مداخلة في ندوة قضية الكويتيين البدون في الحراك السياسي والبرلماني ضمن جلسات المؤتمر التحضيري لقضية عديمي الجنسية 15 يونيو 2022 في جمعية المحامين
أحمد الديين
الحوار المتمدن
-
العدد: 7282 - 2022 / 6 / 17 - 10:11
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
مقدمة:
لا شك في أنّ البيان الصادر في 13 أبريل من العام الجاري 2022 عن مجموعة من القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني بشأن إضراب البدون يمثل نقلة نوعية نسبياً في الموقف الجماعي أو المشترك لعدد ليس قليل من هذه القوى والمؤسسات، حيث لم تكتف بمطالبة مجلس الأمة بسرعة العمل على إقرار تشريع عادل يضمن الحقوق الإنسانية بصفة الاستعجال، وإنما أشارت بوضوح في مقدمة البيان إلى أننا “كمجتمع نشعر بالإدانة الأخلاقية أمام الظلم والمعاناة التي يعيشها بشر وأسر نشاطرهم المواطنة والإنسانية.. إلخ”، ووصفت العلاقة بأنها علاقة شراكة في الوطن… وأن قضية البدون هي قضية هذه القوى السياسية والمؤسسات المجتمعية المدنية.
ويكفي أن نقارن هذا البيان مع البيان الصادر في 8 يوليو 2019 الذي وقعته مجموعة من القوى السياسية الموقعة على البيان الآخير لنلاحظ الفارق، فقد طالب الموقعون على ذلك البيان الحكومة بإقرار كل الحقوق المدنية والإنسانية للكويتيين البدون بشكل فوري على أن تلتزم الحكومة بمدى زمني معين تنشر بعده قوائم من يستحقون التجنيس، وأن تتعهد بحل أوضاع من لا يستحقو التجنيس بشكل يحفظ حقوقهم وكراماتهم وإنسانيتهم.
وبالطبع فإنّ مواقف القوى السياسية الكويتية بمختلف تكويناتها وعبر تاريخ تطور هذه القوى نفسها أو عبر ما تعرضت له قضية الكويتيين البدون من تطور، أو تدهور على أرض الواقع، ليست مواقف واحدة ولا هي مواقف متماثلة، بل هناك فروق كبيرة وتباينات جدية بين هذه المواقف، بما في ذلك ما يمكن ملاحظته من تطورات طرأت على مواقف بعض هذه القوى السياسية نفسها.
وترتبط مواقف القوى السياسية الكويتية تجاه قضية الكويتيين البدون باعتبارات منها ما هو طبقي يتحدد وفق الطبيعة الطبقية لهذا الطرف السياسي أو ذاك ومدى قربه من الجماهير الشعبية أو ابتعاده عنها، أو وفق اعتبارات منها ما هو وطني عابر للطوائف والقبائل والفئات بالنسبة للقوى السياسية الوطنية والديمقراطية والتقدمية اليسارية، وما هو طائفي أو فئوي أو حتى عنصري، وكذلك وفق اعتبارات سياسية وحسابات تتصل بالانتخابات.
مواقف القوى السياسية في السبعينات:
سنبدأ استعراضنا لهذه المواقف منذ سبعينات القرن العشرين، عندما كانت القضية حينذاك غير متبلورة بصورة واضحة، وعندما كانت معاملة الكويتيين البدون لا تختلف كثيراً عن معاملة سواهم من الكويتيين، خصوصاً من أبناء البادية، إلا في الجانب الانتخابي وتولي المناصب وشمولهم من عدمه في برامج الرعاية السكنية، حيث نجد أول تناول لجانب من هذه القضية في :برنامج العمل الوطني الديمقراطي” الذي أعلنه نواب الشعب “التقدميون الديمقراطيون”، وتم نشره في صحيفة “الطليعة”، العدد 308 الصادر بتاريخ 23 ديسمبر 1970، إذ جاءت في ذلك البرنامج دعوة إلى “الاهتمام بأبناء البادية واستيطانهم وتقديم كافة الخدمات لسكان القرى والعشيش وذلك بإقامة المدارس والوحدات الصحية والتوسع في بناء السكن الملائهم لهم مع توفير كافة الخدمات من كهرباء وماء لمنازلهم”.
