أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - نحو معالجة المشكلات الأساسية التي تواجه الشعب في المرحلة الراهنة















المزيد.....



نحو معالجة المشكلات الأساسية التي تواجه الشعب في المرحلة الراهنة


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 594 - 2003 / 9 / 17 - 04:03
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



تؤكد تجارب الشعوب أن البلدان التي تعرضت شعوبها إلى حروب أو اجتياحات عدوانية ، أو تلك التي قامت حكوماتها بشن الحروب العدوانية و تعرض اقتصادها الوطني وبنيتها التحتية إلى خراب واسع وفقدت الكثير من الأرواح قتلى، وجرحى ومعوقين، كانت باستمرار بحاجة ماسة إلى توفر عدة مستلزمات أساسية من اجل تأمين عملية إعادة الإعمار و تحقيق النهوض من كبوتها و مواصلة التنمية الاقتصادية والبشرية واستعادة مكانتها في الأسرة الدولية. ونشير فيما يلي إلى ابرز واهم تلك المستلزمات:
1- بذل أقصى الجهود لضمان الوحدة الوطنية بين كل الطبقات والفئات الاجتماعية وتراص صفوف الشعب بكل قومياته وإتباع دياناته ومذاهبه المختلفة وجميع القوى السياسية ذات الاتجاهات الوطنية والديمقراطية. إذ إن المهمات في مثل هذه الحالات تمس الجميع وتعبر عن مصالحها المشتركة والمشاركة يفترض أن تكون شعبية واسعة.
2-  العمل من اجل تعبئة كل الموارد المادية والبشرية والطاقات الفنية ووضعها في خدمة عملية إعادة الإعمار لتعجيل العملية وتقليص الفترة الزمنية التي تحتاجها وبالتالي تقليص مصاعب وعذابات المجتمع عموما والفئات الكادحة على نحو خاص.
3- وضع برنامج عقلاني يتضمن المهمات وفق أسبقيتها وأهميتها للمجتمع، على آن يشمل هذا البرنامج التوزيع العقلاني للفعاليات والمهمات على مستوى الأقاليم والمناطق والمحافظات وعلى مستوى المدينة والريف.
4- العمل من اجل تعبئة كل الموارد والإمكانيات والمساعدات الإنسانية على المستويين الإقليمي والدولي وعبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وعلى أساس التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف لوضعها في خدمة إنجاز المهمات بسرعة وأفضل طريقة ممكنة والاستفادة الواعية من التجارب الدولية في هذا الصدد.
5- ويفترض إنجاز مثل هذه المهمات، أولا وقبل كل شيء تأمين وجود حكم ديمقراطي دستوري أو حكم ديمقراطي انتقالي لمواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ووضع آليات ديمقراطية لمعالجتها إلى حين الانتقال بالبلاد إلى الحياة الدستورية والمجتمع المدني الديمقراطي التعددي.     
 
ويمكن الادعاء بأن هذا الطريق هو الصيغة الأكثر عقلانية وعملية لتحقيق النتائج الملموسة و المنشودة للشعب كله وبأقصى سرعة ممكنة لتجنب المضاعفات  السياسية والتذمر الاجتماعي والتخلخل في النسيج الاجتماعي.
هذه الدروس المستخلصة من تجارب الشعوب المختلفة يفترض آن يستلهم منها الشعب العراقي دربه في معالجة أوضاعه الراهنة بعد إسقاط الدكتاتورية عبر الحرب وبعد وقوع العرق تحت الاحتلال الأمريكي – البريطاني وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 لسنة 2003.
والجدير بالإشارة إلى أن الخراب الاقتصادي والانهيار الاجتماعي والنفسي والتربوي الذي يعاني منه العراق لم ينشأ عن حرب واحدة بل بعد وقوع عدة حروب داخلية وإقليمية من جهة وبعد ممارسة سياسة اقتصادية تدميرية من جانب دولة الاستبداد المطلق والدكتاتور الأوحد، إضافة إلى تعرض العراق لحصار اقتصادي دام احد عشر عاما. كما تعرضت البلاد  في أعقاب حرب الخليج الثانية إلى عمليات نهب وسلب وحرق وترويع وتخريب وتدمير لا مثيل له من جانب العصابات المنفلتة من عقالها من أزلام النظام الساقط أو من المجرمين الذين أطلق سراحهم قبل نشوب الحرب ومن جماعات متطرفة أخرى كانت وما تزال تريد إشاعة الفوضى والخراب والاحتراب في البلاد.

والفترة التي بدأت مع سقوط النظام وبدء الاحتلال أي منذ 9 نيسان / ابريل 2003 وحتى الآن وللفترة القادمة تبلورت جملة من المشكلات التي تحتاج إلى معالجة جادة وحيوية ومسؤولة ودون إبطاء والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
أولا: المشكلة السياسية الداخلية وهي ذات أبعاد عديدة:

أ?- دور مكانة مجلس الحكم الانتقالي والحكومة المؤقتة في إدارة شؤون البلاد فعليا وقناعة الشعب بهذا الدور الفعلي وتجلياته في الواقع الحياتي.
ب?- سبل مواجهة قوى التخريب الصدامية وغيرها التي عاثت حتى الآن فسادا في البلاد وتريد تأخير كل شيء ليتسنى لها إدامة وجود قوات الاحتلال في العراق وبالتالي تعبئة الشعب ضد وجودها المتواصل. 
ت?- التحضير الفعلي لإنهاء فترة الانتقال من جانب مجلس الحكم الانتقالي والحكومة المؤقتة وسلطة قوات التحالف من جهة أخرى والسعي لإنهاء هذه الفترة بأقرب فرصة ممكنة مع توطين الأمن والاستقرار وحماية حقوق وحياة وممتلكات السكان. وهذا يعني الإعداد لدستور ديمقراطي مدني علماني دائم ودولة ديمقراطية تعددية فيدرالية وانتخابات عامة وحرة.

