|
من برج بابل إلى برج مانهاتان ومن التتر إلى الطالبان
محمد المدلاوي المنبهي
الحوار المتمدن-العدد: 2021 - 2007 / 8 / 28 - 10:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
السيـــاق والمناسبة والعالم مشرف هذه الأيام (سبتمبر 2007) على ذكرى الحادي عشر من سبتمبر 2001 الذي أصبحن بحجم وقعه وبعمق رمزيتهن منعطفا تاريخيا سيترسخ مع السنين والعقود حتى ينافس المنعطفات التاريخية الكبرى الأخرى في التأريخ بما قبله وبما بعده، أقترح على القراء والقارئات الكرام نصا للتذكير وللتأمل وأخذ المسافة اللازمة لكل فهم واعتبار، كنت قد كتبته حول الحادثة في عنف مفاجأتها المربكة للأفهام (أي 26 سبتمبر 2001)؛ وهو نص نشر حينئذ في كل من يومية "الأحداث المغربية" (ع: 987؛ 03 و 05 أكتوبر 2001) ثم في يومية "القدس العربي" (ع: 3866؛ 16 و 17 أكتوبر 2001). ولقد أضفت إليه في موضعين إحالتين إلى أعمال قديمة لكن أعيد نشرها حديثا على الشبكة مما يسهل الاطلاع عليها لمن أراد.
ما يشبه التقديم ببعض ما ورد في التنزيل ورد في سورة الروم (1-3) من سور القرآن الكريم ما يلي : (الــــم؛ غلبت الروم؛ في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون). وهناك قراءتان حسب بناء أحد الفعلين ("غلبت و"يغلبون") للمعلوم أو للمجهول، يترتب عنهما فهمان متشابهان هما إما "اندحرت الروم، وهم بعد ذلك سينتصرون" وإما "انتصرت الروم، وهم بعد ذلك سيندحرون". ولقد ورد في الفصل 11 من سفر التكوين (الآيات: 4- 9) بأن بني آدم لعهد عشائر قوم نوح كانوا قد أعلنوها قوميةً واحدة، لأمّة واحدة، ذاتِ لغة واحدة؛ فأجمعوا على ذلك، وكانت كلمة واحدة، وبلغة واحدة، فقالوا »هيا بنا نبنِ لنا مدينة ونشيد بها برجا تكون هامته في كبد السماء». فرأى رب السماوات والأرضين ما في ذلك من تطاول واستكبار، و جنوح إلى الخروج عن الحكمة من جعل الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا عن طريق الاكتشاف الدائم من طرف بعضهم للبعض الآخر، فقوّض ما صنعت أيديهم، ودك البرج دكّا، وجلا أهله جلاءا في أصقاع الأرض شتاتا، فـــتبلبلت بذلك ألسنتهم كما شرح ذلك السيوطي صاحب "المزهر"، وتشعب لسانهم إلى لغات لا تفاهم بين أهلها من شعوب وقبائل، فسميت تلك المدينة، بسبب تلك البلبلة، مدينة "بابل" (יא,ד : וַיֹּאמְרוּ הָבָה נִבְנֶה-לָּנוּ עִיר, וּמִגְדָּל וְרֹאשׁוֹ בַשָּׁמַיִם, וְנַעֲשֶׂה-לָּנוּ, שֵׁם: פֶּן-נָפוּץ, עַל-פְּנֵי כָל-הָאָרֶץ. יא,ה : וַיֵּרֶד יְהוָה, לִרְאֹת אֶת-הָעִיר וְאֶת-הַמִּגְדָּל, אֲשֶׁר בָּנוּ, בְּנֵי הָאָדָם. יא,ו : וַיֹּאמֶר יְהוָה, הֵן עַם אֶחָד וְשָׂפָה אַחַת לְכֻלָּם, וְזֶה, הַחִלָּם לַעֲשׂוֹת; וְעַתָּה לֹא-יִבָּצֵר מֵהֶם, כֹּל אֲשֶׁר יָזְמוּ לַעֲשׂוֹת. יא,ז : הָבָה, נֵרְדָה, וְנָבְלָה שָׁם, שְׂפָתָם--אֲשֶׁר לֹא יִשְׁמְעוּ, אִישׁ שְׂפַת רֵעֵהוּ. יא,ח : וַיָּפֶץ יְהוָה אֹתָם מִשָּׁם, עַל-פְּנֵי כָל-הָאָרֶץ; וַיַּחְדְּלוּ, לִבְנֹת הָעִיר. יא,ט : עַל-כֵּן קָרָא שְׁמָהּ, בָּבֶל, כִּי-שָׁם בָּלַל יְהוָה, שְׂפַת כָּל-הָאָרֶץ; וּמִשָּׁם הֱפִיצָם יְהוָה, עַל-פְּנֵי כָּל-הָאָרֶץ ). تذكرت هذه القصة التوراتية وأنا أشاهد برج مركز التجارة العالمي بنيويورك، من خلال الشاشة، يتهاوى كرماد سجارة "مارلبورو" الأمريكية، التي هي "سجارة عالمية تجعل من مدخنها شخصية بارزة في العالم" على حد قول إشهار ستــّـيني من القرن الماضي، كان يذاع بلهجة حسانية على أمواج إذاعة العيون المغربية أيام الاحتلال الاسباني؛ وهو البرج الذي كان يرمز إلى ما كان يرمز إليه، لا بالنسبة لأمريكا وحدها، ولكن بالنسبة لسائر بني آدم لهذا الجيل المعولم، باعتبار ذلك البرج مركزا عصبيا بالنسبة للمعاملات وللرواج العالمي، وباعتباره يؤوي من البشر ما يمثل جميع الجنسيات، والأجناس، والألوان، و الأديان، والثقافات، لهذا العصر. ولو كنت من القباليين الذين يفسرون لضعاف العقول، برياضة الأرقام وحساب الجُـمّـل، أسرارَ "السيد التاريخ" الذي يصبح أخرس أمام دعاوى المدعين وتهم المتهمين بمجرد أن يأتي أفعاله خيرا أو شرا، و"يكشفون" لهم بتلك الأرقام مكامن مفاجآت المستقبل بعد أن تصبح في ذمة الماضي وتظهر في مرآة الانعكاس الخلفي (retroviseur)، وكذا أسرار الطبيعة في السماوات والأرض بعد أن يقول فيها علمُ العلماء وتجربةُ سعي الانسان قولاً، كما فعل المفسر الحداثي زغلول النجار في تفسيره القبالي لسورة الحديد [أنظر مقالنا في الموضوع في "الحوار المتمدن" http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=107179]، لجعلت من الفصل المذكور في سفر التكوين، رواية للتاريخ قصد الاعتبار ونبوءة للمستقبل قصد الإنذار. فقد وردت كلمة "بابل" التي هي من "السبعين المفردات" (Hapax legomena أي المفردات التي لا ترد في متن من المتون إلا مرة واحدة) في العهد القديم، بالضبط وعلى وجه التحديد في الفصل 11، الأية 9، من سفر التكوين، الذي هو السفر رقم 1 من أسفار التوراة، سفر التاريخ الكلي، من "بدء الخلق" (בראשית ברא אלהים את השמים ואת הארץ ...) إلى أن تحركت عجلات التاريخ لمّا طُرد آدمُ من الجنة ليكسب قوته بعرق جبينه (בזעת אפך תאכל לחם) عقابا له على اتباع رأي زوجته التي أغواها الشيطان فأكل معها من "شجرة المعرفة" التي نهيا عنها، بما في تلك العجلات التاريخية من "عجلة الحروب" ابتداء من اصطدام اقتصادَي والزراعة الرعوية من خلال قتل السيد "قابل" الفلاح لآخيه السيد "هابل" الراعي. أفليست إحداثيات عدِّ وترقيمِ الفصول والآيات والأسفار التوراتية على شكل (11 / 09 / 01) تشفيرا لنبوءة يوم (11 /09/ 01) أي يوم 11 سبتمبر 2001، الذي هوى فيه شموخ برج مانهاتان في أول سنة من الألفية كما كان قد هوى برج بابل؟ غير أن علاقة الاقتران، في الذهن، بين البرجين، برج بابل وبرج مانهاتان، قباليةً كانت أم أدبيةً تخييلية، تكاد تكون في الحقيقة علاقة ضدية فيما عدا ما يرمزان إليه من جنوح الإنس للنفوذ في أقطار السماوات تجسيدا لإرادة القوة. ذلك أن ساكنة برج بابل كانوا، حسب الرواية التوراية، أمة واحدة وأُحادية، لا تعرف وجودا، لا في التصور ولا في العالم الخارجي، لغير "لغة واحدة"، و"هوية واحدة"؛ وسقوطُ البرج البابلي، وخراب مدينة بابل الأرضية بمقتضى لعنة من رب السماوات والأرضين، وما نتج عن ذلك من إجلاء لبني آدم في أصقاع الأرض شتاتا، هو ما أدى إلى ترسيخ تشعب الشعوب والقبائل والقوميات واللغات المختلفة، حسب نفس الرواية. أما مُعـمّـروا برج مركز التجارة العالمي بنيويوركَ، الممنوعة من الصرف، فيشكلون في الواقع عكاظا من الجنيسات والأجناس، والملل والنحل، و"اللغات الأم" المختلفات، تجمعهم، مع ذلك، مواضعتان عمليتان : مواضعة "الانجليزية فقط" (English Only) على مستوى التواصل تتمثل استعمال "لغة وظيفة تعارفية" واحدة هي الإنجليزية في التواصل العام والمؤسسي مهما كانت لغة الأم أو الجماعة الفرعية، ومواضعة "النمط الأمريكي في العيش" (The American Way of Life) على مستوى التعامل والتدبير وقضاء الحاجات، وذلك مهما اختلفت الملل والنحل والثقافات فيما يتعلق بشؤون الحياة الشخصية للأفراد أوالجماعات الأثنية والدينية والثقافية. وإذا كان دكُّ برج بابل لعنة ربانية من المدبر الحكيم، حسب رواية التوراة، ذلك المدبر الذي تقول حكمته من خلال التنزيل "يا أيها الناس إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا؛ إن أكرمكم عند الله أتقاكم" فجعل من الاختلاف مصدر خير وغنىً وعمارة للدنيا وصلاح أهملها ودوام حالها ("الرسالة الجامعة" لإخوان الصفاء وخلان الوفاء)، فإن نسف برج مركز التجارة العالمي قد تم بفعل عملية إرهابية خرقاء، حسب ما تناقلته وكالات الأنباء العالمية وفي مقدمتها CNN، نقلا عن مصادر الإدارة الأمريكية. وإذا كان قد أسفر سقوط برج بابل عن ترسيخ تشعّـب بني آدم إلى شعوب وقبائل لم تفلح حتى الآن في استكمال أوجه التعارف فيما بينها كما أرادته الحكمة، وعن تشعب ألسنتهم إلى لغات لم ينجز بعد أهلها شيئا ذا بال فيما تقتضيه الحكمة من جسور التفاهم بينهم، فإن تدمير برج مركز التجارة العالمي قد جعل مختلف الشعوب والقبائل، تتحد في هذا الأيلول الأسود حول خطاب واحد تعبر عنه مختلف اللغات التي هي اليوم واقع قائم في المعمور؛ إنه خطاب الإدانة بصريح اللغات، مهما اختلف ما تبطنه النيات؛ إدانة فِعلـة التخريب والتدمير الأعمى والأخرق. لقد أدان الجميع الفعلة مهما اختلفت الحسابات والنيات والدوافع المباشرة الحقيقية لمُصدري تلك الإدانات بمن فيهم من أصدرها تقية وفرا بعد الكر. إنها المرة الأولى في تاريخ ما عرف في عصرنا هذا "بالعمل الإرهابي" يتم فيها تنفيد عملية "ناجحة" إلى حدود بهرت الألباب، فيتبرأ منها، مع ذلك جميع الأظناء كافة، بدل أن تتنازع تبني بطولتِـها أطرافٌ شتى. فلكأن الطرف أو الأطراف المدبرة والمتواطئة من قريب أو من بعيد، قد شعرت - بعد حين - كما لو أنها كانت قد سُـخّـرت من طرف كف عفريت خفي للقيام بفعل أدركت بعد فوات الأوان أن أبعاده تتعدى بشكل درامي حدود ما كانت تتصوره من آفاق. بعد الذهول الذي أصاب الأذهان فور يوم قيامة الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر، الذي يذكّـر بعض القباليين بيوم التاسع من غشت (תשע מאב) لسنتي 70 و 1945 الميلاديتين، والذي لُــقـِّب على الفور بــ"الثلاثاء الأسود" حملا له على اليوم لا على الشهر، تجنبا - فيما يبدو- لالتباس بــ"سبتمبر الأسود"، بما ميز ذلك الذهول في بعض الأحيان من ردود فعل هستيرية، بعد كل ذلك بدأ سكان القرية الصغيرة - وهم الآن شعوب وقبائل وملل ونحل، كما هو معلوم - يتساءلون عن النبإ العظيم، وعن أسباب الطاعون، المرض الملعون، كما في خرافة لافونطين. في هذا الباب، تم تبادلٌ إليكتروني بين كاتب هذه السطور، وهو من هذه الضفة، وزميل له في مهنة البحث وهو من الضفة الأخرى، نورده في صيغته الحية مترجما إلى العربية دون تشذيب أو تهذيب، وذلك كعينة لتلك التساؤلات في ظل ما هو قائم من اختلاف الألسنة والملل والقوميات والثقافات والقناعات.
ابن الضفة الأخرى ( 14 /09/ 2001؛ 01:56س):
"(...) يؤسفني، يا محمد، أن أعلم أنك تعاني من آلام الظهر (...). أنا الآن بصدد قراءة مقال من مقالات ألان برانس Alain Prince. إنه مقال صعب القراءة؛ إلا أنه مهم، وهو بعنـــــوان "metrical forms" ("أوزان عروضية"). ويتمثل قسمه الثاني في مناقشة منهجية لأبحر العروض العربي. إنها معالجة لا تعتمد البتة نظامَ الدوائر على الطريقة الخليلية (...) إلخ. أما من جهة أخرى، فمنذ ثلاثة أيام وأنفاسنا محبوسة هنا أمام مشاهد بشاعة الرعب على الشاشة. لقد أخبرني موريس هالي (Morris Halle من معهد MIT، بوسطن) بأن والدة زميلتنا باتريسيا كيتينغ (Paricia Keating، لسانية من جامعة كاليفورنيا بـــ لوس أنجلس ) كانت ضمن ركاب إحدى الطائرات التي تم تحويلها. وعلى الشاشة، رأينا أناسا يرقصون في أزقة فلسطين فرحا واغتباطا لما وقع ! بل إن من الصحفيين من هم مستعدون لإذكاء المزيد من نيران رعب الكراهية، وذلك حينما يتحدثون بلهجة متعطشة للرد عن طريق الحرب. لقد أورد أحدهم أمس على الشاشة إمكانية قنبلة كابول أفلم ير ذلك الغبي بأن الناس الذين ستصيبهم القنابل هناك لن يكونوا، في النهاية، مرة أخرى، سوى مستخدمي مكاتب، وأمهات، وربات بيوت؟ إلى حدود هذه الساعة تقتصر الصحافة و القنوات التلفزية على عرض مشاهد التغطية وعلى تصريف الردود العاطفية و الخطابية؛ وليس هناك بالمقابل إلا النزر القليل من التحاليل والأفكار...إلخ.
ابن هذه الضفة ( 15 /09/ 2001، 13:56س): "(...) لا حدود للمظاهر الممكنة لبشاعة الرعب، بما أنه لا حدود للمظاهر الممكنة للغباء والسفاهة؛ إنما هي الأشكال والأوجه تتعدد إلى ما لا نهاية، حسب الزمان والمكان. في مقالي الذي كنت قد حدثتك عنه في يوليوز الماضي، ونحن نتجاذب أطراف الحديث بزنقة "كلاسير" (Rue Glacière بباريس)، والمتعلق بالحملة التي كان قد قادها في الربيع الماضي بعض نشطاء الفكر الأصولي المتشدد في المشرق العربي أولا، ثم بعد ذلك في المغرب، ضد مسلسل البوكيمون (Pokemon)، باعتبار هذا المسلسل، في نظر أولئك وهؤلاء، مؤامرة صهيونية ضد القيم الإسلامية أنظـر جريدة "الأحداث المغربية": 27 أبريل 2001، ص3؛ و كذلك "الحوار المتمدن" : 27 غشت 2007 http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=107179]، كنت قد حاولت لفت انتباه المثقفين الإسلاميين المتنورين إلى أن تلك الحملة السريالية ضد كائنات البوكيمون الكارتونية كانت متداخلة ومتوازية في الزمن مع "غزوة الأصنام" التي خرج من خلالها الطالبان في الربيع الماضي ( مارس 2001) لتطهير أرض الإسلام من تماثيل بوذا العملاقة العريقة. فلكي أبرز - على مستوى مغزى التاريخ، كما يبدو لي في رمزياته - البعدَ الحقيقيَّ لمثل تلك الفعال الشنيعة في حق الحضارة الإنسانية من جهة، ولكي أبين، بالمثال، إلى أي درجة يحصل في الغالب أن تقصُرَ بصيرةُ مَن يعتبرون أنفسهم من متنوري جيل من الأجيال عن إدراك الأبعاد الحقيقية لكثير من الأحداث والحركات حينما تكون في المهد، عمدتُ إلى إقامة التقابل المقارن، في نوع من الإبداعية والتخييل الأدبي، ما بين "غزوة الأصنام" التي شنها الطالبان باسم " الله أكبر" و"لا إله إلا الله" في مارس 2001 ضد تماثيل بوذا من جهة، وتخريب بغداد، جوهرة الحضارة الاسلامية في القرن الثالث عشر الميلادي على يد جيل قديم من رهط "الطالبان" عُرف في التاريخ باسم "التتر" أو " المغول" من جهة أخرى. فقبل أن يخــرّ برجُ مركز التجارة العالمي - وهو مجمع الأجناس والجنسيات والملل والنحل - تحت ضربات صادومات (béliers) ملتهبة عملاقة ملؤها ووقودها الناس والكيروزين، فيتهاوى على سطح الغبراء في رمشة عين، مقبرا معه حوالي 7000 نفس ما بين آدمي وآدمية ينتمون إلى 62 جنسية، كانت معركةٌ بالمدافع والصواريخ قد شُـنـّت قبل ذلك بشهور لإسقاط رؤوس وأشلاء تماثيل بوذا العريقة، وذلك باسم الإسلام، وأمام صمت المسلمين المتنورين، وبنفس الطريقة التي كان قد عالج بها منجنيق التتر معالم بغداد الإسلامية باسم ماذا؟ ... باسم بوذا؟ وكما أن الحركة التترية المدمرة التي خربت بغداد قبل قرون كانت قد مـهّـدت لها، في عين المكان ما بين منطقة الخليج وجبال الديلم شمال إيران، تواطؤاتٌ موضوعية لأيديولوجيتيٍ البداوة والجفاوة والشظف لدى حركتي "القرامطة" ثم "الحشاشين"، فإن الحركة الحفيدة التي جاهدت في تماثيل بوذا باسم " الإمارة الإسلامية" لــ"المولا عمر" التي تـُـوجه إليها اليوم أصابع الاتهام في واقعة نسف مركز التجارة العالمي، رمز عظمة العمّ سام، كانت مع ذلك قد استفادت من تبني ساسة سابقين من ساسة هذا الأخير لها وهي ما تزال في مرحلة المهد وضعف الصبى. فهو الذي "علمها الرماية" لأغراض انتهازية في مرحلة جيل مروجي حشائش الأفيون (على غرار الحشاشين)، رجال زعيم الحرب، قلب الدين حيكماتيار، إلى أن اشتد ساعدها. ليس أمرا جوهريا أن يحمِــل المولودُ حينما تمّ تبنيه وتدليلـُه من طرف العمّ سام خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين تسمية "الأصولية المتشددة" عامة (نظاما كانت أم معارضة) أو تسمية "المجاهدين الأفغان" ( ضد شيوعية الروس) على الخصوص، أو تسمية "الطالبان" على الأخص. وكما أن السحر ينتهي دائما بالانقلاب على الساحر، وأن كيد الكائد ينتهي بالعودة في نحره، كما ينقلب مقلاع البوميران (boomerang) على راميه، فإن هذا الإبن الذي كان مدللا بالتبني لغايات جد انتهازية أبعد ما تكون عن سواد عيني خاتم الأنبياء والمرسلين وعن ربعة قده - كما وصفت ذلك السيرة- هو نفس الابن الذي انتهى، بعد التخلي عنه، إلى ترويج جديد لرصيد منظومة قديمة من التعاليم الديماغوجية التبسيطية التسطيحية، فأخذ ينشر خطاباتها بالورق، والأشرطة، والأوداج المنتفخة، في جميع بؤر الجهل والبؤس والحرمان والإذلال اليومي لبني آدم على وجه الأرض. ومن بين الأقانيم العامية لتلك التعاليم أن الكون عراك بين جوهر الخير وجوهر الشر، وأن الشيطان إله الشر، وأن التجسيد المحسوس للشيطان في هذا الجيل هو أمريكا بكل امتداداتها وتجلياتها، وأن من تلك الامتدادات والتجليات دولة إسرائيل. فأمريكا، إذن، أصل الشر ومصدر كل أنواع البؤس والحرمان التي ابتليت بها الشعوب، شعوب "دار الخير". وبما أن أمريكا كانت، بحكم كونها القوة الاقتصادية والعسكرية والعلمية الأولى على الكوكب الأرضي، قد ورطت نفسها في أكثر صراعات العالم اشتعالا وتعقيدا، كالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والصراع البوسني-الصربي، ومختلف أوجه المعضلة البلقانية، بكل ما يكمن وراء تلك الصراعات من مصالح متعددة ومتعارضة، وبكل ما تولده من بؤس إنساني، فإنها، أي أمريكا، تكون بذلك الانخراط عرضة "ضعيفة المناعة" من الناحية المعنوية والأخلاقية على مستوى المسؤولية أمام كل خطاب تبسيطي وعامّي من قبيل ذلك الخطاب الديماغوجي الشعبوي الذي يروجه ويقتات على عائداته المعنوية صنيعها المدلل سابقا. ويصدق هذا خصوصا بمقدار ما أخفقت أمريكا - على مستوى العلاقات الدولية، وعلى مستوى المواقف الدبلوماسية برمزيتها الإعلامية - في لعب الدور المتوازن الذي تفرضه عليها منزلتها الدولية القائمة موضوعيا، وكذا طموحها المحرك لسياستها. فما وجه الغرابة، إذن، إذا ما انتهى البؤس والحرمان والإذلال اليومي - على أرضية تربية عدة أجيال عاشت في ترحال دائم، من ركام خراب إلى ركام خراب - إلى أن يجعل أحفاد هذه الأجيال المنكوبة تنعـم، في صميم شقاوتها، بسحر الخطاب التبسيطي، فينطلق شبابها الفلسطيني الذي تعتبر مشاهد الانهيار والخراب والدمار اليومي أكثر ألفة لديه من مشاهد قاعة الدرس أو المخبر أو المدرج، ليرقص في نشوة الجاهل بجواهر الأشياء رقصة نصر وهمي وهو يشاهد للمرة الأولى والوحيدة صورةً تتداعى من خلالها عماد رمز من رموز أصل الشر كله- كما أصبح يتصوره- وهو الذي عوّد العالمَ على أن يشكل موضوعَ مثل تلك الصور الخرابية بلحمه ودمائه، وبوتيرة يومية مطردة؟ ألا فلأعد لترديدها : لا حدود للبشاعة ولا نهاية للغباء.
ابن الضفة الأخرى ( 16 /09/ 2001، 22:57س): « (...) أشكرك على خطابك الطويل. لقد قرأته باهتمام كبير. أتفق معك في بعض ما جاء فيه؛ لكني أختلف معك في بعض الأمور. سأتحدث عن نقطة واحدة من نقط الاختلاف فأقول: يبدو أنه ليس من الثابت أن البوذية قد لعبت دورا كذلك الذي أسندتـَـه إليها في تخريب عاصمة الخلافة الخلافة الإسلامية، بغداد، على يد المغول. لقد استقيت معلوماتي من كتاب عن تاريخ المغول كنت قد اقتنيته من مكتبة Blackwell بأوكسفورد على هامش إقامة العمل التي كنا قد قضيناها معا في مخبر الصوتيات بجامعة أوكسفورد سنة 1995 حينما قمت أنت باقتناء كتاب أورشليم (Jerusalem) لموسى مانديلسون، أفتذكر ذلك؟ إنه كتاب (D.Morgan 1986. The Mongols. Blackwell). في البداية كان المغول يدينون بوجه من أوجه الشامانية، لا يُعرف عنه اليوم إلا القليل. صحيح أن قسما منهم قد اعتنق البوذية فيما بعد دون التخلي عن الأسس الشامانية. وفيما يتعلق بمسألة الدين والعقيدة - وكما كان عليه الشأن عند الإغريق والرومان - كان سلوك أجيال المغول لفترة الغزو والفتوحات متسما بالتصرف البراغماتي النفعي، بعيدا عن أي طائفية ملية إقصائية ( المرجع السابق، ص 40-44). إليك ما يقوله المؤلف (ص 158) بخصوص عقيدة الأمير هولاكو الذي خرب بغداد: " يبدو أن عقيدته الدينية لا تتعدى كثيرا العناصر الشامانية المكونة لعقيدة أسلافه، بالرغم مما قيل عن ميولاته البوذية. وبما أن مراسيم تأبينه سنة 1265 قد تخللها تقديم قرابين بشرية، فإن ذلك يسمح لنا بأن نشكك في أن علاقته بالبوذية كانت قد اتسمت بشيء من التمكن والعمق". أقول باختصار بأن "الأساطير المؤسِسة" (mythes fondateurs) ليست دائما عنصرا ضروريا في كل التوسعات والفتوحات الكبرى التي عرفها التاريخ. لقد لعبت الأيديولوجيا، ربما، دورا في تحميس وتعبئة المغيرين خلال الفتوحات العربية والحملات الصليبية؛ إلا أن الأمر لم يكن كذلك مع الغزو المغولي، ولا مع التوسع الروماني. فالرومان لم يحاربوا يوما من الأيام باسم الاله جوبيتار (Jupiter)، ولا باسم أي ألوهية أخرى من ألوهيات البانـثيون (Pantheon)، مجمع آلهتهم. وبناء على هذا فإن التناظر التماثلي السيميتري الذي أقمتـَـه، في حديثك عن برج بابل، بين المغول والطالبان، لا يعدو أن يكون "كشفا" عبقريا رائعا من الكشوفات البلاغية البيانية. فاستيلاء هولاكو على بغداد لم يكن نصرا للبوذية على الإسلام. إن الطالبان يريدون اليوم فرض نهج ونظام في الحياة قائم على اعتبارات دينية مما يعتقدون؛ أما مغول القرن الثالث عشر، فلا يبدو أنهم كانوا يسعون إلى شيء من ذلك القبيل فيما يخص نهج الناس في حياتهم. إن عصرنا مهووس بالأيديولوجيا، ولذلك فهو لا يفتأ يـُـسقِـط هوسه ووسواسه ذاك على كل الحقب السالفة. بالرجوع إلى تماثيل بايمان (Bayman) البوذية التي دمرها الطالبان مؤخرا، علِـمتُ، بالرجوع إلى أحد معاجم الأعلام، أمرا ربما لم يكن في علمك وأنت تحرر خطابك لي. فعلى مشارف التخوم ما بين القرنين السادس عشر والسابع عشر، سبق لأمير آخر مغولي، هو أورانغزيب ( Aurangzeb)- وكان من سلالة ملكية مسلمة بشمال الهند - أن قام بتشويه تلك التماثيل بضربات المدافع، إذ كان معروفا بتشدده واضطهاداته الدينية. أشكرك مرة أخرى على أفكارك الواردة في ردك الفوري السابق. على كل حال يشكل الماضي ينبوعا لا ينضب، حافلا بالمادة الخام الصالحة للخطباء والدعاة والديماغوجيين من كل صنف، لكني أشك فيما إذا كان بإمكان ذلك الماضي أن يعلمنا شيئا ذا بال فيما يتعلق بتوجيه خطانا على أرضية الحاضر»
