جبهة حداثية واسعة سبيل الانتصار في المعركة من أجل الحداثة
عبد الصادقي بومدين
الحوار المتمدن
-
العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 16:51
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
في تقديري أن المعركة الأساس، بل أم المعارك، في المغرب اليوم هي المعركة من أجل الحداثة، بكل معانيها ومكوناتها وتجلياتها، معركة الحياة في هذا العصر جسدا وفكرا وروحا.
لا أقصد هنا الحداثة كما يقدمها البعض كسلوك ولباس ونمط حياة، والتي ما هي إلا تجليات وقشور...
الحداثة كانت أساسا ثمار فكر وإنتاج عقلي (فكري- فلسفي وعلمي تقني عملي).
لذلك أعتبر أنه ما لم يكن هناك أساس فكري، فكر مبني على العقل والعقلانية، لا يستقيم أي بناء للحداثة. من هنا أهمية الصراع الفكري وأهمية الإستفاقة مما سمي بصدمة الحداثة في مجتمعنا أو ما سماه المفكر المغربي التقدمي الراحل عزيز بلال بالاصطدام الحضاري الذي سببه الاستعمار وأدى إلى الاحتماء بالموروث كميكانيزم سيكولوجي لمواجهة تاثير هذا الاصطدام (سماه بلال بملجأ سيكولوجي)...
الاستفاقة من هذه الصدمة ومواجهة العصر بفكر وعقل وإنتاج العصر، مسألة جوهرية في الطريق نحو الحداثة الشاملة، وهذا لا يتم إلا بالفكر والعمل الفكري والصراع الفكري...
لكن الحداثة لا تعني فقط تشبعا بفكر حداثي عقلاني موجه، بل للحداثة أبعاد، ومكونات وتجليات.
منها السياسية التي تعني ممارسة العمل السياسي بحرية وقوانين وتنافس البرامج والافكار والاستقلالية في اتخاذ القرار، ومؤسسات قوية، وانتخابات نزيهة وتحالفات منطقية على أساس البرامج والأفكار، وحرية التعبير.. وغيرها من شروط وتجليات الحياة السياسية العصرية والسليمة.
للحداثة أيضا بعد اقتصادي يمكن تلخيصه في كلمة واحدة: دولة القانون في المجال الاقتصادي، يعني احترام القوانين المنظمة للحقل الاقتصادي، مما يعني أن الريع لا مكان له في اقتصاد حداثي.
الحداثة تعني أيضا حماية حقوق الناس ومنها الحق في التعليم والصحة والثقافة والكرامة وكل مجالات الحياة، ففي أي مجتمع حداثي متقدم لا مكان للفقر المدقع ولا للحرمان من أي حق من حقوق الإنسان الأساسية ولا لظلم خارج القوانين ولا لفرض نمط من التفكير واللباس والسلوك والحياة الخاصة بالقوة..
هذه بعض الأبعاد الاساسية للحداثة التي تعني باختصار الحياة في هذا العصر بكل مكتسباته الفكرية والثقافية والتقنية والاقتصادية والاجتماعية.
يتضح مما سبق أن المعركة من أجل الحداثة معركة شاملة، ولربح أي معركة لابد من فاعلين، أشخاص وهيئات ومؤسسات..
وفي حالتنا المغربية فالمعركة كبيرة وبحاجة إلى جبهة حداثية واسعة..
الصراع من أجل الحداثة يعني وجود طرف آخر غير حداثي، رجعي ومحافظ، وإلا لما كانت هناك معركة ولا صراع.
الطرف الآخر أيضا أيضا أشخاص وهيئات ومؤسسات.
الطرف الآخر، غير الحداثي بل المعادي للحداثة يتكون، أساسا، من طرفين: الإسلام السياسي بكل مكوناته وألوانه وتجلياته، وطرف داخل السلطة يرفض، بشكل خاص أي حداثة سياسية بالمعنى المتحدث عنه أعلاه أو هو يقبل فقط بالشكل دون الجوهر الذي يبقى محافظا وخائفا من أي تقدم، متشبث بالقشور والمظاهر دون الجوهر..