ثانياً: المشكلة الأمنية الداخلية
ثالثا: المشكلة المعيشية والاقتصادية للسكان وعملية إعادة الإعمار. وهذه الفقرة التي لا تنفصل عن الفقرة التي سبقتها ومترافقة من حيث الزمن معها ذات جوانب أربعة:
أ?- رغم التأخير الحاصل، السعي لإنجاز مشكلة الكهرباء والماء والهواتف أو الاتصالات عموما والنقل، إضافة إلى المستشفيات، أي استعادة العمل بمشروعات البنية التحتية المعطلة التي تزيد من تذمر الناس وتدفع بهم إلى الاحتجاج بشتى الطرق.
ب?-  السعي لامتصاص البطالة الواسعة التي تلف أكثر من 70 % من القوى القادرة على العمل من النساء والرجال والتي تحرم الناس من دخل معقول وعمل يحفظ لهم كرامتهم وإبعادهم عن أولئك الذين يسعون إلى استغلالهم بأساليب كثيرة.
ت?-  قيام الحكومة المؤقتة بطرح تصورات حول اتجاهات التنمية خلال الفترة القادمة والسعي إلى كسب رؤوس الأموال الأجنبية والعربية للعمل في العراق. وهذه القضية مرتبطة بعاملين هما الأمن وتوفر البنية التحتية. ويفترض في هذا الصدد تأمين تدفق النفط الخام إلى الأسواق الدولية وحماية خطوط أنابيب النفط والغاز من عمليات التخريب إضافة إلى إعادة العمل بمصافي النفط في العراق لإزالة الاختناقات في السوق الداخلية لمواد البنزين والزيوت المختلفة.
ث?-  العمل من اجل إعادة جدولة الديون الخارجية والتعويضات لمدة خمس سنوات إلى حين بدء التفاوض بشأنها وسبل معالجة المشكلة سياسيا.
    
رابعاً: المشكلة الاجتماعية والنفسية التي خلفها النظام الصدامي بعد حكم دام 35 عاماً. وهي عملية معقدة وطويلة الأمد ذات أبعاد عديدة تتداخل مع احتلال أجنبي أعقب ذلك، رغم دوره في تحرير الشعب من عبودية الدكتاتورية والجور والقسوة، لم يفهم حتى الآن طبيعة هذا الشعب ومشكلاته وما يريد. وهي مرتبطة أيضا بدور الأحزاب والقوى السياسية العراقية التي لم ترتق بعد إلى مستوى مسؤولياتها ووعي التجربة المنصرمة.

خامسا : مشكلة العلاقات العراقية – العربية والعراقية الإقليمية حيث ما تزال الرغبة جامحة لدى حكومات البلدان العربية والإقليمية في التدخل الفظ وغير المسؤول في الشؤون الداخلية باتجاهين:
أ:  تقديم دعم إعلامي وسياسي مرئي ومسموع إلى القوى المخربة التي تحاول إشاعة الفوضى والعبثية في العراق، إضافة إلى تقديم أنواع الدعم الأخرى. وهذا الأمر يتم على مستويين:
- مستوى بعض الحكومات العربية والمجاورة التي تخشى التحولات المحتملة في العراق وتأثيراتها على سياساتها ووجودها في الحكم في بلدانها،
- مستوى بعض الحكومات القومية والبعثية اليمنية المتطرفة وبعض قوى الإسلام السياسي المتطرفة الموجودة في مختلف البلدان العربية والدول الإقليمية التي بدأت تقدم إشكال الدعم الإعلامي والسياسي والمادي والأفراد لفلول النظام السابق أو لقوى أخرى من بينها جماعات تابعة ومؤيدة لتنظيم القاعدة أو غيره.       
ب: التدخل في شؤون الأحزاب السياسية القائمة في العراق والتأثير على سياساتها ومواقفها بما يخدم مصالح تلك الدول، ولكنه يلحق أفدح الأضرار بمصالح الشعب العراقي حاليا وفي المستقبل. ويأتي هذا التدخل من إيران وتركيا ومن بعض الدول العربية المجاورة بشكل خاص.
إن كل ذلك يعيق إنجاز فترة الانتقال بسرعة وبالتالي يطيل فترة الاحتلال حيث يمكن آن تنشأ عنهما مضاعفات وتداعيات أخرى غير معروفة العواقب لا على العراق فحسب بل على دول المنطقة أيضا.
سادسا : مشكلة إنهاء فترة الاحتلال وعواقبها وتداعياتها.
وهي عملية لن تكون سهلة كما يتصورها البعض أو أن الولايات المتحدة الأمريكية ستنسحب حال الانتهاء من فترة الانتقال والتي هي بدورها غير محددة بفترة زمنية.
إن إشكالية الاحتلال لا تكمن في وجود القوات الأجنبية في البلاد والاتفاق على خروجها فحسب، بل في كل ما يترتب عن هذا الاحتلال من محاولة عقد اتفاقيات والحصول على امتيازات أو تثبيت قواعد وقوى..الخ في البلاد، أي كيف يمكن حاليا وفي خضم الصراع المتعدد الجوانب تأمين تأييد دولي واسع لمنع وقوع ما هو محظور من ناحية الاستقلال والسيادة الوطنية نسبيا.. وهو الذي يتطلب إشراك المجتمع الدولي لمراقبة ما يجري في العراق حاليا وخلال الفترة القادمة. وعلينا أن نفهم في هذا الصدد الحكمة القديمة: " ليس للدول أصدقاء بل مصالح".
هذه هي المشكلات التي تحتاج إلى حلول عملية وديمقراطية وفي تفاصيلها يكمن الكثير من المشكلات الأكثر تعقيداً.

تختلف مواقف القوى السياسية العراقية، سواء أكانت مشاركة في مجلس الحكم الانتقالي أم خارج إطاره في رؤيتها لهذه المشكلات وأسبقية بعضها للبعض الآخر وسبل وأدوات معالجتها والنتائج التي تتوقع تحقيقها. ولا شك في انه يمكن أن تلتقي في أكثر من نقطة بهذا الصدد. والقوى التي يهمها معالجة الأمور بسرعة وتحقيق أفضل النتائج لا من مواقع المصلحة الذاتية والمنافسة الحزبية بل من مواقع مصلحة المجتمع التي هي في المحصلة النهائية من مصلحتها، يمكن أن تلتقي على قواسم مشتركة إزاء هذه المشكلات، وهو ما يفترض أن نعول عليه ونسعى إليه. وفق تقديري فأن للقوى السياسية العراقية الفاعلة في الساحة السياسية الراهنة وجهات نظرها التي تتشكل وفق التيارات لفكرية والسياسية التي ترتبط بها، بعد أن نستثني منها القوى التي وضعت نفسها خارج التحالفات السياسية الوطنية، ونعني بها قوى صدام حسين والقاعدة وبعض الجماعات الصغيرة الأخرى المماثلة في الأهداف والنوايا التي تدير اليوم عمليات التخريب والتفجيرات والقتل وإشعال الحرائق وخطف النساء والسلب والنهب.. الخ. ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي:

