موقفنا النسوي من التعديلات المقترحة لقانون الاحوال الشخصية.


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 8080 - 2024 / 8 / 25 - 10:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

نص معدل عن حديث نادية محمود في ندوة" البيت الحزبي" التي عقدتها لجنة بغداد للحزب الشيوعي العمالي العراقي على برنامج الزووم.
يتناول الحديث ثلاث نقاط محددة، الاولى لماذا قانون الاحوال الشخصية من القوانين المهمة؟ واين تكمن اهميته؟ النقطة الثانية: مراجعة تاريخية للصراع حول قانون الاحوال الشخصية في العراق. اما النقطة الثالثة فسيتناول موقفنا نحن النسويات والنسويينمن التعديل الاخير ولماذا نقف ضده.
لماذا قانون الاحوال الشخصية من القوانين المهمة؟ واين تكمن اهميته؟
يعتبر قانون الاحوال الشخصية من القوانين المهمة لانه يعنى بالاسرة. حيث ان الاسرة هي الخلية الاساسية في المجتمع وتنظيم الاسرة هو جزء لا يتجزء من تنظيم المجتمع. وبما ان الافراد يلدون ويكبرون ويؤسسون اسر وعوائل، فان تنظيم العلاقات الاسرية تشكل مسالة أساسية لكل قوة سياسية ماسكة بزمام السلطة، او تسعى من اجل الامساك بها. هذا القانون يهم الجميع، بدون استثناء، وينظم حياتهم، على اختلاف الجنس والعمر والطبقة. تقوم الاحزاب بطرح رؤيتها حول حقوق الافراد، ونمط العلاقات بينهم، وهي تعكس فلسفتها ورؤيتها للعلاقات بين البشر، فيما اذا كانت هذه العلاقات هي علاقات متساوية او كانت علاقات قائمة على اساس التبعية والخضوع.
كذلك يعتبر قانون الاحوال الشخصية احد الميادين الذي يتم من خلاله بناء الدولة. فكل طبقة سياسية متحكمة بالسطة، تسعى الى بناء دولة وتهندس العلاقات الاجتماعية وفق رؤيتها. لقد طرحت ولاول مرة مسالة كتابة قانون احوال شخصية في العراق منذ اوائل الثلاثينات من القرن المنصرم، ثم اعيدت مرة اخرى في عام 1945، ولكن القانون لم يصدر الا في اواخر عام 1959. كان السعي اليه في سياق تأسيس دولة العراق في عشرينات القرن المنصرم، الا انه لم يصدر الا بعد ثلاثة عقود. ان اصدار القانون استند من جهة الى افضل المواد في التشريعات الاسلامية الشيعية منها والسنية، وايضا استند الى مطالب حقوق المرأة التي دفعت بها نساء من رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية، وعلى رأسهن نزيهة الدليمي. لقد اصدر هذا القانون ليخرج قضايا الاحوال الشخصية المتعلقة بالمسلمين من المحاكم الشرعية السنية منها والشيعية التي كانت تبت بشؤون الافراد، الى انتقالها الى سلطة الدولة للبت والحكم في هذه الامور استنادا الى عدد من الشرائع الدينية. ورغم ايقاف العمل به لمدة شهرين بعد انقلاب شباط عام 1963 الا انه اعيد العمل به، واستمر لحد يومنا هذا.
يعكس القانون، كذلك تصور الفئة السياسية الحاكمة ونظرتها للعلاقات بين البشر، لنظرتها وتصورها لحقوق الانسان، الرجل، الطفل المرأة. وتعكس العلاقات الاقتصادية، تعكس دور الدولة ومكانتها في المجتمع وحياة الافراد.
مراجعة تاريخية للصراع حول قانون الاحوال الشخصية في العراق:
مع خبر مفاجئ بان البرلمان سيقرأ قراءة اولى تعديل المادة الثانية من قانون الاحوال الشخصية، في يوم الرابع والعشرين من شهر تموز الماضي، استفز الاوساط النسوية وعدد من الاوساط البرلمانية، والقوى المدنية والتقدمية في المجتمع. لقد كان عنصر "المفاجأة" متعمد، حيث اراد ممثلو الاحزاب الاسلامية تمريره باسرع وقت ممكن، وحتى بدون التشاور مع اعضاء اللجنة القانونية في البرلمان.
