهم فترات سوداء من تاريخ البلاد اقترفت خلالها " جرائم " في حق العباد والبلاد إلى حد أن كرامة المواطن العادي كادت تنزل إلى الحضيض.
أكيد أن الظروف عموما لا تساعد على المساءلة كما هو مأمول لكن من الأكيد أنه لا مناص من إرساء ثقافة المحاسبة والمساءلة وأول خطوة في هذا الدرب هو التصدي بقوة لبنيان ثقافة عدم المحاسبة والمساءلة التي تكرسها العقلية التي سادت في كل ما هو مرتبط بتدبير الشأن العام.
12
هؤلاء المسؤولين عن الشأن العام:
هذه الجهة، حقق بها السالفون لأنفسهم ولذويهم المقربين إليهم، من متملقين، ولاعقي الأحذية اللمعة..أكثر مما حققوه لهذه المنطقة التي تدحرجت نحو هاوية التردي والتقهقر.
هل فتحوا مكاتبهم لمعاناة المواطنين ؟
أكثر من منطقة وجهة ببلادنا محتاجة إلى وضع الإصبع على مكامن الداء المستشري فيها وفي عدد من مرافقها وقطاعاتها ومجالاتها...وأكثر من منطقة وجهة ببلادنا أصيبت ساكنتها بخيبة أمل بسبب تقوقع المسؤولين المتعاقبين على تسيير الأمور فيها، في المكاتب الوثيرة وفوق الكراسي الدوارة التي تجلب النوم والارتخاء أكثر ما تدعو إلى الحيوية والعمل والمثابرة وتفقد الشأن العام...ومنطقة وجهة طنجة لا تخرج على هذه القاعدة العامة... لقد حقق بها السالفون لأنفسهم ولذويهم المقربين إليهم، من متملقين، ولاعقي الأحذية اللماعة...أكثر مما حققوه لهذه المنطقة التي تدحرجت نحو هاوية التردي والتقهقر فيما كانت في وقت مضى من أهم مناطق المملكة على جميع المستويات وفي كافة المجالات...وها قد مرت على المنطقة فترة من المحسوبية والزبونية والتسيب والفوضى إلى أن أصبحت فضاءا مهمشا بعد أن تهمشت فيها الطاقات الحية من رياضيين ومثقفين وفنانين ومفكرين، في حين أصبحت بعض الأماكن والأحياء بالمدينة تعد خارج الدائرة، وربما بعضها خارج مسار التاريخ.
إنه ليس من ريب في أن السالفين ممن تعاقبوا على تسيير الشأن العام، ما فتئ داء التقصير يجتاح وعقولهم لينخر بالتالي جسد هذه المنطقة التي توجت ردحا للسلبية والعطالة والعهر والإجرام والوقاحة المتناثرة في كل مكان، فيما أضحت تحتل الصدارة في تفريخ المقاهي والأوكار والحانات والنوادي الليلية التي تعج بجيوش من المومسات من كل صنف واللاهثين وراء المؤخرات والملذات والمتع النتنة.
وما كانت هذه المنطقة أن تسقط في مستنقعات التهلكة لولا تقاعس امسؤولين وقد كان حريا بهؤلاء أن يأخذوا بزمام الأمور ويتفقدوا الأحوال عن قرب وليس من خلال تقارير الأجهزة والإدارات بل من خلال المعاينة المباشرة للمرافق والأحياء والمؤسسات العمومية والخاصة.
إنه ليحز في النفس أي واحد مما سبق ما سجل له الشارع أو الرأي العام أن خرج من مكتبه راجلا ليستقبل حافلة من حافلات النقل الحضري مثلا حتى يعايش بالملموس المعاناة والمكابدة الحقيقية التي يتخبط فيها السكان عدة مرات في اليوم أو أنه جاب الأحياء رفقة رجالاته وأعوانه حتى يقف على تلك " العصابات " المتواجدة " هنا وهناك لإرهاب المارة وترويج الخمور السوداء وترويج الأجساد كذلك ببعض دور الدعارة، أو فتح مكتبه على مصراعيه لتلقي شكاوى وتظلمات المواطنين الذين كانوا يجدون الأبواب والنوافذ موصدة في وجههم، فيما كانت تشرع لبعض المحظوظين والمعارف والمقربين، أو أنه اقتص برهة زمنية من وقته لحضور بعض دورات المجالس والجماعات حتى يتعرف عن قرب عن طبيعة التسيير والتدبير، بالطرق التي يعلمها الجميع، بل ومراقبتهم ومحاسبتهم عبر لجان محلية أو مركزية وذلك رغم ما نشر وتم تداوله بالشارع.
