الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة عمال المناجم المغاربة في شمالي فرنسا”
ماري سيغارا
الحوار المتمدن
-
العدد: 7950 - 2024 / 4 / 17 - 09:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الفصل الثالث: في باطن الأرض
Auguste Herbin- Le Remorqueur (The Tugboat)– 1907
من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة عمال المناجم المغاربة في شمالي فرنسا”، للكاتبة ماري سيغارا
CEGARRA, Marie. Troisième partie. Dans les entrailles de la terre In: La mémoire confisquée: Les mineurs marocains dans le Nord de la France [online]. Villeneuve d’Ascq: Presses universitaires du Septentrion, 1999 (generated 12 avril 2024). Available on the Internet: <http://books.openedition.org/septentrion/122018>. ISBN: 978-2-7574-3459-8.
الهجرة المغربية في المناجم
تكونت اليد العاملة المغربية، التي حددها المؤرخ ب. ديفيلار بعد الحرب العالمية الأولى في منطقة لانس وسالومين بشكل رئيس من السوسيين. (38) وقد شكلوا جزءاً من بين الذين كانوا من الإحتياط الرئيس لليد العاملة في المدن المغربية الكبيرة ومن العمل في المناجم في بلادهم أو في فرنسا. (39)
السوسيون
كما يخبرنا ج.راي، إن المهاجرين هم في أغلبهم من الأمازيغ ويطلق عليهم تسمية شلوه، ويشكلون جزءا من مجموعة عرقية محددة. وقد سكنوا في الجزء الجنوبي من البلاد من مراكش وحتى الصحراء. بيئتهم قاحلة جدا، تتميز بمناخ جاف، وصغر المساحات الزراعية والملكيات الزراعية مفتتة. وهكذا توالت السنوات الرطبة وسنوات الجفاف، ما أدى إلى تقلص المساحات أو توسع المساحات الصالحة للزراعة ما عرّض السكان لفترات من نقص في الغذاء. بالإضافة إلى الصعوبات الإقتصادية تضاف تحفيزات سياسية أو إدارية: التوجيهات المحددة في قرار صادر بتاريخ 23 آذار/مارس 1918، جعلت من جنوب المغرب المنطقة الوحيدة لتوظيف العمال. وقد حصل ذلك بمبادرة من الجنرال ليوتي الذي أراد أن تقتصر الهجرة على مواطني الجنوب من دون المس بالمغرب المفيد. لأن الهجرة كانت وسيلة لإضعاف مقاومة جنوبي المغرب. كل هجرة تعني التخلص من بندقية وكل كولونيالة تعني اعتماداً إقتصادياً إضافياً. في هذا الإطار، تصبح الهجرة بديلاً “طبيعياً حيث يصبح ممكناً كسب المال. في هذا السياق، كان السوسيون(40) أول من وصل إلى أوروبا بأعداد كبيرة، مجذوبين بصورة أرض الوفرة. الموجة الأولى والأكثر عدداً لأن البيئة الناطقة بالأمازيغية في الجنوب، وهي منطقة يسكنها فلاحون مستقرون، قد غذت تدفق هجرة الشباب المرتبطين بالتضامن المجتمعي، والذين جذبهم إمكانية كسب المال من أجل دعم عائلاتهم.
مع ذلك، إن الغالبية انتمت إلى بيئة [طبيعية] عدائية جداً ولم تتمكن من الهروب من الفقر. وشاركت في الأعمال الزراعية وتربية الماشية التي واجهت مشاكل كثيرة بسبب الجفاف. وتتكون كل قرية من 3 إلى 5 عائلات كبيرة مرتبطة بالأرض، بالمزرعة التي تحمل اسم المكان. تتوسع هذه العائلات بزواج الأولاد الذكور. يحصل الزواج في وقت مبكر، لأن الشاب المتمتع بصحة جيدة يجب عليه أن ينجب أطفالاً لمساعدة أهله في شيخوختهم، بحسب التقاليد. هذا الواجب الأخلاقي موجود في الدول الفقيرة حيث الخدمات الاجتماعية غير متوفرة. تعيش الأسرة الواحدة، بغض النظر عن عددها، في منازل مترابطة بحيث يتمكن الفرد من التنقل بحرية بين البيوت، تجمع القرى عائلات ممتدة على الرغم من تزايد النزعة الفردية واختلاف مستوى الحياة. الهجرة، سواء الداخلية أو الخارجية، هي الإمكانية الوحيدة لتجديد هذا النظام حتى لو أدخلت مفاهيم إقتصادية وثقافية جديدة.
في هذا العالم بالذات، يجب على الجميع الإتيان بثمار عملهم إلى الوطن، بإدارة رب الأسرة (الأجداد، الأب، أو الأخ الأكبر). على كل عضو من الأسرة ألا يسيء إلى نفسه. بالتالي إن السيطرة الجماعية هي إحدى النتائج التي تضع الفرد تحت نظر وحكم الآخرين. التضامن واجب، لا يمكن لأي شخص الانتقاص من هذا القانون. سنطور هذه العناصر القليلة بشكل أكبر لفهم مكانة المهاجر ودوره بشكل أفضل؛ لأن العديد من جوانب سلوكه التي نميل إلى نسبها للأفراد وحدهم هي نتيجة طريقة حياة جماعية ناتجة عن وظيفة محددة، متعارضة تماماً مع النظام الفردي الغربي الذي يترك مجالاً أكبر للناس للمناورة.
النشاط الأساسي في القرية، كما قلنا، الزراعة أو تربية الماشية أو بناء البيوت (البناء التقليدي). كل هذه الأعمال تقدّر القوة البدنية والتحمل. ولهذا السبب تقاس قيمة الإنسان بقدرته على القيام بأعمال متعبة.
وفي هذه القرى البعيدة، لا يشكل التعليم أولوية. فالمدرسة نفسها غير موجودة أو هي بدائية من ناحية بنيتها المادية ومحتواها. وكانت هناك أقلية تريد رؤية أولادها، وأحياناً بناتها، وهن في غالبيتهن غير متعلمات، متعلمين/ات. ولكن النجاحات في هذا الإتجاه تشكل اسثناءً، خاصة أن المدرسة تستعمل اللغة العربية الفصحى في حين يتحدث الأطفال [لهجة] التشلحيت، وهي لهجة خاصة بالمنطقة.
بقيت المدرسة القرآنية متميزة، في كثير من الأوقات، يجمع صف واحد أطفالاً من مختلف الأعمار، ويكون التكرار بصوت مرتفع هو الطريقة الأكثر شيوعاً لتحفيز الحفظ فقط. ترتبط الطبيعة الميكانيكية للتدريس بالجانب التعليمي. ويجب أن يخضع الطفل لسلطة المعلم، كما سيخضع لاحقاً لسلطة رب الأسرة أو مديره.
بالتالي إن غالبية المهاجرين المغاربة هم من أهل الأرض، لا يعرفون القراءة ولا العد. لكن لديهم المعرفة الكافية لتحديد عدد الحيوانات وحفر البناء وبناء منزل. ويحصل التعلم عن طريق الحفظ والتقليد، وذلك عن طريق تسجيل وتكرار نفس الحركات.
باختصار، يمكن القول إن البيئة الصعبة والجافة قد دفعت السكان إلى العمل الجاد، وعدم التبذير والتخزين. وقد دفعهم ذلك إلى اختيار واحد منهم للعمل في الخارج، ما جعل من الهجرة مكوناً ثقافياً وجماعياً. لأن المهاجر من بين [إثنية] الشلوح يشعر بواجب حماية عائلته. إلى جانب والده ووالدته عليه تأمين معيشة إخوانه وعائلاتهم وفي بعض الأوقات عمومه وأبنائهم. من الناحية النفسية، سيكون على المهاجر مسؤولية كبيرة جداً، لأن العائلات التي يعمل أحد أفرادها في الخارج هي الوحيدة القادرة على الاستمرار في بعض الأوقات ضمن رخاء معين. ويضطر الآخرون، في فترات الجفاف، إلى ترك القرية نهائياً من أجل الاستقرار في ضواحي المدن الكبيرة.
شهدت نهاية الحرب العالمية الثانية تأميماً للمناجم وفتحت الطريق أمام مجيء المغاربة بداية نحو حوض اللوار واللورين ومن ثم إلى با-دو-كاليه. (41)
بعد عام 1945، بات اللجوء إلى الهجرة مسألة حتمية. كان هدف الحكومة المؤقتة للجنرال ديغول إطلاق معركة الإنتاج. ويبدو أن البلاد كانت مستعدة لهذا المجهود، فقد أيد الشيوعيون الذين دخلوا الحكومة هذه السياسة. يوم 21 حزيران/يونيو عام 1945، تحدث موريس توريز إلى عمال المناجم في وازيه (42) معبراً عن أسفه لتراجع الإنتاج وشجعهم على زيادة المجهود.