أولا: وجهات نظر قوى الإسلام السياسي: وتنقسم هذه القوى إلى مجموعتين متمايزتين في كثير من النقاط، رغم وجود نقاط عامة أخرى تلتقي عندها، سواء أكانت في إطار المذهب الشيعي أم المذهب السني.
أ?- المجموعة المتطرفة التي تريد إقامة دولة الله على ارض العراق وتفرض ممارسة الشريعة الإسلامية كما تراها هي على المجتمع بأسره وتربط في الحكم بين الدين والدولة, وهي مستعدة لممارسة كل الأساليب العنيفة وغيرها في سبيل الوصول إلى هذا الهدف وهي ليست بالضرورة مرتبطة بتنظيم القاعدة ولكن هناك قوى رسمية وغير رسمية في الدول العربية والدول المجاورة تساند هذه المجموعة وتقدم لها الدعم المتنوع، رغم أن هذه المجموعة لم تعلن حتى الآن صراحة عن الكيفية التي تريد عبرها الوصول إلى السلطة السياسية، وهي ترفض الاعتراف بالقوميات وحقوقها كما تعامل أصحاب الديانات الأخرى على أساس أهل الذمة وأناس من الدرجة الثانية وترفض الاعتراف بفكر الأخر. فلديها فكر واحد وسياسة واحدة لا غير. ويشكل هذا الاتجاه خطرا على مستقبل العراق والمنطقة، إذ يسعى إلى خلق أوضاع مماثلة لما كان ومازال يحصل في الجزائر.
ب?- المجموعة المعتدلة التي أقرت من حيث التصريحات قيام المجتمع المدني في العراق وممارسة الديمقراطية والفيدرالية في الحكم، وهي ترى ضرورة عدم تجاوز الشريعة في وضع الدستور والقوانين العراقية. وتعمل قوى هذه المجموعة في إطار مجلس الحكم الانتقالي أو تنسق معه.
وإذا كانت المجموعة الأولى لا حظ لها في الوصول إلى السلطة في العراق لتعارضها الكامل مع بنية المجتمع العراقي القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية من جهة، ولتصادمها مع طبيعة العصر والتحولات العميقة الجارية في حياة البشرية على الصعيد العالمي ، فأن المجموعة الثانية لها حظ المشاركة في الحكم وليس الانفراد به خاصة وان القوى السياسية العراقية والمجتمع العراقي تتطلع إلى إقامة مجتمع مدني ديمقراطي فيدرالي علماني يفصل كليا بين الدين والدولة لصالح الدين ولصالح الدولة في آن واحد.

