أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - صبحي حديدي - غيفارا وجورج وسوف














المزيد.....

غيفارا وجورج وسوف


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 596 - 2003 / 9 / 19 - 02:27
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

تقاطر الآلاف من الأخوات والأخوة الفلسطينيين، "عرب الـ 48" كما في التسمية الشائعة الآمنة، إلى العاصمة الأردنية عمّان لحضور حفلة المغنّي السوري جورج وسوف، في مهرجان جرش. عبروا النهر خصيصاً لهذا الغرض، وكانت شرائح انقسامهم حسب العمر والجنس والثقافة والطبقة مدهشة حقاً: متنوّعة، تعدّدية، وعريضة. ليس هنا المقام المناسب لتفسير هذا الإقبال الفلسطيني، لكنّ الأمر أتاح لي أن أشهد حكاية ذات مغزى خاصّ، أو لعلّه ليس تماماً ذلك المغزى الخاصّ الذي يلوح للوهلة الأولى. أحد الفتية، ولم يكن قد بلغ سنّ الرشد كما علمتُ منه بعدئذ، كان يرتدي قميص تي ـ شيرت فريداً من نوعه، شاذّاً عن الغالبية الساحقة من الصبايا والفتيان الذين ارتدوا قمصاناً طُبعت عليها صورة المطرب المفضّل: كان قميصه الأبيض يحمل صورة وسّوف وقد ارتدى (هذا الأخير) قميصاً عليه صورة الثائر الشهير أرنستو تشي غيفارا!

وأعترف أنني لم أستطع مقاومة جاذبية هذه الصورة العجيبة، التي وصلتني في القراءة الأولى على هيئة مفارقة صارخة قبل أن يتكفّل الفتى نفسه بتحويل المفارقة إلى مجاز. استأذنته في الدردشة قليلاً حول غرابة الصورة التي اختارها لقميصه، فرحّب بابتسامة مهذّبة وقال على الفور: "لستَ أوّل السائلين، ولهذا فأنا جاهز للجواب. تريد أن تعرف ما يجمع بين وسّوف وغيفارا؟ أنا الذي جمعتهما، وأنا نقطة الإجماع". سألته: هذا جواب فلسفي تماماً، فهل يفهم الناس ما تقصد بمفردة إجماع مثلاً؟ هل يجمعون على جمعك بين مغنٍّ سوري غير مسيّس وثائر أممي؟

الفتى الفلسطيني خاض في جملة أمور، وبدا وكأنه لا يدافع عن قميصه الفريد ذاك بقدر ما ينظّر لمعادلة الجمع في حدّ ذاتها، مشدّداً على أنّ وسّوف هو الذي يرتدي قميص غيفارا وليس العكس، وأنّ شعبية المغنّي السوري ذات مغزي سياسي لجهة إصرار عرب الـ 48 على الإنتماء العربي، وأنّ شخصية غيفارا تحظي بشعبية واسعة في فلسطين (ذكّرني مثلاً بمراسلة قناة الجزيرة في فلسطين، جيفارا البديري، وأردف بمرح: غير بفلسطين، عمرك سمعت فتاة اسمها جيفارا؟)، ناهيك عن حقيقة أنّ الجمع بين وسّوف وغيفارا يجعل الإسرائيلي ينتف شعره! "أنا نقطة الإجماع، وهذا يكفيني وينبغي أن يكفي الناس"... قال الفتى الفلسطيني في ختام نقاش قصير حرصتُ أن لا أذهب فيه أبعد ممّا ينبغي.

.. الأمر الذي لم يمنعني من تأمّل الحكاية طويلاً، خصوصاً في الجانب الذي يخصّ غيفارا بالذات، وهذه الأسطورة الحيّة التي لا يلوح البتة أنّ الكثير من الوهن قد أصابها على صعيد الحنين الرومانتيكي إلى حقبة حافلة من كفاح الشعوب ضد الإمبريالية إجمالاً، والإمبريالية الأمريكية بصفة خاصة. فلماذا تتواصل الأسطورة في ذروة الصعود الأمريكي ـ الإمبريالي وانكسار "حركات التحرّر"، أو اندحارها عملياً علي الأرض؟ وما السبب في أنّ الصورة الأيقونية للثائر الملتحي عادت ــ من جديد وبقوّة مفاجئة ــ لتحتلّ مكانها على قمصان الـ "تي شيرت" وصدور الأجيال الشابة في مجتمعات الغرب قبل الشرق؟

