نص المؤتمر الصحافي الذي عرضه الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني
في 20/8/2003 في مقر الحزب في بيروت
ــــــــــــــــ
الاخوة الأعلاميون
يسرني ان أرحب بكم جميعا" أجمل الترحيب بإسم قيادة الحزب الشيوعي اللبناني. وباسمي شخصيا". لقد عودتنا صحافتنا ووسائل إعلامنا دوما"، على أن تكون المرآة الصادقة لما يجري هنا وفي العالم، وان تكون الصوت الجريء في الدفاع عن قضايا شعبنا وأمتنا، وعن الحرية والديمقراطية في كل مكان من العالم.
ايها الاخوة الاعلاميون
ايها الرفاق والاصدقاء
دعوناكم الى هذا المؤتمر الصحافي لنضعكم أنتم والرأي العام اللبناني والعربي، في صورة ما أنجزته هيئات الحزب المختلفة من خطوات، وما أخذته من قرارات على طريق اعداد مؤتمرنا الوطني التاسع. لأننا نرى أن حزبنا برؤيته ودوره النضالي، وثيق الإرتباط بما يواجهه شعبنا وبلدنا من مشكلات وقضايا وطنية وديمقراطية واجتماعية ومعيشية يزداد تفاقمها، ولا تجري معالجتها الضرورية بدون دور نضالي لجماهير شعبنا وقواه الديمقراطية وفي مقدمها حزبنا. وإستنادا" الى ضرورات ممارستنا السياسية، والى نص نظامنا الداخلي، واستكمالا" لما أنجزه المؤتمر الثامن للحزب، والمؤتمرات التي سبقت، باشرت هيئات الحزب، وخاصة مكتبه السياسي ومجلسه الوطني، منذ أكثر من سنة التحضير الضروري لعقد المؤتمر القادم آخذة بعين الإعتبار المتغيرات الدولية والاوضاع الإقليمية المستجدة وتفاقم الازمة الداخلية، اضافة الى الصعوبات الفكرية والسياسية والتنظيمية التي نمر بها كحزب منذ مؤتمرنا السادس وحتى اليوم. وفي الوقت الذي لا نخفي فيه ذلك نعمل بمثابرة وشفافية من جهة وبمبدئية وروح ديمقراطية من جهة أخرى لتجاوز مختلف هذه الصعوبات لصالح الحزب ولصالح الحركة التقدمية الديمقراطية في لبنان والمنطقة. وقد جهدنا كي تعكس الوثائق المعدّة، محصلة آراء اكبر قدر ممكن من الرفاق الذين شاركوا بإعدادها ونقاشها، وكذلك الكثير من أفكار الذين لم يشاركوا أو قاطعوا العملية الجارية في بعض مراحلها. وسيتولى المؤتمر التاسع البت فيما يراه ملائما" لهذه المرحلة من تاريخنا الحزبي والوطني والقومي.
أيها الإخوة الاعلاميين
لقد باشرت لجنة الحوار التي شكلت بناء على قرار من المجلس الوطني، نقاش المسائل الفكرية والسياسية والتنظيمية التي يطرحها مسار النضال الذي نخوضه، مركزة على النقاط الخلافية لحلها تسهيلا" لعمل المؤتمر وحماية لوحدة الحزب. وقد تمثلت مختلف وجهات النظر في تلك اللجنة، التي انجزت عملا" كبيرا" خلال عدة أشهر. واستند المجلس الوطني الى ذلك الجهد، فتابع النقاش وأغناه، وصولا" الى صياغة الموضوعات التي بين أيديكم، والى إجازتها في دوره اجتماعاته الأخيرة التي دامت اكثر من شهرين.
لقد تناولت هذه الموضوعات المستجدات على الصعد العالمية والإقليمية والداخلية. وقدمت قراءة اولية لأهم سمات المرحلة الراهنة على مختلف الصعد المذكورة. وابرز ما جاء فيها على الصعيد الدولي، اعتبار الميزة الرئيسية للمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية الجارية على الصعيد العالمي. هو التحول النوعي الرئيسي في موقف الولايات المتحدة الاميركية في العالم واعتمادها سياسة الضربات الإستباقيه بغية فرض سيطرتها على العالم بما يتناسب مع مصالحها الاستراتيجية السياسية والاقتصادية. والتي تصب في خدمة الشركات الرأسمالية الكبرى العابرة للقوميات والقارات، على حساب تطور الاكثرية الساحقة من شعوب العالم وخاصة النامية منها.
إن هذه المتغيرات تعمق الهوة بين دول الشمال ودول الجنوب، كما تعمقها بين الفئات الإجتماعية داخل الدول الرأسمالية المتقدمة. وتزيد تهميش كتل بشرية تعد بالمليارات على امتداد العالم. وأنها تعزز هيمنة قيم السوق وايديولوجيا التسلح وثقافة الاستهلاك، على حساب قيم العدالة والمساواة والحقوق الإنسانية والثقافة الإنسانية.