ثانيا: وجهات نظر القوى الليبرالية: وهي تنقسم بدورها إلى مجموعتين أساسيتين:
أ?- تنطلق الأولى من مواقع الفكر الليبرالي الجديد وترتبط فكرا وممارسة بالقوى المحافظة الجديدة التي برزت منذ العقد التاسع في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الصناعية السبع الكبار، والتي تتربع على السلطة في الولايات المتحدة في الوقت الحاضر. وهي تتبنى النموذج الرأسمالي الذي تروج له الولايات المتحدة والمؤسسات المالية والنقدية الدولية ( صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) وتريد ربط الاقتصاد العراقي عضويا بالاقتصاد الأمريكي وتجعله تابعا له وتمارس السياسات التي تصطدم بمصلحة الغالبية العظمى من الشعب و تساهم في خلق التوترات الاجتماعية وتشدد من التناقضات والصراعات السياسية في المجتمع العراقي الذي عانى ويلات الحروب والحصار والسياسات الاقتصادية المعادية لمصالح الشعب العراقي ذات الذهنية العسكرية العدوانية. ويصعب على هؤلاء فهم الفجوة الهائلة بين الاقتصاد الأمريكي والاقتصادات الأوربية المتقدمة من جهة، والاقتصاد العراقي من جهة أخرى في جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية..الخ. وهي ترى إمكانية ممارسة نوع من الديمقراطية وحقوق الإنسان والانتخابات التي تنسجم مع مجتمع متخلف مثل العراق، أي أنها تريد عمليا فرض الوصاية على المجتمع بأسره. ويمثل هذه المجموعة في مجلس الحكم الانتقالي الدكتور احمد الجلبي، رئيس المؤتمر الوطني العراقي وآخرين داخل المجتمع وخارجه.
ب?-  والمجموعة الثانية التي تنطلق من مواقع الليبرالية وإقامة المجتمع المدني البرجوازي وسيادة العلاقات الإنتاجية الرأسمالية والدور الرئيسي الذي يلعبه القطاع الخاص في العمليات الاقتصادية، ولكنها لا ترفض وجود قطاع الدولة في بعض المجالات الاقتصادية، كاقتصاد النفط، أو في بعض الخدمات الأساسية وتقديم الدعم لبعض السلع ذات الاستهلاك الشعبي الواسع، وهي بذلك تسعى إلى تجنب الوقوع في مطب نقل النموذج الرأسمالي المتقدم إلى الاقتصاد العراقي، كما تتجنب خلق الاهتزازات والتوترات الاجتماعية والسياسية. إنها تحاول الاستفادة من كل تجارب البلدان النامية التي سارت على طريق بناء نموذج الرأسمالية الأوروبية. أو النموذج الأمريكي.
ولهذا الاتجاه حظ كبير لا في الوصول إلى السلطة فحسب بل وممارسة النموذج المعتدل للرأسمالية في البلاد، إذ أن أتباعه يسعون إلى إقامة المجتمع المدني الديمقراطي والاعتراف بحق الشعب الكردي بإقامة فيدرالية وممارسة حقوق الإنسان والتداول السلمي والديمقراطي البرلماني للسلطة. إنهم لا يلغون الاستغلال من المجتمع بل يكرسونه، لكنهم يحاولون تأمين نوع من المساومة بين العمل ورأس المال. وهناك الكثير من القوى السياسية العاملة في إطار مجلس الحكم الانتقالي في العراق التي تدعو إلى ذلك ومنها الحزبين الكرديين ومجموعة الأستاذ عدنان الباججي ومجموعة الحزب الوطني الديمقراطية التي يرأسها السيد نصير الجادرجي على سبيل المثال لا الحصر. ويمكن لهذه المجموعات أن تعبر عن مصالح البرجوازية الصغيرة الوطنية (المتوسطة) التي تضررت إلى ابعد الحدود نتيجة السياسات العسكرية والعدوانية والحروب التي خاضها النظام الاستبدادي ونتيجة الحصار الاقتصادي.
كما يمكن أن تعبر عن مصالح جمهرة واسعة من المثقفين العراقيين من العرب والكرد..الخ.
ثالثا: وجهة نظر اليسار الديمقراطي العراقي: ويمكن تقسيم القوى الفاعلة في هذا التيار إلى مجموعتين رئيسيتين وهما:
أ?- مجموعة متطرفة من كتل وأفراد ترفض من حيث المبدأ الاعتراف بالواقع القائم وترى ضرورة وإمكانية الصراع الطبقي لانتزاع السلطة وترفض الرأسمالية والعولمة، حتى في كونها عملية موضوعية، وتؤكد دور الدولة في العملية الاقتصادية والاجتماعية وتصر على إقامة دكتاتورية البروليتاريا وترفض المساومة مع البرجوازية. وهذه المجموعة تتشكل من عناصر تركت الحزب الشيوعي العراقي ( وبعضها لا يزال فيه) أو بقايا الكتل التروتسكية والماوية المتطرفة، وهي في جوهرها تميل إلى الاتجاهات الستالينية في الحكم للدفاع عن مصالح طبقة العمال والفلاحين على نحو خاص وتعتبر نفسها الممثل الشرعي والوحيد للطبقة العاملة العراقية. هذه المجموعة صغيرة وليس لها حظ في كسب أوساط واسعة حولها، إلا إذا تدهورت الأوضاع واشتد الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي ، عندها تجد القوى المتطرفة عموما آذانا صاغية في صفوف الذين يعانون من كل ذلك.
أما المجموعة الثانية من التيار اليساري الديمقراطي العراقي التي تتبنى الماركسية تشير إلى أنها استفادت من دروس النصف الثاني من القرن العشرين ومن تجربة نهوض وسقوط البلدان الاشتراكية البلدان النامية التي سارت على طريق التطور اللارأسمالي أو التوجه الاشتراكي التي اصطدمت بعقبات دكتاتورية البروليتاريا والديمقراطية البروليتارية أو الانفراد بالسلطة، وهي تؤيد التعددية السياسية والتداول الديمقراطي والسلمي للسلطة عبر المؤسسات الدستورية _ البرلمان _ واحترام الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ...الخ. كما أنها كفت ، كما تقول، عن رفض التعامل مع الرأسمال الأجنبي أو التركيز على قطاع الدولة في ظروف العراق الملموسة، إذ إن المرحلة هي التي تستوجب هذه التحولات. وهي في ذلك تقترب من الواقع الملموس ومكوناته والعلاقات الإنتاجية السائدة فيه ومن الوعي الاجتماعي والسياسي للمجتمع والقدرة باتجاه تحريكه صوب المجتمع المدني والعلاقات الرأسمالية الوطنية المرتبطة ببرنامج اجتماعي يحقق مصالح الكادحين والمنتجين للخيرات المادية في المجتمع. كما أن لهذه المجموعة موقف سلبي من العولمة لكنها أخذت تميز الآن بين ظاهرة العولمة كعملية موضوعية لا مرد لها من جهة، وبين سياسات العولمة التي تمارسها الولايات المتحدة والدول الصناعية السبع الكبار والتي تتعارض مع مصالح شعوب النامية ومنها العراق. إن هذه التحولات الفكرية والسياسية ما تزال في عملية صيرورة وهي في صراع داخل هذه المجموعة وهو أمر طبيعي. وهذه القوى ، ومنها الحزب الشيوعي العراقي، يمكن أن تلتقي في بعض أهدافها وأساليبها مع الاتجاه الليبرالي المعتدل لا بسبب تحولها صوبه، بل بسبب طبيعة ومهمات المرحلة، كما أنها تقترب من البعض من أحزاب الاشتراكية الديمقراطية في البلدان النامية. وتضم هذه المجموعة إلى جانب الحزب الشيوعي العراقي الممثل في مجلس الحكم الانتقالي، بعض الجماعات أو الكتل الماركسية واليسارية الديمقراطية وكثرة من الشخصيات السياسية والمثقفة العراقية.       
المشكلة السياسية الراهنة في العراق
كاظم حبيب 2-7