قد يلوح أن إثارة هذا السؤال تنطوي على بعض السذاجة، بدليل أن الإجابة كامنة أصلاً في فكرة الأسطورة ذاتها. وما دام الرجل أسطورة، فلماذا ننتظر من الأسطورة أن تندثر خلال ثلاثة عقود ونصف، وهي حقبة زمنية قصيرة تماماً في حساب أعمار الأساطير؟ ومع ذلك فإن مشروعية طرح السؤال تتكيء على حقيقة واحدة كبرى، إذا عزّت الحقائق الأخرى الأقلّ شأناً. تلك الحقيقة هي أننا اليوم في زمن اندثار الرومانتيكية، سواء أكانت سياسية ثورية أم أخلاقية عاطفية، والعولمة الطاحنة الدائرة على قدم وساق لا تترك كبير هامش لاستعادة الأحلام المنكسرة حين يكون الهشيم هو سيّد المشهد. فكيف تحتفظ أسطورة رومانتيكية بكلّ هذا الألق والبهاء والدلالة والحيوية، في غمرة الاندحار والانكسار والاندثار؟

لماذا، على سبيل المثال (الذي لا يستلهم جورج وسّوف بأيّ معنى!)، لا تواصل أسطورة الشاعر والمغنّي المتمرّد بوب ديلان حياة حافلة شبيهة بتلك التي تواصلها أسطورة غيفارا؟ ألم يطبع ديلان أجيال الستينيات ببصمات عميقة الغور، حول شقّ عصا الطاعة وإعلان التمرّد على الدولة والمؤسسة والعائلة والثقافة السائدة وتسعة أعشار أنساق الحياة وطرائق العيش؟ ألم يكن ديلان، إلى جانب شطيرة الماكدونالد وبنطال الجينز وعلبة المارلبورو، في طليعة العوامل التي دقّت المسمار في نعش الأنظمة الإشتراكية ـ الستالينية؟

أم أنّ في وسع المرء ــ كما يزمع كاتب هذه السطور ــ المجازفة بالإعراب عن المزيد من السذاجة، والزعم مثلا أنّ شخصية غيفارا الأممية (مساهماته النضالية في الإكوادور وكوستاريكا وبناما والبيرو وغواتيمالا والمكسيك وكوبا والكونغو وبوليفيا) إنما ترجّع اليوم أصداء ماضٍ لم تنطو صفحاته تماماً؟ ألا يبدو الرجل أقرب إلى قطب أسطوري ثوري فريد، ونقيض تامّ لكلّ الأساطير الأخرى التي تصنعها أخلاقيات العولمة، والأحادية الفكرية، واقتصاد السوق، والغزو الإمبريالي القديم المتجدد؟

 



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاقات الهندية ـ الإسرائيلية وبؤس الموقف الرسمي العربي
- أفغان العالم يتوافدون إليه خفافاً وثقالاً: العراق بوصفه مستن ...
- محمود عباس أمام انكشاف الجوهر الحقيقي للصراع
- الدولة الرأسمالية المعاصرة والتاريخ الذي انتهى وما انتهى
- مجازر الجزائر مستمرّة و العالم الحرّ يتفرّج ويتثاءب
- بلا بطيخ..!
- بشار الأسد في السنة الرابعة: الحفاظ على -أمانة الوالد
- استبدال الخاكي بالزهريّ والسماويّ لن يجمّل صورة النظام
- أمثولة فؤاد عجمي: سبينوزا أم ذبابة الخيل؟
- الحوار مع إسرائيل يكمل سيرورة دشنتها -الحركة التصحيحية-النظا ...
- عشية وصول باول وقبيل الخضوع التامّ للشروط الأمريكية - سورية ...
- في أحــــوال الـمـثـقـف الـعـــربـي على أعـتـــاب هـزيـمـة ن ...
- بشار الأسد علي أعتاب سنة ثالثة: لا معجزات ولا عصا سحرية!
- اقتصاد السوق بعد جوهانسبورغ: تقويض الفردوس الأرضي
- عن جداول الأعمال المتصارعة في قمة الأرض الثانية: الحرب على ا ...
- واجب ملاقاة الإخوان المسلمين في حوار الميثاق الوطني


المزيد.....




- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - صبحي حديدي - غيفارا وجورج وسوف