انقطاع الكهرباء والتجسيد الحي لفشل السياسات
إلهامي الميرغني
الحوار المتمدن
-
العدد: 7955 - 2024 / 4 / 22 - 18:34
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
لم يفعلها السادات الخائن ولا مبارك الفاسد ولا مرسي الضعيف وجماعته ولكن فعلها النظام الحالي حيث بدأ منذ أغسطس الماضي سياسة سماها " تخفيف الأحمال " بقطع دوري للكهرباء لمدة ساعة او ساعتين ثم امتدت الي ثلاث ساعات. وتم استثناء المحافظات السياحية والأحياء الراقية من قطع التيار الكهربائي كتعبير واضح عن انحياز هذه السياسات ضد الغالبية العظمي من المصريين فرأينا قطع أكبر في الريف عن المدن وفي الأحياء الفقيرة عن الأحياء الغنية.
ورغم أن المبرر في البداية كان زيادة الأحمال في شهور الصيف الا انها امتدت لشهور الشتاء القارس ومع بدايات الربيع تم استثناء شهر رمضان المبارك من قطع الكهرباء والتي عادت مرة أخري عقب أجازة عيد الفطر المبارك كتجسيد حي علي فشل النظام ووزارته وسياساته واستخدام اسلوب لم تعهده مصر في ظل الاستعمار الإنجليزي. ولم يهتم حكام مصر بمصير الأجهزة الكهربائية في منازل الطبقة الوسطي والفقراء، ولا مصير الورش والمصانع الصغيرة ، ولم تهتم بتأثير ذلك علي استذكار الطلاب لدروسهم استعداداً لامتحانات نهاية العام ، ولا بتأثير ذلك علي عيادات الأطباء والحديث عن عمليات جراحية تتم علي كشافات الموبايلات . وبعد ذلك يحدثونا عن المنجزات في جمهوريتهم الجديدة .
كاذبون .. كاذبون
في 30 أغسطس 2015 أعلنت الحكومة عن اكتشاف اكبر حقل للغاز الطبيعي في مصر بل ووصلت المبالغات الي انه أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم من حيث مساحته والاحتياطي الذي يحتويه. وخرج علينا الرئيس مهنئاً ومبشراً بإننا جبنا جون . وانتظر المواطن ان ينعكس ذلك علي اسعار الغاز الطبيعي للمنازل والسيارات. ولكن ما حدث هو العكس .
إرتفع سعر المتر المكعب من الغاز الطبيعي لأدني شرائح الاستهلاك الشهري أقل من (30 م3) من 40 قرش عام 2014 إلي 2.35 جنيه في 2024 وبرقم قياسي للتغير خلال الفترة بلغ 588% وللشريحة العليا أكثر من 50 م3 شهرياً من 1.5 جنيه الي 3.6 جنيه وبرقم قياسي للتغير بلغ 240% . لنعرف ان نسبة الزيادة تضاعفت علي الفئات الأفقر كتوضيح لمن تنحاز الحكومة. أما غاز السيارات فقد ارتفع من 1.1 جنيه للمتر المكعب في 2014 إلي 6.5 جنيه في 2024 وبرقم قياسي للتغير بلغ 591%.. وبذلك لم يحصل المواطن المصري علي أي فائدة من أكبر حقل غاز او من الجون الذي احرزته مصر ودخلوها نادي غاز شرق المتوسط . فإذا لم يشعر المواطن العادي بالفائدة ويتمتع بها وطالما ظلت الاسعار في ارتفاع متواصل فإن كل الشعارات والحملات الإعلامية تصبح مجرد " طق حنك" بالشامي او " فنجرة بوق " بالمصري.
