أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي جرادات - العبرة في النتائج















المزيد.....


العبرة في النتائج


علي جرادات

الحوار المتمدن-العدد: 1953 - 2007 / 6 / 21 - 10:36
المحور: القضية الفلسطينية
    



"العبرة في النتائج"، تلك قاعدة منهجية علمية باردة ينتهجها محترفوا السياسة في تقييم خطواتهم وتكتيكاتهم، أما عند هواة السياسة، فتبقى نواياهم هي القاعدة، وذلك بصرف عن النظر عن النتائج، وبمنطق "عنزة ولو طارت"، ما يضعهم مِن حيث يدرون أو لا يدرون خارج دائرة الإتعاظ مِن حكمةٍ سياسية تقول: "إن النوايا الطيبة محفوفة ببلاط جهنم وكثيراً ما تقود إليها".
هذان منهجان في السياسة وتعامل أصحابها مع الواقع ومعطيات حركته، والفرق بينهما كالفرق بين ذاك الذي يميِّز بين الإرادة والواقع، وينطلق مِن الواقع لتغييره، ما يعطيه الوصول لأهدافه عبر تحقيق الإنجازات الملموسة بتراكم وتدرج، ودون اللجوء إلى قسرية "إغتصاب" الواقع، الذي لم يناطح صخوره أحداً إلا وإنكسر رأسه السياسي، وبين ذاك الذي يحاول فرض إرادته على الواقع، وكأنها الواقع، ما يجعله في حالة أمل دائم وحلم يقظة، تواصلُ سفنُه التجوالَ لأن مرافئها وهمية، وحياته إبحار دائم ولا وصول. وبصياغة أخرى، إنه كالفرق بين إختيار المدخل الصحيح وبين إختيار المدخل الخاطيء لمعالجة الواقع والتعامل معه.
وتكسير الرأس السياسي الذي حقق "نصرا" وهميا جراء جموحٍ إرادوي غير محسوب، لا يعني فقط تكسيره عسكرياً على يدِ أطرافٍ أقوى منه، وكانت تنتظر جموحه وإنعزاله حتى يسقط في الفخ بمحض إرادته، بل أيضا يمكن أن يكون (تكسير الرأس) سياسياً مِن خلال إضطراره بفعل الرغبة في الحفاظ على ما تحقق له مِن وقائع تخيل أنها "نصراً"، إلى عقد مساومة مع هذه الأطراف والتنازل لها عن ثوابت كان يعتبرها حتى لحظة الإقدام على جموحه المغامر وغير المحسوب بمثابة "مقدسات" لا يجوز المس بها أو التنازل عنها.
في السياق، وبعيداً عن إعتبار ما وقع في غزة "نصراً" مبيناً وتحريراً ثانياً لغزة التي لم تتحرر أصلاً، وبعيداً عن الفضائح المؤلمة التي ما زال نشطاء "حماس" يقومون بها، بدءاً بالتمثيل في جثة سميح المدهون وغربلة جسد جمال أبو الجديان بخمس وأربعين طلقة، مرورا بحرق كنيسة ومدرسة وتحطيم تمثال الجندي المجهول، تعريجا على نهب مقتنيات مقر الرئاسة وبيت رمز النضال الوطني الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات والدوس على صورته، وصولاً إلى قتل بعض المناضلين ذبحاً، وإنتهاء بإنزال العلم الفلسطيني ورفع الراية الحزبية بدلاً منه على مقرات السلطة؛ أقول بعيداً عن هذه النشوة الزائفة، فإنني لا أرى مصيراً آخر غير مصير إختيار المدخل الخاطيء كمصير لـ"نصر" قيادة "حماس" في غزة عندما لجأت إلى خيار الحسم العسكري لإزدواجية السلطة؛ ذلك ما لم تراجع هذه القيادة حساباتها قبل فوات الأوان، لتدرك أن "نصرها" قد هبط هدية مِن السماء على مخططٍ دأب الإسرائيليون لتحقيقه: هو تكريس الفصل الجغرافي بين الضفة والقطاع بالفصل السياسي بينهما.
وهنا، ولأنه لا فضيلة لإدعاء الحكمة بأثرٍ رجعي، دعوني أعيد التذكير بحكمةِ طرفةٍ كنت سجلتها في هذا الموقع قبل شهور، وتشير إلى أن التقدم بإختيار المداخل الخاطئة، والحسم العسكري مِن أسوئها، لا يمكن أن يكون إلا تقهقراً، وذلك بصرف النظر عن حسن النوايا وسوئها. تقول الطرفة:
فوجئ زوجان يحملان بعض أمتعتهما، بانقطاع التيار الكهربائي عن حيِّهما وبالتالي عن مصعد عمارة شقتهما، وطرحا سؤال: ما العمل؟؟. اقترح الزوج أن يذهبا إلى كوخ والديه. رفضت الزوجة، واقترحت أن يذهبا إلى بيت أهلها. رفض الزوج، وعرض أن يتجولا في الحافلة حتى عودة التيار الكهربائي لحيِّهما. رفضت الزوجة اقتراح الشتات هذا خاصة وأنها حامل، وعرضت أن يجلسا عند "بَوَّاب" العمارة وينتظرا عودة التيار الكهربائي.