تأميم مناجم الفحم
بدأت شركات الفحم بتحديث وإعادة هيكلة عملياتها. وهدفت إلى زيادة إنتاج الفحم المستخدم، خاصة، في توليد الطاقة للنقل بالسكك الحديدية المكهربة منذ الخمسينيات.
أنشأت الحكومة مصلحة التخطيط التي تعتمد عليها لجنة تحديث المناجم. كان الهدف المحدد زيادة إنتاج الفحم (من 50 مليون طن إلى 65 مليون طن) وتحديث طرق استخراج الفحم.
لتطبيق هذا البرنامج الطموح، صدر مرسوم 13 كانون الأول/ديسمبر عام 1944 قضى بتأميم الحوض المنجمي، وأنشأ مؤسسة مناجم نور وبا-دو-كاليه، وبعدها بفترة قليلة صدر قانون التأميم بتاريخ 17 أيار/مايو، وأعطاها اسماً نهائياً هو: مناجم نور وبا-دو-كاليه. في الوقت عينه، دمجت الشركات القديمة بمجموعات ورافق تركيز الإدارة تركيز في المناجم العاملة، ونتيجة لذلك، تركيز القوى العاملة في النهار. في الحقيقة، لم يكن من الممكن تقييد اليد العاملة في مجال الاستخراج تحت الأرض بنفس كمية الإنتاج، في المقابل، من السهل إخراج الفحم من بئر، ما يلغي جزئياً عمل العمال في الآبار المهجورة. أكثر من ذلك، ونظراً للاحتياجات الآنية وسياسة الإنتاج، حُدِّثت المرافق. إن تقطيع الفحم، الذي يحصل بشكل أساسي عن طريق آلات حفر الصخور، بات يحصل بواسطة الحفارات الآلية. (43) وتدعم الحفر بواسطة الدعائم المعدنية. (44). والتجهيزات مزودة بالكهرباء. هذا التطور جعل ممكناً تقليل من صعوبة العمل وزيادة السلامة وزيادة الإنتاج والكفاءة.
مع ذلك، تبقى مشكلة العمال قائمة. فالوظيفة تستقطب أقل من قبل. وجاءت أزمة القوى العاملة إثر أزمة التحفيز الضمنية. لعلاج ذلك، بدأ التفكير بعدة حلول. بداية استدعيت العمالة الريفية ولكن أعدادها القليلة لا تستطيع حل المشكلة، ثم استدعيت اليد العاملة من المناطق من خلال تسهيل نقل عمال المناجم الذي يسكنون في مناطق بعيدة عن المناجم، سواء عبر دفع تعويض نقل، أو عن طريق نقلهم بالباصات. ولكن النتائج الهزيلة دفعت المناجم إلى إنشاء وكالات توظيف في مدن بروتاني ونورماندي وماين. ولكن، من جديد، كانت النتائج غير كافية. بقي حلٌ واحدٌ: دعوة اليد العاملة الأجنبية. أصبحت المشكلة أكثر تعقيداً. لا يوجد احتياطي من اليد العاملة في الرور، فاليد العاملة البولونية باتت نادرة على نحو متزايد.
انتقلت المناجم بعد ذلك إلى تشغيل أسرى الحرب الألمان ووفرت السلطات العسكرية للمنجم المحتجزين لديها، ولكن إنتاج هؤلاء العمال كان أقل من المعتاد. إن القوى العاملة المتوفرة غير كافية، وأكثر من ذلك، هي مؤقتة، لأنه ومع عام 1947، بات أسرى الحرب أحراراً وعادوا بأغلبيتهم إلى ألمانيا. في تلك الحقبة، انضمت إليهم فئات عمالية من مهجري الحرب، وهم بشكل عام من السلاف: المجريون والتشيكيون واليوغسلاف الذين يمكنهم العمل بموجب عقد مدته سنة واحدة قابلة للتجديد. لكن الدور الذي لعبه هؤلاء العمال بقي ثانوياً.
أمام هذا الوضع، اتجهت المناجم نحن العمالة المتوسطية، الإيطاليون، وسكان شمالي إفريقيا. وهي مرحلة جديدة من التوظيف في المناجم. بعد اليد العاملة البلجيكية، والبولونية والألمانية، من الضروري البحث عن عمال من بين المجموعات السكانية الفقيرة. كذلك، ولجذب العمالة الفرنسية إلى هذه المهنة الصعبة، وللمحافظة عليها، مُنح العمال وضعية عامل منجم. (46)
إن الرواتب والتقديمات الاجتماعية التي رافقت هذه الوضعية جعلت من عمال المناجم الركن الأساسي للنهضة الفرنسية.
وجرى تحقيق البرنامج المحدد عام 1946، ولكن مع ذلك، بقيت مشكلة بيع الإنتاج حاسمة. إضافة إلى ذلك، أدت الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات عامي 1947-1948، المرتبطة بتخفيض عدد الموظفين الإداريين والعمال النهاريين، إلى ركود في الإنتاج والعائدات. وأخيراً، كان التوظيف ما زال صعباً.
وبالتالي، خلال الفترة الممتدة بين عامي 1945-1950 تقريباً، يمكن التأكيد على أن مناجم الفحم كانت تسعى بكل جهد إلى زيادة إنتاج الفحم من خلال زيادة عدد العمال.
ترافقت فترة الخمسينيات في فرنسا مع مرحلة التحديث والنمو الصناعي. من جهة، ظهرت قطاعات صناعية وطاقة جديدة، من جهة أخرى، بدأت الصناعة المرتبطة بالمناجم بالتراجع. وعانت الأخيرة من آثار التوجهات الجديدة للنمو الاقتصادي التي اتخذتها السلطات العامة. مع ظهور قطاعات صناعية جديدة، بدأ هجران المناجم.
في مواجهة هذه التغييرات، وضعت سياسة تنظيمية من خلال تدابير المساعدة لإعادة التدريب وعملية إعادة تكييف عمال المناجم من الفرنسيين واليد العاملة الأجنبية. إن تخفيض كلفة اليد العاملة في المناجم والتوظيف الجماعي لليد العاملة المغربية كان عنصراً حاسماً في هذا التوجه.
ولكن منذ عام 1952، شهدت معظم الأحواض إنتاجاً قياسياً وتطورت الصناعات المرتبطة بها والتي تستعمل الفحم. من جهة ثانية، إن النتائج المالية للمناجم تدهورت، بسبب المنافسة الكبيرة من مصادر الطاقة الأخرى (الوقود والغاز). وباتت الأعباء الملقاة على عاتق المناجم بالازدياد. وبما خص العمال، وخاصة المغاربة، بقي التوجيه التدريجي والمستمر معتمداً على السياق العام ولكنه يخضع، حسب الفترة، للتقدم والتراجع [في الانتاج]. (47) في هذا السياق، ومع إنشاء المجموعة الأوروبية للفحم والفولاذ(48)، واستناداً إلى التطور القوي لإنتاج الفحم، بدأت المناجم بالاستدانة.
وبالتالي، منذ هذا التاريخ، شهدنا حركة تقشف اقتصادي ومكننة لعملية استخراج الفحم. والسبب في ذلك هو تراجع النتائج المالية المرتبطة بالمنافسة من مصادر الطاقة الأخرى، ولكن كذلك بسبب العائدات المرتفعة والأسعار التنافسية للفحم الأجنبي.
بدايات أزمة الفحم
في الواقع، وفي حين كانت أوروبا عامي 1956-1957 تفتقر إلى الطاقة وكان لابد من تلبية الطلب، انقلب الوضع عام 1958 رأساً على عقب. بدأت المنتجات النفطية في منافسة الفحم، حتى لو فرضت الضرائب للحد من تطورها. بات الفحم غالياً وغير قادر على المنافسة. لذلك خططت المناجم لتخفيض تدريجي للإنتاج وتنفيذ سياسة توظيف الأجانب. في هذا الوقت، وعلى الرغم من الجهود المبذولة، دخلت الصناعة الإقليمية في دورة شيخوخة متنامية. وعانت المناجم مثل مصانع الغزل والحديد الإقليمية، من تراجع تدريجي مترافق مع تخفيض كبير لليد العاملة. في ظل هذه الظروف، ومنذ الستينيات، توقفت منطقة نور-با-دو-كاليه عن أن تكون منطقة جاذبة للعمال الأجانب ما عدا ما تعلق بالحفاظ على الأنشطة الاقتصادية الأساسية والتوازن الاقتصادي والاجتماعي. إنطلاقاً من هذه الخلفية ينبغي رؤية تكثيف تشغيل اليد العاملة الأجنبية.
