|
التعصب شجرة ميتة
صبحي سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 1951 - 2007 / 6 / 19 - 10:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
رداً على مقالة( ماذا لو كانت السيدة عائشة ( الحميراء) اسبانية، للسيدة ( الآنسة) ماغي خوري، المنشور في 15/6/2007 أنا من المتابعين لموقعكم، انطلاقاً من احترامي للرأي الآخر، الذي يتيح لي التعرف إلى وجهات نظر عديدة، تقدم لي الحقائق، نزيهة بعيدة عن التعليب والأحكام المسبقة التي تشوه الحقائق، وتبعد الناس عن بعضهم بعضاً، في الوقت الذي نأمل فيه أن يتكاتفوا ويتعاونوا لرفع راية الحقيقة عالياً خفاقةً، رمزاً للمحبة، التي أوقد المسيح شعلتها المقدسة في قلوب البشر. وأؤكد هنا على كلمة البشر الذين يجب أن يتميزوا بالمحبة والاحترام عن بقية الكائنات الحية. وأقدم نفسي أولاً للسيدة ( الآنسة) ماغي: أنا علماني وأفخر بذلك، لكنني أقدس الأديان وأجلها وأحترمها، وأدافع عن مبادئها بكل ما أملك من قوة، وأحترم الطقوس الدينية، لأنها تدخل في إطار الحرية الشخصية، على الرغم من أنني لا أمارس هذه الطقوس. وأفاخر بأنني مسلم وأحب محمد بن عبد الله(ص)، الذي أسس أعظم دولة عربية، وأنا أيضاً مسيحي وأعشق المسيح عشقاً جنونياً لا يحده حدود, وأؤكد بأنني علماني، أي أنني معني بالأفكار والمبادئ السامية فقط، التي طرحتها الأديان ـ الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية..الخ. وأعتبر الإسلام والمسيحية كنوز ومبادئ هذه المنطقة، التي ولدتُ وترعرعتُ فيها. أي أن الإسلام والمسيحية واليهودية هي إرثي، الذي أفخر به وأدافع عنه بكل ما أملك من قوة فكرية وروحية ومادية. وأملي أن تكون منطقة الشرق الأوسط، من أرقى المناطق وأسماها في حرية العبادة، واحترام الأديان والأفكار، التي تؤكد على وحدة الأسرة البشري، مهما اختلفت الآراء، ومهما، تنوعت أو تناقضت التوجهات. وعلى الرغم من أنني لست من المتدينين، إلا أنني لا أستاء من المتدين إذا كان يحترم الآخر. وفي احترامنا للآخر، تكمن قيمة الإنسان وفكره، لأن هدف الفكر، والمبادئ، هو خدمة الإنسان، أولاً وأخيراً، واحترام مشاعره، وقيمه التي يؤمن بها، إذا لم تكن هذه الأفكار ضارة بالناس. فما الذي تريده السيدة ماغي خوري من طرحها لمواضيع تثير النعرات الطائفية والدينية؟ فمآخذ (المسيحي) المتعصب، لا تُحصى على الدين الإسلامي، ومآخذ المسلم المتعصب، لا تحصى على الدين المسيحي. والتعصب مهما كان، وفي أي مكان كان، يخنق المبادئ، ويشوه القيم، ويُفسد الأخلاق، ويسحل إنسانية الإنسان، ويفجر الأحقاد والضغائن. والمتعصب هو شجرة ميتة، لا تصلح إلاَّ للحرق. إننا نحلم بمسلم يعتز بأخيه المسيحي، ونحلم بمسيحي يعتز بأخيه المسلم، و لك إنسان حرية اختيار الدين والمبادئ التي يرتاح إليها، ويعتقد بأنها تؤمِّن له الراحة والاطمئنان الروحيين. فلماذا يسعى بعضنا ومنهم السيدة( الآنسة) ماغي إلى البحث عما يراه عيوباً لدى الآخر، ليشهِّر به، ويتبجح بأنه (أرخميدس) عصره وعبقري زمانه. فالدين، لا تشوبه شائبة، في عيون المؤمن. والدين في عيون الملحد عيوب في عيوب، إلى أن قيل على لسان ماركس : الدين أفيون الشعوب. وهذا الحكم لا ينطبق من وجهة نظر ماركس، على دين واحد، ولم يكن ذلك الحكم على مبادئ الدين، بل كان الحكم على الممارسات الخاطئة للدين. وآمل أن تجد السيدة ماغي وقتاً لتقرأ أعمال الكاتب اليوناني العظيم، (كازانزاكس) الذي كرَّس جهوده الأدبية، لتسليط الضوء على الممارسات الخاطئة للدين، التي تحولت إلى أمراض اجتماعية مزمنة، في المجتمع المسيحي. وهذه الأمراض نفسها، موجودة في المجتمع الإسلامي. ومشكلتنا ليست مع الدين، الذي ينظر كلٌّ منا إليه، من منظاره الخاص، بل المشكلة الأكبر هي مع مَنْ حرَّف المبادئ السامية للدين، وشوَّه مضامينها الرفيعة. فلماذا تنظر ماغي إلى الدين من خلال زواج ليس هناك اتفاق على صحة تاريخه. فهناك روايات مختلفة عن زمن زواج محمد (ص)بعائشة. وأيّاً كان زمن هذا الزواج، فقد وضع هذا الزواجُ عائشةَ في مقدمة نساء قريش، وأسَّس لها مكانة رفيعة في المجتمع الإسلامي آنذاك. و قد مكنتها هذه المكانة أن تكون أول امرأة، تقود حركة معارضة واسعة في المجتمع الإسلامي، وفي مواجهة خليفة منتخب، حسب القواعد المتبعة في ذلك الزمن، هو عليٌّ بن أبي طالب. أليس من السذاجة والغباء أن ننظر إلى الماضي بعيون ومقاييس الحاضر؟ فللمجتمعات القديمة قواعدها في الزواج، ولنا نحن، في زماننا، قواعدنا في الزواج. وليس من المنطق أن نأخذ حادثة واحدة بمعزل عن الواقع الاجتماعي ككل. أتمنى على السيدة ماغي أن تنظر إلى الإسلام من خلال المبادئ السامية التي طرحها، أي تلك المبادئ التي لا تختلف من حيث الجوهر عن المبادئ التي طرحها السيد المسيح، الذي أرى فيه نبع المحبة، التي لو قدَّرها البشر حق قدرها، لعم السلامُ الأرضَ، وغمر الكونَ كلَّهُ. وقد أكد الإسلام على أهمية هذه المحبة، حين قال محمد بن عبد الله (ص): ..والله لن تؤمنوا حتى تحابوا. أين أن الإسلام قد ربط الإيمان بالمحبة، وبذلك يؤكد الإسلامُ مبادئ السيد المسيح. وأنا بدوري أدعو السيدة ماغي إلى حقول المحبة، وأنصحها بالابتعاد عن ازدراء واحتقار الآخر، مهما اختلفنا معه. وأقول ثانية: إن التعصب لغة البوط العسكري، ولغة الرصاص. فالمتعصب يسعى إلى تدمير كلِّ شيء، ليبقى هو الوحيد في هذا الكون، الذي لا يزداد جمالاً وغنى، إلاَّ بتعدد الألوان، واختلاف المعادن. وقد دمرنا التعصب، في أي مجال من المجالات، وليس الدين، الذي أرى أنه يدخل في إطار الحرية الشخصية، شريطة ألاَّ يتعرض لداء التعصب السرطاني الملوث. وأود أن أخبر السيدة ماغي بأنني أدافع عن المبادئ المسيحية كما أدافع عن المبادئ في الإسلام. ولست معنياً ببعض الأمور التي لا أتفق معها هنا، وهناك، في هذا الدين أو ذاك الدين، أو في هذا الفكر أو ذاك. أتوجه بنداء من القلب إلى كل إنسان يهمه مصير كرتنا الأرضية، أدعوه إلى محاربة التعصب في نفسه، فهو أخطر داء عرفه المجتمع على مر العصور، ولن يدمر كرتنا الأرضية إلا التعصب الأعمى، وتلك الأحكام المسبقة المغلفة المحنطة الغبية، التي ورثناها، ولم ننتبه بعد إلى خطورتها الفتَّاكة. ولا شك أن للحديث صلة، إذا التقينا على مروج المحبة، التي دعانا السيد المسيح إلى زراعتها، والاهتمام بها، بكل ما نملك من قوة.
#صبحي_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ردا على مقالة لو كانت السيدة عائشة
-
قصة من وحي الحرب العراقية
المزيد.....
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لا يكفي صدور احكام اعتقال قيادات الكي
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ينبغي صدور أحكام الاعدام ضد قيادات ال
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|