بدأ الحديث عن تراجع انتاج حقل ظهر منذ 2022 ثم توقف الانتاج وتراجعه واعلنت الحكومة انها ستعاود استيراد الغاز الطبيعي من العدو الصهيوني لإسالته وتصديره لأوروبا. ثم بدأ الحديث والمبالغة في استهلاك محطات توليد الكهرباء من الغاز الطبيعي وان تخفيض الاستهلاك الجبري والقسري سيوفر غاز طبيعي يتم تصديره . تستهلك محطات الكهرباء ما بين 70-75% من الغاز الطبيعي. ورغم ان الزيت ان احتاجه البيت يحرم علي الجامع. ولكن الحكومة تعمل بمنطق " خسارة فيكم " وبدأت منذ أغسطس 2023 وحتي الان حملة مستمرة لقطع الكهرباء بدعوي ترشيد الاستهلاك او تخفيف الأحمال لتصدير الغاز الطبيعي بدلاً من توفير كهرباء مستمرة كما هو الحال في كل بلدان العالم وباعتباره حق للشعب المصري صاحب الغاز والكهرباء .
مبررات قطع الكهرباء المستمر
ردد الإعلام أسباب مختلفة لقطع الكهرباء ولم يحدثونا عن الخسائر الاقتصادية علي الشركات والأفراد. ولا كيف أعلنوا عن غاز شرق المتوسط وحقل ظٌهر ثم تم استيراد الغاز من العدو الصهيوني الذي يذبح أشقائنا في فلسطين المحتلة ؟!!! لذلك نحاول تفنيد إدعاءات الحكومة ومبرراتها لاستمرار سياسة قطع الكهرباء عن الشعب المصري.
- توجد مديونية متراكمة علي وزارة الكهرباء المصرية لصالح وزارة البترول المصرية بلغت 168 مليار جنيه بنهاية عام 2023( العربية نت – 14 يناير 2024) . وأن الحكومة المصرية ( التي تمثل كل المصريين ) لم تتدخل لتوفير ما يغطي سداد هذه المديونية بدل من التلويح بوقف امدادات الغاز عن محطات الكهرباء.
- هل هذا المبلغ ضخم وفوق إمكانيات الحكومة ؟! هذا المبلغ يعادل 3.4 مليار دولار فقط. هل لا يوجد اي بند يمكن ان توفر منه الحكومة هذا المبلغ الضئيل الذي يعادل تكلفة البرج الأيقوني في عاصمتهم الجديدة. وهو لا تتجاوز 10% من قيمة صفقة رأس الحكمة التي هللوا ورقصوا لها. الإ يستحق الشعب المصري وسط معاناته ان يحصل علي كهرباء مستمرة علي مدار ساعات اليوم ؟!! هل مبلغ 3.4 مليار دولار عقبة تؤدي لقطع الكهرباء وتعطيل مصالح البلاد والعباد وخراب بيوت الناس ؟!!
- تدعي الحكومة أن تخفيض استهلاك محطات الكهرباء من الغاز الطبيعي بنسبة 15% يمكن ان يوفر ما بين 400-450 مليون دولار شهرياً ( اليوم السابع – 9 أغسطس 2022) وقالت وزارة الكهرباء إنها تسعى لتخفيض استهلاك المحطات من الغاز بنحو 15 مليون متر مكعب يوميا.. و30 دولارا سعر المليون وحدة حرارية من الغاز حال تصديره. ( بوابة الشروق – 11 أغسطس 2022) ولكن الحقيقة أن سعر الغاز الطبيعي الان لا يتجاوز 1.988 دولار للمليون وحدة حرارية . وإذا صدقت هذه الإرقام فإن قطع الكهرباء يعادل 10.8 مليار دولار ماذا يساوي هذا المبلغ امام تكلفة المونوريل والقطار الكهربائي السريع وغيره من المشاريع الحكومية. وأيهما أهم للشعب المصري ام فندق الماسة الجديد في العاصمة الإدارية ومسجد مصر الكبير أم حصول المواطن المصري علي تيار كهربائي مستمر لأنه يدفع تكلفة الخدمة ومن حقه الحصول عليها بشكل دائم كجزء من الحق في السكن أحد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب المطحون .