ولاحقاً في العام 1974 نجد أنّ موقف مجموعة نواب الشعب قد تطور، فوفقاً لما جاء في “برنامج العمل الوطني لنواب الشعب”، ديسمبر 1974، ص ص 27-28، تحت البند: تاسعاً: السياسة السكانية والتجنيس والإقامة، حيث توسع الاهتمام بالقضية ليشمل مسألة الجنسية، إذ ورد في ذلك البرنامج “إن قوانين الجنسية والإقامة المعمول بها حالياً تحمل كثيراً من النواقص والثغرات، بالإضافة إلى التطبيق السيىء لها، مما خلق ويخلق حالة من عدم الاستقرار.
وعليه فإن السياسة السكانية يجب أن تحدد وفقاً لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقدرتنا على استيعاب الطاقات البشرية، ولذلك يلتزم مرشحو نواب الشعب بالعمل من أجل:
1- وضع سياسة سكانية مدروسة تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الحقيقية من العناصر البشرية وفقاً لمتطلبات التنمية.
2- تعديل قانون الجنسية، وضمان التطبيق العادل له، بحيث لا يميز بين مواطن وآخر.
3- تشكيل لجان الجنسية من المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والتمتع بروح المسؤولية، والمستوعبين لمتطلبات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية واحتياجاتها من التوسع السكاني كماً ونوعاً.
4- وضع شروط عادلة للإقامة تراعي الظروف الأمنية والاقتصادية والاجتماعية”.
الموقف المميز لليسار الكويتي:
وبالنسبة لليسار الكويتي والقوى المرتبطة به فقد كان موقفه متقدماً منذ بداية السبعينات، ففي العام 1973، أعلنت “حركة العمل الديمقراطي” برنامجها، وهي حركة كنت مع الدكتور أحمد الربعي والدكتور خالد الوسمي نشارك في قيادتها، ووردت في برنامجها دعوة واضحة ومباشرة إلى “تجنيس كل الكويتيين المحرومين من الجنسية والقضاء على المماطلة والمساومات مقابل هذا الحق المشروع” (راجع صفحة 72 كتاب د. فلاح عبدالله المديرس، ملامح أولية حول نشأة التجمعات والتنظيمات السياسية في الكويت من 1938 إلى 1975 الطبعة الثانية).
وذلك على خلاف برامج سياسية أخرى صدرت عن جماعات سياسية ليبرالية أو محافظة نشأت حينذاك وأطلقت برامجها مثل الأحرار الدستوريين، والشباب الوطني الدستوري، ومنهاج عمل التجمع الوطني الصادر في نوفمبر 1974، التي تجاهلت هذه القضية في وثائقها الأساسية.
وبالنسبة إلى “حزب اتحاد الشعب في الكويت” الذي تأسس في العام 1975 فإننا نجد في برنامجه الصادر في العام 1978 دعوة إلى “تأمين السكن الملائم لسكان العشيش”، ومطالبة في الصفحة 26 منه بضرورة “شمول الضمان الاجتماعي للعمال والموظفين والكسبة لجميع القطاعات، وليستفيد منه جميع المواطنين والسكان بغض النظر عن جنسياتهم”، بالإضافة إلى الدعوة لتحقيق “المساواة في الحقوق الاقتصادية الاجتماعية والمدنية بين جميع السكان، وإلغاء أي تمييز بسبب الأصل أو الطائفة أو الجنس… ووضع نظم ديمقراطية عادلة للجنسية والإقامة، وذلك من أجل تنمية العلاقات الاجتماعية على أسس وطنية وإنسانية”… وفي السياق ذاته فإن “اتحاد الشبيبة الديمقراطية في الكويت” وهو التنظيم الشبابي المرتبط بحزب اتحاد الشعب في الكويت، يطالب في برنامجه الصادر في العام 1979 في الصفحة الثالثة منه بإتاحة “الفرصة أمام الشبيبة والمواطنين المحرومين من الجنسية من الحصول على حقهم المشروع في الانتماء للوطن الذي ولدوا وعاشوا فيه ولم يحصلوا على جنسية بلد آخر سواه”.
