من أجل عالم خالِ من الأسلحة النووية !


كاظم المقدادي
الحوار المتمدن - العدد: 8089 - 2024 / 9 / 3 - 14:24
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

تُعد الأسلحة النووية من أخطر أسلحة الدمار الشامل قاطبة، فهي أقوى أسلحة التدمير الفتاك، محرمة دوليا. ويخضع تصنيعها ووتحزينها ونشرها واستخدامها إلى ضوابط دولية حرجة.
هذه الأسلحة تستخدم عمليات التفاعل النووي Nuclear reaction للأغراض الحربية، ولضمان قوتها التدميرية والفتاكة تعتمد على عمليات الإنشطار النووي Nuclear fission والإندماج النووي Nuclear fusion ، ونتيجة لهذه العملية تكون قوة انفجار قنبلة نووية صغيرة أكبر بكثير من قوة انفجار أضخم القنابل التقليدية.
مع التطور العلمي والتكنولوجي السريع، إختلفُ الترسانة النووية الحديثة كثيراً عن القنبلة التي ألقاها الجيش الأمريكي على هيروشيما(6/8) وناغازاكي (9/8/ 1945) في نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد كانت نوعا واحدا - قنابل كبيرة ، تزن نحو 4.5 أطنان، وكانت معبأة باليورانيوم، وألقيت من الطائرة على ارتفاع 1980 قدماً.
أما اليوم فهي أكثر تنوعاً (قنابل وصواريخ وقذائف)، وأكثر تطوراً، وأسهل حملآ وإطلاقاً، وأشد تدميراً وفتكاً بما تحتوية من مواد متفجرة وشديدة الإشعاع، حيث إن بإمكان قنبلة نووية صغيرة واحدة تدمير أو إلحاق أضرار فادحة بمدينة بكاملها، وقتل مئات الآلاف من سكانها.

لقد أحدث أول إستخدام للقنبلة الذرية أبشع مجازر الإبادة البشرية ، التي لم يشهد لها التأريخ المعاصر مثيلآ، حيث دمرتا المدينتين عن بكرة أبيهما، وحولتهما إلى أكوام من اللهب والرماد، وأهلكتا أكثر من 226 ألف يابانياً، منهم 144 ألف في هيروشيما و82 ألف في ناغازاكي،وشكل المصابون ثلاثة أضعاف عدد القتلى، ومات منهم فيما بعد نحو 30 في المائة، متأثرين بالجروح والحروق والتسمم الإشعاعي أو ما يعرف بمتلازمة الإشعاع الحادة، والإصابة بالأمراض والوفيات السرطانية،خاصة سرطان الدم، والأورام الخبيثة.وكان معظم الضحايا من المدنيين الأبرياء. وعاش المجتمع الياباني تداعيات وخيمة، صحية ونفسية وبيئية وإجتماعية رهيبة، ما تزال اَثارها شاخصة.

بينما الترسانة الحديثة المنتنوعة تجعل بإمكان صاروخ واحد أو قنبلة واحدة متوسطة الحجم أو رأساً نووياً واحداً من هذه الأسلحة ان يدمر مدينة بكاملها عن بكرة أبيها، ويحولها الى أنقاض، ويفني مئات الآلاف من البشر وبقية الكائنات الحية، إضافة لتدمير البيئة وجعلها غير قابلة للعيش. ولن تقتصر أضرار النووي الحديث على الجيل الحالي، وإنما ستطول الأجيال القادمة من خلال اَثارها الوخيمة طويلة الأجل..

يعرفُ صقور الحرب وتجارها ومالكي الترسانة النووية الحديثة جيداً مدى خطرها على مصير البشرية وكوكب الأرض، لكنهم يتجاهلونه بكل صلافة. وبدلآ من نزعها والقضاء عليها والإنضمام لأطراف "معاهدة حظر الأسلحة النووية"، التي تبنتها الأمم المتحدة في تموز 2017 ودخلت حيز التنفيذ في كانون الثاني 2021، واصلوا في الواقع العملي تحديث ترسانتهم ، خلافاً لرغبة المجتمع الدولي,

وعلى الرغم من تأكيد الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن في بيان مشترك لها في العام 2022 على الإلتزام بمنع نشوب حرب نووية، وتجنب سباق التسلح، وكانت تجري مباحثات بين موسكو وواشنطن حول تمديد "ستارت" والإتفاق على خفض إنتاج الأسلحة الهجومية الإستراتيجية، فإن المخاطر شهدت زيادة مضطردة لاسيما مع مواصلة حلف الناتو لإستفزازاته لروسيا وللصين، مما دفع بهما الى رفض مواصلة التفتيش على مواقعهم االنووية، فيما لم تقم واشنطن بإتلاف ترسانتها من الأسلحة الكيمياوية، التي إعترفت مراراً بإمتلاكها لها ووعدت بالتخلص منها.
ويشهد العالم تصعيدا دوليا، وسباق تسلح نووي جديد. فقد إرتـفـع الإنفـاق الـعـسـكـري الـعـالـمـي لـلـعـام الـثـامـن على الـتـوالـي ليصل إلـى مـا يقدر بنحو 2240 مليار دولار. وقــد أنـفـقـت الـحـكـومـات فــي جـمـيـع أنحاء العالم في عام 2022 متوسط 6.2 في المئة من ميزانياتها على الجيش.
لو أُنفقت هذه المبالغ الهائلة لصالح السلم والبناء وحل المشاكل الأقتصادية والإجتماعية والصحية والبيئية الساخنة لأنقذت شعوب العالم من النزاعات والكوارث والفقر والجوع وأغلب الأمراض، ولجعلتها تعيش بخير وهناء وسلام دائم,
وأنتج سباق التسلح النووي الجديد تدهور الوضع الأمني العام في العالم،خاصة مع إستمرار الحرب الروسية الأوكرانية 30 شهراً، وتحولها الى حرب إستنزاف ، وإستمرار جرائم الإبادة الجماعية قي غزة، والإعتداءات على سوريا، وعلى إيران، من قبل إسرائيل،واَخرها إغتيال القائد الفلسطيني هنية في طهران، والتصعيد الخطير الذي أحدثه في المنطقة، بدعم أمريكي صلف، واَخره نشر البنتاغون لحاملات طائرات ومدمرات إضافية في الشرق الأوسط لحماية إسرائيل المعتدية.