عند دراسة المشكلة السياسية في المرحلة الراهنة في العراق يفترض متابعتها على عدة محاور، إذ أن كلا منها يمكن أن يساهم في تعقيد أو تخفيف التوترات السياسية والاجتماعية والأمنية. وسنحاول فيما يلي متبعة هذه المحاور:
المحور الأول: السياسة الأمريكية في المنطقة في العراق
تشكل السياسة الأمريكية الراهنة المحور المركزي لكل المشكلات القائمة في العراق وعقدتها الأساسية. فالتكتيكات التي تمارسها سلطة الاحتلال تختلط بشكل غير عقلاني مع إستراتيجية الإدارة الأمريكية على الصعيد الدولي. فعلى مستوى الاستراتيجية تعمل الإدارة الأمريكية من اجل توطيد وتكريس مواقعها السياسية والعسكرية والاقتصادية، وخاصة البترولية، في العراق وجعله مركزا أساسيا من مراكز التحرك الأمريكي على الصعيدين الشرق الأوسط والعالم. ولم يكن عبثا موافقة الإدارة الأمريكية على اللجوء إلى الكذب والإساءة إلى سمعتها مجددا في العالم من جل شن الحرب في العراق واحتلاله باعتباره بلدا يمتلك أسلحة الدمار الشامل التي يمكن خلال 45 دقيقة وضعها في الاستخدام الفعلي. ومع أن العراق امتلك حقا الأسلحة الكيماوية والبايولوجية، وكان يسعى إلى إنتاج الأسلحة النووية واستخدم السلاح الكيماوي ضد إيران في الحرب وضد الشعب الكردي في حلبجة، إلا انه كما يبدو قد دمرها في العقد الأخير من القرن العشرين ولم يعد يمتلكها حين شنت الحرب، إذ لم تعثر القوات الأمريكية والبريطانية والأجهزة الفنية على أي اثر حتى الآن لتلك الأسلحة. وهذه الحقيقة تؤكد عدة مسائل بالنسبة للسياسة الأمريكية في العراق، واعني بها ما يلي:
أ?- أنها تريد أن تنفرد بالهيمنة الكاملة على العراق ورفض أي تدخل من جانب دول الاتحاد الأوربي فيما عدا بريطانيا اللصيقة بسياساتها. كما تقاوم تدخل الغمم المتحدة في المساهمة في تقرير مستقبل العراق وسياساته، إلا في حالة خضوعها لإرادة وسياسة الإدارة الأمريكية. و ستبقى تصر على هذا الموقف مادام ميزان القوى إلى جانبها، ومادام ضغط العوامل المختلفة لم يصل إلى الحد الذي يفرض عليها الموافقة على تغيير هذا الموقف.
ب?-  يدخل العراق، من حيث موقعه الاستراتيجي وموارده النفطية، ضمن خطط البنتاغون في فرض الهيمنة العسكرية على العالم لخدمة سياساتها الاقتصادية والثقافية في ظروف العولمة الجارية. وهي إشكالية تتعلق بالموقف العسكري إزاء روسيا الاتحادية والصين الشعبية والهند، إضافة إلى منطقة الشرق الأوسط. ويشكل العراق العقد الفريد في السلسلة السياسية الراهنة لدول المنطقة.
ت?-  ويعتبر العراق جزء من استراتيجية الأمن الاقتصادي القومي للولايات المتحدة بما يملكه من احتياطي كبير جدا من النفط الخام والغاز الطبيعي، علما بأن الاحتياطي غير المكتشف حتى الآن هو اكبر بكثير من الاحتياطي المكتشف، فالعراق كله يسبح على بحيرة نفطية. وليس في نية الولايات المتحدة التفريط بهذه الثروة الكبيرة خاصة وإنها كانت تسعى إلى ذلك منذ الحرب العالمية الأولى، ولكن بشكل خاص بعد الحرب العالمية الثانية, وهي سوف لن تفرط بالثروة النفطية الموجودة في السعودي وبقية دول الحليج وإيران. وسيكون السودان جزء من أهدافها الراهنة.                                       
ث?-  يستهدف وجود الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، كجزء من استراجيتها في المنطقة، تصفية الوضع في إيران ومن ثم في سوريا لصالحا. وأهمية إيران تكمن في خيراتها النفطية وفي موقعها الجغرافي المجاور لروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى وأفغانستان إضافة إلى الثروة النفطية الكبيرة في وسط لآسيا. ولهذا الغرض لم تقم إدارة الاحتلال في العراق بطرد قوات مجاهدي خلق من العراق، بل احتفظت بها ونزعت أسلحتها الثقيلة لتكون احتياطا مهما في الموقف اللاحق من إيران.
ج?- لم يهدد النظام الاستبدادي في العراق يوما دولة إسرائيل. والولايات المتحدة تدرك ذلك تماما/ إلا أن النظام العراقي مارس سياسة تهريجية فارغة ضد إسرائيل بحجة دعم المنظمات الفلسطينية وخاصة المتطرفة منها، وبالتالي كان يريد منه الحصول على تأييد العرب لنظامه الدموي. وهو ما تحقق فعلا. ولهذا كان النظام العراقي يعتبر مصدر تشويش وقلق لإسرائيل، في الوقت التي تشكل فيه إسرائيل جزء حيويا وأساسيا من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. ويفترض أن نأخذ بالاعتبار أن إسرائيل تعتبر امتدادا للذراع العسكري الأمريكي تماما كتلك الضربة التي وجهت في أوائل العقد التاسع للمفاعل النووي العراقي من جانب إسرائيل. وفي حالة الرد الإيراني ستكون الإدارة الأمريكية جاهزة لتوجيه الضربات الصاروخية من منطقة الخليج للمواقع العسكرية والسياسية الإيرانية. وعلينا أن لا ننسى بأن القوى المحافظة في غيران والحرس الثوري ( البسيج ) قد لعبت دورا أساسيا في زيادة كراهية المزيد من النساء والرجال في إيران ضد النظام الإيراني، إضافة إلى قوى مجاهدي خلق. انطلاقا من هذا التوجه الاستراتيجي الأمريكي تخبطت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق وفشلت في تقدير الواقع على حقيقته ونست أن النظام الاستبدادي حكم العراق 35 عاما. ففي الوقت الذي كانت السيطرة الكاملة على الوضع تبدو ن الناحية العملية غير قادرة على تحقيق ذلك بفردها. وهي ترى في القوى التي كانت معارضة لحكم صدام حسين، والتي تحالفت معها قبل بدء الحرب، إنها غير مؤهلة بثقتها، كما أنها لا تثق بالشعب العراقي عموما وبالقوى التي رفضت التعاون معها قبل بدء الحرب. خاصة وان غالبية الشعب العراقي ترفض الاحتلال من حيث المبدأ. تحت عوامل عديدة، بما فيها ضغوط الأمم المتحدة، أجبرت الإدارة الأمريكية على تشكيل مجلس الحكم الانتقالي، ولكنها لم تسمح له بالحصول عل ثقة الشعب من خلال مؤتمر وطني عام يعقد لاختيار أعضاء المجلي والمصادقة على نشاطه. وهذا الأسلوب لدى إلى نتيجتين:
أ?- ضعف ثقة الناس بهذا المجلس على أساس انه وضع من جانب سلطة الاحتلال، إضافة إلى ضعف ثقة الشعوب العربية والجامعة العربية ومحاولة التشكيك به.
ب?- ضعف موقفه إزاء سلطة الاحتلال باعتبار انه نص تصلا منه ويمكن حله متى شاءت أو رفض قراراته، خاصة وأنها اشترطت آن تعرض قراراته على الحاكم المدني الأمريكي للمصادقة عليها، ورفض تدخل المجلس في الشؤون الاقتصادية، وفق تصريحات بريمر.
وسينعكس هذا الموقف على الحكومة المؤقتة التي يراد تشكيلها من جانب مجلس الحكم الانتقالي، وبالتالي ستكون الحكومة في وضع صعب للغاية وستواجه إدارة أمريكية تتسم بالتعالي والغطرسة والآمرية. وهو نفس الأسلوب الذي تتعامل به مع الشعب عموما ومع القوى السياسة العراقية.
وستكون لهذا الواقع تأثيرات سلبية على جميع الأطراف في العراق: مجلس الحكم الانتقالي، الحكومة المؤقتة، القوى السياسية المتعاونة، والشعب العراقي عموما وعلى عملية إعادة البناء وتأمين الأمن والاستقرار في البلاد، وبالتالي على قوات الاحتلال ذاتها. ولكنها ستكون ذات فائدة لا تقدر بثمن للقوى المعادية للشعب العراقي التي تنظم عمليات تخريب مشاريع الماء والكهرباء وأنابيب النفط، وتتسبب في قتل وجرح المزيد من البشر سواء أكانوا من العراقيين أم من قوات الاحتلال.