إن هذه المنطقة في حاجة إلى مسؤول ينهض بجميع المجالات دفعة واحدة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية والفنية وكلها مجالات أضحت معوقة عرجاء...ولعل ذلك لا يتأتى إلا بالتحلي بالتواضع والجدية والصرامة المعيش والضرب على أيدي أي متلاعب أو مستهتر أو مستخف بمسؤوليته كيفما كان موقعه أو حجمه ...وفي التاريخ عبر ودروس وفوائد، ولهم ولنا في الملك الشاب ملك الفقراء أسوة ومثال فهل أنتم فاعلون ؟
هذه مجرد علامة استفهام.
13
كفى من مرجعية اسمها " البنك الدولي"
لحد الآن لازلنا نعاين غياب ممارسة ينتظرها جميع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين وعموم فئات الشعب من الحكومة.. إنه إجراء لا يتطلب ميزانية إضافية ولا برمجة ولا قروض ولا توظيفات جديدة...إنه يتطلب فقط إرادة وجدية وموضوعية ومصداقية والأخذ بعين الاعتبار احترام الشعب المغربي، صاحب السيادة.
إنها تقارير دورية مسؤولة عن مختلف الميادين التي تهم الشأن العام وتهم الشعب والرأي العام وذلك لإرساء عادة ستظل قائمة..إعداد تقارير دورية مسؤولة " سنوية أو مرتين في السنة أو موسمية" حول الوضعية الاقتصادية وحالة الاقتصاد المغربي والوضعية الاجتماعية وواقع القطاعات الاجتماعية، تقارير تطلق بالثلاث، المبدأ بالقول الدائم أن " العام زين" أو " كل شيء بخير" وتعتمد على الحقيقة والموضوعية لتمكين مختلف الفعاليات والفاعلين ومختلف فئات الشعب من تقييم عمل الحكومة وتنميته، وهذا إجراء واجب وضروري لتمكين الشعب المغربي ـ المعني الأول والأخير ـ من مواكبة الحكومة وممثليه في المؤسسات الدستورية والجماعات المحلية.
ولكي تكون هذه الممارسة مجدية لا مناص من ارتكازها على النزاهة واعتماد الصراحة والموضوعية والشجاعة لتعرية المشاكل والنواقص. وأملنا أن تصبح تلك التقارير مرجعية ذات قيمة يرجع إليها الباحثون والمهتمون عوض اللجوء إلى الأجانب ومواقفهم حول واقعنا. إن إخبار الشعب المغربي بحقائق الأمور حق من حقوق الإنسان ومبدأ أساسي من مبادئ المواطنة.
أليس من العار أن يكون المرجع لكل ما يتعلق بأمور اقتصادنا وواقعنا الاجتماعي هو البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو نادي باريس وروما وغيرها.
14
أصبح كل من هب ودب يتحدث عن الشفافية..في كل وقت وحين.. في كل القطاعات والمجالات.
فعلا، الشفافية والوضوح أساس كل ممارسة سليمة، وسد مانع منيع لتلافي القيل والقال.
والشفافية والوضوح وتسليط الأضواء...كلها أمور ضرورية في مختلف المجالات والقطاعات.
ففي ميدان التحفيظ العقاري والحقوق العينية، هناك الشهر العقاري، ويعتمد بالأساس على الإشهار والبيان والوضوح.. وفي مجال العدالة والميدان القضائي هناك إلزامية إشهار الأحكام والقرارات...وفي المجال التجاري هناك عرض المنتوج والتعريف به وإشهاره....