ولعل الأخطر، هو عدم توقف الولايات المتحدة وروسيا عن تعزيز ترساناتهما النووية. فقد قدرت معاهد الأبحاث المتخصصة عدد الرؤوس النووية في العالم بـ 15620(المُعلن: 12512) رأساً، ما تزالان تمتلكان قرابة 90% من الترسانة النووية العالمية، حيث تملك الولايات المتحدة أكبر ترسانة بـ 7000 ، تليها روسيا 6500، ثم الصين 500، وبريطانيا 300 وفرنسا 300 وباكستان 140 والهند 140 وإسرائيل 90، وكوريا الشمالية 50 رأساً نووياً.
وتضم الترسانة النووية الأميركية 1644 رأسا حربيا في وضع الإطلاق الاستراتيجي و 3665 رأسا حربيا في وضع التخزين أما الترسانة النووية الروسية فتضم1588 رأسا حربيا في وضع الإطلاق الاستراتيجي و 4390 رأسا حربيا في وضع التخزين.
ويؤكد العلماء والخبراء العسكريون ان إستخدام نصف العدد المذكور بإمكانه فناء البشرية برمتها.

ولفت الخبراء الى كذب إجراء الدول النووية تخفيضات في ترسانتها النووية، لأنها تخفض فقط الرؤوس الحربية التي تم سحبها من الخدمة سابقًا، والتي ما تزال الولايات المتحدة وروسيا لليوم تقومان بتفكيكها..
وأكد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) ان الدول النووية بدلآ من نزع ترسانتها، تواصل في الواقع العملي تحديثها، وهي منخرطة في برامج تحديث ضخمة ومكلفة للغاية، تستهدف الأنظمة الناقلة والرؤوس النووية وإنتاجها. وهو ما شجع بقية الدول التي تمتلك أسلحة نووية على توسيع ترساناتها.

ولا يقتصر إنتشار السلاح النووي على الدول الـ 9 المالكة له، إذ توجد 5 دول أوروبية، لا تملك برنامجا نووياً، لكنها تنشر أسلحة نووية أمريكية على أراضيها في إطار اتفاقية "الناتو". وثمة 25 دولة أخرى تنشر الأسلحة النووية الأمريكية على أراضيها "كوسيلة لتعزيز أمنها القومي". وهناك فئة ثالثة من الدول التي تمتلك مفاعلات نووية للأغراض السلمية قابلة للتطوير لتصنع قنابل ذرية فتاكة.

حيال هذا، حث الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش المجتمع الدولي على التخلي عن هذه الأسلحة الفتاكة بشكل نهائي.وقال:"دعونا نقضي على هذه الأسلحة قبل ان تقضي علينا".
وأكد الخبير الدولي دان سميث، مديرSIPRI خلال عرض التقرير السنوي لمؤسسته لعام 2024: "إننا نعيش في واحدة من أخطر الأوقات في تاريخ البشرية".
وحذر محررو أكثر من 100 مجلة علمية في العالم، في مطلع تشرين الثاني 2023، من إنّ أي استخدام للأسلحة النووية سيكون كارثيّاً على البشرية. فحتى الحرب النووية "المحدودة" التي تشتمل على إستخدام 250 سلاحاً نوويّاً فقط، من أصل 13 ألف في العالم، يمكن أن تقتل 120 مليون شخص على الفور، وتُسبب اضطراباً في المناخ العالمي؛ مما يؤدي إلى مجاعة نووية، وتعريض مليارَي شخص للخطر. وأوضحوا بان نشوب أيّ حرب نووية واسعة النطاق يمكن أن تقتل 200 مليون شخص أو أكثر في فترة وجيزة، ومن المحتمل أن تتسبّب في "شتاء نووي عالمي" قد يقتل ما بين 5 إلى 6 مليارات نسمة، الأمر الذي يهدّد بقاء البشرية.

لكل هذا، المطلوب اليوم ان تتسع الجهود الدولية المدركة والمقدّرة لخطورة الترسانة النووية وتواصل سعيها الحثيث من أجل عالمٍ خالٍ من السلاح النووي، الذي تتوج باعتماد الأمم المتحدة يوم السادس والعشرين من أيلول (سبتمبر) من كل عام " يوماً عالمياً للإزالة الكاملة للأسلحة النووية"، وتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة "معاهدة حظر الأسلحة النووية" في تموز 2017 ودخلت حيز التنفيذ في كانون الثاني 2021، والرامية لعالم خال من الأسلحة النووية، لكنها بقيت حبر على ورق،إذ لم تنضم إليها كافة الدول المالكة للأسلحة النووية وأعضاء حلف الناتو.

أ.د. كاظم المقدادي أكاديمي عراقي متقاعد، متخصص بالصحة والبيئة و بالأضرار البيولوجية لإستخدام أسلحة اليورانيوم