أما “الحركة التقدمية الكويتية”، التي تمثّل امتداداً تاريخياً لحزب اتحاد الشعب في الكويت الذي تأسس في العام 1975، وهي حزب ذو توجه اشتراكي، فقد كانت منذ بداية انطلاقتها في العام 2010 تتميز بموقف متقدم تجاه قضية الكويتيين البدون، ويكفي أن الحركة التقدمية هي أول حركة سياسية كويتية تبنت مصطلح الكويتيين البدون في وثائقها وبياناتها وخطب قياداتها وأحاديثهم التلفزيونية منذ يوليو من العام 2012 أي قبل عشر سنوات من يومنا هذا، كما رفضت الحركة التقدمية وصف قضية الكويتيين البدون بأنها مشكلة، مثلما يتردد غالباً، أذ تتمسك الحركة بطرح القضية كقضية عادلة، وشتان ما بين القول بأنها مشكلة يجب التخلص منها، وبين القول إنها قضية عادلة يجب النضال من أجل حلها، وعلى سبيل المثال، لا الحصر، فإنّ وثيقة المهمات المباشرة الصادرة عن المؤتمر الثاني للحركة التقدمية الكويتية في العام 2021 تدعو بوضوح لا لبس فيه إلى “إقرار حل نهائي انساني وطني عادل لقضية الكويتيين البدون، بعيداً عن النظرة العنصرية والمعالجات الوقتية والتشريعات الترقيعية، وذلك عبر تمكينهم من نيل حقوقهم الإنسانية والمدنية، وإعادة فتح باب التجنيس”.
كما أنشأت الحركة التقدمية الكويتية مكتباً مختصاً بقضية الكويتيين البدون، وتتميّز الحركة بمتابعتها الحثيثة لهذه القضية من جميع جوانبها والمشاركة على الأرض في الاعتصامات والوقفات المتصلة بها، وطرح القضية في معظم بياناتها وندواتها العامة.
وفي السياق ذاته فقد أقر المؤتمر العام الثالث للاتحاد العام لعمال الكويت المنعقد في الفترة ما بين 8 – 12 ديسمبر 1984 وثيقة “برنامج الاتحاد العام لعمال الكويت”، التي دعا الاتحاد فيها إلى “إدخال تعديلات ديمقراطية على قانون الجنسية بما يضمن حصول المواطنين المستحقين للجنسية على حقهم في الانتماء لوطنهم”.
ائتلافا التجمع الديمقراطي والمنبر الديمقراطي”:
وتبنى مرشحو “التجمع الديمقراطي” لانتخابات مجلس الأمة في العام 1985 في برنامجهم الانتخابي المطلب ذاته بإدخال “تعديلات ديمقراطية على قانون الجنسية تعالج المشاكل الناتجة عن تخلف القانون الحالي أو سوء تطبيقه”.
ولعل أي متابع لقضية الكويتيين البدون لا يستطيع أن يتجاهل الدور المشهود لصحيفة “الطليعة” ذات التوجه التقدمي الوطني الديمقراطي، فهي الصحيفة الوحيدة التي فضحت تفاصيل التقرير السري للجنة الوزارية المصغرة المتضمن سياسات التضييق المنهجية على الكويتيين البدون في العام 1986.
وامتداداً لهذ السياق فقد حدد مرشحو المنبر الديمقراطي الكويتي في برنامجهم الانتخابي لانتخابات 1992 المعنون “نعدكم” أنهم سيسعون “نحو تقديم اقتراحات للحد من تفاقم مشكلة غير محددي الجنسية “البدون” وصولاً إلى معالجتها من خلال:
1- اعتماد احصاء 1965 كأساس للبيانات المتصلة بأوضاع “البدون” الذين كانوا مستوطنين بالكويت آنذاك، ومراجعة طلبات التجنيس المعروضة أمام لجان الجنسية في عام 1966 عندما تم وقفها، واعتمادها أساساً في معالجة أوضاعهم.