والشفافية في فضاء دولة الحق والقانون من اللازم أن يطالا كل الميادين ومختلفات المجالات، لاسيما المجال السياسي والمجال الإداري، ومجال الإعلام والإخبار، ومجال المشاركة في تدبير الشأن العام...إن عهد اتخاذ القرارات " حسي مسي ولا من شاف ولا من دري" قد ولى بلا رجعة، ولضمان أن يكون الحال كذلك لا مناص من تغيير العقليات...فالشفافية والوضوح يستلزمان عقليات جديدة تطلق الطلاق الثلاث المحسوبية والزبونية والولاء الأعمى والقبائلية والعشائرية وغيرها من التصرفات والسلوكات المتجاوزة..لكن تغيير العقلية ببلادنا لازال مشروطا إلى درجة كبيرة بتوفير شروط العيش الكريم لإزاحة ظروف الولاء المفروض والخوف على فرصة ضمان لقمة العيش حتى يكون المواطن في حماية تامة وأمن تام على وجوده ووجود ذويه، وآنذاك، وليس قبله، يمكنه أن يواجه بكل شجاعة وجرأة بالشفافية وبالوضوح فيما هو مرتبط بكل جوانب حياته.
إنه من بين التحديات الفعلية التي مازالت تنتظر بلادنا، فهلا نحن مستعدون لذلك ؟
هذه مجرد علامة استفهام.
15
جماعاتنا المحلية بين الجهل والتجاهل.
تمتاز اللوبيات المتحكمة في مجالس جماعاتنا المحلية بضيق المستوى العلمي والثقافي والتأهيلي لأعضائها. ومن المعلوم أن العنصر البشري هو في ذات الوقت وسيلة وغاية لأية تنمية . إنه وسيلة لتحقيق الديمقراطية والتنمية، ولكونه كذلك فإن النتائج المتوصل إليها تكون مرتبطة بمستوى وفعالية الوسيلة، أي العنصر البشري الفاعل فيها، وفي هذا الصدد فلم تجد مدننا في هذين المجالين ( الديمقراطية المحلية والتنمية المحلية) إلا ما يعكس مستوى المنتخبين الذين اختارهم السكان، ليس كلهم طبعا لأن هناك من هم في المستوى لكن لا تأخذ بعين الاعتبار اقتراحاتهم وتصوراتهم وآراءهم لأنهم خارج اللوبيات، لذا فمن الطبيعي والمنطقي مطالبة فاقد الشيء أن يعطيه، فالمنتخب المحلي ( لاسيما ذلك الذي يتحكم في دواليب الأمور) أعطى ما يعكس مستواه التأهيلي ومستوى وعيه بمسوؤليته التاريخية و " المواطناتية".
فهل أغلب منتجي مجالسنا يمثلون فعلا، بصدق ونزاهة السكان الذين اختاروهم ومنحوهم ثقتهم؟ وهل فعلا تتبعوا ذلك وقاموا بما يلزم من أجل تحقيقه ؟ وهل ظل اتصالهم وتواصلهم بسكان دوائرهم قائما؟
إن محاولة الجواب على هذه الأسئلة بموضوعية يدفعنا إلى إعادة طرح ضرورة وإلزامية الاهتمام بمستوى المستشار الجماعي المحلي ومؤهلاته لأنه لا قيمة للسلطات والصلاحيات التي تتوفر على مجالسنا ـ دستوريا وقانونيا ـ إن هي وضعت بين أيدي أناس تنقصهم الكفاءة وشروط الحد الأدنى لممارسة تلك السلطات والصلاحيات فلا محالة أن النتائج سوف لن تكون مرضية، وهذا منبع أهم أسباب المسار الذي سارت فيه جماعاتنا.
إن تدبير وتسيير الشأن العام وشؤون الجماعة لا يمكن أن يضطلع بها أي كان وإنما يتطلبان منتخبين ذوي تجربة وتكوين وتأهيل وتفرغ لممارسة تلك المسؤولية الجسيمة. وهذه شروط قل ما وفر في مستشاري الجماعات. وما دام الوضع كان دائما كذلك فإن تدخل الوصاية تنمي وتقوي. ولا زال هذا الوضع يساهم في تقوية الوصاية على مجالسنا الجماعية، حتى أصبحت بالنسبة لأغلبها ضرورية ولازمة ما دام أغلبية أعضاء المجالس " غير راشدين " من الزاوية التأهيلية والسياسية والتدبيرية والعلمية. وبكل موضوعية، وبعيدا عن الخطابة السياسية المجانية، لا يمكن والحالة هاته المناداة بإلغاء الوصاية أو تقليصها إلا بعد ضمان " الرشد والترشيد" من حيث الزوايا المذكورة رغم أن الوصاية في مفهوم الميثاق الجماعي يجب النظر إليها كمشاركة الجهة الوصية المجالس المنتخبة في تدبير أمورها.