أما على المستوى السياسي، فأبرز ما أشارت اليه الموضوعات، فهو بروز التناقضات السياسية القومية الأثنية والدينية والعنصرية، بعد تراجع حدة الإستقطاب الذي ساد العالم خلال الحرب الباردة. وبروز هذه التناقضات القديمة الجديدة يعتبر بنظر الموضوعات ردة ذات طابع رجعي واضح، لأنها تعمق أزمات العالم وتفاقم تفككة، لصالح القوى المهيمنة، دون ان تطرح أفقا" موضوعيا" لتجاوز هذه الازمات. خاصة وأنها تتم في ظل سياسة اميركية تزداد عدوانية يوما" بعد يوم، على مختلف الصعد الاقتصادية والايديولوجية والسياسية والعسكرية. وتجد في تسعير هذه الصراعات فرصا" لزيادة تدخلها السياسي وتوسعها العسكري على امتداد الكرة الارضية بهدف فرض منطق امبراطوري في إدارة شؤون العالم، على حساب منظمة الامم المتحدة والمؤسسات الدولية الاخرى. وفي المقابل اشارت الموضوعات الى النهوض الكبير للقوى المضادة لهذه العولمة المتوحشة التي يقودها الرأسمال الكبير والولايات المتحدة. وأكدت انتماءنا العضوي لهذه الحركة العالمية الجديدة ذات الطابع الاممي، والتي تحمل أملاً بعولمة بديلة ذات طابع انساني وحضاري.
أما على الصعيد الإقليمي، فقد رأت الموضوعات أن المنطقة العربية تشهد الترجمة الاكثر وضوحا" وشراسة لهذا النهج الاميركي العدواني، والذي يتلبس في هذه المنطقة صورة المصالح النفطية الجشعة وصورة العدوانية الصهيونية العنصرية المنفلتة، الى حد أعيدت فيه المنطقة الى عصر الإستعمار المباشر بفعل عشرات القواعد العسكرية المزروعة في المنطقة من أفغانستان الى البلقان الى آسيا الوسطى، وخاصة بعد الاحتلال المجرم للعراق، والدعم المتواصل للمجزرة الإسرائيلية المتمادية بحق الشعب الفلسطيني الشقيق.
وترى الموضوعات أن مصيرنا الوطني وحريتنا وإستقلالنا بات اكثر من أي وقت مضى رهنا" بمصير المعركة الدائرة بين قوى الإحتلال الاميركي الصهيوني وحلفائهم، ويبن قوى الإستقلال الوطني والقومي على امتداد المنطقة. واكدت الموضوعات أننا معنيون حتى النهاية في المعركة التي ستولد في خضمها الحركة العربية التقدمية والديمقراطية الجديدة. وأننا معنيون بتعزيز المحتوى القومي والديمقراطي والتقدمي لهذه المعركة عبر الإنخراط بمختلف الوسائل الممكنة، وبالتنسيق والتعاون مع كل القوى الإستقلالية والوحدوية والديمقراطية على امتداد المنطقة العربية كلها.
اما فيما يتعلق بالشأن الوطني اللبناني، فقد ركزت الموضوعات على مختلف جوانب الأزمة التي يعيشها لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية واقرار اتفاق الطائف. فتناولت الجوانب السياسية المتمثلة بفشل التحالف الذي تولى السلطة منذ نهاية الحرب وحتى الآن في التوصل الى مصالحة وطنية حقيقية او في صياغة آلية سياسية تضمن تمثيلاً حقيقياً كما فشلت في بناء مؤسسات الدولة العصرية، بل على العكس من ذلك، ساهمت السلطة عبر وسائلها المالية والأمنية وعبر قوانين الانتخاب المشوهة، ساهمت بانتاج طبقة سياسية من المنتفعين والفاسدين، عمقوا التناقضات الطائفية بدل محاربتها، وهدروا المال العام، وأوصلوا الدين الى ارقام فلكية، ووضعوا ايديهم على المرافق العامة فتحولت الى ممتلكات خاصة، وقمعوا الحريات حيثما استطاعوا، واوصلوا البلد الى حدود الانهيار ودفعوا بالشباب اللبناني الى الهجرة والشعب اللبناني بأغلبه الى ما دون حدود الفقر والجوع، مضيعين فرص السلام الأهلي وفرصة التحرير المجيد وكل الدعم الذي تلقيناه من الأشقاء والأصدقاء.
مما يطرح مهمة اساسية علينا وعلى القوى الوطنية الديمقراطية الأخرى بضرورة التنسيق الحقيقي لتغيير المسار من اجل الانقاذ والتغيير.
