خولة ... قراءة نص من مجموعة قصصية بعنوان (مغتصبات ) للباحثة ايمان الرازي
مليكة طيطان
الحوار المتمدن
-
العدد: 5831 - 2018 / 3 / 30 - 04:00
المحور:
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2018 - أسباب وخلفيات ظاهرة التحرش الجنسي، وسبل مواجهتها
مرة أخرى تصر مختصة علم الكلام الدكتورة ايمان الرازي على أن توظف السرد مشفوعا بالرمز والسميائيات من أجل هندسة ملحمة المسكوت عنه طفا فجأة يقرع طبول الفضح والتغني كل حسب هواه ...ايمان المبدعة واحدة من الاستثنائيين والاستثنائيات لم تخنها الذاكرة والتعبير السلس لم تتعثر بها خطا النضال رغم قساوة ذوي القربى المفترضين ...تاهت في دروب بيت يعاني من بؤس ...معنى أن يكون بعض سكانك قامات للغبطة والآماني والعزة والافتخار ...ايمان لم تحمل حقيبة ريع أو قلما مغموسا في رحيق الانتهازية واقتناص الفرص ... لم تتقلب في بقايا الموجود ...ايمان تلك الشابة تشبهني في الرحم والبطن والنوع وحتى الإسم ... صدقوني بالصدفة وليس من باب سابق معرفة أو انتماء ... تصر أن تخترع بوصلة تهدي خطواتها نحو الأهداف قادم من أحشاء ذاك النزوع الكامن في قاع دواخلها صفاء سريرة النضال مبرمجة هي على أن تناضل حرة مستقلة وأبدا لم ترغب في أن تجانب ولو بخيط رفيع سقيفة ذاك الانتماء ,,, ايمان أخبرتهم بأن وطنها على شفا حفرة الضياع ركبت سفينة التحدي ورمت بلثام التحالف وأصرت على هندسة تنسيقية للنضال ذات حراك ... ايمان اللحظة والحين اكتوت بجمرة الاغتصاب أحست وكأن سياطا طائشة تحز أركان جسدها ... ربما هو ذلك النزوع الغامض الذي يحدو بها للصراخ فهل يستطيع القلم والورق أن يكون الشط والمرساة ... بل وحتى المواساة ؟
ايمان الرازي الباحثة التي استطاعت اقتحام نصوص أحمد بوزفور واعتمدتها كمثن أساسي في أطروحتها الجامعية ...ايمان التي استطاعت فك مغاليق نصوص أحمد بوزفور السردية في تعرية الواقع وتفكيك بنياته المعقدة وفق منهج واقعي قوامه (كتابة الألم ) شعار بوزفور الخالد , في تفاعل مع الجريمة التي اهتز لها الرأي العام المغربي والعالمي جريمة موثقة بالصورة والصوت فيديو عبر العالم يظهر شراسة الإنسان شاب يبلغ 21 سنة محاولا اغتصاب تلميذة قاصر بأحد قرى المغرب العميق .
أدعوكم إلى قراءة ما جادت به قريحة إبداع العزيزة ايمان لعل تفاصيل خطابة تجيد استعمال الرمز تخفف بعضا من الألم ...مهلا فحتى نخبنا مريضة بهوس العنف والاغتصاب ... كتتويج أطرح هذا السؤال ؟
متى تعترف المرأة بأنها ذات مستقلة وليس بجناح منكسر يعبث به من هم مصرون على صورة نمطية تلك المرأة ... القنديلة ا...لثريا ...تلزم البيت فحتى خولة التلميذة رغم حرصها على أن تغلف جسمها بما هم به راضون لم يشفع لها وكان مشهد العار .الفيديو الذي تسرب عبر شبكة التواصل الاجتماعي جسد نظرية توماس هوبس الإنسان ذئب لأخيه الإنسان .
...........................................................................................................