ستكون هذه اليد العاملة مغربية بشكل أساسي وسيكون لها تأثير على صورة سكان الحوض المنجمي سواء في توزيعهم وإنتشارهم. (49) في الواقع، إن الهجرة الأوروبية القديمة تراجعت بشكل أساسي عن طريق التجنيس والتطور الطبيعي، وبالتالي تراجعت في مناطق المناجم، من جهة، بسبب شيخوخة السكان ولكن كذلك بسبب إغلاق بعض المناجم. جدد المغاربة في البداية القوى العاملة وأنثوها في مرحلة ثانية، في إطار لم شمل العائلات في الثمانينات.
هذه هي، بشكل عام، السمات الأساسية لتطور السكان الأجانب، وخاصة المغاربة الذين عملوا في المناجم.
إنها هجرة أساسية للعمل في المناجم لأن منحنى التوظيف تغير بحسب ضرورات الركود في المناجم. من جهة، انخفض تشغيل المواطنين الفرنسيين ما عدا خلال مرحلة الإنتعاش، ومن جهة أخرى، تطور تشغيل المغاربة بشكل متناقض، ما عدا مرحلتين سنعود إليهما: مرحلة 1967-1968 ومرحلة 1972-1973.
استكملت عمليات التجديد عام 1957 لصالح الإيطاليين، كما رأينا ولكن لصالح المغاربة على نحو خاص. ومنذ عام 1956، نظمت المناجم، بسبب خبرتها المكتسبة في توظيف وإدارة العمالة الأجنبية، ولأول مرة، بعثة إلى وزارة العمل المغربية والسفارة الفرنسية في الرباط من أجل تسهيل الهجرة. أوكلت المهمة إلى فيليكس مورا، المسؤول السابق عن شؤون السكان الأصليين في المغرب، الذي يعرف اللغة والعادات، والذي بات كادراً في المناجم والمسؤول عن شؤون اليد العاملة الأجنبية في نور-با-دو-كاليه. يشبه تنظيم هذا التوظيف، في بعض النواحي، بتلك التي استعملت من قبل لجان المناجم خلال فترة ما بين الحربين، في بولونيا. تميزت هذه السيرورة، التي سنعود إليها، بخاصية إدخال شباب من الريف، وأغلبهم من الأميين، إلى مناجم الفحم.
السيد مورا فيليكس، جورج، لويس
ولد في 28 آب/أغسطس عام 1926 في كروا (في الشمال)، فرنسي، ابن جورج ليون أوجين وماري لويز واغينير.
متزوج من أندريه كينار، المولودة في 23 نيسان/أبريل عام 1927 في مون (بلجيكا)، يوم 21 نيسان/أبريل عام 1951 في سان جيل لي بروكسيل (بلجيكا). أنجبت الزوجة منه فيليب مارسيل جورج يوم 20 كانون الأول 1951 في ادلين، ومارك جورج مارسيل يوم 1 نيسان/أبريل 1957 في أغادير. تعلم في مدرسة فيكتور هوغو في لامادلين من عام 1932 إلى عام 1942، (نال في نهايتها شهادة المدرسة الإبتدائية) ودرس في مهنية ليل بين عامي 1942 و1945، نال في نهايتها شهادة الكفاءة المهنية في ميكانيك الطباعة.
عمل في جريدة لا فوا دو نور من 3/02 إلى 26/10/1941.
أدى خدمته العسكرية بين 27/06/45 إلى 27/06/1948.
رقيب في الطابور المغربي. (51)
معار من الكولونيالة المغربية إلى مناجم نور وبا-دو-كاليه لقاء راتب منها آب/أغسطس 1948 إلى نيسان/أبريل 1950. مستشار لتشغيل العمال في شمالي إفريقيا من نيسان/أبريل 1950 إلى أيلول/سبتمبر 1951 في حوض سامبر.
عمل في مجموعة هينين-ليتار من 10 تشرين الأول/أكتوبر إلى 1 تموز/يوليو 1962.
مفتش في وزارة الخدمات الإجتماعية بين تموز/يوليو 1962 إلى كانون الثاني/يناير 1966. نقل إلى الخدمات المركزية في إدارة شؤون الموظفين حتى كانون الثاني/يناير 1984.
نقل إلى فرع الأركان الإقليمي حتى آذار/مارس عام ١٩٨٧.
تقاعد في 1 نيسان/أبريل 1987 في بلدة سوشي، حيث توفي يوم 31 تموز/يوليو 1995.
إضافة إلى ذلك، دفع هذا التراجع الحكومة إلى دراسة خطة لتخفيض إنتاج الفحم.
تشكل هذه الفترة بأكملها الأولوية التي ستعطى للعمل اليدوي بدلاً من تحديث المعدات. رغم ذلك إن ترشيد ومكننة العمل قد أدخلا لاحقاً، لكنهما كانا في الوقت عينه، إشارة إلى تراجع صناعة الفحم. عام 1959، من خلال خطاب في لانس، أعلن عن زوال المناجم.
ركود المناجم وعمال المناجم المغاربة
لذلك لا يمكن فصل الوصول التدريجي والجماعي لعمال المناجم المغاربة عن سياسة الطاقة الفرنسية وأزمة الطاقة والأزمة الإقتصادية، وكذلك عن الصراعات الاجتماعية التي رافقتها. إنها كذلك وظيفة القوانين المختلفة التي تنظم العمال المهاجرين وعائلاتهم، فضلاً عن مواجهة سياق المناجم غير المعتاد.
هكذا إن المراحل المختلفة التي أدت إلى تقدم وركود ومن ثم إلى إغلاق حفر المناجم هي التي حددت تاريخ هؤلاء الرجال.
بعد الستينيات، التي اتسمت، فلنتذكر، بفترة تخفيض إنتاج الفحم وبدايات تحويل الحوض المنجمي، انعكس الوضع الإقتصادي، وبات الوضع مميزاً بشتاء بارد، وانخفاض كبير بمخزون الفحم. كان توظيف المغاربة قد وصل إلى ذروته، وقد وظف عمال المناجم بموجب عقد مدته 18 شهراً ما يضمن بعض المرونة ويسهل بداية الركود بأقل الأكلاف. في الواقع، سمحت هذه العقود بتجديد المدخلات وتنظيم المغادرة، ودون جعل هؤلاء العمال [يتمتعون بوظيفة] دائمة. (52) بالتالي، جرى تنظيم الإنتاج بشكل صارم مع الاحتياجات الفورية ما عدل من مستويات التوظيف وفقاً للبرمجة التدريجية لإغلاق المناجم. في المجمل وصل ما مجموعه 20495 مغربياً بين عامي 1960 و1963. (53) ووصل عددهم عام 1977 إلى 78000.
أمام حجم الصعوبات، تباينت الحلول المقترحة باختلاف الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد حددت المرحلة الأولى بواسطة خطة جانيني.
خطة جانيني
هذه الخطة هي في الحقيقة خطاب تلاه وزير الصناعة يوم 10 كانون الأول/ديسمبر 1959 من على منبر الجمعية الوطنية حول سياسة الطاقة المنوي اتباعها.
“يجب تلبية احتياجات البلد ولكن بأقل سعر ممكن لأن الطاقة عنصر أساسي في تكلفة المنتجات الزراعية والصناعية. في هذا الإطار، تمتلك فرنسا العديد من مصادر الطاقة، والمشكلة هي في تنسيق استعمالها”.
كان الهدف هو العمل على كلفة الإنتاج، وكان الحل يتجسد في إغلاق المناجم بأسرع ما يمكن لأن تكاليف تشغيلها كانت مرتفعة.
وفق الخطة، دخلت صناعة الفحم الإقليمية بكل تأكيد في طريق متراجع بسرعة لن تخرج منه.
وبدأت عملية التناقص وفترة إعادة تحويل المناجم. (54)
تتطلب ظروف سوق الطاقة تطوير إنتاج الفحم لمواجهة منافسة مصادر الطاقة الأخرى. تقترح خطة جانيني تقليص الإنتاج بنسبة 5 بالمئة في نور با-دو-كاليه وبنسبة 2 بالمئة في لورين وبنسبة 20 بالمئة في سنتر-ميدي. (55) استقبلت مؤسسة فحم فرنسا الخطة بشكل سيء، وكذلك كان موقف السياسيين المنتخبين في منطقة المناجم لأن خفض الإنتاج بدا أنه الحل الوحيد المختار.
لكنه اقترح كذلك تدابير مالية واجتماعية وتصور سياسة إعادة تحويل مناطق المناجم، أي الحد من الاستثمارات وتوجيهها نحو صناعات ملحقة. بالتالي، طلب من مناجم الفحم الحد من استثماراتها في الأعمال الجديدة، وقبل كل شيء تطوير الصناعات الملحقة. في الوقت عينه، تعهدت الدولة بدفع مساهمة ثابتة لتسهيل تصريف الفحم وكذلك إتاحة مستوى أفضل من المنافسة.
