عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1955 - 2007 / 6 / 23 - 07:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما هي آيات الحلال والحرام في الصيام , وكيف نزلت الآيات , وفي أي ّ ظرف 0
( 000ولما قدم النبي مهاجراً وذلك في شهر ربيع الأول اتفق أن يوم قدومه كان يوم عاشوراء عند اليهود , فوجد اليهود صائمين في ذلك اليوم فسألهم : ما هذا ؟ قالوا : هذا يوم / 250/ عظيم أغرق الله فرعون وأنجى موسى منه , فصامه موسى شكراً فنحن نصومه , فقال رسول الله : نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه (1) 0 والخلاصة أن الصيام كان قبل فرض رمضان ثلاث أيام من كل شهر وهي الأيام البيض مع يوم عاشوراء 0 ولم ينزل في ذلك قرآن وقال بعضهم : بل نزل فيه قرآن وهو قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياماً معدودات ) (2) , قال : فالأيام المعدودات هي عاشوراء وثلاثة من كل شهر كتب على رسول الله صيامها ثم نسخت بشهر رمضان وقال آخرون : أن الأيام المعدودات هي أيام شهر رمضان (3)0 فعلى هذا لم ينزل في الصيام الذي كان قبل فرض رمضان قرآن , ولعل محمداً كان يصوم الأيام البيض باجتهاد منه لشرف تلك الأيام بكون لياليها مقمرة يستمر الفخت فيها من أول الليل إلى آخره , وشرف اليوم عند العرب بشرف ليله 0 فإن اليوم عندهم يبتدئ بغروب الشمس وينتهي بغروبها أيضاً 0
والصحيح أن هذه الآية إنما نزلت في المدينة في السنة الثانية من الهجرة وبها نسخ ما كان قبل ذلك من صيام الأيام البيض وصيام عاشوراء 0 ولما فرض الصيام في شهر رمضان فرض مع التخيير في الصيام أو الإطعام عن كل يوم مسكيناً لأنهم لم يتعودوا الصيام , فشق عليهم , فخيرهم في أن يصوموا أو يفطروا ويطعموا عن كل يوم مسكيناً يقوله : ( وعلى الذين يطيقونه ( وهم الذين لا عذر لهم إن فطروا ) فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً (بأن زاد على إطعام المسكين ) فهو خير له وأن تصوموا ( أيها المطيقون ) خير لكم ( من الفطر والإطعام ) ‘ن كنتم تعلمون ) (4) - / 251 0
فكان الناس من شاء صام ومن شاء فطر وأطعم عن كل يوم مداً , ثم أن الله نسخ هذا التخيير بإيجاب صوم رمضان عيناً بقوله : فمن شهد منكم الشهر ( أي علمه ) فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ) (1) 0 هذا ما يقوله بعضهم 0 وفي ادعاء النسخ في هذه الآية مجال واسع للنظر ولا خوف التطويل والخروج عن الصدد لتكلمنا فيه , ثم أن الناس كانوا بعد غروب الشمس يأكلون ويشربون ويأتون النساء , ما لم يناموا أو يدخل وقت العشاء الآخرة , فإذا ناموا أو دخل وقت العشاء الآخرة امتنع عليهم ذلك إلى الليلة القابلة 0 ومعنى هذا أن الإفطار كان محدوداً بالنوم وبدخول وقت العشاء الآخرة , فإذا نام أحدهم ولو قبل العشاء الآخرة ثم استيقظ فلا يحل له ألكل والشرب وإتيان النساء , أو إذا دخل وقت العشاء الآخرة فلا يحل له بعدها الأكل والشرب وإتيان النساء وإن لم ينم 0 واستمر الحال على ذلك إلى أن اتفق أن عمر بن الخطاب واقع أهله بعدما صلى العشاء 0 فلما أغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه , فأتى النبي فقال : يا رسول , أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة , إني رجعت إلى أهلي فوجدت رائحة طيبة فسدلت لي نفسي فجامعت أهلي , فقال النبي : ما كنت جديراً بذلك يا عمر (2) 0 فقام الرجال فاعترفوا بمثل ما اعترف به عمر , فرأى النبي أن هناك حاجة إلى التيسير في الأمر فنزلت : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهم علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم ) (3) 0 فبهذه الآية صار إتيان النساء مباحاً بعد العشاء الآخرة وبعد النوم أيضاً 0 /252/