ابن هذه الضفة (17 /09/ 2001؛ 12:22): «أشكرك على تدقيقاتك الموثقة حول المغول وعلاقتهم بالبوذية. أوافقك - من جهتي- في كثير مما جاء في خطابك زيادة على تلك التوثيقات التي ملأت من خلالها بعض ثغرات ثقافتى العامة؛ إلا أني أختلف معك في بعض الاستنتاجات و التأويلات. فالفكرة الرئيسية التي يحاول خطابي السابق التسطير على أهميتها هي أن يقظة العقول الأكثر استنارة والأشد انخراطا في الشؤون والقضايا العامة لجيل من الأجيال و الأكثر التزاما بها، غالبا ما تفـتـُـر يقظتـُـها فتقصر عن إدراك المعاني والأبعاد والمرامي الحقيقية لبعض الأحداث والحركات والوقائع المؤثـّـثة لعصرها، وذلك بالضبط تحت تأثير السحب الأيديولوجية وما تولّده من حسابات مصلحية واتنهازية ظرفية. أما بقية ما سقته في معرض ردي السابق، مما عدا هذه الفكرة، التي هي مغزاه، فلا يعدو أن يكون - كما أشرتُ إلى ذلك صراحة - نوعا من "التخييلات الإبداعية" التي يتعين أخذها على ذلك المستوى من الرمزية، و ليس باعتبارها تحقيقات تأريخية بالمفهوم الأنطلوجي للحقيقة التاريخية، التي لا أعتقد أنها في المتناول على الإطلاق بذلك المفهوم. فإذا ما تمثلنا موقف كل من أولئك الذين محوا معالم بغداد الإسلامية، و موقف أولئك الذين نسفوا برج مانهاتان، إزاء حصيلة ما أبدعته أجيال بني آدم وراكمته بكدها وآلامها ، وهي أكرم الخلق، في ميادين العلم والعمران، والفن والخطط التدبيرية، والنظم السلطانية، من بدائع الحضارة بمفهومها الكوني، فإن معرفة دقائق المنظومات الأيديولوجية المسخرة بشكل منهجي أو تلفيقي لتأطير ذلك الموقف التخريبي المدمر تبقى ذات أهمية ثانوية، سواء أكانت أوجه تلك الأيدلولوجيات دوغمائية عقدية عمادُها نصوص وطقوس، أم زمنية براغمانية ونفعية. ذلك أن هذا الوجه الأخير، أي البراغماتية - ولعل القوة العالمية الأولى اليوم من معتنقيه - يشكل بدوره وجها نمطيا من أوجه الأيديولوجيا. المهم بالنسبة للمغزى السالف الذكر هو أن هؤلاء وأولائك من أجيال التخريب ومعاداة الحضارة كانوا قد ترعرعوا تدريجيا - كحركات ناشئة - تحت أعين الأطراف التي ستصبح فيما بعد ضحايا لهم على طريقة هلاك الثيران الثلاثة، الأبيض والأسود والأحمر. لقد بنى دائما أولئك وهؤلاء قوتهم الصاعدة بالاعتماد- بالضبط - على بعض الحسابات الانتهازية لتلك الأطراف نفسها التي ستصبح ضحايا لهم (فلنتذكر حسابات السادة "بني صدر"، و"قطبزاده" مع ملالي الحركة الخمينية، وهي أقل الحسابات درامية). لقد قلتَ في خطابك الأول بأنكم تعيشون هناك في ضفتكم تحت طوفان وابل من الضجيج الإعلامي المفتقر لأدنى أبعاد التحليل المُعمِـل للعقل والبصيرة. أنا أتساءل الآن - بناء على فكرة المغزى السابق - عما إذا كانت "التحليلات"حينما تحُـلّ مرحلتها بانتهاء لحظة المفاجئة والذهول - ستفلح فعلا في يوم ما في اختراق ما يكون قد تلبّـد من سحب الوساوس الايديولوجية التي ستتغول بفعل ماحدث وبفعل أدخنة نيران الحرب، وقعقعة طبولها، مما يبدوا أن العالم مقبل عليه بكل ما يؤججه مناخ الحرب من عواطف ملتهبة ومصالح ومخاوف، وذلك حتى يتسنى لتلك " التحليلات" أن تنفذ إلى صميم الدلالات الحقيقية لواقعة برج مانهاتن على مستوى تطور علاقات المجتمع الدولي المعولم (...)".
ما بعد التبادل الالكتروني تلك إذن عينة حية من نماذج التساؤلات التي دارت بيني وبين زميلي إثر واقعة تخريب البرج. وأبرز ملاحظة يمكن إبداؤها - نيابة عن القارئ - بشأن هذه العينة هو انطلاقها - في اتجاه ما جرى به التيار- من التسليم سلفا بأن نظام "الطابان" متورط بشكل أو بآخر- سواء عبر قناة "ابن لادن" أم عبر قناة أي ملتح أو أمرد آخر- في جريمة إحراق ما يناهز 7000 نفس آدمي حي وآدمية حية من المسافرين جوا، ومن مستخدمي المكاتب، يتوزعون على 62 جنسية، ويمثلون جميع الملل والنحل والأجناس البشرية. صحيح أن كثيرا من هواة التحقيقات البوليسية من المعلقين والصحفيين من ذوي الولع بتصويرات السيناريوهات المخابراتية والهيتنشكوكية في معالجة القضايا الإعلامية ميالون إلى أن لا يحتفلو من الواقعة المذكورة إلا بالجانب الهيتنشكوكي والبوليسي التحقيقي: ما هي الخيوط المدبرة؟ من هو الرأس المدبر، الوحيد الأوحد وغير الملتبس من حيث هو الفاعل الأول؟... إلى آخر ما هناك من الأسئلة البوليسية التي تترجم - حينما تكون صادرة عن معلق غير متخصص - مفهوما خاصا للتاريخ ولوقائعه المشهودة على السطح، مفادُه أن كل جزيئات خير هذا التاريخ وشره محسوبةٌ بإحكام كدقائق آليات الساعة، ومدبرةٌ مركزيا من لدن رأس قوة الخير، إذا كانت نتائجها خيرا، ومن لدن رأس قوة الشر، إذا كانت نتائجها شرا؛ إنها المانوية الشعبية. وإذا كان الوجه الأيديوليجي الحديث لهذا التصور المانوي لدى بعض الذهنيات في مجتمعات ما يطلق عليه اليوم عندنا جزافا "ديار الغرب" (المقابل المعاصر لمفهوم "ديار الحرب" بإبدال حرف حلقي من آخر)، قد رأى على التو وراء واقعة "الثلاثاء الأسود" شيطانا "أخضر" بلحية سوداء، كما كان قد فعل على إثر واقعة "أوكلاهوما سيتى" سنة 1993، التي تبين اليوم أن من كان وراءها لا علاقة له بعالم الشياطين الخضر ذوي اللحى السود، ذلك الوجه الأيديولوجي الذي كان سيرى على التو وراء نفس الواقعة شيطانا أحمر على هيئة دب روسي، أو على هيئة خنزير كوبي منحدر من "خليج الجنازير" السيء الذكر بالنسبة للعم سام، لو أن الواقعة كانت قد وقعت في الستينات من القرن العشرين، والذي كان سيكون من زبانية ذلك الشيطان الأحمر في نظره - دبا كان أم خنزيرا- أسماءٌ من قبيل "الدكتور مصدق"، أو "جمال عبد الناصر"، أو "فيديل كاسترو"، أو "تشي غيفارا"، ولم-لا " ابن بركة" (على وزن "ابن لادن") الذي أفتى الشيخ الزمزمي مؤخرا- سامحه الله- بأن اغتياله واغتيال أمثاله من "اليساريين" أمر شرعي من وجهة الدين الإسلامي "بصرف النظر عمن يقتله، لكونه خارجا عن الأمة وثائرا على السلطان وفارا من القضاء ومارقا عن الدين"؛ إذا كان ذلك الوجه الأيديولوجي كذلك في ضفة ديار الغرب، فإن كثيرا من أبناء ضفتنا، بدورهم، وعلى اختلاف لافتاتهم الإسلامية أو الحداثية، ممن يركن إلى سهولة الخطاب التبسيطي الذي يبرئ النفس والذات أولا ليلقي بكل النقائص والتبعات على مشجب الشيطان الأشقر من "صُفر الوجوه"، قد بادروا من جهتهم، بعفوية النزعة الذاتية، إلى نفي التهمة عن "ابن لادن"، وعن الطالبان، لا لكون الواحد منهم يتوفر على ما لا يتوفر عليه أحد غيره من "الحجج الإثباتية الدامغة"، ولكن لمجرد أن التهمة صادرة عن الشيطان الأبيض في الضفة الأخرى ("دار الغرب" بالنسبة للبعض، و"دار الحرب" بالنسبة للآخرين)، ولمجرد كون المتهم "أسود العينين" أو "جعد الشعر"، أو لكون هذا المتهم ينقش اسم الله على الكلاشينكوف أو على الساطور. وكثير من هذا الكثير كان سيتخذ نفس الموقف لو أن الطالبان وما شاكلهم من حركات كانوا قد صادفوا الفترة التي كان يـُـسبـّـَح فيها بالكتيب الأحمر وبمنشورات شارع "زبوفسكي" بموسكو. إنه تماه إثنو-ثقافي يتم بمقتضاه إسقاط الذات والهوية الانتمائية الجماعية على صورة ملاك أخضر تطارده الشياطين من كل الأمم والأجناس والألوان. وهكذا يتساءل مثلا الزميل البشير القمري في الصفحة 20 من جريدة "الصحيفة الأسبوعية" (14/ 09/ 2001) تحت عنوان " النخبة المغربية تتحدث عن الكارثة" فيقول : "كلما وقعت