حسن جميل الحريس
الحوار المتمدن-العدد: 1952 - 2007 / 6 / 20 - 07:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يرى أي مفكر أن المفكرين الآخرين هم جهلة ماكرون منغمسون في ظلام دامس بعيد عن المعرفة الفكرية والأدبية تنقصهم الكفاءة لدرجة أنه يشفق عليهم لمجرد أنهم خالفوه في طروحاته الفكرية ............ فما هو المعيار الحقيقي الذي يحدد من منهما على صواب كي يتهم الآخر بتلك الصفات الهمجية والعشوائية ؟؟؟
من الفطرة البشرية لأي إنسان طبيعي منهاج عاطفي يحدد هويته وإنتماءه لأسرته ومجتمعه المحيط به , وكذلك هو حال عقيدته الدينية بغض النظر عن نوع ديانته السماوية , إن الرابط الديني هو أول رابط فطري لذلك تسمو مكانته ليكون رابطآ أساسيآ لأي إنسان وليد , وعليه فإن الروابط اللاحقة به ونخص منها الإجتماعية والإنسانية تأتي مكملة له وتابعة لنهجه فتصبح جزءآ منه , ووفق منطق العقل الحسي نقول أن اللاحق جزء من الكل وليس العكس صحيحآ إطلاقآ , وإن نسف الرابط الديني يولد عقولآ متخبطة تحمل طروحات مهلكة لإنها نسفت ركنآ أساسيآ من تاريخها المرتبط أساسآ بكل مجريات حياتها منذ ولادتها وحتى موتها .
لقد فقدت العلمانية إيمانها بالغيبيات وإعتبرت الوجود طبيعيآ إذ طرحت مبدأها بأن الطبيعة هي التي تسير الأحداث وليس الله / إله الكتب السماوية / وزادت أن الذي يتحكم بالوجود كله هو الإنسان بعقله وحيوية معرفته فنسفت بذلك مصداقية الدين وزرعت الشك بالذات الإلهية رغم أنها لم تعلن ذلك علانية , ذلك كله تحت ذريعة أنها تريد تحرير عقل الإنسان وفكره من دينه لينطلق إلى المعرفة الحقيقية وكأنها تخصي ذهنه ليكون ماديآ ضمن مجتمع يعتمد كليآ على أساس الكون المادي الدنيوي اللاديني المرتكز على أسس العلوم الوضعية الوصفية بعيدآ عن الموروث الديني الذي ورثه فطريآ , فطالبته بالتحرر من عقيدته الدينية البالية وإستبدالها بعقيدة دنيوية صنعية فكان أول غيثها زرع الشك والريبة بنفس مريدها تجاه الذات الإلهية وتجاه وجوده كليآ ليخرج بنتيجة مفادها أن / ماهو لله هو شأن خاص به حصريآ ويقع تحت سلطته ولاعلاقة له بسلطة الإنسان على حياته الدنيا / فبرز في ميدان فكرها قانونين :
1 – قانون الله وسلطته على نفسه والمحصور حتميآ بمكونات الكون ضمن حدود السماء فقط .
2 – وقانون الإنسان وسلطته على حياته الدنيا التي لاشأن لله بها .
مما أفرز نوعان متنافران يتنافسان على خدمة البشرية أحدهما / شريعة الله وهي خاصة به لوحده يذكرها ضمن دياناته السماوية / أي سلطة الله لله فقط / و / شريعة الإنسان الوضعية الذي يهتم بكونه المادي الدنيوي / أي سلطة الحاكم على قومه / ووجه التنافس المأمول منهما أن تتسابق السلطتان لخدمة الإنسان وتقديم أفضل ما عندهما وكأن مايدور في الخفاء من مبدأها عملية تحريض للسلطتين ليس إلا , ولهذا فصلت العلمانية قوانينها الوضعية عن قوانين الشرائع السماوية بحجة أنها تريد تحرير الفكر البشري من الموروثات العقائدية .
لقد ظهرت العلمانية في أوربا أولآ وفي العصور الوسطى تحديدآ ثم مالبثت أن إنتشرت تعاليمها في أرجاء الكرة الأرضية سيما بعد الغزو الغربي للعالم بأسره , فجندت رجال الدين وكبار الساسة وأصحاب النفوذ ولفيف من العلماء والأدباء ليدورا في فلكها فصاروا حكومات مستبدة , واتهمت من خالفها من علماء الدين بالضلالة والخزعبلات , وطال جورها علماء الفكر والمعرفة المناهضين لها فاتهمتهم بالجهل والظلام وللساسة والمجتمعات بالرجعية والإنحطاط , وصار شعارها / الحرية والمساواة والإخاء / كشعار الماسونية النكراء , وإننا نصنف العلمانية كركن من أركان الماسونية وكجزء هام من كل منهاجها , وسنذكر بعض بنودهما المشتركة فيما بينهما ومسالكهما المقرونة بمنهجهما الواحد :
أ - على مستوى الفرد :
- يجب أن يتغلب الإنسان على الإله وأن يعلن الحرب عليه وأن يخرق السماوات ويمزقها كالأوراق .
- ويجب عليه أن يكفر بالله ورسله وكتبه ويوم الحساب والآخرة وبكل الطيبات المذكورة في عقيدته ويعتبر ذلك كله خرافات وترهات..... من أجل تقويض الديانات السماوية كلها .