إذن يعتبر التوفر على منتخبين ذوي الكفاءة والقدرة على تسيير وتدبير الشؤون المحلية شرطا أساسيا وحيويا لضمان الاستقلالية والتمكن من تحمل أسس الديمقراطية المحلية وانطلاقة التنمية المحلية.
وهو في الحقيقة من بين الشروط التي يفتقدها أغلبية المنتخبين بمجالسنا، أغلبيتهم وليس كلهم، وهذا واقع لا يشجع على تمكين السكان من المساهمة في تدبير شؤونهم والدفاع عن مصالحهم وضمان تطبيق اختياراتهم.
فكيف للأمور أن تستقيم ونحن لا نتوفر على أغلبية من أعضاء الهيئات المنتخبة مؤهلة تأهيلا مرضيا لتحمل المسؤولية. وهذا في وقت يتفق فيه الجميع على أن الأمية ومحدودية المعرفة والتكوين المحليين العقلانيين الراشدين والمجديين لاسيما في ظرف يستوجب ضرورة سيادة التدبير العقلاني والتسيير السليم للأموال العمومية، الضامن للفعالية والجدوى والكفيل بتحقيق المردودية المرجوة؟
هذه مجرد علامة استفهام .
16
يؤاخذون المعلم على فتح محلبة صغيرة ويغضون الطرف عن وزير يتقاضى عدة أجور من خزينة الدولة !
قالها الوزير الأول، ولكن من يعبأ بكلام الوزير الأول ؟!
لقد قيل سيمنع تراكم الوظائف أو وظيفة ومهنة حرة... لقد قالوا أنها أول خطوة في تخليق الحياة العامة.
ومن المعلوم أن منشور الوزير الأول عدد 99/30 المؤرخ في 19 نوفمبر 199 يمنع منعا كليا تراكم الوظائف الممارسة بالنسبة لشخص واحد.
ومن المعروف أن الأغلبية الساحقة للموظفين السامين ببلادنا يراكمون أكثر من وظيفة وعمل ويتقاضون عليها أجورا ويجنون أرباحا، حيث أنهم يزاولون، بشكل أو بآخر، أنشطة مريحة موازاة مع وظيفتهم الرسمية.
ولعل نظرة خاطفة على الشركات الكبرى والمتوسطة وأصحابها كفيلة بتباين هذا الأمر بجلاء وبصفة لا تترك أي مجال لأدنى شك ممكن.
وعلاوة على أن هذا الواقع لا ينسجم بتاتا مع الظرفية التي تجتازها بلادنا الرازحة تحت وطأة البطالة وقسوة العيش بالنسبة لأوسع الفئات، لكن يبدو أنها وضعية تقع خارج مقتضيات منشور الوزير الأول المشار إليه أعلاه.
فإذا كان بعض منادية التعليم هنا وهناك قد لمحوا لبعض المعلمين الذين يمتلكون حوانيت لبيع البيض بالتقسيط أو لترييش الدجاج أو محلبات صغيرة أو مشاريع أخرى مماثلة ـ أنهم يعتبرون في وضعية غير قانونية اعتبارا لمقتضيات منشور الوزير الأول في وقت لم يحرك فيه الوزير ساكنا فيما يتعلق بأصحاب الوظائف الكبيرة. ولحد الآن ما زالت الأمور لا تعدو أن تكون مجرد كلام.
وللعلم فإن منع تراكم الوظائف يهم مختلف الأنشطة التي ترمي إلى الحصول على مدخول مادي. وهناك بعض المسؤولين يصرون إصرارا على الاضطلاع بأكثر من مسؤولية مؤدى عنها، في وقت يعاين الجميع أن تراكم المسؤوليات وما يتبعها من نعم وفوائد على بعد الأشخاص ينافي كليا مطلقا وكليا مع الروح الديمقراطية ولا يتماشى وخصوصيات الظرف الذي تجتازه بلادنا.