حادثة في أمريكا إلا ونـُـسبت إما للعربي، أو الإسلامي، أوالفلسطيني، بحيث إننا أصبحنا يهود العالم" ( ؟؟). وهكذا، فبعد الاغتباط الغبي المباشر التي أعقب مباشرة الإعلان عن وقوع الواقعة، وهو إعلان تم تلقيه أول الأمر كإعلان عن تلاشي صورة ذلك الصنم المؤلّـَـه في الثالوث الحرفي "CIA" و الذي كان يُعتقد بأنه لا يترك كبيرة و لا صغيرة إلا أحصاها، ولا يعزُب عنه من دقائق هذا العالم شاذة ولا فاذة؛ و بعد إدراك الأبعاد الحقيقية لهول الكارثة، و بشاعة الهمجية، وربما إدراك ما يشكله ذلك من زعزعة كارثية لأسس التعايش والتعامل على وجه هذا الكوكب الصغير المعولم (طيران مدني، مراكز التجارة... الخ)، هبّ المعلقون- وأغلبهم إما كتاب أعمدة، أو مدبـّجو كلمات، أو نقاد كلام، أو خطباء منابر، أو منتحلو سياسة شعارهم إسكات الخصم بما اتفق، فوضعوا على هامهم قبعات المحققين المخابراتيين من عيار مفتشي FBI أو CIA أو الانتربول المحنكين المحترفين، وذلك لكشف " الثغرات" الإثباتية في صك الاتهام الصادر عن الشيطان الأبيض في بلاد الغرب ودار الحرب، وذلك بالقول مثلا: "لماذا تعطل جهازُ الإنذار الفلاني؟ لما تم الزوغان عن خط الطيران؟"، "الإسم الفلاني الوارد في للائحة الضحايا هو لشخص حي يرزق"، "كيف يعقل أن يحصل كذا وكذا؟"، "لقد ثبت تزوير اللائحة الفلانية..." ( انظر نموذجا لمثل هذه " التحقيقات" المحترفة المضادة في الصفحتين 4-5 من جريدة "التجديد" (22 /09/ 2001) وفي الصفحتين 8-9 من جريدة "العصر" (21 /09/ 2001). ومن أبرز الثغرات المسوقة وأغربها، وأطرفها في نفس الوقت على الإطلاق، ثغرةُ يهمس بها الوسواس الخناس في آذان جميع الناس من هؤلاء، في نوع من تنازع أحاسيس الإعتزاز والشك، والشعور بالذنب والخوف، تلك التي قد صاغها علنا وصراحة أحد رموز الجيل الجديد من اليسار، محمد الساسي على الشكل الآتي : "هناك إحساس بأن اتهام أحد الأطراف هو في ذات الوقت اعترافٌ له بأنه صنع شيئا رهيبا و مدمرا وخارقا للعادة، وتسليم بدقته في التخطيط، وعقلانيته في التحضير، وبراعته في التنفيذ. فهل صورة العربي أو المسلم التي يجري تسويقها عادةً تطابق هذه المواصفات؟" ( "الصحيفة الأسبوعية"، 21 /09/ 2001، ص 12) إن تساؤل مريح كيفما كانت الإجابة على السؤال: فإما التسليم بأن العربي و المسلم بريئان، بحجة أن الدقة والبراعة التي تمت بها الجريمة تفوقان مؤهلاتهما المعهودة، وإما أن صورة التخلف المقرونة بهما صورة مخالفة للواقع. والطريف في الأمر أن هذه التحقيقات الهيتشكوكية قد تدرجت بسرعة إلى أن أسفرت في النهاية عن إعادة بعث صنم CIA من رماده، و إعادة تحميض صورته على شكل التأويل الآتي: الواقعة عبارة عن شأن أمريكي – أمريكي، يتم الركوب عليه لتبرير قيام أمريكا بما لم يكن بإمكانها القيام به من قبل في حق العرب والمسلمين. فالأستاذ البرلماني، أبو زيد المقري، يؤكد، بناءً على ما لديه من معلومات، بأن "تلفيق التهم والتزوير منهج أمريكي قديم من أجل تأليب الرأي العام ضد الإسلام والمسلمين (...)، إذ ثبت أن الطيارين الأربعة الذين كانوا يقودون الطائرات المفجرة هم ضباط سابقون في حرب فيتنام..." (ا"لتجديد"، 22 /09/ 2001، ص4). أما افتتاحية أسبوعية "الرهان الآخر" (العدد6، 20 /09/ 2001) التي ربطت بالمناسبة ما بين "الإرهاب الأمريكي" وبين ما تنسبه من "إرهاب" لما تسميه "حزب مؤتمر الصرف بالدار البيضاء" (مؤتمر "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" الذي انشق عنه الجناح النقابي الذي أسس "الرهان الآخر")، فترى من جهتها بأن " أحداث نيويورك وواشنطن ليست إلا مدخلا وذريعة لبسط نفوذ الولايات لمتحدة الأمريكية على البسيطة، مجتمعاتٍ وأنظمةً وخيرات".
والحقيقة أن كل ما يمكن قوله في هذا الباب من طرف أي منخرط في جوقة الرأي العام، بعيدٍ عن صناعة الأحداث وعن الاحترافية في تحقيقاتها هو أن كثيرا من الاحتمالات ممكنة. فقد يكون مصدر ما حدث، كما صرح بذلك السيد عبد الكريم مطيع، زعبم الشبيبة الإسلامية، لجريدة "الصحيفة الاسبوعية" (14 /09/ 2001، ص 20) انطلاقا من منفاه في الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى "هو تحمـّل أمريكا مسؤوليةَ قيادة العالم؛ ومن طبيعة الأمور أن يؤدي أصحابُ القيادة ضريبةً على ذلك؛ إذ التاريخ يشهد أن نفس الحالة عرفتها الإمبراطورية الإسلامية، والإمبراطورية الرومانية، والإمبراطورية الصينية، أثناء قيادتها للعالم"؛ أي أن الأمر قد يكون له تعلق - بشكل أو بآخر- بمكانة أمريكا وحجمها السياسي والاقتصادي والعسكري والدبلوماسي، بما يطبع سياستها الخارجية من عدم التوازن ومن غطرسة القوة خلال نصف القرن الأخير، وهي أمور من الأحسن تركُ الإلحاح عليها وتفصيل أمرها لأقلام وأصوات من داخل الضفة الأخرى نفسها، فذلك أنجع وأفيد لأنه أدق وأقنع، خصوصا وأنها ضفة متعددة الأصوات بما فيه الكفاية (انظر لوموند ديبلوماتيك، أكتوبر 2001، و كذلك مقالا مترجما عن الأنديباندانت في جريدة "التجديد" 19 /09/ 2001. 20ص). إن تعدد البؤر التي مارست من خلالها أمريكا دورها ذاك، انطلاقا من مكانتها تلك، ضمن شبكة معقدة من المصالح المتداخلة الأطراف في الزمان والمكان، هو ما يجعل الوقوف على مدبـر واحد وحيد وأوحد على قمة شبكة خيوط محكمة الحبك بين أصابعه الخمسة عبثا من باب البحث عن المسؤول عن انتشار "الطاعون، المرض الملعون". إلا أن هناك، من جانب آخر، واقعا لا يرتفع لا بالخطابة، ولا بالتحقيق البوليسي، ولا بألفاظ الإدانة المشفوعة بالاستدراك ("إننا ندين ... ولكن...")، ولا بتقديم التعازي المنافقة لجورج والكر بوش من طرف قادة بعض الحركات الإسلامية، ولا بالمشاركة الكرنفالية في قداسات الترحم في الكنائس، ولا بإرفاق صوت الآذان لعملية رفع العلم الأمريكي إيذانا برفع الحداد، ولا بأي قبيل آخر من الرقى والتعاويذ. إنه واقع لا يمكن أن يختلف في شأنه ملاحظان سويان : إنه تحديد الجهة والطرف الذي راكم على مر السنوات تراثا خطابيا بجميع الألسنة، وعلى جميع أنواع الحوامل، وآخرها الحامل الإليكتروني، خطابا مهووسا بــأبــلــســة وشيطنة الغرب وعلى رأسه أمريكا، وبالدعوة إلى تقـويض أركان هذا الإبليس الذي عُـلقت على مشجبه كل النقائص والعيوب الاقتصادية والتقنية، والسياسية، والأخلاقية، والروحية، والمعرفية، والمعنوية، التي تعاني منها مجتمعات تلك الجهة بدرجات متفاوتة. من ذا الذي يمكن أن ينفي، من النزهاء الأسوياء من سليمي الذاكرة، تميّــزَ كل مؤسسات إنتاج الخطابين، الإيديولوجي والسياسي، في فضاء العالم "الأخضر" بميزة خلافة العالم "الأحمر" البائد والقيام مقامه، في إطلاق أعاصير هوجاء لا تتوقف من اللغط الناري المعادي لأمريكا ولما تمثله من قيم غربية "مادية استهلاكية"، وفي توعـُّـد الغرب عامة بكل ما يقوم عليه من قيم اقتصادية وحضارية وسلطانية وفلسفية، وفنية، على غرار ذلك الفقيه المغربي المحترم الذي يمم ديار ذلك الغرب في ضيافة الهولنديين الذين آووه وأطعموا وكثيرا من بني جلدته من جوع وآمنوا كثيرا منهم من خوف على ما يقولون، فانبرى مع ذلك يهوي بمعاول خطبه المنبرية على قيمهم الأخلاقية وقوانينهم الدستورية التي نسي بأنها هي التي تحميه، أخذ يطعن في مؤسساتهم الدستورية وعلى رأسها البرلمان.