ثم أن أحد الصحابة كان في يوم من رمضان يعمل في حرث له فجاء قبيل المغرب إلى بيته لينظر ما تصنعه له زوجته من الطعام ليتعشى به , فغلبته عينه فنام فلم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس , فلم يتناول شيئاً وبقي صائماً إلى اليوم القابل , فبينما هو يعمل في حرثه إذ سقط مغشياً عليه من الجوع بسبب الصوم فذكروه للنبي , فسأله النبي , فأخبره بما كان من نومه واستيقاظه بعد غروب الشمس , (4) فعند ذلك نزلت : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ) (5) 0 فصار الناس يأكلون ويشربون إلى طلوع الفجر 0 ولكن بعض الصحابة فهم أن المراد الخيط حقيقته حتى صار يجعل عند وسادته حبلاً أبيض وحبلاً أسود ينظر إليهما , فمتى فرّق الأبيض من الأسود ترك الأكل والشرب 0 فقد روي عن سهل بن سعد الساعدي أنها ( الآية ) نزلت ولم ينزل " من الفجر " فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط احدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له , فنزل بعد ذلك " من الفجر " , فعلموا أنه إنما يعني بذلك السل والنهار (1) 0 وروي أيضاً عن عدي بن حاتم قال عمدت إلى عقالين أبيض وأسود فجعلتهما تحت وسادتي , فكنت أقوم في الليل فأنظر إليهما فلا يتبين لي الأبيض من الأسود , فلما أصبحت غدوت رسول الله فأخبرته , فضحك وقال : أن كان وسادك لعريضاً 0 وفي رواية انك لعريض القفا , إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل (2) 0 فانظر إلى سير الوحي في فرض الصيام وكيف تدرج فيه حسبما تقتضيه المصلحة وتطلبه الحاجة حتى أحكمه فصار كما هو اليوم 0 وقد قلنا لك غير مرة أن في القرآن من هذا شيئاً كثيراً / 253/ ولكنا نكتفي بما ذكرناه لك , ومنه تعلم أن الوحي ليس إلا نتيجة طبيعية للأسباب التي تقدمته وأنه صار عن تفكير محمد واجتهاده , وانه لم يرجع جبريل فيه إلا سنداً يسند إليه المؤمن في إيمانه بأنه من الله 0
وقد تكلمنا فيما تقدم عن أساس الدعوة التي قام بها محمد ما هو , وكيف وضع محمد ذلك الأساس وترك ما عداه تابعاً لما تقتضيه حوادث الزمان , فما نريد منك ههنا إلا أن تعيد النظر فيما قلناه تحت عنون " الخلوة في حراء وبدء الوحي " 0) 000 يتبع
(1) صحيح البخاري , كتاب الصوم , الحديث رقم : 1865 ؛ صحيح البخاري , كتاب الأنبياء , الحديث رقم : 2145 0
(2) سورة البقرة , الآيتان 183 – 184 0
(3) تفسير ابن كثير في تفسير " أيام معدودات " من الآية الكريمة , وانظر تفسير القرطبي لها أيضاً 0
(1) سورة البقرة , الآية : 185 0
(2) انظر القرطبي , الآية : 187 من سورة البقرة ؛ , انظر تفسير ابن كثير الآية نفسها 0
(3) سورة البقرة الآية : 187
(4) انظر تفسير القرطبي , تفسير الآية 187 من سورة البقرة ؛ وانظر في باب الصوم : السيرة الحلبية 2/ 132 – 135 0
(5) سورة البقرة , الآية : 187 0
(1) انظر تفسير القرطبي , تفسير الآية 187 من سورة البقرة ؛ وانظر في باب الصوم : السيرة الحلبية 2/ 132 – 135 –
(2) انظر تفسير القرطبي , تفسير الآية 187 من سورة البقرة ؛ وانظر في باب الصوم : السيرة الحلبية , 2/ 123 – 135 0
* من كتاب الشخصية المحمدية للكاتب والشاعر معروف الرصافي
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