|
سياسة الصوت العالي
ساطع راجي
الحوار المتمدن-العدد: 1953 - 2007 / 6 / 21 - 06:34
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
حظيت بعض الشرائح العراقية المتضررة من عملية التغيير السياسي أو بتأثيرات الأوضاع الأمنية، بعناية الحكومة العراقية مؤخرا، كما حظيت بعناية واهتمام المنظمات الإنسانية والدولية، ومن ابرز هذه الشرائح، قيادات وضباط الجيش العراقي السابق وكذلك أعضاء الأجهزة الأمنية المنحلة هذا فضلا عن البعثيين الذين شملوا سابقا بقانون اجتثاث البعث. والعناية الإعلامية والحكومية والدولية انصبت غالبا على النخب دون أن تشمل الفئات الفقيرة التي تضررت بنفس الظروف، فمثلا، سيطر الاهتمام بالنازحين العراقيين إلى دول الجوار بسبب تردي الأوضاع الأمنية، وعقدت العديد من المؤتمرات واللقاءات لتدارس أوضاعهم وخصصت بعض المنظمات الدولة جزءا من ميزانياتها لدعم هؤلاء النازحين كما أشيع أن الحكومة العراقية تعتزم اتخاذ بعض التدابير المالية لتقديم دعم مباشر أو غير مباشر لهم، وأجرت الحكومة العراقية الكثير من المباحثات مع دول الجوار لتسهيل إقامة العراقيين فيها والتخفيف من الإجراءات التي تتعلق بعملهم أو تقديم الخدمات الصحية والتعليمية لهم، والمعروف أن معظم هؤلاء النازحين يتمتعون بظروف اقتصادية لا بأس بها مقارنة بالنازحين الذين تركوا مناطقهم ومساكنهم في بعض مناطق العراق وسكنوا في محافظات تعتبر آمنة نسبيا ليعيشوا في ظروف لا ترقى لأي مستوى من مستويات الحياة الإنسانية اللائقة ولا نقول الكريمة، وإذا كان النازحون إلى خارج العراق يسكنون شققا أو منازل فأن النازحين في داخل العراق يسكنون في أماكن يطلق عليها اسم منزل أو بيت جزافا، وإذا قارنا بين الظروف المناخية لدول الجوار بمناخ العراق الصيفي منه تحديدا سنعرف هول الفارق، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار الكهرباء المنعدمة عراقيا والبيوت المبنية غالبا بـ(البلوك) الأسمنتي وسقوفها المعدنية أو الخشبية، وانعدام الماء الصحي في أماكن النزوح الداخلي، تلك الأماكن التي لم تحظ حتى بصفة رسمية تجعلها تابعة لمنظمة دولية ترعى حالات النزوح. الحالة الأخرى للتفرقة في العناية بين مكونات الشعب، هي حالة الأجهزة المنحلة، ففي الوقت الذي نشهد فيه اهتماما بالرتب والدرجات العليا نشهد أيضا تناسيا مهولا للدرجات الدنيا، فهاهم العمال والحرفيون والفنيون الذين كانوا منتسبين في مؤسسات التصنيع العسكري أو وزارة الصناعة ( التي جمدت معظم شركاتها) وهم بالآلاف يستلمون رواتب لا تنسجم لا مع خبراتهم ولا مع سنوات خدمتهم ولا حتى مع أعباء المعيشة، رغم انهم لم يكونوا يوما ما من أدوات القتل التي كان يستعملها النظام البائد. لا أحد يعترض على رغبة أو سعي الحكومة العراقية إلى تقليص حجم الأضرار الجانبية التي نتجت عن عملية التغيير في العراق، ولا اعتراض على عمل الحكومة لتحسين أوضاع العراقيين النازحين إلى الخارج، ولكن الاعتراض يكون منطقيا وملحا عندما نجد تفرقة في توزيع اهتمام الحكومة وأموال الشعب، ويكون هذا الاهتمام اللامتوازن موضع الشك والريبة حين يوضع في سياق الأوضاع السياسية والأمنية، حيث تم تسويق الاهتمام بقيادات الجيش السابق والأجهزة المنحلة على أنها جزء من المصالحة الوطنية ما يعني أن خطوات الحكومة جاءت بتأثير الضغط الأمني الذي يشكله هؤلاء على الوضع في العراق، وكل الحكومات تتجه إلى تقديم رعاية وامتيازات مالية للتخلص من بعض المآزق العويصة شرط أن لا يوحي ذلك بتجاهل الحكومة للمواطنين المسالمين، أو أن يصبح العنف وسيلة لتحقيق المطالب الاقتصادية وأداة مألوفة للضغط على الحكومة، كما أن اهتمام الأعلام والمنظمات الدولية بالنازحين العراقيين الجدد دون القدامى ( الذين نزحوا هربا من نظام الطاغية)، يؤشر استمرار التأثير الإعلامي والدبلوماسي لرجالات ودوائر النظام السابق في مؤسسات ومنظمات كفت يدها منذ زمن بعيد عن الاهتمام بالملفات العراقية الداخلية، كما أن بعض الدول تحاول استخدام وجود النازحين العراقيين في أراضيها للضغط السياسي على الحكومة العراقية أو لتحصيل بعض الإعانات لترميم ميزانياتها التي لا تتحمل حقا زيادة مفاجئة في عدد السكان، كما أن هذا النزوح يؤثر بشكل سلبي كبير على اقتصاديات هذه البلدان وظروف معيشة أبنائها خاصة الفقراء منهم إذا وضعنا في الحسبان القدرة الشرائية الجيدة لعدد لا بأس به من العراقيين الذين نزحوا إلى تلك البلدان. أن المكاسب التي يحظى بها البعض دون الآخر من فئات الشعب العراقي رهينة بإتقان سياسة الصوت العالي، تلك السياسة التي نجحت في تقدم مطالب قيادات أجهزة النظام السابق المنحلة، على مطالب ومظالم وحقوق ضحايا ذلك النظام.
#ساطع_راجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحكم الثلاثي
-
سلاح الانقلابات
-
تحديات جديدة
-
دور العشيرة …دور الدولة
-
مفارقات اسطنبول
-
العامل الأمريكي
المزيد.....
-
قراءة الإعلام المصري لصورة السيسي في -جيروزاليم بوست- الإسرا
...
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 119 مقذوفا في غضون 24 ساعة
...
-
وزير الخارجية الأمريكي ونظيره السعودي يناقشان مستقبل غزة وال
...
-
فوتشيتش يصف الاحتجاجات في صربيا بأنها محاولة لتدمير البلاد م
...
-
أنباء أولية عن سقوط قتلى في تحطم طائرة في فيلادلفيا الأمريكي
...
-
إعلام أوكراني: سماع دوي انفجارات في كييف ومقاطعتها
-
المبعوث الأمريكي الخاص: إنهاء الصراع في أوكرانيا يصب في مصلح
...
-
تاكر كارلسون: زيلينسكي باع أوكرانيا وتحول إلى خادم للغرب
-
-إم 23- تواصل زحفها شرق الكونغو الديمقراطية
-
6 قتلى بسقوط طائرة صغيرة في فيلادليفيا
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|