فإلى متى سنستمر في التعامل مع هذه الإشكالية بمنهجية النعامة أو بمنهجية " من بعدي الطوفان"؟
هذه مجرد علامة استفهام.
17
أطفالنا وشبابنا والشارع.
بدافع الرغبة في نسيان الواقع أو تناسيه التجأ هؤلاء إلى الشارع، لأنه الفضاء الذي لا يحتاج لا لوساطة ولا لزبونية ولا لمحسوبية ولا لعولمة خاصة من نوع خاص.
الشارع فضاء اجتماعي له نظامه وقواعده وأعرافه وسلمه التراتبي لمختلف الفئات والشرائح الفاعلة فوالوظيفة.يفة.بداية هذا القرن عرف تغييرات هيكلية ليس على مستوى الشكل فحسب، بل وعلى مستوى اوالوظيفة.يفة ...
فأطفال وشباب نهاية القرن عاشوا وعايشوا مختلف أشكال الظلم والجور والعنف والإقصاء وذاقوا جرعات من مختلف أساليب التمييز واستنشقوا روائح التهميش والإهمال ولنسيان..
وفي ظل هذا الخضم، وبدافع الرغبة في نسيان الواقع أو تناسيه التجأ هؤلاء إلى الشارع، لأنه الفضاء الذي لا يحتاج لا لوساطة ولا لزبونية ولا لمحسوبية ولا لعولمة خاصة من نوع خاص.
في السابق كان الشارع فضاءا للمتسولين والمجرمين والبغاء والتبركيك وبيع المخدرات والسرقة والسطو والاعتداء والتعدي والاحتيال...
وقد قيل أن كل أهل الشارع لا يصح أن يعتبروا وحوشا، ولكن يجب اعتبارهم هم أناس سقطوا من العش ودفئه"...
ومن أجل الحصول على مكان ومرتبة في " الهرم الاجتماعي " المرتبط بالشارع كان لابد من التوفر على بعض " المهارات" في عرف أهل الشارع مثل عدم الخوف والقدرة على سرعة التكيف مع مختلف الأوضاع وعدم عطاء أهمية واعتبار للعواقب، وخفة الأصابع واليد وغيرها من " الصفات " حسب عرف الشارع و " قوانينه".
إلا أنه منذ سنوات ظهرت " فئات" جديدة من أهل الشارع، لم يكن لها وجودا من قبل، " فئات" جديدة ولجت منظومة الشارع الاجتماعية، إنهم المهمشون الجدد العاطلون والمعطلون من حاملي الشهادات والأطفال من مختلف الأعمار ذكورا وإناثا..وهكذا أصبح للشارع " كوارده " و " فعالياته " من ذوي الثقافة والتكوين العالي، وذلك في بلد سائر في طريق النمو وما زال في حاجة لكل فعالياته البشرية في مختلف الميادين...أفلا يعكس هذا الواقع أننا ضحية اختيارات غير ملائمة وغير صائبة؟
هذه مجرد علامة استفهام.
18
كاد المعلم أن يكون...
كان موظفو التعليم ينتظرون الاستمتاع بمستحقاتهم المتأخرة عن الترقية الداخلية، لكنهم توصلوا بلوائح تلزمهم بتوقيع طلبات الترشيح للترقية، في وقت تعتبر تلك الترقية حقا مكتسبا، لاسيما وأن هناك عددا هائلا من الموظفين قد استوفوا منذ سنوات الشروط، لكن تم بكل بساطة إقصاؤهم من اللوائح. والحالة هاته، على هؤلاء الآن التماس إدماجهم ضمن اللوائح وهذا يعني أنهم سيستعطفون ليتمكنوا من حقهم المكتسب. فهناك من بين هؤلاء من ينتظرون تسوية الوضعية التي اكتسبوها عن جدارة واستحقاق وبعد استيفاء كل الشروط منذ سنوات خلت.
أهذا هو التغيير الذي طالما انتظره رجل التعليم من حكومة التغيير ؟
ألا يعتبر هذا " لعب عيال " في وقت الحديث جاري فيه على أشده عن إصلاح منظومة تعليمنا ؟
علما أنه بات من المعروف أن أي إصلاح كي يكون مجديا يجب أولا وقبل كل شيء أن يهتم بالعنصر البشري الذي يعتبر صلة وصل بين الإصلاح كفكرة ومشروع الإصلاح كممارسة على أرض الواقع.
