أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن مدن - الذاكرة التي هُشّمت














المزيد.....

الذاكرة التي هُشّمت


حسن مدن

الحوار المتمدن-العدد: 594 - 2003 / 9 / 17 - 04:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يمكن للديكتاتورية ان تقتل الطبيعة كما تقتل البشر. ليس في الأمر مجاز. لقد جفف النظام العراقي السابق منطقة الأهوار، التي كانت خليطاً من ضباب وماء كما كتبنا هنا مرة قبل سنوات. هذه المنطقة أشبه بأسطورة. شيء من الحضارات القديمة التي ظلت تعيش، شيء من الفطرة البشرية الأولى في تعاطيها العفوي، البريء، مع الطبيعة، يوم كان الانسان والطبيعة صديقين حميمين، يوم كان الانسان يدرك ان هذه الطبيعة هي أمه الرؤوم. لكن نظام صدام حسين كان قاسياً مع  الأهوار كما كان قاسياً مع كل شيء. أمر بتجفيف بحيرات الماء وشيد السدود التي تحبس المياه عنها. يوم انهار النظام انهارت سدود وجدران كثيرة، جدران السجون والزنزانات، جدران المقابر الجماعية، جدران الوطن بكامله التي شيدت بوجه أربعة ملايين عراقي بينهم أفضل العقول والمواهب الذين وجدوا أنفسهم لأسباب مختلفة خارج الوطن. بين السدود التي انهارت أيضاً كانت تلك السدود التي شيدت لحبس الماء عن الأهوار. وهكذا ابتدأت الحياة تعود تدريجياً الى هناك، حيث مياه شحيحة أخذت تصل بعد طول انقطاع الى الانهار التي كانت يوماً تضج بالماء فجفف عن آخره فيها. الى هناك ذهب مصور عراقي، هو الآن مواطن ألماني، اسمه إخلاص عباس. و”إخلاص” إخلاصه لوطنه الأم حدا به لأن يأخذ كاميرته الى تلك المنطقة الساحرة النادرة التي يعرفها العالم، لا لكي يذكر هذا العالم بالجريمة التي لحقت بالأهوار فحسب، وانما ليضع هذا العالم أمام مسؤوليته في المساعدة على إعادة الحياة اليها. عاد الرجل بصوره الى ألمانيا وخاطب جهات ألمانية ودولية مناشداً إياها المساعدة، قال، في تصريحات نشرتها صحيفة عربية، ان اصداء واسعة لهذه المناشدة قد نشأت، وان هيئات ثقافية وبيئية في ألمانيا أخذت الأمر مأخذ الجد، لكن ما زال من المتعين بذل جهود أكبر وأوسع في هذا الاتجاه.

ما الذي صورته كاميرا إخلاص عباس في الأهوار بعد سقوط السدود؟

قصب البردي الذي لم ترتفع قامته عن 80 سم. الأطفال يحرسون الجواميس وهي تغدو فرحة الى المياه، صيادي السمك وهم يصطادون فجراً في المناطق التي عادت اليها المياه.

 

صوّر أيضاً ما هو محزن: قرى المعدان المقامة على الأرض البور بعد ان كانت تطفو على المياه. ورأى ما هو محزن: “لكل انسان هناك حكاية مأساوية يسردها عن تجربة التجفيف والتشريد والقتل والمطاردات. كان النظام يعاقب العوائل بأكملها وأحياناً عشائر بأكملها، بسبب أبنائها الهاربين”.

 

الحياة تعود الى الأهوار، لكنها لا تعود كما كانت. كل الأزمنة الساحرة التي تمضي لا تعود من جديد حين يصادر سحرها. الناس فرحون بعودة المياه، وصاروا يعودون، لكن ذلك التوارث الطبيعي للأجيال فوق مياه الأهوار جرى قطعه تعسفاً وظلماً. جيل جديد من أولاد المهجرين من الأهوار لا يعرف الأهوار، فلقد قضوا حياتهم في المدن والقرى وفقدوا هاجس الحياة في الهور. خلال عقدين من الآن هما عمر التجفيف فقدت الأهوار أبناءها.. والحياة التي تعود اليوم اليها مدفوعة بقوة ذاكرة الجيل القديم الذي يشده الحنين الى مرابع الذكرى. اما الجيل الجديد فإنه حتى لو عاد، يعود الى مكان لا يعرفه ولا يشكل له ذاكرة.

 الديكتاتورية تقتل البشر والطبيعة وتصادر الذاكرة أيضاً. مأساة أهالي الأهوار هي مأساة كل العراقيين العائدين يبحثون عن وطن قديم فلا يجدونه. يجدون وطناً آخر ويحتاجون من الوقت الشيء الكثير ليعيدوا ترميم الذاكرة التي هشمت.

 

 



#حسن_مدن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فقدانــــــــــات العائــــــــــد..!
- لا فسحة للحلم
- !هل نسمع العراق؟
- مربى تشيخوف


المزيد.....




- الحكومة الإسرائيلية تقر بالإجماع فرض عقوبات على صحيفة -هآرتس ...
- الإمارات تكشف هوية المتورطين في مقتل الحاخام الإسرائيلي-المو ...
- غوتيريش يدين استخدام الألغام المضادة للأفراد في نزاع أوكراني ...
- انتظرته والدته لعام وشهرين ووصل إليها جثة هامدة
- خمسة معتقدات خاطئة عن كسور العظام
- عشرات الآلاف من أنصار عمران خان يقتربون من إسلام أباد التي أ ...
- روسيا تضرب تجمعات أوكرانية وتدمر معدات عسكرية في 141 موقعًا ...
- عاصفة -بيرت- تخلّف قتلى ودمارا في بريطانيا (فيديو)
- مصر.. أرملة ملحن مشهور تتحدث بعد مشاجرة أثناء دفنه واتهامات ...
- السجن لشاب كوري تعمّد زيادة وزنه ليتهرب من الخدمة العسكرية! ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن مدن - الذاكرة التي هُشّمت