الصِّدق النضالي بين الأمس واليوم..


حسن أحراث
الحوار المتمدن - العدد: 7997 - 2024 / 6 / 3 - 00:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

بدون شك، يُعتبَر الصدق النضالي أقوى من الصدق الأخلاقي. لأنه قائم على موقف سياسي ومحكوم بتصور سياسي وإيديولوجي. أما الصدق الأخلاقي ورغم مسحة البراءة التي تؤطره، يبقى مرحلة أوّلية وغير مكتملة، وكثيرا ما يُعدّ سذاجة. وليس في الأمر غرابة، لأن كثيرا من الصادقين في حدود الفهم الأخلاقي تلقائيون وذوُو نيات حسنة، وبالتالي يُؤدون الثمن غاليا في العديد من المناسبات. وكفرضية في حاجة إلى التأكيد العلمي (الدراسة والبحث...)، جُلّ الصادقين أخلاقيا مستهلكون وليسوا فاعلين..
إن الصدق النضالي يفترض الاقتناع بقضية ما (قضية عادلة بالضرورة) والاستعداد للتضحية من أجلها. وليس ذلك فقط، بل أيضا استيعاب متطلبات خدمتها وبما يساهم في انتصارها؛ انطلاقا من فهم واقع الصراع الطبقي وامتلاك أدوات التحليل العلمي، أي التحليل الملموس للواقع الملموس، وأيضا الجُرأة في اتخاذ وإعلان الموقف النضالي المطلوب، سياسيا ونقابيا وجمعويا. والأمر هنا يتعلق بالواضح بالمناضل الثوري، علما أن كل الثورات الناجحة كانت قياداتها صادقة، أي مُخلِصة للثورة. وأستطيع أن أقول إن الصدق النضالي بهذا المعنى أرقى أشكال الصدق على الإطلاق، ودون أن ننسى أنه لا صدق نضالي دون الصدق الأخلاقي.
بدون شك مرّة أخرى، إن صدق القيادة ولو بالمعنى العلمي، لا يُؤدّي وحده أو دائما، أي بالضرورة، إلى نجاح الثورة. فبدون نُضج وإنضاج شروط الثورة (الشروط الذاتية والموضوعية والتحالفات النضالية الممكنة والمعنيون بالثورة...) لا يمكن لهذه الأخيرة أن تتحقّق. وقد يحصل ذلك بشكل مشوّه أو غير مُكتمل..
نعم، بالأمس، كان الصدق النضالي أحد العوامل الأساسية في انتصار العديد من الثورات. وكان الصدق النضالي ميزة المناضل الثوري حقا، وما كان يؤكِّد ذلك القدرة على الإبداع والإنتاج. لأن الصدق النضالي لا يعني تنفيذ الأوامر/التعليمات أو الطاعة، عمياء أو جاحظة..
طبعا، الالتزام النضالي ضروري في إطار التنظيم الثوري المُعتمِد على المركزية الديمقراطية، وذلك على قاعدة النقد والنقد الذاتي والتقييم والمحاسبة، وليس بمعنى الخنوع وتقديس "القبيلة" أو القيادة. وهذه الأخيرة، عندما تبارك ذلك وتشجعه ليست بالقيادة الثورية ولا علاقة لها بالصدق النضالي..
أمّا إذا كانت قيادة تسترزق مباشرة أو من خلف الستار أو تلجأ إلى التضليل والافتراء والريع كآليات لإخضاع الأتباع وضمان ولائهم، فالصدق النضالي هنا يفرض فضحها ومناهضتها وليس الاصطفاف إلى جانبها. ومن يسكت عن إجرام النظام وأزلامه من أحزاب سياسية وقيادات نقابية أو جمعوية بيروقراطية، فلا صلة له بالصدق النضالي. وكذلك الشأن بالنسبة لمن "يسُبّ" النظام والأحزاب السياسية، وليس ذلك في الحقيقة غير تمويه، ويخضع في نفس الوقت للقيادات البيروقراطية، نقابية أو جمعوية، وأخص بالذكر الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل، مُردِّدا ببلادة أو بكثير منها لا زمة "عاش أو عاشت"، فهذه القيادات جزءٌ لا يتجزأ من جوقة النظام. ومن يقوم بذلك ليس غير مخادعٍ وماكرٍ وانتهازيٍّ، ولا تربطه رابطة بالصدق النضالي. ولا أحد يشفع له كونه كان صادقا، أخلاقيا أو نضاليا. فإما أن تكون صادقا أو أن تكون "دجّالا". وهو ما يصدق أيضا على الديمقراطيين والثوريين. فإما أن تكون ديمقراطيا حقّا أو مُدّعِيّا للديمقراطية وإما أن تكون ثوريا حقّا أو مُدّعِيّا للثورية. إنها تحديات وصيغ فرز فاصلة بين "الجِدّ" و"اللّعِب"..
إنها حالنا اليوم، أي ندرة (لا أقول غياب أو انعدام) الصدق النضالي في صفوف القيادات ومن يدّعي النضال كأفراد. وهو ما ترتّب عنه التواطؤ مع النظام بأشكال أو بأخرى. ونعيش ذلك من خلال تبرير إجرام النظام وتسويغه وإجهاض معارك العمال والفلاحين الفقراء و"الكولسة" المكشوفة مع الباطرونا وزبانيتها و"التأرجح" بالتالي بين السيء والأسوأ..
إضافةٌ صادقةٌ نضالياً:
إن من يدخلُ "بيتَ أبي سفيان" اليوم، فإنه غيرُ آمنٍ..