بعد أخذٍ ورد، اتفقا على أن يصعدا درج العمارة المكونة مِن ثمانية عشر طابقا، برغم ما في الأمر مِن تعب. وصَعَدا طابقا إثر طابق. نظر الزوج "حوله" لأول مرة منذ باشرا الصعود، وعرف أين هما الآن، وقال لزوجته: لدي خبران، أحدهما جيد والآخر سيء، فبأيِّهما أبدأ؟؟ قالت: بالجيد طبعا!!! فقال: الجيد أننا وصلنا الطابق السابع عشر. فرحت الزوجة، ولكن الزوج فاجأها بالقول: أما الخبر السيء فهو أننا أخطأنا في المدخل!!! دخلنا في المدخل الخطأ". وراح الزوجان يرددان: "إذا دخلت في المدخل الخطأ، يكون "تقدمك" تقهقراً".
وبهذا فإن إستيلاء "حماس" على مقرات السلطة الفلسطينية في غزة عبر الحسم العسكري، قد تم في غياب الأخذ بالحسبان بأن إسرائيل كانت تبحث عن فرصة تمكنها مِن فصل الضفة عن القطاع بالمعنى السياسي.
والآن، وأخذاً بعين الإعتبار هذا المخطط الإسرائيلي الذي يقوم أولمرت بالتشاور مع الإدارة الأمريكية حول سبل وآليات دفعه إلى الأمام، يصبح السؤال أمام الخارطة الوطنية الفلسطينية عموماً، وأمام قيادة "حماس" تحديداً، هو: كيف السبيل لمواجهة تداعيات ومخاطر ونتائج ما أقدمت عليه قيادة "حماس" مِن خيار للحسم العسكري غير المحسوب؟!!!، وربما خططت لإستخدام نتائجه الميدانية في تحسين شروط حوارها الوطني في القاهرة، ولم تتوقع أن تثير خطوتها كل هذه التداعيات التي ما زالت في بدايتها، ولم تبلغ ذروتها بعد، ذلك أن الإسرائيليين بدعم أمريكي ما زالوا يدققون في الكيفية الأفضل والآليات الأنسب لتوظيف هذا الحدث لصالح مشروعهم، فهو ليس حدثاً عابراً سطحياً أو محدود التأثير، بل هو حدث نوعي بكل ما في الكلمة مِن معني لجهة أن ما سيكون بعده هو شيء آخر عما كان قبله، وأعتقد جازما أن هذا ما لم تأخذه بالحسبان قيادة "حماس" التي ربما تكون بهذا الخيار قد نحرت وإنتحرت، فالنتائج العملية لأي حدث سياسي لا تحددها الرغبات بل ميزان القوى أولاً وآخراً. ولست أدري إن كان هناك مَن كان يعتقد أن إسرائيل بدعم واشنطن لم تكن هي اللاعب الحاسم في لعبة قطاع غزة قبل إقدام قيادة "حماس" على خيار الحسم العسكري، فما بالك بعد هذا الحدث بكل ما أفضى، وسيفضي إليه مِن إضعاف وشرذمة وتقسيم وتمزيق إضافي للطاقة الوطنية الفلسطينية المنهكة أصلاً بكل المعاني، وعلى كافة الصعد والمستويات.
عليه، ولأن قيادة "حماس" هي مَن بادر إلى خيار الحسم العسكري، ولأنها باللجوء إلى هذا الخيار الجارح لا تستطيع منع تداعي الآخرين معه والرد السياسي عليه، فإن المسؤولية الوطنية تفرض عليها مراجعة الذات قبل فوات الأوان، وقبل أن يبلغ الإستثمار الأمريكي الإسرائيلي لهذا الحدث ذروته.
وعليه، فإن أمام قيادة "حماس" إحتمالان: الأول أن تركب رأسها، وتصر على أن ما أحرزته كان "نصراً" مبيناً، ما يقود إلى تكريس الفصل السياسي بين الضفة وغزة، وهذا فضلاً عما ينطوي عليه مِن تدمير للمشروع الوطني برمته، فإنه ينطوي على مخاطر إستفراد القوة الإسرائيلية المدعومة أمريكيا بقيادة "حماس"، سيان سياسياً أو عسكرياً، في ظل عزلتها وإنكشافها وغياب أي سند حقيقي لها، كما ينطوي على إستحقاقات حياتية لمليون ونصف المليون نسمة هم سكان غزة ليس بمقدور قيادة "حماس" تلبيتها، ما يقود في حالة عدم تلبية هذه الإستحقاقات إلى حالة تمردٍ مدني، بانت بوادره في تدافع الناس على حدود غزة للخروج منها حتى لو كان إلى داخل إسرائيل.
أما الإحتمال الثاني، فيتمثل في عودة قيادة "حماس" إلى نواظم الإجماع الوطني وسبل وآليات الخيار الديموقراطي بعيداً عن جموح خيارات الحسم العسكري وغلوائه، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الإقدام على خيار الحسم العسكري للسلطة في غزة، والتوقف فوراً عن الإيغال في ممارسة الفضائح الغريبة عن تراث الشعب الفلسطيني وقيمه الوطنية والأخلاقية والدينية.
إحتمالان، وعلى إختيار "حماس" لأي منهما، سيتوقف حكم التاريخ على قيادتها، وعلى إذا ما كانت بخيار الحسم العسكري قد نحرت وإنتحرت أم لا؟!!!