ولكن بعيدا عن يوم الرابع والعشرين من شهر تموز، فان مساعي تعديل القانون او تغييره، او استبداله ليست جديدة في العراق. لنعد الى اللحظة الاولى التي بدأت فيها تبني قانون الاحوال الشخصية في عام 1959، قوبل برفض المرجعية الشيعية انذاك والمتمثلة في مرجعية محسن الحكيم. لقد نقل هذا القانون الحكم والبت في القضايا الشخصية من المحاكم الدينية الاسلامية الطائفية والمذهبية الى محاكم الدولة. حيث يعامل كافة المسلمين على قدم المساواة من قبل محاكم الدولة. وبما ان مرجعية الحكيم لم تتمكن من رد ودحر تبني هذا القانون، فمع سقوط نظام البعث، سنحت الفرصة بعد 2003 لظهور الطيف الاسلام السياسي الشيعي من جديد، بدأت محاولاتهم لتغييره. فقد بدأوا بمشروع قرار 137 في كانون الاول 2023 لاحلال الشريعية الاسلامية محل قانون الاحوال الشخصية، الا ان تلك المحاولة لم تنجح بسبب رد الفعل الاجتماعي الواسع ضده. الا ان مالم يقبل في 2003، تم تمريره في المادة 41 من الدستور العراقي لعام 2005. حيث اكدت هذه المادة على ان يحكم في قضايا الاحوال الشخصية كل حسب طائفته. الا ان هذه المادة مرة اخرى، واجهت الرفض، وبناء عليه، تم اعتبارها بانها مادة خلافية.
مرة اخرى، شرعوا في 2014، لتقديم مشروع القانون الجعفري، من قبل وزير العدل، حسن الشمري، في فترة ولاية نوري المالكي الثانية، وقد تم رفضه من قبل اوساط نسوية وقوى مدنية وتقدمية واسعة في المجتمع العراقي.
لذلك، اضطر الاسلاميون بعد ان بلغ بهم اليأس لتغيير القانون بشكل كامل، الى محاولة لقضم مواده، مادة بعد الاخرى. حيث بدأوا في تموز 2019 بحملة لتغيير المادة 57 الخاصة بحضانة الطفل، من قانون الاحوال الشخصية، الا ان الانتفاضة التي حدثت بعد ثلاث شهور من اقتراح ذلك التعديل، ادت الى اركان هذا الموضوع جانبا.
هنا يجب التطرق الى الانتفاضة، وتأثيرها على احزاب السلطة السياسية في العراق، وكيف وصلت الامور الى تعديل قانون الاحوال الشخصية. من المعروف ان الانتفاضة شكلت كابوسا مرعبا لاحزاب السلطة الاسلامية. ان جل خشية وخوف هذه الاحزاب كان من تأثير ودور المجتمع المدني ومنظماته. ترى تلك الاحزاب بان الاخير هو الذي دعا وحفز الى التظاهرات والاحتجاجات، وان الجهات المانحة، قد مولت تلك المنظمات، وثقفتها بامور تتعلق بتقوية دور المجتمع المدني تجاه الدولة، فنشر افكار لمواجهة المحاصصة، والمطالبة بالمحاسبة و الشفافية والحوكمة الرشيدة، الدفاع عن حقوق المرأة وحقوق الانسان، التصدي للفساد، كلها قد حرضت المجتمع المدني ليشن انتفاضته في 2019. من جهة اخرى، ظهرت النساء في الانتفاضة بقوة لم يسبق لها مثيل في السنوات الماضية، وبدأ مصطلح النسوية يتداول باستمرار من قبل الناشطات، وتم استقبال هذه الكلمة اما بالقبول او الرفض، بل وبدأت بعض الاصوات الرجعية تتصدى وتشهر بالنسوية. حيث بدأت في تموز 2023 حملة على كلمة" الجندر" وتم تجريمها، وجرى وصف اولئك الذين يستعملون مصطلح الجندر على انهم يشجعون على نشر المثلية في العراق. للحد الذي دعا الحكومة نفسها ووزاراتها الى ايقاف استخدام هذا المصطلح، بل وقامت بتغيير دوائر تمكين المرأة، الى دوائر المرأة العراقية. اي ان الحكومة ذاتها وقعت تحت ضغط الاحزاب الاسلامية نفسها. ثم بعد ذلك بدأ سن قانون جديد لتجريم المثلية الجنسية. وتجاه هكذا موضوع، امسك الكثيرون عن الكلام لحساسيته الاجتماعية. وتم الطلب الى بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، لانهاء اعمالها في العراق، ومغادرته، حيث تنظر الدولة لهذه المنظمة، كمتدخلة في شؤون العراق وخاصة فيما يتعلق بحقوق الانسان والانتهاكات التي تجري بشكل يومي تحت ضغط تحالف الإطار التنسيقي الذي يضم الأحزاب الشيعية
اضافة الى ذلك استمرت الاحزاب الاسلامية، بتشريع يوم طائفي ليكون عطلة وطنية وهو يوم الغدير(لدي الشيعة). وتم تمرير هذا القانون. يبدو ان هذه" الانجازات" قد شجعت الاحزاب الاسلامية على ان تفتح مرة اخرى موضوعة تغيير قانون الاحوال الشخصية، وهذه المرة ليست المادة 57 بل تغيير المادة 2 من القانون والتي تتعلق باوضاع الزواج، والطلاق.