2- استحداث مادة في قانون الجنسية تجيز منح أقارب الكويتيين وأصحاب الخبرات وذوي الكفاءات والذين أمضواء سنوات طويلة في الخدمة، وخصوصاً الخدمة العسكرية “بطاقة خضراء” كترتيب تمهيدي، مع تطبيق المادة الرابعة من قانون الجنسية عليهم، وزيادة نصاب العدد الممكن تجنيسه… والتوسع في تطبيق المادة الخامسة من قانون الجنسية التي تجيز منحها لمن أدوا خدمات جليلة للبلاد وللمولودين من أمهات كويتيات إذا كان آباؤهم قد طلقوا أمهاتهم وانفصلوا عنهن.
3- تعديل المادة السابعة من قانون الجنسية التي تقصر حق اكتساب الجنيسة بالتبعية على القصّر من أبناء المتجنسين، بحث تمنح الجنسية أيضاً لأبناء الكويتيين بالتجنس من الراشدين الذي أقاموا في الكويت مدة معينة”.
بيد أنّ برنامج المنبر الديمقراطي المعنون “طريق الكويت نحو النهضة والتغيير” الصادر في مارس 1999، وهو البرنامج الحالي للمنبر لم يكن بهذا الوضوح والتفصيل، حيث دعا بشكل عام إلى “حل مشكلة البدون بتعديلات قانونية مناسبة مع مراعاة الاعتبارات الإنسانية والتنموية، وذلك بتجنيس من يستحقون الجنسية الكويتية، ومنح الحق في العمل والعلاج والتعليم والإقامة الدائمة لمن ولدوا في الكويت واستمروا في الإقامة فيها وانقطعوا عن بلدانهم الأصلية، وذلك وفق ترتيبات خاصة”.
والملاحظ أن القوى السياسية الأخرى، وخصوصاً الإسلامية منها، لم تبد اهتماماً بقضية الكويتيين البدون إلا في وقت لاحق وذلك بعد التحرير، ومع ذلك فقد كانت مواقف معظم تلك القوى السياسية الأخرى ضعيفه.
مواقف القوى السياسية الإسلامية:
نستطيع أن نتتبع مواقف القوى السياسية الإسلامية في كتاب د. فلاح عبدالله المديرس، التجمعات السياسية الكويتية (مرحلة ما بعد التحرير)، الطبعة الثانية الصادر في 1996، حيث يشير إلى أن موقف الحركة الدستورية الإسلامية “حدس” الوارد في وثيقتها “الرؤية الاستراتيجية الجديدة لإعادة بناء الكويت” يشير إلى وجوب حل قضية البدون “من خلال نظام يقره مجلس الأمة بالنسبة لجزء من هذه الفئة، أما الباقون فيجب اعتبارهم غير كويتيين حفاظاً على الحقوق العامة والخاصة لحفظ الأمن والاستقرار”.
ولكن هذا الموقف تطور نسبياً بعد ذلك حيث نقرأ في وثيقة “تصور رؤية الحركة الدستورية الإسلامية لإصلاح الوضع السياسي” المنشورة في 15 يناير 2009 موقفاً يدعو إلى “دعم الحقوق الإنسانية والمدنية لفئة البدون وإقرار قانون الحقوق القانونية والمدنية لغير محددي الجنسية”.
وكذلك يبرز هذا التطور في بيان حدس الصادر في 5 نوفمبر 2014 تحت عنوان “بيان الحركة الدستورية الإسلامية حول المحرومين من أطفال البدون من حق التعليم”، الذي طالبت فيه كلاً من وزارة التربية والجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية ب “احترام حق الطفل في التعليم وتحييد الأطفال عن اتخاذهم أدوات للضغط على آبائهم وإلزامهم بإجراءات عقيمة اثبتت التجارب فشلها وكارثية نتائجها”.