المحور الثاني: القوى السياسية العراقية
لا تشكل قوى الأحزاب السياسية العراقية، التي يتجاوز عددها الآن أل 70 حزبا وتنظيما، سوى نسبة ضئيلة من سكان العراق. ويفترض فيها أن تدرك هذه الحقيقة كي لا تبالغ بقدراتها وقواها السياسية من جهة، ولكي تتواضع في تعاملها مع بعضها ومع الجماهير الشعبية صاحبة المصلحة الفعلية في تسريع إعادة البناء والانتهاء من فترة الانتقال. ويفترض أن تدرك هذه الأحزاب أنها الفرصة الثمينة التي يفترض أن تستفيد منها لتحقيق مصالح الشعب. والشعب العراقي يدرك بأن هذه الأحزاب تتوزع من الناحيتين الفكرية والسياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولكن مع ذلك عليها آن تجد لغة وقوسم مشتركة في عملها الراهن أن كانت تنطلق حقا من مواقع مصالح الشعب ومستقبله. والإشكالية التي يفترض طرحا في هذا المحور تتلخص بالأفكار التالية، التي هي اجتهادات خاصة لا تهدف إلى الإساءة إلى حزب أو تنظيم سياسي، بل تسعى إلى تحريك الجميع صوب المصالح الأساسية للشعب، كما يراها الكاتب:
1- كان من المؤمل بأن التجارب الغزيرة والكوارث والمحن المريرة التي مر بها الشعب على مدى العقود المنصرمة ومعاناة مختلف القوى السياسية قد ساهمت في تربية الأحزاب والتنظيمات السياسية العراقية بذهنية جديدة تتميز بالتواضع والاعتراف بالآخر والتسامح والتقدير السليم للإمكانيات والقدرات الفعلية والابتعاد عن الهروب إلى أمام لتوفير المستلزمات المناسبة لنشاطها المشترك والتحري عن قواسم مشتركة للمرحلة الراهنة. ورغم الاتفاق الذي تم بين القوى في مجلس الحكم الانتقالي، فأن الواقع يبرهن عكس ذلك. فأغلب الأحزاب والتنظيمات السياسية التي كانت تعمل في الداخل أو في الخارج أو في الموقعين، أو تلك التي تأسست أصلا في الخارج، ما تزال بعيدة عن أن تدرك تعقيدات الوضع السياسي والأمني والاقتصادي في العراق، وهي لا تبذل الجهود الكافية للاتفاق الصادق والتعاون التخلص فيما بينها بعيدا عن المنافسات غير الديمقراطية. فأرض الواقع تشير إلى اغلب هذه الأحزاب والتنظيمات تعتقد جازمة بان الجماهير تابعة لها ومؤيدة لسياستها ومواقفها، وبالتالي يطالب في الحوار بالكثير ليمنع عن الآخرين المشاركة أيضا. وهي تعبير عن إصابة البعض بالأنانية والرغبة في الهيمنة والنرجسية. وهي لن تساعد في الوصول إلى النتائج المرجوة. اعتقد بأن مشاركة قوى سياسية أساسية في مجلس الحكم الانتقالي تسمح بفسخ المجال أمام شخصيات ذات طاقات جيدة في الحكومة من أحزاب وتنظيمات لم تشارك في المجلس. ومثل هذا الإجراء يساهم في توسيع قاعدة المشاركين في المسؤولية وفي عملية إعادة البناء في المرحلة الراهنة، خاصة وان الجميع يشاركون في رسم وتنفيذ السياسة المرجوة، وبالتالي توسيع قاعدة الجماهير المؤيدة لمجلس الحكم والحكومة المؤقتة.
2-  ويبدو لي بأن الكثير من الأحزاب والتنظيمات السياسية القائمة لا يبذل الجهود الضرورية لتعبئة الناس حول مجلس الحكم الانتقالي، بل حول حزبه أو تنظيمه، وكذلك حول المفاهيم والشعارات التي تتبناها. في حين يفترض أن يكون برنامج مجلس الحكم الانتقالي أن يكون الأساس المادي لعملية التوعية والترويج له باعتباره القاسم المشترك بين الأحزاب والتنظيمات السياسية المشاركة وتلك المؤيدة له.
3-  ومع قناعتي بوجود مصاعب غير قليلة في تشكيل الحكومة المؤقتة نتيجة المنافسة بين القوى السياسية، فأن من غير المعقول ترك البلاد دون حكومة ووزارات ومؤسسات تتابع وتنظم الحياة وعملية إعادة البناء. إن هذا الواقع يدلل بدوره على تعقيدات وضع القوى السياسية وضيق الأفق الذي يسيطر على الوضع وضعف المسؤولية إزاء مصائر المجتمع ومستقبل العراق وسرعة إنهاء فترة الاحتلال.
4-  تشير المعطيات المتوفرة إلى أن الجهود التي تبذلها الأحزاب والتنظيمات السياسية لمواجهة النشاط التخريبي والتدميري محدود جدا ومن جانب بعض  الأحزاب فقط، ومنها بعض الأحزاب الكردستانية. في حين يفترض الوضع العمل باتجاهات ثلاثة من جانب الأحزاب السياسية الوطنية.
أ?- الضغط على سلطة الاحتلال لمشاركة القوى العراقية في عملية التحري عن المخربين إذ انه تمس الشعب ومصالحه ومستقبله، وعدم الاكتفاء بالقوى الأمريكية التي استجلبها لهذا الغرض FBI .
ب?- تشكيل بعض الفرق الصغيرة التي يكون في مقدورها تتبع نشاطات المخربين والتعرف عليهم وتصفية تشكيلاتهم.
ت?- دعوة الشعب العراقي للتعاون الواسع من اجل تشخيص القوى المخربة ومساعدة المسئولين في إلقاء القبض عليهم ووضع حد لنشاطاتهم التخريبية.
5- وفي الوقت الذي يدرك فيه مجلس الحكم بأن الشارع العربي والحكومات العربية لا تقف إلى جانب المجلس وتحاول التشكيك به وبمسؤوليته وإخلاصه، فأنه لا يبذل الجهد الكافي للتحرك على هذه الساحة المهمة والعمل مع القوى الديمقراطية والتقدمية في تلك البلدان لمواجهة الدعايات المتطرفة التي تروجها القوى اليمنية المتطرفة وقوى الإسلام السياسي المتطرفة ضد القوى الوطنية العراقية والتشويش عل إصرار الشعب العراقي وقواه السياسية في إقامة جمهورية ديمقراطية اتحادية وعلمانية في العراق. ويبدو لي بأن الأمر يتطلب من مجلس الحكم الانتقالي والحكومة المؤقتة وكل الأحزاب والتنظيمات السياسية التوجه لتوضيح مواقفها إزاء مجمل الوضع في العراق والقيام بما يلي:
أ?- تشكيل وفود عديدة لزيارة الدول العربية واللقاء بمختلف الأحزاب والمنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان.
ب?- دعوة وفود وشخصيات عربية لزيارة العراق والإطلاع على أوضاع المجتمع ومشكلاته ودور مجلس الحكم الانتقالي.
ت?- توضيح موقف المجلس من مهمات فترة الانتقال والموقف من الاحتلال وإصرار القوى السياسية على إنهاء بعد الانتهاء من فترة الانتقال.
6- ويتطلب الوضع الراهن قيام مجلس الحكم الانتقالي بالتعاون مع العراقيات والعراقيين في الخارج لتنظيم حملة دولية لشرح سياسات ومواقف مجلس الحكم الانتقالي. ويتطلب الأمر ما يلي:
أ?- الموافقة عل تشكيل مجموعات في مختلف عواصم الدول الأوربية وغيرها تأخذ على عاتقها هذه المهمة.
ب?-  إرسال ممثلين عن المجلس للتعاون مع هذه المجموعات للقيام بزيارات المسئولين وتوضيح السياسات والمواقف.
ت?-  طلب الدعم السياسي والمساعدات الاقتصادية والفنية لعملية إعادة البناء، إضافة إلى المساعدات الإنسانية، وخاصة للأطفال والمرضى والعجزة من السكان.
ث?- توضيح موقف المجلس في انه يعمل على إنهاء فترة الانتقال بأسرع وقت ممكن بهدف وضع الدستور الدائم وتشكيل المؤسسات الدستورية والحكومة المنتخبة والعمل لإنهاء الاحتلال وخروج القوات الأجنبية واستعادة العراق لاستقلاله وسيادته الوطنية.
ج?-  ويبدو لي مفيداً التفكير بتشكيل لجنة من الأحزاب المشاركة في مجلس الحكم الانتقالي وممثلين عن أحزاب أخرى يكون مقرها في لندن لضمان تنشيط العمل ونشر المعلومات أو إصدار نشرة لهذا الغرض.
7- خلال الفترة التي سبقت الحرب ضد النظام الاستبدادي استطاعت الإدارة الأمريكية كسب عدد مهم من الخبراء والمستشارين والفنيين العراقيين للعمل في مكاتب لجنة إعادة إعمار العراق. وقد تمت هذه العملية عبر الأحزاب والقوى السياسية التي تعاونت مع الإدارة الأمريكية حينذاك. وهذه المجموعات من الخبراء والمختصين تمتلك معلومات قيمة وإمكانيات طيبة وطاقات ما تزال معطلة، بسبب ضعف الاستفادة الواعية والمناسبة من جانب سلطة الاحتلال. وفي هذا خسارة للعراق في المرحلة الراهنة. وهذه المهمة تقع على عاتق مجلس الحكم الانتقالي والحكومة المؤقتة، إذ لا يجوز إهمالهم بهذه الصورة البائسة التي دفعت بالبعض القليل إلى الاستقالة، وربما تدفع بالبعض الآخر إلى الاستقالة والعودة إلى الخارج، بغض النظر عن المواقف المتباينة إزاء عملية التشغيل وبالطريقة التي تمت والتي رفضها الكثيرون من العراقيات والعراقيين في الخارج.
8- تعرضت الغالبية العظمى من الشعب العراقي إلى قسوة وقمع وإرهاب النظام. وكانت القوى السياسية التي ناصبته العداء ووقفت ضد دكتاتوريته وعانت الأمرّين من قمعه وقدمت عشرات الألوف من الضحايا على طريق الحرية والديمقراطية والحقوق القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية، على طريق حقوق الإنسان التي هدرت بالكامل. وتعرضت المناطق التي قاومته وخاضت حروب الأنصار ضده أو التي انتفضت ضده أكثر من غيرها إلى ذلك الإرهاب الوحشي. وليس عبثا أن تجد في تلك المناطق المقابر الجماعية الكثيرة، سواء في كردستان العراق أم في الوسط والجنوب. إلا أن هذا لا يعني بأن المناطق الأخرى لم تعان من إرهاب النظام الفاشي المتوحش، بل عانت هي الأخرى، بما فيها مناطق ديالى والدليم وصلاح الدين ومنها مدن تكريت والفلوجة والرمادي وسامراء وغيرها..الخ. واليوم لا يصح تخرج فريق من العراقيين عن السرب ليغني وحده نشازاً ويطالب بما لا يطالب به الآخرون. ومثل هذا التفريق يمكن آن يقود إلى نتائج وخيمة في الحياة السياسية العراقية وعلى قوى المعارضة العراقية أن تلعب دورها في إرجاع هؤلاء إلى جادة الصواب من خلال الحوار العقلاني والإنساني الهادف.  وأشير هنا بشكل خاص إلى المجموعة الدينية التي تلتف حول السيد مقتدى الصدر، بمن فيهم آية الله السيد الكاظمي الحسيني الحائري الذي لصدر فتواه المخالفة للائحة الدولية لحقوق الإنسان وكل الأسس التي يعتمدها المجتمع المدني الديمقراطي الذي يسعى العراقيون إلى إقامته في العراق الجمهوري الاتحادي الديمقراطي الجديد. أن الإنسان يأمل من إن الذين خسروا من عوائلهم عددا كبيرا من الشهداء آن يكونوا أكثر حكمة ومسؤولية و تواضعا في مواجهة الوضع الجديد ويبتعدوا عن تع بيئة الإتباع وزجهم في معارك لا ضرورة ولا طائل منها وتقود إلى خراب البيت وليس إلى غير ذلك. إن على القوى السياسية المتحالفة أو المتعاونة أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الصدد إذ لا يجوز ترك الأمور لتصل إلى ما لا تحمد عقباه.