الاعلاميون الأعزاء
الى جانب الموضوعات التي قدمنا لمحة سريعة عن توجهاتها، اجاز المكتب السياسي والمجلس الوطني التقرير السياسي المتعلق بآداء المكتب السياسي والمجلس الوطني، خلال الفترة الفاصلة بين المؤتمرين الثامن والتاسع. وقد تضمن التقرير المذكور عرضاً معللاً للظروف التي احاطت بنضالنا طوال هذه السنوات، وخاصة طبيعة السياسات التي اعتمدتها اطراف السلطة والأطراف المواجهة لها، بما فيها حزبنا، وقد ابرز التقرير النشاطات التي قام بها الحزب على مختلف الصعد، وخاصة في مواجهة السياسات الاقتصادية الاجتماعية للسلطة، وسياساتها التربوية، وتطاولها على الحريات العامة، وكذلك النشاطات التي قام بها خلال المعارك الانتخابية المختلفة، والنشاطات التضامنية مع الشعبين العراقي والفلسطيني، وضد العولمة المتأمركة... وقد انتقد التقرير الكثير من اوجه التقصير في عمل الهيئات القيادية للحزب موضحاً في الوقت عينه الصعوبات الموضوعية التي واجهتها في سياق تنفيذها لمهامها بما في ذلك الصعوبات المالية، والصعوبات التنظيمية المرتبطة باستمرار الأزمة الحزبية، وما شهدناه من مسلكيات ومواقف لبعض الرفاق الخارجة عن خط الحزب العام.
كما اقر المجلس الوطني الاجراءات التنظيمية الخاصة بآليات التحضير للمؤمر واليات انعقاده. وهي بالمناسبة آليات تعتمد للمرة الأولى في تاريخ الحزب، وتضمن دقة وشفافية ونزاهة وديمقراطية العملية الانتخابية من البداية حتى النهاية. كما نصت الاجراءات، على ان تشرف على العملية الانتخابية لجنة سميت اللجنة الاجرائية الانتخابية شكلها المجلس الوطني لمزيد من الثقة في صحة العملية الانتخابية وابتعادها عن المؤثرات التنظيمية التي قد تحد من دقتها.
ويبقى امام المجلس الوطني مناقشة واجازه اقتراحات لتعديلات تنيظيمية تقدم الى المؤتمر التاسع لاقرارها. وهي تشمل الهيكلية التنظيمية، حقوق وواجبات الاعضاء، حدود التنوع وضمانات الالتزام والفعالية وآليات عقد المؤتمرات والتحضير للقرارات الحزبية، وأطر المراقبة والمحاسبة وغيرها من المسائل الرامية الى الوصول الى حزب اكثر وحدة وتماسكاً، اكثر ديمقراطية، واكثر فعالية.
كما اصدر المجلس الوطني نداءاً للشيوعيين وزع نصه عليكم، ولقاؤنا اليوم هو فرصة ملائمة ايضاً لمناشدة كل الرفاق بأن يجعلوا من المؤتمر القادم خاتمة للأزمة التي عانى الحزب منها ولا يزال.
وان المجلس الوطني خلال مناقشاته كلها، اخذ بعين الاعتار افكار واقتراحات جميع الرفاق هيئات واتجاهات وافرادا". حتى الذين غابوا عن النقاش او قاطعوه. لم تغب وجهات نظرهم، وسنستمر خلال المراحل القادمة من الاعداد للمؤتمر على نفس التوجه، بغض النظر عن موقف المشاركة او عدمه. فنحن نعترف بأن المقاطعة شكل من اشكال التعبير المشروع، وان كنا نرى ان لا مبرر موضوعي لها، ولا تساهم في معالجة نقاط الاختلاف حيثما وجدت. لذا نجدد نداءنا لجميع الرفاق بالمشاركة الفاعلة باقتراحاتهم ونقدهم فالحزب يقوى بالحوار والنقد والنقد الذاتي ولا يضعف. كما ندعو الذين لم ينجزوا تجديد بطاقاتهم وتسديد اشتراكاتهم ان يبادروا الى ذلك وفق ما حددته لائحة الاجراءات الأخيرة.
أيها الأخوة والصحافيون
لقاؤنا بكم اليوم هو فرصة لشكركم على ما أبديتم وتبدون من اهتمام بالحزب ونشاطه، وهو فرصة ايضاً لكي اتقدم بالشكر الى كل الأصدقاء من رجال دين ورجال سياسة وفكر ومناضلين نقابيين أو في منظمات المجتمع المدني، الذين قيموا عالياً نضال الحزب، وناشدونا الحفاظ على وحدته، وشدوا من عزيمتنا لأن نمضي نحو الأهداف التي ناضلنا وما زلنا نناضل من اجلها وطالبونا بالوفاء لذكرى شهدائنا الذي قضوا من اجل مستقبل الوطن والشعب.
أيها الأخوة
نجاح مؤتمرنا التاسع الذي حدد المجلس الوطني للحزب موعده في 28 و 29 و 30 تشرين الثاني عام 2003، ليس نجاحاً للحزب فقط بل هو نجاح لكل الديمقراطيين والوطنيين ونجاح لوحدة الشعب اللبناني.
فشكراً لكم جميعاً
بيروت في 20/8/2003
الأمين العام
للحزب الشيوعي اللبناني
المحامي فاروق دحروج