تضمن برنامج خفض الإنتاج إغلاق المناجم غير المربحة (أحواض سنتر-ميدي) وتخفيض عدد اليد العاملة. وبذلك، وفي الوقت عينه، انخفض توظيف عمال المناجم المغاربة. أكثر من ذلك، لدعم هذه الأهداف، اتخذت تدابير اجتماعية، مثل التقاعد المبكر لعمال المناجم الذين أمضوا 30 سنة في الخدمة أو تعويض إضافي لعمال المناجم المطرودين.
وأخيراً، لتقليص وقت العمل، منح يوم راحة أسبوعية مقابل العمل 15 دقيقة إضافية يومياً.
في الوقت عينه، اتخذت الحكومة إجراءات لضمان تحويل المناطق المنجمية. جاءت المساعدات في هذا الإطار من المجموعة الأوروبية للفحم والفولاذ (56) والدولة ومناجم الفحم. منحت المجموعة الأوروبية مساعدات مالية للشركات المرغمة على الإقفال، خاصة لضمان للمصروفين تعويضات الانتظار وإعادة التوظيف… سهلت الدولة دفع الضرائب والقروض، وبالنسبة إلى مناجم الفحم، فقد أقرضت بفائدة منخفضة المؤسسات التي توظف عمال المناجم أو تطلب أراضٍ وأبنية منها.
أثارت هذه الخطة غضب العمال، وتسببت بإضراب يوم 19 كانون الأول/ديسمبر عام 1961 في ديكازيفيل، مدعوماً من سكان المنطقة (التجار، والحرفيين، السلطات الدينية، المسؤولين المنتخبين في البلدية وفي المقاطعة).
وقد كان ذلك إيذاناً لإضراب عمال المناجم الكبير عام 1963.
1963: إضراب عمال المناجم
كانت نتائج خطة جانيني مختلفة بحسب كل حوض. وبحسب مصادر مؤسسة مناجم حوض نور وبا-دو-كاليه، انخفض عدد العمال تحت الأرض بين عامي 1959 و1965 بمقدار 29383. وشهدت النتائج تراجعاً على الرغم من الزيادة الكبيرة في مساهمة الدولة. إضافة إلى ذلك، حتى لو كان الوعي متزايداً، فإن المهنة، القلقة من المستقبل، ستجبر الحكومة على تقديم تنازلات. وأدى الإضراب المفتوح الكبير عام 1963، إلى افتتاح المفاوضات (شباط/فبراير 1963). لكن الإقتراحات المقدمة، خاصة بما خص الرواتب، سرعان ما اعتبرت غير كافية وتوقفت المفاوضات. في 1 آذار/مارس، كان الإضراب شاملاً (98 بالمئة في نور با-دو-كاليه). أكثر من ذلك، فإن سياق الشتاء القاسي شجع على تفاقم الصراع. وكان التعويل على نقص الفحم لإرغام الحكومة على الاستسلام. في الحقيقة، قررت الدولة الرد بالمصادرة، ولكن هذا الإجراء لم يكن له خطوات تنفيذية لاحقة. وفتح باب المفاوضات من جديد. في هذا الوقت، لم تلبَ طلبات عمال المناجم بالكامل. وقد توصلت المفاوضات إلى زيادة في الرواتب وإقامة طاولة مستديرة، تجمع السلطات العامة والشركات والنقابات، من مهمتها دراسة مستقبل المهنة المعرضة للخطر.
لم يكن هذا الإضراب ناجحا بالكامل لعمال المناجم. إنما كان دليلاً، وللمرة الأولى، على أن الاقتصاد الفرنسي قادر على الاستغناء عنهم. ومن هذا التاريخ، وعلى الرغم من استمرار الاحتجاجات في كل مرة يعلن فيها إغلاق المناجم، فقد علم سكان المنطقة أن استخراج الفحم بات مرفوضاً. وستظهر الأحداث اللاحقة أن الأولوية ستعطى للدفاع عن المنجزات الإجتماعية وتعزيز الصناعات البديلة لأن إغلاق المناجم كان لا مفر منه.
وقد بدأت مرحلة جديدة، ما مهد الطريق للتغيرات في استخراج الفحم، والتحويل، والركود ومن ثم إلى إغلاق المناجم.
في المنطقة يعتبر الحوض المنجمي الغربي أول المتضررين من إغلاق المناجم. في الوقت عينه، أنشئت شركات لصناعة الإطارات مثل شركة فايرستون في بيتون وشركات للكيماويات. لاحقاً، تولت إجراءات صناعية أخرى مهمة التخفيف من الآثار الاجتماعية الناتجة عن أزمة المناجم. فقد أقيمت مصانع للسيارات والطباعة ثم الشركات المتوسطة والصغيرة للبناء الإلكتروميكانيكي، والبلاستيك، والزجاج والصناعات الكاربوكيميائية، والغذائية في كل مكان من الحوض المنجمي. رغم ذلك، لم تكن كافية لوقف الأزمة الإقتصادية.
إعادة تدريب الموظفين
في مواجهة الزيادة الكبيرة في عجز المناجم وزيادة المنافسة من مصادر الطاقة الأخرى، وضعت الدولة نظاماً اجتماعياً وإقليمياً لإعادة تدريب العمال. ونتج عن ذلك إجراءات من الدولة وأخرى منسقة من المسؤولين المنتخبين في المنطقة وتدخل المناجم.
المشكلة الأساسية كانت هي الفائض باليد العاملة. لذلك كان على المناجم إيجاد حلول مقبولة لإعادة تدريب العمال. اقترحت بداية خطة إعادة تدريب على أساس طوعي، ثم تطورت مع الوقت وأدت إلى إتخاذ تدابير مقيدة أكثر مع إغلاق المناجم. وكانت بالتالي الأقل قبولاً خاصة بما يتعلق بإجراءات العودة للعمال المناجم المغاربة.
من جهة، قدمت الدولة، بشكل غير مباشر، مساعدات للتنمية الصناعية في مناطق المناجم ومالت إلى التأثير على تنويع الأنشطة الإقليمية، ومن جهة أخرى، جددت الإجراءات المالية والاجتماعية لصالح الموظفين المحتمل طردهم من العمل.
إضافة إلى ذلك، تدخلت المناجم مباشرة في الترويج الصناعي عن طريق بيع الأراضي الرخيصة ومنح الشارين المكافآت والإعفاءات الضريبية. لكن الصناعيين كانوا مترددين جداً لإقامة مشاريعهم في المنطقة. إذ المؤهلات منخفضة، وثمة رفض من الكوادر للمجيء والإستقرار في الشمال، وهناك تأخر في إنجاز شبكات الطرق، ما أعاق استثمارهم. كما أنها تدخلت على مستوى العمال. في الواقع، أدت إعادة التدريب إلى إدارة جديدة لليد العاملة، وخاصة إعادة تصنيفها.
إعادة التصنيف
التقاعد العادي والمبكر
يتميز نظام المناجم، وبسبب صعوبة المهنة، بالتقاعد في سن الـ 50: أي ما يساوي 30 سنة خدمة من ضمنها 20 سنة تحت الأرض. ستسمح الإجراءات المرتبطة بتقليص المناجم بالتقاعد المبكر في ظل ظروف محددة. (58)
اختلف الأمر من مؤسسة إلى أخرى، حصل التقاعد المبكر وفق خيار العامل. كما سمح خروج جزء من اليد العاملة محافظة العامل على جزء مضمون من المردود حتى لو كان أقل أهمية.
النقل
يعتبر النقل من تحت الأرض مسألة إلزامية، وهو يعني عمال المناجم المصابين بأمراض مهنية أو غير صالحين للعمل تحت الأرض. يعاني عامل المنجم من خسارة في راتبه ولكن سيكون لديه عمل أقل تعباً وسيحتفظ بوظيفته بالشركة.
التغييرات داخل مجموعة المناجم في فرنسا
ضمن الحوض نفسه
إنها تهم كل العمال في المؤسسة التي تغلق. يبقى العامل في الشركة ولكن عليه تغيير مكان عمله.
بين حوض منجمي وآخر
يحصل النقل طوعياً. يحتفظ العامل بنفس الوظيفة ويحافظ على وضعيته، ويحصل على تعويض نقل وتدفع مصاريف الانتقال له. ولكن هذا النوع من التحويلات يبقى نادراً لأن الركود الذي تعاني منه صناعة استخراج الفحم هو مسألة وطنية، أكثر من ذلك، لم يستسلم عمال المناجم، القليلو الحركة جغرافياً، لإغراء الترحيل.