ولكن هذا الموقف لا يزال يفصل بين الحقوق الإنسانية وحق المواطنة، وهذا ما يبرز بوضوح في بيان الحركة الدستورية الإسلامية “حدس” بشأن الحقوق المدنية للبدون الصادر في 15 أبريل 2019 من “أن الحل الجذري يجب أن يأتي في مقدمة الاهتمامات الوطنية، دونما خلط ما بين مساعي تحسين مستحق لظرف العيش وبين عملية التجنيس التي تخضع لاعتبارات مختلفة.
وتؤكد الحركة الدستورية الإسلامية على ضرورة:
1- العمل بشكل جدي وجماعي لحل هذه المشكلة بأسرع وقت ترسيخاً لأمن واستقرا البلاد.
2- التعامل مع هذه الفئة بمبادئ الشرع الحنيف السمحاء وبروح المسؤلية الوطنية والاتفاقات الإنسانية والدولية التي تحفظ للإنسان كرامته.
3- إعطاء كل ذي حق حقه بعيداً عن المزاجية.
4- عدم التعسف مع أفراد هذه الفئة من أية جهة، ومن أوجه ذلك عدم الضغط على أي فرد بالإقرار بانتمائه لأية دولة ما لم يكن هناك أدلة قطعية على ذلك”.
وكذلك نلحظ تطور تضامن الحركة الدستورية الإسلامية “حدس” مع هموم الكويتيين البدون، ولكن من دون أن يتجاوز ذلك موقفها الذي يفصل بين الحقوق الإنسانية وحق المواطنة، ففي بيان الحركة الدستورية الإسلامية “حدس” حول إقدام شاب بدون على الانتحار الصادر في 8 يوليو 2019 نقرأ ما يلي: “إن المسؤوليات ومتطلبات العدالة تقتضي رفع الظلم والتضييق وليس التمادي بذلك تحت ذرائع مختلفة، وأنه وعلى الرغم من أهمية الحفاظ على الهوية الوطنية إلا أنه هذا لا يعطي المبرر لإهانة كرامة البدون، وإن الاستمرار بذات الطرق المتبعة في التضييق إنما هو سبيل العاجز الذي لا يملك من الحول إلا ما يتقوى به على الضعيف”.
ثم تطور موقف “حدس” خطوة أخرى إلى الأمام في وثيقتها المعنونة “رؤية عملية: الكويت في عهد جديد” والصادرة في 10 أكتوبر 2020، التي دعت فيها إلى “إيجاد حل عادل ووفقاً للقانون لأزمة البدون وبما يضمن مراعاة الحقوق الإنسانية لهذه الفئة وإعطاء كل ذي حق حقه بعيداً عن أي من أنواع الضغوط”.
أما التجمع الإسلامي الشعبي “السلف” وفق ما جاء في كتاب د. فلاح عبدالله المديرس، التجمعات السياسية الكويتية (مرحلة ما بعد التحرير)، الطبعة الثانية الصادر في 1996، صفحة 24، استناداً إلى مقابلة أجراها المؤلف مع النائب السابق أحمد باقر في مايو 1992، فقد كان موقفه تجاه قضية الكويتيين البدون أنه “يجب النظر في موضوعهم كحالات فردية وفقاً للظروف الخاصة بكل حالة على حدة”.
وفي وقت لاحق من العام ذاته تجاوز السلف حديثهم عن النظر إلى الحالات الفردية، حيث نقرأ، في البرنامج الانتخابي لمرشحي التجمع الإسلامي الشعبي “السلف” لانتخابات 1992، إشأرة عمومية إلى أنه “ينبغي العمل على الحل الشامل والنهائي لمشكلة الغير محددي الجنسية”، من دون تحديد طبيعة هذا الحل وعناصره. (راجع كتاب الجماعة السلفية في الكويت، د. فلاح عبدالله المديرس، ط1، 1999، دار قرطاس، صفحة 103)
أما الائتلاف الإسلامي الوطني، الذي نشأ في أعقاب التحرير، فكان موقفه تجاه قضية الكويتيين البدون شبيهاً بموقف السلف، إذ صرح أحد أركان ذلك الائتلاف عبدالوهاب الوزان للدكتور فلاح المديرس في أكتوبر 1992 أن قضية البدون “ينبعي معالجتها كحالات فردية مع إعطاء الأولوية لمن لديهم علاقات قرابة مع الكويتيين لكن حالت الظروف دون اكتسابهم الجنسية”. (راجع كتاب د. فلاح عبدالله المديرس، التجمعات السياسية الكويتية (مرحلة ما بعد التحرير)، الطبعة الثانية الصادر في 1996، صفحة 29).