فليس إذن من الضروري، من الناحية السياسية، التي على أساسها يبرم السلم أو تعلن الحرب، أن يثبت منطقيا وبوليسيا، وعدليا ، وقضائيا، تورط أسامة بن لادن شخصيا بشكل مباشر ودون التباس في مرهبة 11 سبتمبر 2001؛ إذ أن ذلك اليقين لا يمكن أن يحصل حتى لدى المشتبه فيه نفسه، لا بالإيجاب ولا بالنفي، من حيث أن هذا الأخير لا يمكن أن يلم علما بآليات جميع "الاخترقات" المتعددة الأطراف التي قد تكون استهدفت، في هذه الفترة أو تلك، شبكةَ المصالح على مستوى الأطراف التي يتعامل معها، وعلى مستوى الأطراف التي (تحاول أن) تستعمله، وعلى مستوى الأطراف التي (يحاول أن) يستعملها. فيكفي من الناحية السياسية، التي على أساسها يقام السلم أو تـُشن الحرب، أن ينتمي ابن لادن بنفوذه المالي والعسكري إلى معسكر خطابي شُغله، الشاغلُ له عن شؤون أهله، هو أن يؤبلس الغرب بُكرة وأصيلا، وأن يتوعد أمريكا ويسارع إلى التباهي بتبني جميع عمليات التخريب الموجهة ضدها، واعدا منفذي تلك العمليات بالشهادة وصكوك الغفران وتأشيرات المرور إلى عالم يوفر كافة الإشباعات المادية الاستهلاكية التي يَعتـبـِر المصابون بمرض الكبت والحرمان وبـفقر في المقومات الوجودية والمعنوية أن المجتمعات الغربية تستفزهم بالاستئثار بها دونهم في العاجلة قبل الآجلة. إن ذاك الانتماء الخطابي لكاف لكي تحصل الإدانةُ فكريا وسياسيا ثم دبلوماسيا على مستوى كثير من الأطراف الدولية، فتنجر بذلك تبعات تلك الإدانة وتنسحب على مجموع المعسكر الذي يشارك ابنَ لادن في نوعية الخطاب ولو بدرجات متفاوتة، والذي تتماهى في الواقع بعضُ نـخبه مع بطولات هذا الأخير القائم على قمة القاعدة. إن تلك الإدانة العامة قد حصلت سلفا على ذلك المستوى بما أن صائغي الخطاب السياسي، وصانعي الرأي العام في هذا المعسكر الخطابي، أفرادا فاعلين ومؤسسات، لم يتبرأوا قط في يوم من الأيام من أفعال وأقول ابن لادن، ومن أفعال وأقوال أمثاله، وذلك بالجدية والصرامة والوضوح اللازم وفي الوقت المناسب، على الأقل بمثل ما جاء مثلا على لسان الشيخ "عبد البارى الزمزمي" لكن بعد فوات الأوان، حيث قال هذا الشيخ الخطيب والنجم الإعلامي، بعد أن وقع ما وقع من تخريب البرجين فتعيـّن في تقديره الفرّ بعد الكرّ على مستوى الخطاب، ما يلي : "وأما أسامة بن لادن المتهم بدون حق في الكارثة الأمريكية (...)، فإنه أساء إلى الإسلام وأهله بما قام به من أعمال التخريب والتقتيل في شتى البلاد مما اعترف به بنفسه. فهو يعلم، كما يعلم كل ذي عقل وبصيرة، أن أعماله التخريبية لن تضر أمريكا ولا اليهود ولا أحدا من البلاد التي أصيبت بها(...)؛ وكذلك أعماله التخريبية فإنها تضر بالمسلمين، وتمس سمعة الإسلام و تنفر شعوب العالم منه (...). إذا كان ابن لادن يريد نشر الإسلام في الناس - كما يزعم، إذ يزعم أسامة أنه يجاهد في سبيل الله، لو أنه جاهدا الجهاد الكبير، وهو الجهاد بالقرآن، لكان أسلمَ لنفسه، وأتقى لدينه، وأنفع للإسلام وأهله. والجهاد لكبير في هذا العصر يتحقق بالدعوة الراشدة إلى الإسلام عبر أجهزة الإعلام المختلفة من صحف وإذاعة و تلفاز. والجهاد بهذه الطرق يتم القيام به في كل دولة من دول العالم، أمريكا فما دونها، ويجري تحت حماية قوانينيهم ورعاية سلطتهم" ("التجديد" 19 سبتمر 2001، ص 14). هذا كلام جميل أن يصدر عن فقيه خطيب ونجم إعلامي من نجوم الدعوة، وإن كان قد تأخر بالنسبة للواقعة الكبرى وما قد ينجر عنها كتأخر الغيث عن فصله. ولا يسع كل مخلص إلا أن يصفق لهذا الكلام وأن يرجو من أعماق قلبه أن يكون ناسخا في صدر صاحبه لما كان قد صدر عنه، هو بنفسه، غداة نفس الكارثة وعلى أعمدة نفس الجريدة ( "التجديد"، 12/ سبتمبر/ 2001)، وهو ما أعاد تأكيده في أسبوعية "الصحيفة الأسبوعية" ( 21 سبتمبر 2001، ص 13) ثم أعادت نشره "الأحداث المغربية" (23 سبتمبر 2001، ص 9) مما يعتبر سابقة من عيار تلك الشرارات التي يقول عنها المثل الصيني "رُب شرارة أحرقت سهلا"، وذلك ما لم يأبه إلى خطر تلك السابقة ودلالة نوعيتها ذوو العقول المتنورة اليقظة، فيخمدوا قبسها الجهنمي بالجدية اللازمة وفي الوقت المناسب دون مواربة أو حسابات انتهازية، وذلك قبل أن تتمكن من هشيم السهل لتحرق الأخضر واليابس. ذلك أن الشيخ الزمزمي كان، في كلامه المشار إليه، قد شرّع، باسم الإسلام، الاغتيال السياسي في حق من يسميهم بــ"اليسار"، مبررا بذلك ما كان قد حصل في الماضي في هذا الباب، وشارعا الباب على مصراعيه مستعديا كل من "يهمه" أمر "ضبط الرعية" على الطريقة الستينية، بل وكل من يشعر في عقر مخه برسالة "الجهاد" أو رسالة "الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر" في المستقبل؛ وذلك، كما قال الشيخ، "لأن اليسار كانوا أعداء الإسلام، وأنا أُكــفّـر منهجَ اليسار الذي يقوم على نبذ الدين كما حدث بالنسبة للخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية.(*1) فهؤلاء المندسون أضرُّ على المسلمين من اليهود والنصارى (...). وكذلك من يلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعلت الشاعرة الكافرة وأيدها اليسار على قولها، إذ قالت " ملعون من قال من ضلع أعوج خلقت"« .(*2) .»فكيف يكون شهيدا من كان قتله مشروعا بصرف النظر عمن قتله- وذلك لكونه خارجا على الأمة، وثائرا على السلطان، وفارا من القضاء، ومارقا من الدين؛ وواحدة من هذه الجرائم توجب قتله؟".(*3) فلكأن الشيخ الزمزمي يستعدي، بهذا الكلام، من موقع منبره، وباسم الإسلام، كل من يهمه الأمر- وبصرف النظر عن صفته وعن موقعه في الدولة وفي المجتمع أو على الرصيف - إلى تصفية بعض الفارين من العدالة المغربية في قضايا اغتيالات سبعينية معروفة لم يجف مداد ملفها بعدُ، ممن تجمع الشيخ بهم - مع ذلك - بعض القناعات والشعارات باسم الدفاع عن الإسلام ضد اليسار واليساريين، ولو أن المنفى بالجماهيرية العظمى باعد بين الطرفين. على كل حال، ليس بمثل هذا الخطاب يمكن أن يتم "الجهاد الكبير بالدعوة الراشدة إلى الإسلام عبر أجهزة الإعلام... في كل دولة من دول العالم، أمريكا فما دونها، و أن يجري تحت حماية قوانينهم ورعاية سلطتهم" كما قال الشيخ الزمزمي في حق ابن لادن في لحظة الفرّ، ذلك لأن تلك القوانين التي أشار إليها الشيخ تتضمن تهمة موصوفة في القانون الجنائي تسمى لدى أولئك بتهمة "الاستعداء والتحريض على القتل" (incitation au meurtre) يعاقب عليها القانون لديهم عينيا، بقطع النظر عن هوية كلٍّ من المستعدي والمستعدى عليه، وعن عقيدة ومذهب كل منهما أو انتمائه الأثنو- ثقافي. أما على مستوى التربية والسياسة، فإن مثل هذا الخطاب الذي كان الشيخُ الزمزمي يقطّـر عصارتََه قبل أن يتولى للفر بعد الكر، هو الذي يفرخ أمثال من يجندهم ابن لادن في الأصقاع ويفتح لهم بماله وأشرطته الطريق نحو أخصر السبل إلى الفوز العظيم عن طريق تحقيق الشهادة على حساب أرواح الأبرياء، عملا بقاعدة "بصرف النظر عمن قـتـل"، كما كان قد فرّخ أمثال ذينك الفتيين البئيسين اللذين توجها ذات يوم من أيام دسمبر 1975 - ولعله كان يوم خميس - نحو مواطن وزعيم نقابي وسياسي كان قد تخطى على التو عتبة منزله بالدار البيضاء مودعا أمه وزوجته وابنته سهام، وقد كانت في عمر الزهور، ليمتطي سيارته البيضاء من نوع "رونو 16" متجها نحو مقر عمله باعتباره محاميا، فوجها إليه طعنات غادرة خرّ على إثرها على الأرض المبلطة مضرجا بدمائه، فتحقق الجهاد في نظرهما وانتصر الإسلام على الشيوعية الملحدة(4) والبقية يعرفها كل من لا يعصف احتدامُ قضايا الساعة بذاكرته، بما في ذلك مصير الشيوعية التي كانت تقض حينئذ مضجع أمريكا التي كانت تسخر لمحاربة