كذلك، جرى التوقيع على اتفاقيتين. الأولى، بتاريخ 16 حزيران/يونيو 1967، وتتعلق بالتنمية والبحث عن فرص عمل جديدة لعمال المناجم. يحصل عامل المنجم على مكافأة تغيير مهنة، ويحتفظ بالمزايا العينية، ويحتفظ بالمساعدة على التملك، ويحتفظ الأولاد بالمنح.
1968: خطة بيتونكور. تسريع عملية إعادة التدريب
أدى التناقص المتسارع إلى قيام مناجم الفحم بتنظيم الركود بشكل جيد. كان هدفها التخفيف من الآثار الاجتماعية وتجنب الصراع الاجتماعي “الخطير”. ولكن الحركات الاحتجاجية والدفاع عن المكتسبات الإجتماعية استمرت خلال إغلاق كل مقر. إن التزايد المتسارع في عجز المناجم ومنافسة مصادر الطاقة الأخرى قادت الدولة إلى وضع نظام اجتماعي وإقليمي لتسريع عملية إعادة التدريب.
بعد دراسة الوضع في مناجم الفحم، تَقرر تخفيض الإنتاج تدريجياً حتى توقف تماماً عام 1983. وألحق هذا التدبير بتخفيض مماثل بعدد العمال: في مناجم الفحم بحوض نور وبا-دو-كاليه، كان عدد العمال 72000 عام 1968 ليصبح عددهم حوالي 28000 في نهاية العام 1975.
إن تنفيذ العناصر الأولى لسياسة إعادة تدريب العمال رافقه، بما خص عمال المناجم المغاربة، تجديد ملحوظ لعقودهم.
ولكن حتى عام 1968، كان الحديث عن التحويل وليس عن الركود. مع ذلك، إن الوضع في مناجم استمر في التدهور. باتت إعانات الدولة أثقل أكثر فأكثر. إن الآفاق المستقبلية، سواء لناحية الإنتاج أو التجارة، لم تكن مؤاتية. وباتت المناجم أقل إنتاجية ومكلفة أكثر. فالمنافسة قوية والنفط يهاجم أسواق الفحم.
ستدخل خطة بيتانكور ضمن مرحلة الركود.
في 10 كانون الأول/ديسمبر 1968، أعلن وزير الصناعة، م. بيتانكور، قرارات بشأن مناجم الفحم: خفض إنتاج الفحم، إغلاق مناجم اللوار، وأوفيرني، وسيفين ودوفيني، وإغلاق منجمين في لورين عام 1975. وعلى المناجم في نور-با-دو-كاليه تخفيض انتاجها إلى النصف. وتنص الخطة كذلك على تقليص اليد العاملة بنسبة 12 بالمئة.
توفرت وسيلتان أمام المناجم لتحقيق هذه الأهداف: التقاعد والتحويل، أي إعادة تصنيف عمال المناجم في الإقتصاد الكلي، الأمر الذي يفترض وجود صناعة توظف العمال، وموافقتهم، وإجراءات للتكييف والإعداد المهني والحوافز. ويجب على عامل المنجم مغادرة المنجم والعمل في صناعات أخرى.
لم يتبع إنتاج المناجم توقعات الخطة، انخفضت المبيعات لصالح النفط الأكثر تنافسية. ومن جهة أخرى، استمرت تكاليف الفحم في الإرتفاع. عشية حرب 1973، كان سعر الطاقة الحرارية المنتجة في نور-با-دو-كاليه يساوي 3 أضعاف سعر بيع النفط. وقد أنشأت الدول المصدرة للنفط منظمة أوبيب. (59) ولكن أزمة الطاقة استمرت. عام 1967 أغلقت قناة السويس، وعام 1970، خفض إنتاج الليبي… كل هذه الأحداث تكشف القيود المفروضة نتيجة الاعتماد على الطاقة.
من ناحية، باتت الدول المصدرة مدركة لقوتها، ومن ناحية أخرى، كان على الدول المستوردة تحديد حاجاتها من الطاقة. خلال هذا الوقت، استمرت المناجم بخطة إعادة الهيكلة التي وضعت موضع التنفيذ، ولكن كذلك البحث عن أنشطة بديلة أو في تعميق الأنشطة التجارية.
الهدنة
عام 1973، ساء الوضع فجأة. أدت إتفاقيات طهران وطرابلس الغرب وجنيف إلى زيادة أسعار المنتجات النفطية. فتضاعف سعر البترول 4 مرات، ما سبب باهتزاز الاقتصادات الغربية ولكنه سبب وعياً كان من نتائجه ترشيد الطاقة وتوزيع أفضل للموارد. خلال فترة من الوقت في فرنسا، اعتمدنا على الاحتياطات الموجودة. ولكن بسرعة أعيد تقييم احتياطيات الفحم القابلة للاستعمال ودرست التعديلات اللازمة للاستغلال الجديد.
الأمل الجديد المحتمل للتعافي
أعيد إنتاج الفحم، ولكنه كان محدوداً بسبب القيود الفنية المرتبطة بصعوبات الإستغلال. في نور-با-دو-كاليه، نصت الخطة الجديدة على استخراج إضافي وتمديد عقود بعض العمال. إعادة التشغيل أعطت الأمل لعمال المناجم من جديد. وأدى هذا التغيير إلى سياسة توظيف جديدة للعمال المغاربة وكذلك للعمال الفرنسيين. وقد تجسدت الليبرالية في تجديد العقود.
ولكن ذلك كان في أحسن الأحوال تمديد للموعد النهائي. بالتأكيد كان إغلاق المناجم بسرعة أقل مما كان متوقعاً. ونصت المهلة الجديدة المقرة من الحكومة على استخراج المزيد من الفحم وتمديد بعض العقود وإجراء مسوحات في أعماق الأرض التي يصعب الوصول إليها.
بالتالي جرى الحفاظ على إنتاج الفحم. مع ذلك، إن النتائج المالية استمرت بالتراجع. منذ عام 1974، جرى توظيف عمال مغاربة وفرنسيين. ولكن هذه النهضة لم تستمر. على الرغم من الدعم الحكومي الكبير لمناجم الفحم، تدهورت النتائج المالية، وبدءاً من عام 1976، تباطأ التوظيف بشكل واضح حتى توقف عملياً عام 1977. في المقابل، جرى تمديد مدة عقود عمال المناجم المغاربة التي ستصبح لمدة عامين بعد أن كانت 18 شهراً.
هذه الفترة المحددة لم تغير الوضع. بل على العكس، فقد استمر في التدهور. ولم يكن ممكناً استيعاب ديون المؤسسة بالكامل من خلال المساعدات الحكومية. وكذلك صعوبات تحويل العمال، وضعف المردود وضعت حداً لمشروع التعافي المحتمل. وجرى تأكيد إغلاق المناجم عام 1985.
سياسة تخفيض عدد العمال
أدى الانخفاض في الإنتاج إلى تركيز وإغلاق وتجميع مواقع المناجم. (60) طاول ذلك العمال، فمن عام 1971 إلى عام 1978، فقدت المناجم نصف قوتها العاملة، التي تألفت من عمال تحت الأرض الذين غادروا طوعاً، ووافقوا على التقاعد المبكر والتحول والنقل. (61)
تميزت هذه السياسة بحركة انكماشية في عدد العمال. ولفهم هذا الجانب على نحو أفضل، من الضروري ذكر أن الإجراءات كانت طبيعية أو طوعية. الحركة الانكماشية، والتي يمكن وصفها بأنها طوعية، تعلقت بالإجراءات التي يمكن مصادفتها في كل مؤسسة، أي التقاعد، عدم تجديد العقود، وتسريح العمال، والمغادرة الطوعية. تسببت هذه الإجراءات بزيادة القلق من التقاعد المبكر، ومنع التوظيف، والتحويل بين المهن، وإعادة التدريب. في هذا الإطار، سهّل المغاربة عملية إعادة التدريب. واتجه الفرنسيون إلى العمل في مهن جديدة أو إختاروا التقاعد المبكر مع دخول المغاربة في هذا المجال. ونتيجة ذلك، حصل استبدال متوازن لم يؤثر على الإنتاج كثيراً.
تحركات العمال
شملت حالات التقاعد العادية أقل من خُمس اليد العاملة بقليل.
جددت عقود عمال المناجم المغاربة فقط. تمكن عمال المناجم المغاربة، الذين شُغّلوا بموجب عقود عمل محددة المدة، إذا استطاعوا العمل، من تجديدها بعد إقامة لمدة 4 أشهر في المنزل. وقد أدرجت أسماؤهم في اللوائح تحت عنوان إجازة طويلة الأمد.