موقف متميز للتحالف الإسلامي الوطني:
بعدما تلاشى الائتلاف الإسلامي الوطني برز على السطح “التحالف الإسلامي الوطني” كامتداد له أو بديل عنه، ونلاحظ أن مواقف التحالف متقدمة في نظرتها إلى قضية الكويتيين البدون، ففي بيان أصدره “التحالف الإسلامي الوطني” ونشرته صحيفة “الراي” في عددها الصادر 25 ديسمبر 2011 نجد أن التحالف يشير إلى أن قضية البدون هي عنوان لمأساة إنسانية طويلة، ومظلومية كبرى، وحرمان لمجموعة من أبناء هذا الوطن الحبيب، ضحت بدماء شهدائها عن تراب هذا الوطن.
كما دعا التحالف في ذلك البيان جميع المعنيين إلى أن ينظروا لهذا الأمر بجدية، وأن يعملوا لحل هذه المأساة الإنسانية التي تعتبر من أظهر القضايا الواضحة وضوح الشمس، وتبعث على الأسى، وتوجب الخجل أمام هؤلاء الأعزة، مشددا على إن استمرار هذه المعاناة أمر غير مقبول، ولا يمكن السكوت عنه، ومن المهم جداً أن يتم التصرف معهم، بما يتحقق معه استيعاب المشكلة، وإيجاد حلول جذرية عملية وواقعية لها.
ويتكرر هذا الموقف في بيان “التحالف الإسلامي الوطني” الصادر في 3 أكتوبر من العام 2012، الذي يرى أن البدون ” كانوا وما زالوا وسيبقون أخوتنا وأحبنتنا وأهلنا وأنفسنا سواء وجدت الحلول المناسبة لقضيتهم أم لم توجد، مع تأكيدنا وتشديدنا على أهمية وسرعة إنهاء هذه المشكلة المستمرة على مدى عقود، والتي بحلها ستجني الكويت كدولة فوائد استراتيجية عدة، إضافة لإنهاء معاناة إنسانية تضررت منها أجيال حرمت من حقها بالاستقرار المعيشي ناهيك عن حقوق اتلعليم والصحفة وغيرهما.”
وفي هذا السياق أقام “التحالف الإسلامي الوطني” ندوة تحت عنوان قضية البدون والحلول العادلة في 13 نوفمبر 2019، تحدث فيها النائب السيد عدنان عبدالصمد وقال إنّ “قضية البدون يجب أن تحل من منطلق العدل والمساواة… وأن أجيالاً من البدون تعاقبت حتى وصلنا اليوم إلى الجيل الرابع، حيث أصبحوا جزءا من النسيج الاجتماعي للكويت… وهناك قانون تقدمنا به كلجنة حقوق الإنسان في مجلس 2017 وهو حل مرحلي بمنح البدون الحقوق الإنسانية كاملة، حتى نجد حلاً جذرياً لقضية البدون”
القوى السياسية حديثة التكوين:
فيما يتصل بتتبع مواقف القوى السياسية الحديثة التكوين نسبياً، مثل “حزب المحافظين المدني” الذي تأسس في العام 2014، فإننا نلاحظ تميّزه بموقف متقدم تجاه قضية الكويتيين البدون منذ انطلاقته، ولعل البيان الصادر في 14 يناير 2019 يقدم نموذجاً لهذا الموقف، حيث أكد الحزب فيه التضامن الكامل “مع كل المطالب المستحقة للمواطنين الكويتيين البدون في نضالهم السلمي المشروع للمطالبة بحقوقهم الوطنية السليبة، وهو الأمر الذي يستوجب وقفة حقيقة من كل التيارات والقوى السياسية وجميع مكونات الشعب الكويتي دعماً لتلك الحقوق الدستورية الأصيلة”.