#علي_جرادات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطوة إضطرارية أم إنتحارية؟!!!
- موانع إجتياح غزة سياسية
- 5 حزيران تطرف النصر والإنهزام
- تجليات الفوضى الخلاقة
- تجاوز لكل الخطوط
- لماذا يستباح الدم الفلسطيني؟!!!
- دعوة لإستعادة الوعي
- الحكم أم الوطن؟
- رهان النسيان والذاكرة الجمعية
- الطغيان الأمريكي....مصاعب وإنتكاسات
- أين فينوغراد العرب؟!!!
- إتجاه الإنفجار المرتقب
- القصف العسكري والسياسي الإسرائيلي عن بُعد
- تقتحم القلعة من داخلها
- حتى لو لم أكن فلسطينيا
- الاتفعيل بالتعديل
- رأفة بالأسرى وعائلاتهم
- الموقف الإسرائيلي بين المظهر والجوهر
- ما أضيق السجن لولا فسحة الأمل
- الأمن بين السياسة والجغرافيا


المزيد.....




- -أكسيوس-: وزراء عرب يعارضون في رسالة إلى واشنطن إجلاء الفلسط ...
- 4 احتمالات.. سيناريوهات -اليوم التالي- في غزة تتصدر لقاء نتن ...
- البعثة الأممية تكشف عن تشكيل لجنة استشارية تمهيدا لجولات حوا ...
- الدوحة: إسرائيل لم ترسل وفدها المفاوض لإجراء محادثات المرحلة ...
- الخارجية الروسية تتهم USAID بالتلاعب الإعلامي وتجاهل جرائم ا ...
- الشرع: إجراء انتخابات رئاسية بسوريا سيستغرق 4-5 سنوات
- ملامح المرحلة الجديدة من الصراع بعد الطوفان
- ترامب يعتزم توقيع أوامر تنفيذية جديدة
- مهرجان للأضواء في كوبنهاغن.. المدينة تشعّ نورا يكسر رتابة ا ...
- حادث عرضي وليس تخريبًا: السويد تكشف أسباب قطع كابل بحري في م ...


المزيد.....

- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي جرادات - العبرة في النتائج