المحور الثالث: يؤكد القرار 1483 الصادر في 20/5/2003 عن مجلس الأمن الدولي إلى أن مجلس الآمن الدولي والمجتمع الدولي يطمحان في أن يستعيد الشعب العراقي حريته واستقلاله وسيادته على أراضيه، أي إنهاء الاحتلال الذي فرضه نفس القرار بطلب من الولايات المتحدة وبريطانيا. ويضع هذا القرار، رغم سلبياته من فرض الاحتلال وعدم تحديد فترة زمنية له، سلاحا بيد الشعب العراقي من اجل ما يلي: 
أ?- التبشير الواسع بأن الاحتلال مؤقت وينبغي له أن ينتهي بسرعة. ويتطلب هذا تعبئة الرأي ي العام العراقي والعربي والعالمي والأمم المتحدة ولتحقيق هذا الهدف بأسرع وقت ممكن.
ب?-  العمل على إنهاء فترة الانتقال بسرعة، وهي التي تستوجب إعادة إعمار سريع وفعال للبنية التحتية التي توفر الماء والكهرباء والهواتف والاتصالات الأخرى والنقل والمستشفيات..الخ إلى وضعها الاعتيادي من جهة، وإنجاز مستلزمات فترة الانتقال، أي الانتهاء بسرعة من العصابات التخريبية التي تعبث في العراق فسادا وتعيق تسريع عملية إعادة إعمار بل تعطلها يوميا من جهة ثانية، والانتهاء من وضع مسودة دستور دائم وقانون للانتخابات العامة من قبل مجلس الحكم الانتقالي والحكومة المؤقتة. وبالتالي طرحها للاستفتاء الشعبي ثم ممارستها فعلا من جهة ثالثة. وبهذا تكون فترة الانتقال قد انتهت وعلى القوات الأمريكية والبريطانية أن ترحل.
إن تتبع سياسة سلطة الاحتلال وأساليب وأدوات عملها وطريقة تعاملها مع القوى السياسية العراقية، ومنها مجلس الحكم الانتقالي، ومع الخبراء الذين اصطحبتهم معها إلى العراق، إضافة إلى سبل عملها مع عملية إعادة إعمار البنية التحتية ومع القوى الصدامية غير الديمقراطية المخربة، توصل الإنسان إلى استنتاج مفاده أن الإدارة الأمريكية غير مستعجلة في تقليص فترة الانتقال بل تريد مدها أطول فترة ممكنة ليتسنى لها ترتيب أمورها الأخرى في لعراق والمنطقة. وهذا الموقف لا يثير غضب العراقيات والعراقيين، بسبب ما يتعرضون له من عذابات وحرمتن وبطالة، فحسب، بل ويحرضهم على مقاومة الاحتلال بكل الصيغ الممكنة. كما يؤكد لهم بأن الحرب لم تكن تستهدف تحريرهم بقدر ما كانت تستهدف احتلال العراق وفرض مصالح الولايات المتحدة على الشعب العراقي.
ومن هذا الواقع يفترض أن يتحرك مجلس الحكم الانتقالي لمواجهة الوضع القائم، إذ أن كل ما ذكر في أعلاه يؤكد بأن المستفيد من هذا التأخير في إعادة الأوضاع الطبيعية إلى العراق هي الجماعات التي تريد الصيد في الماء العكر وتشارك في أطالة أمد الاحتلال لتحريض الناس ضده.