رموزها كل الوسائل و كل الاطراف المباشرة وغير المباشرة، الملتحية وغير الملتحية، بمن فهيم جيل سلف الطالبان من "المجاهدين الأفغان". أما أجمل من كلام الشيخ الزمزمي في مرحلة الفرّ في حق منهج ابن لادن في " الدعوة" و"نشر الإسلام" - ونحن نأخذه ذاك الكلام على ظاهرة ولانربط معناه بسياق مقتضى الحال في بلاغة الكرّ والفرّ، ولا بأسباب نزوله - فهو كلام آخر قيل بمناسبة نفس واقعة الثلاثاء الأسود، وهو لا يشكو بصارخ الأوجه مما يشكو منه كلام الزمزمي من تناقض يصعق الدماغ إذا ما ربط بما قيل قبله وبعده من تصريحات نارية قاموسها يدور حول مادتي "قـــتـــل" و"كــفــر" في حق تيار فكري وسياسي بكامله وعلى امتداد الأجيال و بالرغم من تغير مواد قاموس برصة السياسة، كونيا ومغربيا، من مفاهيم "الحقيقة الثورية" و"ديكتاتورية البروليتاريا" إلى مفاهيم "دولة الحق والقانون" و "حقوق الإنسان". إنه كلام وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، الأستاذ عبد الكبير علوي مدغري، حين استضافته قناة الدوزيم يوم 18 /09/ 2001 غداة قداس الترحم الذي شارك في إحيائه أعيان السياسة والنقابة والفكر من الديانات السماوية الثلاث بكاتيدرائية "سان بيير" بالرباط يوم الأحد 16 /09/ 2001. إن أهم وأعظم ما أشار إليه الوزير هو تساؤله، بالمناسبة ولأول مرة على لسان مسؤول من مستواه، عن مدى صواب الاستمرار في تصور الإسلام وتاريخه كمجرد سلسلة مثيرة من الغزوات والانتصارات والغنائم و السبايا - كما تصور ذلك بعض كتب التاريخ الإسلامي والسيرة. فقد اقترن- بسبب ذلك تاريخ الإسلام وانتشاره في أذهان الناشئة عبر الأجيال المتوالية من المسلمين، وفي أذهان أجيال ذوي الثقافة العامة من غير المسلمين، بــ"نظام الغزوات"، وقيم "الجهاد المسلح"، وفتوحات الحرب المقدسة الطويلة الأمد، كمنطق للتارخ وكأساس نظري للمعاملات الجيوسياسة على المستوى الدولي حسب ظرفيات موازين القوى. ولقد ذكر الوزير بهذا الصدد بما كان قد دعا إليه المغفور، له الحسن الثاني، حين نبه إلى ضرورة العمل على تحسين صورة الإسلام في الأذهان؛ ولعل العاهل كان يفكر بالدرجة الأولى حينئذ في مراجعة خطاب ونصوص المنظومة التربوية التي تصوغ أذهان أجيال المستقبل، أكثر مما كان يفكر – كما كان يوحي السياق بذلك- في حملة دعائية مجانية سخيفة في العالم الخارجي على شكل محاضرات تقريضية مؤدى عنها من طرف بعض المنظمات الغنية. كما ذكـّر الوزير بما تلا ذلك التنبيه من إعداد المغرب لورقة في ذلك الاتجاه لعرضها على منظمة المؤتمر الإسلامي قصد مراجعة ما يتعين مراجعته. الحقيقة أنني كثيرا ما تساءلت شخصيا - ولعلي في ذلك واحد من بين ملايين من أمثالي- عن السر في عدم تضمن الكتب المدرسية والأكاديمية مما يصنف في خانة "تاريخ الإسلام" لأي شيء ذي بال عن انتشار الإسلام في كبريات الدول الإسلامية الحديثة كأندونيسيا مثلا. لا شك أن لذلك علاقة بعدم ارتباط ذلك الانتشار بوجود "فاتحين مغاوير" من رهط خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعقبة بن نافع، وموسى بن نصير، وطارق بن زياد، وعبد الرحمن الغافقي، ولا معارك مشهودة من عيار القادسية، أو "بلاط الشهداء". فبأي كتاب، أم بأية سُنـّـة، يكون اعتناق مئات الملايين من البشر للإسلام ما بين جزر المحيط الهندي، وأواسط آسيا، وشرق وغرب إفريقيا أقل في الميزان عند الله وفي عين التاريخ من دخول بضع عشرات من الملايين في نفس الملة ما بين العرب والفرس و القبط و البربر والقوط، لمجرد كون ذلك الانتشار في هذه الحالة الأخيرة قد تم عبر غزوات وفتوحات ذات نفس ملحمي أريقت فيها الدماء ووزعت الغنائم والسبايا فيئا، ودُوّنت مناقبياتها التاريخية بنفس الأسلوب الملحمي وبنفس القيم التي دُوّنـت بها أيامُ العرب ومآثر شكوتهم، وهو ما قدمها في النهاية كمجرد استمرار لقيم تلك الأيام، بينما كان الانتشار في الحالة الأخرى قد تم عن طريق مجرد دخول الناس في دين الله أفراجا بهداية بعض التجار المروجين للخيرات، وبعض المتصوفة والأولياء المتأملين في الآيات، ممن لا تسمع لهم لا قعقعة سلاح، ولا مفاخر ولا أهاجي تـنـطُّع شوكتي قيس و لامضر، ولا ما تلا ذلك من مفاخر ومهاجي شعوبيات العرب و الفرس و البربر. لقد آن الأوان، بعد ما جرت به المقادير، وحسب ما ذكّر به الوزير، لإعادة طرح الورقة التي تحدث عنها نفس الوزير، على الطاولة من جديد، خصوصا على إثر الهزة التي هزت العالم يوم الحادي عشرة من سبتمبر 2001، والتي ستكون لها انعكاسات على مستوى العالم ليس فقط في باب المعاملات الدولية (طيران مدني، هجرة، تجارة، تعاون، تحالفات)، ولكن كذلك، وبالخصوص على مستوى الفكر والآداب، والفنون، وسيؤرخ بسببها بما قبل وما بعد تخريب الطائرات للبرجين، على غرار التأريخ بعام الفيل وبالطير الأبابيل. إن نصوص كتب " التاريخ" المدرسية والأكاديمية لدينا مليئة بتصويرات ملحمية وأسطورية ذات حمولات هي إلى النرجسية الإثنو-ثقافية أقربُ منها إلى نصوص بناء الشخصية المتزنة، والمعتدلة، والعاقلة على مستوى سيكولوجية الفرد، وسيكولوجية الجماعة. فإذا ما وُفـّـقـت الأطراف المعنية بالأمر في قطع بعض الأشواط في هذا اتجاه إصلاح نصوص تلك المنظومات التربوية فلن يكون ذلك لا هدية، ولا جزية ثقافية تقدمها تلك الأطراف تنازلا منها لأي طرف خارجي آخر. فلن تكون إلا خطوة من خطوات تحقيق النصر على الذات - وكفى به نصرا مبينا ولبنةً من لبنات إعادة بناء الذات على أسس تبتعد عن سبائخ الرمل والرماد نحو صفوان الثبات والمتانة. من ذلك الباب يبدأ الإصلاح الديني الحقيقي- على غرار الإصلاح الديني الذي ساهم - إلى جانب الفلسفة النقدية ثم فلسفة الأنوار- في إقامة أركان المجتمعات المتقدمة الحديثة، والذي كان إصلاحا موجها إلى هياكل وخطاب الهيئات الدينية التي كانت توزع صكوك الغفران، ولم يكن ابدا موجها إلى مؤسسات السلطان الزمني ولا نزّاعا نحو مؤسسات ذلك السلطان قصد الاستيلاء عليها ليصلح نقائص سلوكات بني آدم ويملأ فراغهم الروحي ويرفع هممهم الأخلاقية والمعنوية بعصا السلطان وبسلطان العصا. أما "الشيطان الأبيض" أو أمريكا، فبالرغم من كل ما يؤاخذ على هذه الأخيرة بالحق، مما فضلنا ترك تفصيله لآل البيت أنفسهم، إذ هم الذين يدركون أكثر من غيرهم رهان فضل مطارحة نقائص نظامهم فيما بينهم قبل أن يطرحه غيرهم (أنظر نموذجا لتلك المواخذات مما ترجمنها للعالم الأمريكي نوام تشومسكي تحت عنوان "انتفاضة الأقصى". مجلة "صامد الاقتصادي"، ع 123-124، كانون الثاني- حزيران 2001، ص184-192.)