ديناميات الصراع وأزمة بناء الدولة، 1
مهدي جابر مهدي
الحوار المتمدن
-
العدد: 7563 - 2023 / 3 / 27 - 21:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد عقدين من الزمن على التغيير السياسي ( 2003- 2023 ) واسقاط النظام الدكتاتوري ، يتميز الوضع في العراق بحالة عدم الاستقرار بفعل تراكم المشكلات والتحديات على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، والدوران في دوامة الأزمات المتشابكة ،حيث يعيش المواطن تحت وطأة معاناة متواصلة بفعل السياسات الخاطئة التي اعتمدتها النخب الحاكمة منذ 2003 .
فالنظام السياسي بات عاجزاً عن الاستجابة لمطالب وحاجات المجتمع ويسعى عبر وسائل متعددة ، سلمية وعنفية ، لاعادة انتاج نفسه وتسويق زعاماته الفاسدة . وبات جلياً ان منظومة الحكم الحالية غير قادرة على توفير حياة كريمة للعراقيين .
ان اخفاق النظام السياسي في الاستجابة للتحديات من جهة ، وفشل عملية بناء الدولة على اسس سليمة ورصينة من جهة اخرى ، شكلت ظواهر تهدد كيان الدولة والمجتمع .
ومن هنا نحاول رصد عدة قضايا تتعلق بهذه الاشكاليات وتحليل ابعادها في ( 5 ) محاورمركزة :
( 1 )
اقترن التغيير السياسي في التاسع من ابريل 2003 بالحرب والاحتلال الامريكي وفق قرار مجلس الامن الدولي 1483. وصاغت الولايات المتحدة الامريكية خارطة طريق وآليات عمل عنوانها ديمقراطي ، لكن مضمونها وترجمتها اكدت انها على النقيض من ذلك ، سواء ما يتعلق بمبادئ ومؤسسات الديمقراطية او شروط ومقومات الانتقال الديمقراطي وتطبيقاته .
انتقل العراق من دولة مركزية غير ديمقراطية ( ملكية وجمهورية 1921-2003) الى دولة اتحادية نص دستورها ( 2005 ) على مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان . هذا التحول المهم في عملية بناء الدولة شهد تعثراً واضحاً على صعيد التطبيق . وان السير نحو الديمقراطية واجه ولايزال عوائق وصعوبات ادت الى تعثر التحول على صعيد الممارسة وقاد الى نتائج سلبية في مختلف المجالات.
ودون شك فقد تحققت خطوات هامة على صعيد بناء المؤسسات وآليات الديمقراطية منها : دستور 2005 والاستفتاء عليه / 6 دورات انتخابية / التعددية السياسية والحزبية / النشاط الواسع لمنظمات المجتمع المدني / الانتعاش الاقتصادي وتحسن مستوى المعيشة / التطور الكمي على صعيد التعليم / علاقات خارجية متوازنة نسبياً .....
ان طبيعة المجتمع العراقي بتنوع قومياته واديانه وتعدد قواه السياسية المعارضة قبل 2003 ، وفر فرصة لعقد حوارات ورؤى انطلقت من ضرورة التخلص من الدكتاتورية وارثها عبر توافقات ومساومات سياسية تنطلق من خدمة مصالح المجتمع وتحول دون عودة الدكتاتورية . وضمن هذا السياق اعتمدت التوافقية منهجاً . وكما يقول آرنت ليبهارت في كتابه " الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدد " : ( السمة الاساسية للديمقراطية التوافقية ، هي ان الزعماء السياسيين لكل قطاعات المجتمع التعددي تتعاون في ائتلاف واسع لحكم البلد . )
وبعد 2003 اعتمدت التوافقية منهجاً لادارة الدولة والمجتمع ، ولكن تم تطبيقها عبر المحاصصة الاثنوطائفية مع اول تشكيل لادارة الدولة – مجلس الحكم مروراً بجميع الحكومات وانتهاءاً بالحكومة الحالية اتي يترأسها محمد السوداني . وتم اعتماد صيغة المكونات ( شيعة / سنة / كورد ) و تثبيتها في الدستور وتمت ترجمتها عبر اعراف قوضت التطور الاجتماعي والاستقرار السياسي .