لقد سعى ممثلوا الاحزاب الاسلامية، وعلى رأسهم اعضاء حزب الفضيلة، الذين دأبو على تقديم هكذا مقترحات المرة تلو المرة، الى تقديمه وبسرعة البرق الى المجلس، وجمعوا عبر التزوير والتلفيق اسماء نواب لاجل ان يدخلوا هذا المقترح لحيز النقاش والقراءة الاولى له. لقد تلقت هذه المحاولة ردا اجتماعيا غاضبا واسعا، وهذا يقودني الى نقطتي الثالثة والاخيرة.
رد فعل اجتماعي واسع وساخط:
لقد استقبلت الالاف من النساء والرجال، محاولة قراءة تعديل قانون الاحوال الشخصية في البرلمان بسخط شديد. اسرعت النساء الى التجمع تحت مسميات مختلفة، واضعات اية خلافات سابقة على جنب، وبدأن بفتح حوارات موسعة على وسائل التواصل الاجتماعي. و عقدن اجتماعات حضورية اضافة الى الاجتماعات على منصات الكترونية. وقمن بعقد مؤتمر صحافي في بغداد، وتم تشكيل تحالف 188 الذي اخذ على عاتقه قيادة حركة احتجاجية موسعة ضد التعديل. حيث قام باصدار البيانات، والدعوة الى تنظيم تظاهرات، وبالفعل تنظمت عدة تظاهرات في بغداد والبصرة والناصرية والنجف. وتم تحويل وسائل التواصل الاجتماعي الى ساحة حرب لمواجهة هذه التعديلات، فقد تم نشر الفيديوهات، والبيانات، والتقارير، والمقاطع التمثيلية المصورة، والخطابات والرسائل الفردية المحتجة على تعديل هذا القانون. بالنسبة لنا، كنسويات نقف ضد التعديل.
الخلاصة:
برأيي الشخصي، ستتراجع الاحزاب الاسلامية عن تمرير هذا القانون في هذه الفترة نتيجة الغضب الواسع الذي تلقته، هذا القانون لم يكن " قانون عطلة" ولا قانون" محاربة المثلية" بل هو قانون يمس الاسرة، والطفلات، ويدعو لزواج الصغيرات، الامر الذي يرفضه اي انسان سوي، بما فيهم انفسهم، مقترحوا التعديل، يرفضون تزويج بناتهم بسن التاسعة من العمر. ولكن هذا لا يعني انهم سينسوه، بل سيأتوا لنا بعد سنتين او ثلاثة، بمادة اخرى، وبحيلة اخرى، من اجل قضم مادة من مواد قانون 188. الا انهم، اذا ما تمادوا به، واصروا على اقراره. فاننا سنرفع سقف مطالبنا كمدنيات باننا لا نريد الرجوع الى قوانين مذهبية، ونريد قانونا مدنيا، استخداما لحجتهم" بان يجب ان يكون الناس احرارا في اختيار اية مذاهب تفصل في احوالهم الشخصية". عندها سنختار وسندفع بقانون احوالنا الشخصية المدني والعلماني، الذي يطالب بالمساواة الكاملة بين المرأة والرجل في شؤون الزواج، والطلاق، والنفقة والحضانة والارث.