برلين 11/9/2003    

 



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل سيتعلم القطب الأوحد من دروس العراق وأفغانستان؟
- النص الكامل للحوار الصحفي مع الشرق الأوسط
- مرة أخرى مع الدعوة لإقامة الملكية في العراق!
- أحذروا الأعداء: هل يراد تحويل العراق إلى أفغانستان الفترة ا ...
- الصراع الطائفي محاولة مقيتة لتشويه وجهة الصراع الحقيقي في ال ...
- كلما تأخر تشكيل حكومة مؤقتة, اتسعت دائرة العنف والمطالبين با ...
- من أجل أن نترك وراءنا مظاهر الاستبداد والعنف والقسوة في السل ...
- ماذا يجري في العراق, ولمصلحة من, وكيف نواجهه؟
- الأهمية المتنامية لوحدة قوى الشعب في مواجهة تحديات القوى الف ...
- ما هي طبيعة الصراع حول شؤون ومستقبل الاقتصاد العراقي بين سلط ...
- الدروس التي يمكن استخلاصها من الحرب الأخيرة واحتلال العراق
- التركة الثقيلة لنظام صدام حسين الاستبدادي على المرأة العراقي ...
- الجولة الأخيرة واليائسة لصدام حسين وعصابته أو صحوة موت
- لمواجهة نشاط قوى صدام حسين بعد سقوط النظام - الحلقة الخامسة ...
- أفكار حول الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في العراق
- العوامل المحركة للقضية العراقية والصراع حول السلطة في العراق
- كيف يفترض أن نتعامل مع فتوى آية الله العظمى السيد كاظم الحسي ...
- موضوعات للحوار في الذكرى الأربعينية لثورة تموز عام 1958
- لِمَ هذه الخدمات المجانية لدعم غير مباشر لقوى صدام حسين التخ ...
- هل الدور الجديد الذي يراد أن تلعبه العشائر العراقية في مصلحة ...


المزيد.....




- كانت فاقدة للوعي.. فيديو درامي يظهر طفلاً يوقف شرطيًا لإنقاذ ...
- بتصميم مبهر.. عُمانية تصنع برقعًا من 3 آلاف ملعقة معدنية
- مزينة بالأسماك والدلافين.. العثور على فسيفساء مخفية منذ آلاف ...
- اليونسكو تبدي قلقها إزاء حرمان نحو 2,5 مليون فتاة أفغانية من ...
- مصر.. مصطفى مدبولي يكشف عن تطور جديد بشأن تسليم أرض رأس الحك ...
- وزارة الصحة في غزة: عدد القتلى تجاوز 40 ألفًا خلال 10 أشهر م ...
- قائد قوات -أحمد- الروسية: الوضع تحت السيطرة ونواصل تطهير أطر ...
- سودانيون يتخوفون من المستقبل بسبب تعديل إجراءات الإقامة في م ...
- -إيران تصعد محاولاتها لتدمير إسرائيل- – يديعوت أحرونوت
- الوجود العسكري الأوكراني يتوسع: رصد مركبات في سومي مع استمرا ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - نحو معالجة المشكلات الأساسية التي تواجه الشعب في المرحلة الراهنة