إذا لم يعد العامل إلى المنجم، يشطب اسمه من اللوائح تحت عنوان عدم تجديد العقد. (62)
وإذا كانت نسبة من لم تجدد عقودهم قد بلغت 4،5 بالمئة، فقد مثلت المغادرة الطوعية نسبة 10 بالمئة من المغادرين، ثلثهم من المغاربة، والذين كانوا أصغر سناً للاستفادة من هذه الإجراءات، سواء لناحية التحويل أو التقاعد المبكر. وقد أدرجت أسماؤهم في اللوائح بأنهم يفضلون قضاء حياتهم المهنية في مكان آخر.
أما بالنسبة لتسريح العمال، فقد كان نادرا لأن المناجم نظمت الركود المنجمي على نحو جيد، أي دون خلق اضطرابات اجتماعية.
التغييرات الداخلية مهمة. وهي مرتبطة بقدرات عمال المناجم على القيام بالعمل في أعماق المنجم. وصنف البعض إما أنهم عمال غير صالحين للعمل الإنتاجي أو أنهم “معوّقون”. وأدت هذه التحويلات إلى خسارة كبيرة في الأجور إذا اختار عامل المنجم الذي تنطبق عليه شروط التقاعد المبكر. كان المعوقون، وضحايا الأمراض المهنية وحوادث العمل، أول من استفاد من الوظائف، ولكن طُلب منهم بعد ذلك اختيار التقاعد المبكر وترك المجال لأولئك غير القادرين على العمل المنتج.
نتائج التحركات
وقد طوِّر التقاعد المبكر بموجب مرسومين صدرا عام 1967 و1969، اللذين أتاحا تمتعاً فورياً بمعاش تقاعدي إذا كان بإمكان عامل المنجم إثبات 30 سنة من الخدمة من بينها 20 في المناجم (27 تشرين الأول/أكتوبر 1967)، أو إذا كان بإمكانه إثبات 30 سنة خدمة ومعدل عجز لا يقل عن 30 بالمئة. واحتفظ أصحاب الحق بتقاعد مبكر بكل المزايا المعطاة لعمال المناجم المتقاعدين، وخاصة التدفئة والإسكان.
من الأعماق إلى ضوء النهار
ركزت سياسة التقاعد المبكر بشكل أكبر على الموظفين النهاريين. في الحقيقة، سلطت الضوء على العمال تحت الأرض الذين شغلوا وظائف فوقها، وأعيد تصنيفهم، وأعيد تدريبهم، ووضعوا ضمن برنامج التقاعد الطبيعي أو المبكر. (63) بالتالي، إن نظام التقاعد جعل من الممكن تحرير العمال من القاع.
وقف توظيف الفرنسيين وتجنيس المغاربة
كان توظيف الفرنسيين قليلاً جداً خلال سنوات الركود، ما عدا سنوات التعافي حيث كانت المناجم بحاجة إلى موظفين دائمين. وتجاه عدم اليقين إزاء مستقبل المؤسسة، تجنب المسؤولون توظيف الفرنسيين لأنهم لن يستطيعوا ضمان حياة مهنية كاملة. ومن ناحية أخرى، إن توظيف المغاربة، الذين هم أقل تطلباً، جعل من الممكن مواجهة التقلبات الاقتصادية. من خلال عقودهم المحددة المدة، حافظت المناجم على المرونة في القوى العاملة لديها. أتاحت العقود المحددة المدة بالإبقاء على احتياطي مستقر من اليد العاملة، وتجنبت مساوئ الترقيات أو التنظيم أو المطالبات.
في نهاية الأمر، كان يمكن لعمال المناجم المغاربة تجديد عقودهم بعد فترة إجازة 4 أشهر، ويتركون القوى العاملة بانتظار استدعائهم للعمل من جديد في المؤسسة فيظهرون لاحقاً في الجداول بعد موافقة رئيس المنجم والخدمة الطبية. بدءاً من عام 1972، كان بالإمكان تجديد العقود من 6 إلى 12 شهراً مع أثر فوري ومن ثم من سنة إلى سنتين قابلة للتجديد عند انتهاء الفترة الزمنية مع إجازات سنوية حيث تكون تكاليف النقل من مسؤولية المؤسسة. وهكذا، احتفظت المناجم بإمكانية الاستعانة بأفراد مدربين من دون استبعاد إمكانية تقليل عددهم. مع ذلك، وبدءاً من عام 1977، (64) تاريخ التوقف عن توظيف الأجانب، هدفت سياسة المناجم إلى جعل السكان الأجانب أكثر استقراراً من خلال تمديد مدة العقود من 18 شهراً إلى عامين. في تلك الفترة من الاستقرار النسبي، أرادت المناجم الحفاظ على العناصر الصالحة وعدم استدعاء جماعي منها بعد الآن. ولكن، وإذا كانت هذه السياسة أكثر إفادة بالنسبة للمناجم لأنها تحد من فترة التدريب وجعل العمل أكثر كفاءة، تمتع عامل المنجم المغربي بشكل تدريجي باستقرار مهني أكبر. أما هدف تخفيض عدد اليد العاملة فقد تميز بتثبيت عدد العمال المغاربة في أرقام الإحصاءات.
لكن هذا النظام أسس لعملية توطين العمال المغاربة. إذ استفاد المغاربة المتعاقدون بموجب عقود محددة المدة بمزايا مهنية نوعية (السكن، التدفئة، الإستشفاء المجاني، والمساعدات العائلية)، لكن على الرغم من هذه المزايا، إن العقود لم تكن تسمح لهم بتغيير وظائفهم أو مكان إقامتهم. ومن خلال هجرهم للمنجم، وجدوا أنفسهم في وضع غير نظامي ونادراً ما حصلوا على بطاقات عمل.
نقطة تحول حاسمة: اكتساب وضعية عامل المنجم
في نهاية الإضراب الاحتجاجي الذي قاده العمال المناجم المغاربة والنقابات عام 1980، منحوا وضعية عمال المناجم، ما مثل نقطة تحول حاسمة في تاريخ موجة الهجرة هذه. بالتالي، تمكنوا من الإستفادة من المزايا التي تمتع بها الفرنسيون. (65) هذا القرار، الذي اعتبرته المناجم سخياً، لم ينل موافقة الجميع. منحهم هذا العقد غير المحدد المدة عملاً طويل الأمد، وشجع على مجيء أعداد كبيرة من العائلات.
أعلن فيليكس مورا، المسؤول عن التوظيف، التالي:
“كان إلغاء هذه العقود خطأ. فقد حذفنا بذلك مصدر دخل للمغرب لأن العائلات جاءت واستقرت هنا… كان هناك أشخاص عادوا إلى بلادهم ومعهم مبلغ مالي مهم، ثم أفسحوا في المجال أمام آخرين للمجيء إلى هنا”. (66)
لاحقاً، ونظراً لوجود الكثير منهم، وظهور مشاكل أخرى متعلقة بالتكيف والسكن وفي حين كان وضع المؤسسة غير قابل للمعالجة، كان على المناجم اتخاذ تدابير تحفيزية لتشجيع العودة إلى بلادهم (67) ولكن تمكن المغاربة من الحصول، من خلال التمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الفرنسيون، على نفس إجراءات إعادة التدريب أو التقاعد.
استمرت حركة التحول، التي وضعت عبر خطة بيتانكور عام 69، حتى عام 1973 ومن ثم تباطأت تحت تأثير أزمة الطاقة. وقد طاول الأمر نسبة 10 بالمئة من اليد العاملة، معظمهم من عمال الأعماق.
أتاح التحول، في الواقع، الاحتفاظ بالعناصر الإنتاجية واستبعاد من السوق من كان يمكنهم التقاعد.
طاول الأمر العمال الطوعيين، الذين تراوحت أعمارهم بين 32 عاماً على الأقل و44 عاماً كحد أقصى، والذين لديهم عشر سنوات أقدمية.
وقد حصلت بصورة تلقائية أو بعد دورة تدريبية داخل أو خارج الشركة الجديدة. في نهاية فترة التدريب، يؤكد عامل المنجم خياره بشكل نهائي: إما ترك المنجم فيفقد بذلك مزايا مهنة من أجل الحصول على مهنة أخرى، أو الانضمام إلى موظفي المناجم ويطلب تدريباً إضافياً.
ترافق التحويل مع المزايا التي حددتها العقود المختلفة. وشملت هذه المزايا مكافأة التحويل، و5 رواتب إلى 12 راتب، وإمكانية الاحتفاظ بالمسكن أو تأجيل دفع القروض المرتبطة بشراء العقارات. إضافة إلى ذلك، يمكن الإحتفاظ بمنحة لأطفالهم الذين حصلوا عليها من المجموعة الأوروبية للفحم والفولاذ تعويضاً عن فقدان الراتب، وتعويض النقل وإعادة توظيفهم، في حال تغيير المهنة.
النقل
شكلت عمليات النقل بين المهن وسيلة مهمة لضبط العمالة ووفق الحاجات.