- تدعي الحكومة إنها تبيع الغاز الطبيعي لمحطات توليد الكهرباء بسعر مدعم وهو 3 دولار لكل مليون وحدة حرارية وانها تضطر لشراء حصة الشريك الأجنبي بسعر 6 دولار لكل مليون وحدة حرارية . بينما نجد أن السعر في السوق العالمي يتراوح ما بين 1.9 – 2 دولار لكل مليون وحدة حرارية . لماذا تبالغ الحكومة في سعر الغاز وهل تبيعه لمحطات الكهرباء بسعر أعلي من السعر العالمي ؟!!!
- أقصى حمل متوقع يبلغ 35 ألف ميغا واط، في حين بلغ مقدار الطاقة التي يمكن توليدها (الطاقة الاسمية) في العام الماضي وفق آخر تقرير سنوي، 59,866 ميغا واط. إذا لا توجد مشكلة سوي تفضيل تصدير الغاز الطبيعي للخارج علي استهلاكه من اصحابه المصريين فهل هذا منطق !!!!!
- رغم ما انفقته الحكومة علي مؤتمر المناخ وحديثها المتكرر عن الطاقة الخضراء والطاقة النظيفة الا أن الواقع يؤكد عكس ذلك. تمت العودة إلى استخدام المازوت في تشغيل محطات الكهرباء بدلا من الغاز الطبيعي بما له من أضرار جانبية، منها ما يتعلق بزيادة التلوث البيئي والتأثير سلبا على أعمار تلك المحطات التي تحتاج لصيانة أكثر تكلفة. وقد بلغت حصة المازوت من إجمالي الوقود المستخدم في محطات توليد الكهرباء 21%، يبلغ سعر طن المازوت 7500 جنيه للطن ولكنه يورد لمحطات الكهرباء بسعر 2500 جنيه للطن وتبيعه بسعر 1500 جنيه للقطاع الخاص والصناعات الغذائية. ( جريدة المال – 21 نوفمبر 2021) إن التحول الي المازوت عبئ بيئي كبير علي مصر ويرفع من معدلات التلوث ويزيد تكلفة التشغيل والصيانة للمحطات القائمة.
قالت "هيومن رايتس ووتش" إن الحكومة المصرية تقنن استهلاك الكهرباء في جميع أنحاء البلاد، ما يهدد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للناس. واوضحت أنه يبدو أن تخفيض التغذية يستمر لفترات أطول في المناطق الريفية، التي فيها معدلات أعلى للفقر، ما يحرم الكثيرين من التيار الكهربائي وسط ارتفاع درجات الحرارة، ويعيق قدرتهم على أداء وظائفهم، كحال بعض الكوادر الطبية، ويحرمهم من المياه. ينبغي أن تعترف الحكومة بحق كل فرد في كهرباء نظيفة، ومتاحة، وميسورة التكلفة.
قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "لطالما طالبت الحكومة المصرية ضمنيا المصريين بالتضحية بحقوقهم المدنية والسياسية مقابل الازدهار الاقتصادي. لكن انقطاع الكهرباء يقلص بشدة قدرة الناس على الحصول على حقوقهم، بما فيها الحق في الغذاء، والماء، والرعاية الصحية".
https://www.hrw.org/ar/news/2023/08/08/egypt-electricity-cutbacks-threaten-rights
كمت وصف الدكتور مدحت خفاجي مايحدث بأنه يوضح سوء إدارة الحكومة للاقتصاد. ( الحرية 19 إبريل 2024)
هكذا نجد أن الاستمرار في سياسات حرمان المصريين الإجباري من الكهرباء هو اهدار للحق في السكن الصحي فالكهرباء والماء النظيف والهواء النقي هي من محددات الحق في السكن الذي تهدره الحكومة يومياً من أجل حفنة دولارات. رغم أن الشعب المصري ال 110 مليون هم أصحاب مصر واصحاب الحق واصحاب الغاز والكهرباء. لذلك نقول " أوقفوا قطع الكهرباء " ، " أوقفوا تخفيف الأحمال" لأنكم أصبحتم حمل ثقيل علي مصر والمصريين.