ب – على مستوى المجتمعات البشرية :
- إلغاء أنظمة الحكم الوطنية في البلاد كلها والسيطرة عليها .
- إباحة الجنس وهتك المحرمات وهدم العلاقات الزوجية , وإستعمال المرأة كسلعة ووسيلة للسيطرة على من يريدون إستهدافه , ذلك من أجل فرط عقدة اللحمة الأسرية وتفكيك المجتمعات داخليآ , لينغمس عماد الوطن / فئة الشباب / في محافل الرذيلة والإنحلال .
- تقسيم البشرية / من غير اليهود / إلى أمم متناحرة متصارعة فيما بينها دائمآ , وتسليح هذه الأطراف بكل أسلحة الدمار والهلاك لتدمر بعضها البعض , وتدبير وإفتعال حوادث وفتن لتضمن إستمرارية تنازعها فيما بينها .
- إحياء روح النزاعات الطائفية والعنصرية في البلد الواحد لتهديم وحدته الوطنية .
- نشر الفوضى والإنحلال والإرهاب والإلحاد الديني عبر نسف المبادىْ الأخلاقية والفكرية والدينية , وبالتالي إلغاء عقيدة الإنتماء الوطني والقومي عند أفراد الدولة الواحدة .
- خلق نزعة المصالح النفعية الفردية في نفوس الجماهير / الأنا الفردية الموحشة / وترسيخها بإستخدام المال والجنس معآ , وتشجيع الرشوة ودور البغاء وأدوات الفساد وخاصة لدى اًصحاب المناصب الحساسة بالدولة المستهدفة .
- إستخدام مدلولات إسمية مخادعة وأسماء متعددة مختلفة لتغليف طروحاتهما الماكرة بما يتناسب مع فكر وعقيدة المنطقة المستهدفة لتستطيع التوغل ضمن ثقافتها وتدمرها كليآ .
- السعي للسيطرة على رؤساء الدول والشخصيات البارزة فيها ومن مختلف إختصاصاتها التشريعية والتنفيذية والمهنية والعلمية لضمان تنفيذ أهدافهما التدميرية .
- ترويج الشائعات الكاذبة وبث الأخبار المغرضة والدسائس الماكرة كأنها حقائق لتصرف عقل المواطن عن إبصار الحقيقة وليصبح بذلك أداة فاعلة بيدها تستخدمه ضد مصالح دولته وبهذا تخلق بيئة فكرية ومعنوية ترضى بطروحاتها العدوانية المغلفة أساسآ بإحدى كلمات شعارها / الحرية – المساواة – الإخاء / .
- ترأس المنظمات الدولية كافة والقبض عليها بقوة كمنظمة الأمم المتحدة بكل فروعها الثقافية والأمنية والشبابية لتوجيهها وفق مصالحها الفردية .
نلاحظ مما سبق أن هدف العلمانية والماسونية واحد لايتجزأ وإنما إختلفتا في الإسم فقط , وإن منهاجهما المشترك يهدف لقلب مفاهيم الحياة كلها ويؤدي لتدهور موازين القيم الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والفكرية والدينية عبر نسف حضارات الأمم من جذورها وإستبدال مقدراتها العقائدية والتاريخية بقوانين وضعية لإعادة تخليقها ثانية ضمن مستنقعات حالكة تفرغها من وعيها الوطني والقومي والإجتماعي والسياسي والديني لتصبح كأنها حور خاوية منخلة جاثمة فقدت مخزونها وانغمست بوحل التخلف والتبعية الجاهلة الظالمة لتسبح في فراغ ذهني موحش مخيف تردد شعارات واهنة زائفة ليكون حالها أشبه بحال البوذية التي أرست تعاليم نظام ديني إجتماعي سياسي فرفعت شعارات إيديولوجية معللة سبب وجودها وأهدافها ثم ما لبثت أن ناقضت ذاتها حينما أهملت فكرة تنشيط الوعي الفكري والمعرفي لمريدها فجعلته مجرد تابع مقلد لها مما زلزل ثقة مريدها بقدرته على التفكر والتبصر المستقل بنفسه فأنكرت عليه بذلك قناعاته الشخصية الخاصة بمفاهيمه الذاتية وزرعت بداخله منهاجها المصنوع بيدها من أفكار وضعية تزدري به كل من يخرج عن تعاليمها , فبات عقل مريدها يسبح في قفص بغبغاء من صنف الهبل الفكري الذي يودي به إلى تخلف إجتماعي وأدبي مطلوب منه أن يمارسه إرضاء لمخلصه .
ترفض الماسونية والعلمانية منها أن / نفكر / بل تريدان منا أن نتلقى أفكارهما , وشتان مابينهما / أن تفكر فأنت توقظ عقلك ووعيك لتصل إلى رشدك وحقيقة وجودك الفكري والديني والإجتماعي والسياسي والإقتصادي وبالتالي إلى أهم كنز في مخزونك ( إنتماءك الوطني والقومي ) / وبين ماهو مطلوب منك إن سلكت إحداهما /أن تكون مجرد أداة تتلقى أفكارهما / ...... يتبع
#حسن_جميل_الحريس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