وظائف جديدة
وقد سمحت الطلبات الخارجية لعدد قليل من الصناعيين بتأسيس أنفسهم إنطلاقاً من العمال في المناجم. فقد وفروا، بداية يد عاملة كثيرة تكون جزءاً من عمليات إنتاج-اليد العاملة-الإستهلاك. مثلاً، تطورت مصانع النسيج في السبعينيات لأنها جذبت العديد من العمال، بواسطة التعويضات والتقديمات، الذين لديهم خبرة في هذا القطاع، ولكن فقدت معظمها جزءاً كبيراً من قوتها العاملة بعد عدة سنوات لأسباب تتعلق بعدم الربحية.
كما جرى الاعتماد على صناعة السيارات للحلول مكان المنجم المتوقف. وفعلاً، بعد السبعينيات، سيترسخ هذا القطاع في بعض المناطق الصناعية المحيطة. (68) ولكن لم تتحقق هذه الأهداف ولم يعوض العجز في الوظائف المفقودة بتلك الموجودة في هذه القطاعات.
في المقابل، تمكنت الصناعات الغذائية (البيرة- البسكويت- المعجنات) وقطاع المعادن من التقدم لكن بقيت مكتسباتها متواضعة، خاصة أن المصانع قد فضلت إنشاء فروع لها في الخارج.
القطاع الثالثي
كما زادت الأعمال في مجال الصحة والمفروشات والخدمات العقارية وتجارة التجزئة. لكن القطاع الثالثي ارتبط ارتباطاً شديداً بالقطاع الثاني وتأثيرات أحدهما تصيب الآخر.
إنطلاقة عام 1981: قفزة وهزة
عام 1981، سلطت الحكومة الضوء من جديد على الدور الذي يمكن أن يلعبه الفحم في إمدادات الطاقة الفرنسية. إنه التعافي. وقد حدد هدف الإستهلاك بين 53 و60 مليون طن سنوياً. استمرت سياسة الإنطلاقة لمدة عامين. في نهاية هذه الفترة، عمّت حالة الردة البلاد. الفحم لم يعد مربحاً. بل على العكس من ذلك، يكلف أكثر مما ينتج ربحاً. بين 1982 و1988، ارتفع سعر المبيع من 500 إلى 600 فرنك للطن، وكلفة الاستخراج من 900 إلى 1200 فرنك. إن الاحتياطات الضئيلة في باطن الأرض الشمالي باتت تنتج فحماً باهظ الثمن.
لم تحقق حقول الفحم الأخرى في لورين وسنتر-ميدي التوازن المالي كذلك. ومن ناحية معدلات الإنتاج وسهولة الوصول إلى الاحتياطيات، فإن الفحم الفرنسي والأوروبي لا يقارن إزاء حقول الفحم المكشوفة في بوليفيا وأستراليا، أو الاحتياطيات الضخمة في الصين وكولومبيا وجنوب إفريقيا.
بعد الاستبشار خيراً بوصول اليسار إلى السلطة، أرسلت بعثة تقصي الحقائق، فدقت ناقوس الموت. سقط الإنتاج غير المربح، سقوطاً حراً، وجرى قسمة العمال على 10. يجب وضع حداً لذلك، ووضعت خطة اجتماعية لا تضاهيها أهمية أي خطة أخرى، ولا يمكنها تجنب طرد العمال واقتلاعهم.
أبصرت الخطة النور عام 1984. ورمت إلى ضمان مستقبل تلك الأعمال والمؤسسات التي تعتبر مربحة فقط. لذلك استمر التركيز، ووضعت أساليب استغلال وإدارة جديدة بهدف زيادة الإنتاجية، وخفض كلفة التشغيل وتكييف العمال مع انخفاض الأعمال.
الخطة الاجتماعية
مع خطة الإنتاج التي أطلقت 19 كانون الأول/ديسمبر 1986، كان القرار الرئيس هو الوقف النهائي لكل الأعمال الاستخراجية في مناجم الفحم في نور وبا-دو-كاليه. ووضعت خطة لوقف التوظيف. وكان آخر منجم جرى إقفاله هو وانيي عام 1990. ولذلك يجب الإنتهاء من كل اليد العاملة. وتضمنت هذه المرحلة خطة اجتماعية نهائية.
مضمون الخطة الاجتماعية
“هدفت الخطة الاجتماعية إلى حل مشاكل الموظفين المتضررين من إغلاق المناجم.
جرى تقسيمهم إلى 3 مجموعات:
المجموعة الأولى تضم العمال الذين يمكنهم المطالبة بالتقاعد المبكر قريباً.
المجموعة الثانية مكونة من العمال الأصغر سناً الذين لا يمكن للمؤسسة ضمان استمرار حياتهم المهنية. كان الهدف تمكينهم من الوصول إلى 15 عاماً من الأقدمية.
المجموعة الثالثة، تتضمن من لا يندرج في المجموعتين السابقتين. بالنسبة لهم، ستعطى الأولوية لإعادة تصنيفهم. والهدف واضح: التقاعد، وعدم الإضرار بالعمال الذين لديهم أقل من 15 سنة خبرة، والسماح لأولئك الذين لديهم أكثر من 15 سنة خبرة بإنهاء حياتهم المهنية وفق شروط صحيحة”.
لطالما كانت المناجم سعيدة بتخفيض عدد عمالها دون طردهم، ولكن سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن تدابير التكيف المختلفة ستنفذ بإجماع كامل من العمال.
شكل الأمل في تأجيل مواعيد الإغلاق العقبة الأولى أمام التحول لأن العمال يفضلون انتظار تقاعدهم. وتمثلت العقبة الثانية برغبة العمال الحفاظ على المزايا المكتسبة من وضعية عامل المنجم (سكن، ضمان اجتماعي، وتدفئة). إضافة إلى ذلك إن الرغبة بالتحويل كانت موجودة عند البعض فقط، ولكن العروض لم تكن كافية لتأمينها، لذلك بقيت الحوافز آخر ما يقدم. أجبر عمال المناجم، بشكل ما، على اختيار هذا الخيار المقيد لهم. أثارت هذه السياسة التعسفية الشجب. وفي هذا السياق، فإن آخر عمال المناجم المغاربة، والأكثر تضرراً، اتخذوا إجراءات قاسية جدا.
إغلاق المناجم
جرى التحضير للوقف النهائي لاستخراج الفحم بشكل دقيق من قبل المناجم، التي ألغت حوالي 20 ألف وظيفة خلال 6 سنوات. وتقاعد أكثر من 12000 من عمال المناجم، ضمن إجازة نهاية الخدمة أو عطلة تكيف. وبالنسبة لـ 5600 الآخرين، فقد حُددت عدة طرق تحويل لهم، على سبيل المثال، إتفاقية موقعة من كهرباء فرنسا-غاز فرنسا مكنت من توظيف 1043 من عمال المناجم، واتفاقية مع غرفة التجارة التي أعادت تصنيف 300 عامل منجم.
كما مكنت الدورات التدريبية المهنية بعض الموظفين من العثور على عمل، خاصة في المواقع الرئيسة في نفق المانش أو في ألبيرفيل، وفي موقع الألعاب الأولمبية. لذلك كان التفاؤل مناسباً للمناجم. ولكن هذا التفاؤل لم تشاركه النقابات بالضرورة، فقد استهجنت الطرد، ومشاكل السكن، والوظائف المؤقتة، والمشاكل التي سيمر بها عمال المناجم الذين لن يعودوا إلى البلاد.
فأقفلت الدائرة دورتها. أغلقت المناجم، وبات على عمال المناجم حزم حقائبهم والانتقال إلى آفاق مهنية جديدة، لأنه لم يتقاعد الجميع، وبالنسبة للأغلبية من المغاربة، لم يكن لديهم سوى سنوات قليلة من الأقدمية في سيرتهم المهنية.
الهوامش:
38. بدءاً من السفوح الأولى للأطلس الكبير، تمتد منطقة سوس إلى الجنوب لتشمل السلسلة بأكملها، وادي سوس والأطلس الصغير وتصل حتى المنطقة الصحراوية. في الشرق، تصل حتى وادي درعة وروافده. في الشمال الشرقي، تصل حتى سلاسل جبال الأطلس الأوسط. يفصل وادي سوس بين منطقتين مختلفتين: الأطلس الكبير، المتضمن القمم العالية والأودية الغنية، والأطلس الصغير بقممه المستديرة والخاضع لتأثير الصحراء.
39. J Ray, opus cité.
40. عادة ما تذكر العلاقة بين المدخرات والمال بأنها مكون ثقافي مميز لهذه الفئة السكانية. يتنافس جزء صغير يكوّن الطبقة البرجوازية من التجار في المغرب مع البرجوازية التقليدية. برجوازية سوس تتكون من عائلات من تزنيت وأكادير وتافراوت.