، وبالرغم من كل ما يؤاخذ على سياستها الخارجية على الخصوص منذ عقود - كما تمت الإشارة إلى ذلك - فإن تحديها الأكبر الذي صنع قوتها وأظهرها على الآخرين، والذي سيمنحها - لا محالة - مزيدا من القوة ومن المناعة بمقدار ما تفلح في الحفاظ عليه وتنميته، فتستمر "زعيمةً للعالم الحرّ، وحاملةً مشعل مبادئ الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، ودولةً للحق والقانون" كما سطر ذلك السيد محمد يتيم، المسؤول القيادي بحزب العدالة والتنمية ("التجديد" 19 /09/ 2001). إنه الواقع الذي لم تزد كارثة برج مانهاتان إلا في تأكيده وإن بشكل تراجيدي. لقد أسالت هذه الكارثة مدادا غزيرا من شبـوات الأقلام و عبر مسامّ الطابعات، وعلى صفحات الشاشات، وأرغى زبدٌ كثير بين أشداق المعلقين والمتشدقين، غير أنه لم تكن هناك إلا ومضات قليلة في اتجاه ما كان يتعين أن يفرض نفسه على أُولي الألباب للاحتفاظ به قصد الاعتبار. من ذلك النزر القليل ما حاول الصحفي، السيد خالد الجامعي في اللقاء الذي نظمته قناة "الدوزيم" المغربية 2Mمباشرة بعد الواقعة لفت النظر إليه، والتركيز على دلالته، بدل العوم في ضباب التكهنات البوليسية والمخابراتية، وقراءة طالع المستقبل كما كان يقرؤه المجدوب "نوستراداموس" عبر جفرياته. لقد لفت السيد الجامعي الانتباه إلى التجلي البديع لعمل المؤسسات الدستورية في إطار من الديموقراطية والحرية والمواطنة في الولايات المتحدة. فالكارثة القومية التي كان البانتاغون، مقر أركان الحرب العامة، من بين أهدافها، لم تستطع، مع ذلك، أن تعطل المؤسسات المدنية الديموقراطية. لقد بقي الجيش في حدود ما يرسمه له الدستور، ولم يكن هناك اكتساح الدبابات للشوارع والأرصفة باسم شرعية حالة الحرب، ولا إعلان لحالة الاستثناء من طرف طغمة من الجنرالات - لا ممن خسروا حرب الفيتنام، ولا ممن ربحوا حرب الخليج، ولا ممن كانوا يُعدّون برنامج "الدرع الصاروخي". بل إن الرئيس المدني الذي كان قد انتخب قبل أشهر فقط بفارق لا يتجاوز بضع مئات من الأصوات من أصل حوالي مائتي مليون، في أطول وأعسر عملية فرز انتخابية قيصرية شهدها تاريخ الديموقراطية، والتي كان سفهاء هذا العالم من المعلقين والمتشدقين يسخرون حينها من "تفاهة" تحرّي فرز أصواتها المصيرية بالتحقق مثلا من التواريخ والطوابع البريدية لتصويتات المراسلة فيها، هو نفسه الذي استمر - في ثقة وثبات مؤسستين على الشرعية - في تدبير شؤون البلاد بما فيها الأزمة الطارئة، طبقا للصلاحيات التي يحددها الدستور وليس المزاج والتقدير الظرفي، وذلك في ظل انضباط رائع من طرف المواطنين، مدنيين وعسكريين، مساندين وخصوما سياسيين لم تهدأ بعد فورة معركتهم الانتخابية الخاسرة. ولم يُعطِـل الجيش - بدعوى عدم كفاءة السياسيين وأجهزة الأمن، أو بدعوى ما تتطلبه اللحظة من استثناء و سرعة - لا مجلس النواب، ولا مجلس الشيوخ، ولا الكونغرس، ولا مؤسسة الرئيس. ذلك هو التحدي العظيم، وليس درع الصواريخ. وإذا كانت بعض الميولات الاستبدادية اليمينية قد حاولت من خلال التدبير اليومي للأزمة استغلال الواقعة لحيازة مزيد من رمزيات السلطة الأمنية رغما على ما يرمز إليه مشعل "تمثال الحرية" العملاق الذي نجا من حماقة المتهورين، وذلك بالقول مثلا بأنه لو كانت الإجراءات الأمنية اليومية في أمريكا من الحزم بما هي عليه في كثير من بلدان إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط - بما فيه إسرائيل- لما تم اختراق أميريكا بالشكل الذي تم به، وتحت حماية قوانينها، من حيث إن تلك القوانين لاتسمح مثلا لا بحجز جوازات السفر في المطارات وتعويضها ببطاقات مؤقتة للتحرك كما يحصل مثلا في بعض دول الخليج؛ أقول: إذا كانت تلك الميولات قد حاولت البروز، فقد بادر المواطنون في وعي ومواطنة - وبسبب مجرد ما استجد من تحريات أمنية وتحقيقات شملت بضع مئات من المواطنين والعابرين إثر الواقعة – وهبـّوا إلى التعبير عن رفضهم لسياسة الهاجس الأمني باعتبار تبنيها أكبر نصر يمكن أن تحلم به أيديولوجية أولئك الذين دبروا الواقعة الشنعاء. إن الرهان كل الرهان مبني هناك على الحس المدني وحس المواطنة، مواطنة المواطن الحر دستوريا وشعوريا، باعتباره للحرية بمفهوميها الإجرائي-اليومي، وبمفهومها المعنوي-الفلسفي بعدا أساسيا من أبعاد ثقافته، المشكّـلة لوعيه من حيث هو موجود؛ وباعتبار الحرية ليست مجرد ألفاظ يشرحها القاموس. ذلك هو الرهان الآخر، وهو معطى جوهري قائم في الأفئدة و البصائر، لا مجرد شعار، ولذلك كثيرا ما تعمى عن إدراكه الحواس والأبصار. انتهى 26 09 2001
------------------------------------- (*1) مشروع "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" مشروع كان قد تقدم به السيد سيعد السعدي، كاتب الدولة في الحماية الاجتماعية والأسرة والطفولة في حكومة "التناوب" الأولى برئاسة عبد الرحمان اليوسفي وكانت تهدف إلى مراجعة "مدونة الأحوال الشخصية" فحصل بشأنها تقاطب بين المحافظين وفي مقدمتهم حركات الإسلام السياسي التي أعطت لذلك التقاطب السوسيو-سياسي طابعا دينيا (أو ما سمي بــ "a war between believers and apostates."، حسب تعبير مقالة حول المسألة في الصفحة بموقع "الحوار المتمدن؛ 18 يونيو 2007": http://www.rezgar.com/eng/show.art.asp?aid=387) حيث جاء مثلا في افتتاحية جريدة "التجديد" المغربية، عدد 51 بتاريخ 12 يناير 2000 ما يلي : (( وستكتشف بعد القراءة المتأنية أن مناط الخلاف مع واضعي الخطة والمتعصبين لها ليس هو التنمية ولا إدماج المرأة في التنمية ، وأن القضية أكبر من هؤلاء ، إذ تتعلق بمواجهة مؤامرة على الأسرة المسلمة تقف وراءها قوى دولية هي التي زرعت الكيان الصهيوني في فلسطين .. وستكتشف أن الأمر لا يعدو أن يكون بالنسبة لفئة من بني جلدتنا خضوعا لدورة جديدة من دورات الاستعمار .. وستكتشف أن المستهدف هو هدم أحكام الشريعة الإسلامية وتقويض الأركان التي تقوم عليها الأسرة المسلمة .. وسيأخذك العجب العجاب ويذهب بك إلى أقصى حد الاستغراب ، حينما ستكتشف أن الذي يقوم على تنفيذ هذه الخطة الاستعمارية المسندة أمريكيا وصهيونيا ليس هو اليمين الليبرالي ( الرجعي ) ، كما عودنا خطاب أيام الحرب الباردة ، وإنما هو اليسار الاشتراكي التقدمي ، وجمعياته وشبكاته وجبهاته )). نقلا عن سعيد الكحل؛ "الحوار المتمدن" (http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=106226).
(*2) يقصد الشاعرة "حكيمة الشاوي" (انظر "الحوار المتمدن" 22 غشت 2007 http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=106690)
(*3) يقصد الزعيم السياسي المهدي بن بركة الذي تطلق عليه أدبيات بعض أحزاب اليسار المغربي لقب "الشهيد المهدي بن بركة" (انظر "الحوار المتمدن" 22 غشت 2007 http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=106690)
#محمد_المدلاوي_المنبهي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بذل المجهود لرسم ما بين العلم والرأي من حدود(1*)
-
التسونامي والله Tsunami and God (بقلم الربي بنيامين بليخ)
-
التربية والتعليم، وتفجير طاقات الشباب (تذكيرات لا بد منها)
-
الحافظ الصغير (من وحي الكاريكاتور الذي زعزع أركان أمة) 1*
-
العطلة (1*)
-
قضية الصحراء: عودة إلى تطوير الخطاب والسياسة في المغرب (*1)
-
أسئلة حول التنوع الثقافي واللغوي في وسائل الإعلام بالمغرب (*
...
-
اللغة العبرانية في عشرية تدبير اللغات الأجنبية بالمغرب (*1)
-
فصيلة الأسئلة المغيَّبة في النقاش حول حرف كتابة الأمازيغية (
...
-
أسئلة حول اللسانيات والبحث العلمي بالمغرب (حوار)
-
هل من تعارض وطني بين إنصاف الأمازيغية وتأهيل العربية؟ (حوار)
-
موقع اللغة الأمازيغية من التعدد اللغوي بالمغرب
-
انطباعاتٌ عن طباع وطبوعٍ وإيقاعاتٍ من بايروت
-
عن اللقاء حول مسألة الديموقراطية في المملكة المغربية
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية: اثارة الشبهات من نشاطات الاعداء الاسا
...
-
قائد الثورة الاسلامية يلتقي منشدي المنبر الحسيني وشعراء اهل
...
-
هجوم ماغدبورغ: دوافع غامضة بين معاداة الإسلام والاستياء من س
...
-
بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة وحشية
-
رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا يعلق على فتوى تعدد الزوجات
...
-
مـامـا جابت بيبي.. حـدث تردد قناة طيور الجنة 2025 نايل وعرب
...
-
بابا الفاتيكان يصر على إدانة الهجوم الاسرائيلي الوحشي على غز
...
-
وفد -إسرائيلي- يصل القاهرة تزامناً مع وجود قادة حماس والجها
...
-
وزيرة داخلية ألمانيا: منفذ هجوم ماغديبورغ له مواقف معادية لل
...
-
استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|