وبالنسبة لحركة العمل الشعبي “حشد” فلم أتمكن من الحصول على وثيقة برنامجية للحركة، وأتمنى أن يتفضل باحثون غيري تتبع موقفهم كحركة تجاه قضية الكويتيين البدون، ولكن يمكن تسجيل نقطة ايجابية مهمة للنائب السابق مسلم البراك أمين عام حشد بأنه في العام 2012 تبنى من موقعه كعضو في مجلس الأمة مقترحاً بقانون في شأن قضية الكويتيين البدون، وكانت للأخ مسلم البراك المبادرة في دعوتي شخصياً مع الأستاذ محمد الجاسم والأخ خالد الفضالة للمساهمة في صياغة ذلك الاقتراح بقانون، وهو اقتراح متقدم حيث يربط بين قضيتي الحقوق الإنسانية والمدنية والحق في المواطنة.
الاستنتاجات الأساسية من هذا التتبع لمواقف القوى السياسية الكويتية تجاه قضية الكويتيين البدون، يمكن تلخيصها في التالي:
أولاً: أنّ اهتمام القوى السياسية الكويتية بقضية الكويتيين البدون بدأ في أوائل سبعينات القرن العشرين، وكان مقتصراً على القوى السياسية الوطنية والديمقراطية والتقدمية اليسارية، بينما لم تبد القوى السياسية الإسلامية حينذاك أدنى اهتمام بهذه القضية.
ثانياً: إن قضية الكويتيين البدون كانت في البداية مندمجة مع قضايا المواطنين الكويتيين من سكان البادية والعشيش، ولم تتميز عنها إلا في وقت لاحق، وعلى نحو أوضح في النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين، بعد اعتماد الحكومة سياسة التضييق المنهجية على الكويتيين البدون.
ثالثاً: إن مواقف القوى السياسية الإسلامية تجاه قضية الكويتيين البدون بدأت تبرز في أدبياتها منذ العام 1992.
رابعاً: إن مواقف القوى السياسية المختلفة شهدت تطورات متفاوتة تجاه القضية.
خامساً: إن حراك الكويتيين البدون على الأرض في العام 2011 وما تلاه، واشتداد المعاناة، والسياسات الحكومية التضييقية، فرضت على القوى السياسية الكويتية ايلاء اهتمام أكبر بقضية الكويتيين البدون.
سادساً: إن هناك فروقاً بين القوى السياسية الكويتيية بين مواقف متقدمة وأخرى ضعيفة، بل ربما سلبية، تتركز حول مدى الارتباط أو الفصل بين الحقوق الإنسانية والمدنية من جهة وحق المواطنة من جهة أخرى.
سابعاً: من الضرورة بمكان توثيق صلة الكويتيين البدون بالحركة السياسية الكويتية، وخصوصاً مع القوى ذات المواقف المتقدمة والمتميزة تجاه القضية.
ثامناً: من الناحية الموضوعية لا يمكن تجاهل حقيقة أن مواقف القوى السياسية الكويتية تجاه قضية الكويتيين البدون تتأثر باعتبارات منها ما هو طبقي يتحدد وفق الطبيعة الطبقية لهذا الطرف السياسي أو ذاك ومدى قربه من الجماهير الشعبية أو ابتعاده عنها، وكذلك تتأثر باعتبارات منها ما هو وطني عابر للطوائف والقبائل والفئات بالنسبة للقوى السياسية الوطنية والديمقراطية والتقدمية اليسارية، وما هو طائفي أو فئوي أو حتى عنصري، وكذلك تتأثر باعتبارات سياسية وحسابات تتصل بالانتخابات.