41. من بين 1316 مغربيا وصلوا إلى نور وبا-دو-كاليه، 924 منهم من أكادير، و125 من مراكش، ووارزازات، و267 من مكناس وتافيلالت.
42. كومونة قريبة من دواي، في شمالي فرنسا.
43. آلة تحفر باطن الأرض جيئة وذهاباً بواسطة الكابلات التي تحركها، وبعدها ينقل الفحم عن طريق نفس الحركة ذهاباً وإياباً.
44. بعد الاستخراج ومع تقدم عملية القطع، تزال الدعائم ما يسبب في إنهيار الحفرة.
45. في كانون الأول/ديسمبر 1949، توقف تشغيل المهجّرين.
46. كانت وضعية عامل المنجم تؤمن فرصة عمل ولكن كذلك ميزات عينية: السكن والرعاية الصحية، وحصص من الفحم، واعتراف بالسيليكا كمرض مهني من خلال نظام معين من الضمان الاجتماعي وضع موضع التنفيذ بموجب مرسوم صدر في 14 حزيران/يونيو 1946.
47. تسبب التباطؤ الاقتصادي في فترة 1949-1950 وضعف عملية بيع الفحم في ظهور البطالة الجزئية وتراجع بعدد العمال. كذلك نقل الأخيرين بين الأحواض، وخاصة المغاربة من بينهم بعد إقفال جيسبين وثينفانسيل، ودوشي ودونين. وبما خص السياق العام، فقد تميز بالرحيل الطوعي للعديد من عمال المناجم نحو الصناعة والبناء واستدعاء العمال للتجنيد على الرغم من تعليق الاستئناف لمدة 6 أشهر لصالح عمال الأعماق (خلال حرب الجزائر). وقد نتج عن ذلك أزمة توظيف كبيرة، تزايدت خلال الأحداث السياسية في المغرب العربي وقرار الحكومة الإيطالية منع السفر للعمل في المناجم بعد كارثة منجم مارسينيل في بلجيكا التي أودت بحياة 263.
48. المجموعة الأوروبية للفحم والفولاذ.
49. ضمت منطقتا فالنسيين ولانس تقريباً 80 بالمئة من المغاربة.
50. حدد المرسوم شروط لم الشمل العائلي وقد صدر يوم 29 نيسان/إبريل عام 1976 والتعميم الصادر يوم 9 تموز/يوليو 1976. يمكن تلخيص الشروط ضمن 6 نقاط: الإقامة لمدة سنة، الوضع النظامي، موارد كافية، المسكن المناسب، واحترام النظام العام والرقابة الطبية.
51. طابور: فيلق عسكري مغربي مكون من عدة فرق عسكرية.
الغوم: في شمال إفريقيا، كان التدريب العسكري المساعد يستقطب سكاناً أصليين ويشرف عليه فرنسيون.
52. بات التجديد ممكناً بعد الحصول على رأي مؤيد من رئيس الموقع والخدمة الصحية. علماً أن العقد يستمر لمدة 12 شهراً ولكن يتعهد صاحب العمل للموقع بتوفير العمل لمدة 18 شهراً للعامل الموقع للعقد ومن اليوم التالي لوصوله، خصصت الأشهر الستة للتكييف وتعلم المهنة. وكانت المسألة الأساسية الحصول على وضعية عامل المنجم. لذلك، إن توظيف العمال المهاجرين جعل ممكناً الحفاظ على يد عاملة كافية، لتجنب زيادة عدد الحاصلين على هذه الوضعية وضمان المسكن والرعاية الصحية وحقوق الأقدمية بعد هذا التاريخ. إضافة إلى ذلك، يمكن إعادة تشغيل العامل المغربي بعد 3 أشهر إقامة في المغرب. ونتيجة لذلك، لم يكن ممكناً مراكمة سنوات أقدمية.
53. جرى توظيف 9795 فقط من الفرنسيين.
54. ينبغي التوضيح أن مشكلة إعادة التدريب ليست فرنسية على وجه التحديد إنما أوروبية، حتى لو تأثرت كل الدول بنفس الطريقة. في الأساس، جرى التعبير عن هذه المخاوف في المؤتمر الحكومي الدولي حول إعادة التدريب في لوكسمبورغ في إطار المجموعة الأوروبية للفحم والصلب في الفترة الممتدة من 27 أيلول/سبتمبر حتى 1 تشرين الأول/أكتوبر عام 1960. كان لهذا المؤتمر مصلحة في معرفة ما حصل في أماكن أخرى، وخاصة في بريطانيا العظمى وبلجيكا.
55. في الحقيقة، كان التقليص في نور-با-دو-كاليه 9 بالمئة، إقرأ حول الموضوع: Restructuration minière et reconversion Odile Boudant Desbonnets, 1979, Thèse de géographie, Lille I.
56. المجموعة الأوروبية للفحم والصلب.
57. سعر الفائدة 4،5 بالمئة لمدة 10 إلى 15 سنة.
58. أوصى المرسوم الصادر يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر عام 1967 بالتقاعد المبكر بمجرد عمل الشخص المعني لمدة 30 سنة؛ ومنح ذلك الصادر يوم 11 نيسان/أبريل 1959 التقاعد المبكر عندما يصاب عامل المنجم بحادث عمل أو عندما يكون ضحية لأمراض مهنية.
59. الأوبيب: منظمة الدول المصدرة للنفط.
60. وهكذا، من عام 1971 إلى 1978، فقد الحوض حوالي نصف اليد العاملة، عام 1970 كان 23 موقعاً يعمل، عام 1978 لم يبقَ سوى 9. عام 1970 كان هناك 24 موقعاً من إيستيفيل و10 في أويني، وأوقف 6 في ليفين. 1973: إغلاق 10 في إيسكاربيل؛ 1974: تجميع 7 من ليفين من أصل 19 في لانس، وتجميع 21 و3 في كورتير. 1976: إغلاق 18 في لانس.
61. تبلغ نسبة المغادرين من العمال المغاربة 1/3 وذلك قبل نهاية الفترة التجريبية البالغة 6 أشهر. بالنسبة للآخرين، ومعظمهم من الشباب غير القادرين على الاستفادة من التقاعد المبكر أو تدابير التحول. فقد أملوا بمواصلة حياتهم المهنية في مكان آخر. ودعونا نوضح إلى أن النقل من الأعماق إلى السطح كان يؤدي إلى خسارة الراتب بحيث يفضل عمال المناجم التقاعد المبكر.
63. جرى تخفيف هذه التدابير خلال فترة استخراج الفحم التي سعت خلالها مناجم الفحم إلى الحفاظ على موظفيها.
64. تجدر الإشارة إلى أن المناجم قد واصلت توظيف العمال المغاربة بشكل متقطع بعد توقف الهجرة.
65. على المستوى الاجتماعي، وقبل عام 1980، كانت تكلفة تأمين العمال المغاربة أقل بالنسبة للصندوق الاجتماعي المستقل لأنهم كانوا غير متزوجين. مع ذلك، وبحسب إتفاقيات 1983، قدمت المنح العائلية في المغرب للعائلات المؤلفة من 4 أطفال كحد أقصى وحتى سن 18. واليوم، ومع وصول العائلات ذات الخصوبة العالية، باتت الاستفادة من الضمان أكبر. ولكن لا ننسى الإشارة إلى أن عدداً كبيراً منهم قد دفعوا اشتراكات التقاعد ولكنهم لم يتمكنوا من المطالبة بها بعد عودتهم إلى البلاد.
66. Horizon 59, opus cite.
67. تأسست منظمة مساعدة العودة في حزيران/يونيو عام 1977 على يد ليونيل ستوليرو. وكان الهدف منها تشجيع العمال الأجانب وعائلاتهم على العودة إلى بلادهم واستهدفت بشكل أساسي العمال المهاجرين العاطلين عن العمل. شرط مغادرة كل أفراد الأسرة الموجودين في فرنسا، كان مصحوباً بالتخلي عن كل الحقوق والمزايا المكتسبة والتزام بعدم العودة إلى فرنسا كعامل. وقد ألغيت هذه الإجراءات واستبدلت بنصوص جديدة. وفي عام 1984، عدنا للتفاوض على العودة المرفقة التدريب وإعادة الإدماج:
“فضلت الحديث عن مساعدة على إعادة الإدماج، وهي فكرة أشمل بكثير من تلك التي وضعها السيد ستوليرو عام 1977 (…) اليوم نريد استبدال النظام القديم للمهاجرين الذين يرغبون في ذلك، وليس مساعدة العودة الموحدة، إنما تأمين حقوقهم من رواتب والضمان الاجتماعي (…) (Georgina Dufoix, secrétaire d’état chargé des immigrés, le monde, 19 janvier 1984).
68. بيتون، دواي، دوفرين.