الحداثيون، فعلا بالمعنى الشامل للمفهوم، يوجدون في المجتمع (تنظيمات وأشخاص) كما يوجدون في مؤسسات الدولة في كل مستوياتها.
المحافظون، دينيا أو سياسيا، يوجدون كذلك في المجتمع وفي أجهزة الدولة في كل مستوياتها.
الصراع إذن، قائم وله تجليات مختلفة في الحياة العامة، حتى وإن لم يظهر بوضوح تام، عموما، لكن هناك لحظات مهمة يبرز فيها التناقض والخلاف والصراع (مثل تعديل مدونة الأسرة سابقا وحاليا، أو في الفترات الانتخابية، أو خلال بلورة وإقرار تشريعات ذات الطابع الاجتماعي والثقافي..)
هو صراع قائم منذ عقود لكنه غير واضح تماما وغير منظم.. هو صراع عمودي وأفقي شامل لكل مناحي الحياة الوطنية.
لقد كانت أحداث 16 ماي الإرهابية سنة 2003 بالمغرب لحظة برز فيها جزء من هذا الصراع وبرز مفهوم وشعار معبر ومعبئ هو شعار "المجتمع الديمقراطي الحداثي" الذي أصبح شعارا قويا يردده جميع المصطفين، نظريا، في صف الحداثة: هيئات سياسية، منظمات مدنية، مسؤولون في الدولة، مفكرون وكتاب وصحفيون، ومواطنون.
لكن توجيه الصراع فقط نحو مكون الإسلام السياسي وشحنه بمضمون سياسي وهدف سياسي ظرفي فقط (فرملة مد الاسلام السياسي) دون الأبعاد الأخرى الأساس في مفهوم المجتمع الديمقراطي الحداثي، وبالأساس البعد الفكري، لم ينتج تحولا جوهريا نحو الحداثة، ومرت الموجة كما تمر كل الموجات السياسية الظرفية، بل أنتجت عكس المتوقع..
لكل ما سبق تظهر أهمية تبلور جبهة حداثية تتخذ أشكالا تنظيمية مرنة (لا تلغي الصراعات والخلافات التي تبقى ثانوية مرحليا، في تقديري، مقابل التناقض الأساس الذي هو الطرف الآخر المعادي للحداثة علنا أو ضمنا بمكونيه المشار إليهما أعلاه)...
المعركة من أجل الحداثة هي المعركة الحقيقية من أجل التقدم إلى الأمام والولوج التام للعصر وروح العصر.
مغرب الحداثة.
ملاحظة على الهامش :
وانا ادعو للحداثة والعقلانية اعرف انني ساجد في أوساط بعض اليسار، بعض اقول وليس كل، من يقول ان الحداثة منتوج غربي، ليبرالي، راسمالي، امبريالي، لان التفكير الحر العقلاني قد " يزحزح عقيدة يساري"!
و في أوساط الإسلام السياسي بكل تلاوينه وتعبيراته ان الحداثة منتوج مسيحي، يهودي، الحادي، ماسوني، صهيوني، ويسبب في " زحزحة عقيدة مسلم"..
عبارات يتوارثها هؤلاء وولائك ابا عن جد (ليس بالمعنى البيولوجي) و يكررونها دون حتى تساؤل او مساءلة لان السؤال والمساءلة مدخل للحداثة وخطر على العقيدة ( الدينية او الايديولوجية).
نفس المنطق ونفس النتيجة: رفض كل ما يزحزح العقيدة.
يصعب اختراق عقل مبرمج على " التفكير العقائدي" او التفكير من داخل بنية العقيدة، وكثير من اليسار جعل الماركسية عقيدة تجيب على كل إشكاليات البشرية في الماضي والحاضر والمستقبل، مثل التفكير الديني تماما.
لذلك يخشى كلاهما التفكير العقلاني، التفكير الحر، التفكير النقدي، لانه يشوش على " الوعي السعيد "حسب تعبير الباحث السوسيولوجي المغربي عبد الصمد الديالمي ،وعي له اجوبة جاهزة عن كل الاسئلة وكل القضايا وكل الإشكالات البشرية والشخصية في الماضي والحاضر والمستقبل، بلا صداع الراس!!!
عبد الصادقي بومدين
كاتب من المغرب