الديمقراطية والاستبداد الشرقي


عبد الصادقي بومدين
الحوار المتمدن - العدد: 8329 - 2025 / 5 / 1 - 08:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     





هل يمكن تصور انتقال ديمقراطي في بلد ما بدون فكر ديمقراطي وثقافة ديمقراطية ؟

فكرة الديمقراطية في اوربا اولا ثم في بلدان اخرى هي في الاصل انتاج فكري، انتاج مفكرين وليس سياسيين، الفكر هو الذي رسخ فكرة الديمقراطية بالتدريج في اذهان الناس، ومع الممارسة تحولت الى ثقافة، ذهنية او عقلية مهيمنة، ومنطق تفكير واسلوب حياة.

هل يمكن تصور انتقال ديمقراطي في بلدان شرق المتوسط، وحتى في غربه الذي تاثر بثقافة الشرق بدرجات مختلفة، بنخب او حكام تشبعوا بامر معاكس تماما لفكرة الديمقراطية بما هي ثقافة ومنطق تفكير ونمط حياة،في بلدان راكمت عبر قرون ما سماه عدد من المفكرين ب "الاستبداد الشرقي" المبني على سلطة شخص واحد، خليفة او أمير او قائد حرب او حتى فقيه؟ المستبد، في اعلى سلطة، او ادناها،او في القبيلة او العائلة الكبيرة او الصغيرة لا يتخلى عن اسبداده ويصبح عادلا رغم انف عبد الرحمان الكواكبي!

قضية " الاستبداد الشرقي" جديرة بالعودة اليها من طرف المفكرين في تلك المنطقة الجغرافية التي عاشت في الاستبداد لقرون عديدة، وأصبح الاستبداد ثقافة ومنطق تفكير ونمط حياة،ليس فقط على مستوى الحكم السياسي، بل على كل انماط السلطة، الخليفة مستبد، الأمير مستبد في مجال نفوذه، زعيم عشيرة مستبد، ثم في العصر الحديث، رئيس دولة مستبد، رئيس الشرطة مستبد، زعيم طائفة او عشيرة مستبد،رئيس حزب او جماعة او حركة مستبد... لان الاستبداد ثقافة كما هي الديمقراطية ثقافة، وممارسة كما هي الثقافة الديمقراطية ممارسة...

السلطة ولو على حجر قال ابن خلدون في زمن بعيد...

حاول كارل ماركس تفسير ظاهرة " الاستبداد الشرقي" التي تحدث عنها مونتيسكيو من قبله والتي اعتبرها من طبيعة الانسان الشرقي، حاول تفسيرها باطروحة " نمط الانتاج الاسيوي" المثيرة للجدل، كما حاول آخرون ربطها باعتماد المستبد الحاكم على الدين لتبرير استبداده ويجد في الادبيات الدينية ما يبرر استبداده...

وفي جميع الحالات فان الامر يتعلق بتراكم عبر قرون، ولم تعرف المنطقة، رغم كل محاولات مفكرين،" ثورة فكرية" اولا كما حدث في اوربا، لان الاستبداد ( السياسي او الديني) كان دائما بالمرصاد لقمع اي فكر متنور حتى لا ينتشر اما بالتكفير او القمع المعنوي او السجن او القتل...

القضية في الاصل قضية فكر، فبدون فكر عقلاني لا تنتج ولا تنمو فكرة الديمقراطية لتتحول الى ثقافة ديمقراطية...

لذلك فشلت كل ما سمي ب الثورات العربية او الربيع العربي لإنجاز الانتقال الديمقراطي لانها كانت بدون فكر ديمقراطي يؤطر وثقافة ديمقراطية في الممارسة، ومن افرزتهم هذه " الثورات" لا يختلفون عن سابقيهم من الحكام في نزعة الهيمنة والتسلط ورفض فكرة حق الاختلاف... ولست بحاجة الى امثلة، فالكل يعرفها.

وارتباطا بالآني وما يعرفه شرق المتوسط من تحولات عميقة:

هل يمكن تصور انتقال ديمقراطي في سوريا بقيادة من يرفض فكرة الديمقراطية من الأساس ويعتبرها كفرا وتشبها بالكفار؟ ويتبنى بالمقابل كل ما يندرج ضمن " الاستبداد الشرقي" فكرا وممارسة حتى على مستوى الجماعة نفسها.

اظنه وهما يصنعه الإعلام لاسباب مختلفة ودواعي مختلفة لاعطاء انطباع زائف بان هناك ثورة حدثت ،تماما كما كان الامر ايام " ربيع الحافة"، ثم عادت حليمة لعاداتها القديمة...

اقول قولي هذا مع اقصى درجات الحذر من الاطلاقية واكبر قدر من النسبية.

المطلق والاطلاقية امر مرتبط عضويا ب " الاستبداد الشرقي"، بينما النسبية تنتمي للطرف النقيض : الفكر الديمقراطي الذي " اجاهد" ان يكون الموجه والمؤطر ومحاولة الانفلات من ثقافة الشرق التي لابد ان يكون لها بعض التاثير رغم انفنا...

احاول وادعوكم للمحاولة، و المنطلق هو الفكر ( الديمقراطي تحديدا) والبقية تاتي كنتيجة...