فهل إصلاح وضعية التعليم غير واردة في مشروع المنظومة أم أن رجل تعليمنا يكفيه أن نقول له:" كاد المعلم أن يكون رسولا "؟
فهل بهذا المنظور يجب أن نفهم الإصلاح الحالي أم بمنظور مخالف تماما ؟
هذه مجرد علامة استفهام.
19
ماذا جرى للإنسان في مدينتنا والمدن الأخرى في جهتنا والجهات الأخرى ؟
لماذا يشعر الكل بالإحباط، باليأس، بالوحشة ؟ لماذا يأكل القوي الضعيف رغم ترسانة جد هائلة من القوانين والمساطر والنصوص، ورغم بنايات فخمة تارة ومتهارية آيلة للسقوط تارة أخرى مكتبو عليها بخط بارز " المحكمة " من درجة من الدرجات المتعارف عليها ؟
لماذا الظلم والتسلط في كل الميادين ومظاهر الحياة ولا من يدينه إلى درجة تحول فيها " إذا رأيتم منكرا فغيروه" إلى إذا رأيتم منكرا فساندوه أو أحسن الظروف " إذا رأيتم منكرا فاصمتوا "...؟
لماذا الكل يشكو ولا من يندد...؟
لماذا الكل يعاني...؟
الذي يبحث على لقمة العيش الحلل يعاني...
والذي يعي بضرورة قول كلمة حق يعاني...
والذي يدافع على الحق عليه أن يكون مستعدا لتحمل العواقب
والذي يسعى لتعليم أبنائه يعاني...
والتلاميذ والطلبة يعانون من النهج والمنهج وجدوى الانكباب على الدرس والتحصيل...
والمثقف يعاني من سيادة ثقافة قرنوسطية وإعلام يهمش..
لماذا الإنسان في مجتمعنا متهم حتى تظهر براءته عوض أن يكون بريئا حتى تثبت إدانته؟
ألأنه متهم إلى حين إثبات براءته لذلك السجون مكتظة والملفات متراكمة على المحاكم بمختلف درجاتها واختصاصاتها ؟
ألذلك لا تحترم صفة الإنسان لأنه متهم أصلا وعليه إثبات عكس ذلك ؟
ألهذا ملايين من المهمشين يعيشون لحظتهم ولا يعرفون ما تخبئ لهم اللحظة القريبة القادمة ؟
لماذا الكل يعاني...؟ هذه علامة استفهام.
20
كيف نتواصل....؟
تواصل شخص بآخر يعكس شخصيته. فهناك التواصل الطبيعي وهو احتكاك بالآخر يتمظهر عبر صداقات وعداوات تفاهم أو سوء تفاهم، اهتمام أو لامبالاة، احترام وتقدير أو إهانة واحتقار، ترابط أو قطيعة...
فهناك من يرغب في المشاركة في اللعبة بالقبول تارة والمواجهة أخرى...
وهناك من يكتفي بالقبول والرضي والتفرج...وهناك من يقتصر على المعارضة والمواجهة..على الهدم والتدمير..
وهناك من يصبو إلى تغيير واقعه وواقع الآخرين...
وهناك من يجتهد في محاولة التكيف والتأقلم مع الظروف والأحوال وتحملها.
وهناك من هو خارج الواقع لا يعيره أي اهتمام إيجابا أو سلبا.
وهناك من يفكر في نفسه وفي نفسه فقط..
وهناك من يفكر في نفسه قبل التفكير في الغير...
وهناك من يفكر في الغير مثلما يفكر في نفسه..
وهناك من يفكر في الغير قبل نفسه...
وهناك من لا يفكر لا في نفسه ولا في غيره..
هناك من يحترس من الآخر، وهناك من يحيا للارتباط بالآخر...
فهناك تواصل وتواصل...ما هو متعارف عليه وما هو غير ذلك، وهناك التواصل المعلن والمسكوت عنه، لكن المهم، بل الأهم هو: لماذا نتواصل ؟
وكيف نتواصل ؟
...هذه علامة استفهام...