هذه المقدمات قادت الى نتائج او ترجمت في آليات تتنافى مع الديمقراطية :
1- تحول التوافقية الى محاصصة اثنوطائفية سياسية وحزبية وتحولت الدولة الى غنيمة –الدولة الغنائمية – لكل مكون او طرف سياسي يستثمرها من اجل مصالحه الضيقة. وهذا الذي تحقق في جميع الحكومات ، بما فيها الاخيرة برئاسة محمد شياع السوداني التي نالت ثقة مجلس النواب في 27 تشرين الاول 2022 .
2- تحولت المؤسسات الى هياكل غير فاعلة واصبحت تعيق التنمية والاستقرار وتضخمت باعداد هائلة غير منتجة واخفقت في تحقيق ادنى مستويات التنمية وهيمنت الدولة الريعية على جميع الهياكل الاقتصادية .
3- تراجع الهوية الوطنية المشتركة وتصاعد الهويات الفرعية وتنافرها من حيث الانتماء والولاء وتنامي ميول الاحقاد والكراهيات والارتياب من الآخروتنامي قيم التفاهة والرثاثة والانانية والابتذال .
4- لم تعد الدولة المحتكر الوحيد للعنف ، للقوة، للسلاح،حيث تزايدت وتغولت تدريجياً قوى مادون الدولة ( منظمات ارهابية ومليشيات ) . وانعكست ظاهرة تعدد مصادر القوة سلباً على هيبة الدولة والاستقرار السياسي والاجتماعي . وتشير بعض التقارير الى وجود ( 67 ) فصيل مسلح تنشط في مراكز المدن . هذا عدا سلاح العشائر والمنظمات والجماعات الارهابية ، في حين الاولوية ينبغي ان تُمنح لبناء جيش محترف غير مسيس قبل الشروع في البناء السياسي التوافقي .
5- استشراء الفساد الذي اخترق مؤسسات الدولة وتحكم في جميع مفاصلها . نكتفي هنا بمقتطف من رسالة استقالة وزير المالية الاسبق علي علاوي المؤرخة في 16 آب 2022 : " تعمل شبكات سرية واسعة من كبار المسؤولين ورجال الاعمال والسياسيين وموظفي الدولة الفاسدين في الظل للسيطرة على قطاعات كاملة من الاقتصاد ، وتسحب مليارات الدولارات من الخزينة العامة . هذه الشبكات محمية من الاحزاب السياسية الكبرى والحصانة البرلمانية وتسليح القانون وحتى القوى الاجنبية ".
6- تزايد انتهاكات حقوق الانسان وتضييق هامش الحريات ، خاصة حرية التعبير عن الرأي والاعتقالات التعسفية للصحفيين والكتاب والمثقفين والناشطين المدنيين بما في ذلك في اقليم كوردستان . وتعاني الاقليات من الضغوط السياسية والتمييز والملاحقات خاصة المسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين وغيرهم ، سواء في مرحلة داعش او مابعدها وان بدرجة اقل .
7- التباس العلاقة بين القوى الحاكمة في اقليم كوردستان العراق والحكومة الاتحادية والقوى المتنفذة بفعل عملية تخادم متبادلة بين الطرفين واعتماد سياسة الصفقات بديلاً عن فاعلية المؤسسات .
8- الحضور القوي للدين السياسي ورموزه عبر التدخل المباشر وغير المباشر في السياسة واذكاء الطائفية داخل الدولة والمجتمع .
9- تنامي العشائرية وتوسعها كأداة للتنظيم الاجتماعي وادارة وحل النزاعات عبر القوة والتفاوض وفق الاعراف القبلية وعقلية الثأر بعيداً عن مؤسسات الدولة .
10- التدخلات الاقليمية والدولية باشكال مباشرة وغير مباشرة وتحول العراق بسببها الى ساحة لتصفية الحسابات والخلافات وميدان لمصالح الدول المجاورة اقتصادياً وسياسياً.
كل هذه العوامل / النتائج أدت الى اضعاف الدولة العراقية ونظامها السياسي ، وحولت مشروع بناء الدولة التحديثية الى دولة التمثيل المكوناتي .