خولة
دخلت الأخيرة إلى قسمها، وبختها الأستاذة لأنها لم تصل في وقتها كما تعودت منذ ذلك اليوم البعيد، لم تحضر يوما في وقتها المعتاد. تلك التي توبخها قد لا تحضر غدا لكنها تقوم بواجبها فقط.
افتحوا يا أولاد كراسة اللغة العربية، درسنا اليوم عن المحفوظات بالصفحة 36 درسنا اليوم هو عبارة عن قصيدة سنحللها معا تتحدث عن فلسطين .
قراي ا بنت الشيخ... تقول المعلمة نجاة.
على هذه الأرض ما يستحق الحياةْ: نهايةُ أيلولَ، سيّدةٌ تترُكُ
الأربعين بكامل مشمشها، ساعة الشمس في السجن، غيمٌ يُقلّدُ
سِرباً من الكائنات، هتافاتُ شعب لمن يصعدون إلى حتفهم
باسمين، وخوفُ الطغاة من الأغنياتْ.
على هذه الأرض ما يستحقّ الحياةْ: على هذه الأرض سيدةُ
الأرض، أم البدايات أم النهايات. كانت تسمى فلسطين. صارتْ
تسمى فلسطين. سيدتي: أستحق، لأنك سيدتي، أستحق الحياة.
تتوقف بنت الشيخ... أكملت قراءة القصيدة وتطرح المعلمة السؤال: ماذا فهمتم من القصيدة أيها التلاميذ؟
قال أحدهم: إنها قصيدة عن فلسطين.
قال آخر: إنها قصيدة عن حبيبة درويش وقد قام بإسقاطها على فلسطين.
قالت خولة لصديقتها زينب: إني أشعر بالجوع والبرد.
شرحت المعلمة ما تيسر لها من صور شعرية وبناء ايقاعي محكم للقصيدة ومتحرر من قيود الشعر التقليداني في مدخل توجيهي لشرح الشعر الحر. علمت التلاميذ أن الأرض كالحبيبة دوما تحتاج للتضحية من أجل البقاء معك ولك.
تجلس خولة وحيدة مع زينب بآخر مقعد خشبي بحجرة الدراسة. زينب رفيقتها منذ أن كانتا بفرعية دوار المعلمين وانتقلتا معا إلى الفيلاج تدرسان وتحضران معا كل صباح.
انتهت الحصة الدراسية التي تعلم منها التلاميذ أن فلسطين أرض سليبة ومغتصبة. لم يفهموا بعد أن الأرض كالعرض لا تصان تماما إلا بالدم... الساعة تشير إلى الثانية عشرة بعد الزوال وخولة وصديقتها تتذكران الطريق الطويل البعيد المقفر الذي ينتظرهما كل صباح لأجل العودة إلى الدوار... مسافة سبعة كيلومترات ستقطعان.
خرج التلاميذ كقطيع نمل على عجل، أقلية محظوظة منهم تقطن بالفيلاج، وأغلبية بحظ أقل تنتظر حافلة النقل المدرسي التي خصصت للتلاميذ الذين يقطنون بدواوير تبعد عن بوشان بأكثر من عشر كيلومترات. لسوء حظ خولة وزينب أن دوارهما يبعد فقط بسبع كيلومترات ولن تركبن طرونسبور المخزن للأسف.
اشترت خولة بدرهم الشفنج وهو رغيف مقلي تقليدي مخمر ودائري ومثقوب من الوسط. أخذت شفنجة وناولت صديقتها الشفنجة الثانية... خرجتا من الفيلاج في الطريق إلى دوار المعلمين بالطريق الطويل المقفر الغير معبد بجانب الساقية الناشفة التي لا تزود بالماء في فصل الشتاء... أخذتا الطريق بدراجتيهما الهوائيتين تغنيان للصابة والأرض احتفالا بقدوم الربيع الذي ستحصد بعده قبيلة الرحامنة القمح والخير الوافرين... سألت خولة زينب: شحال حرث باك من خدام الصكعة؟ تجيب زينب: آش عندو ما يحرث جدي مات وترك بعده الورثة والويل... ضحكت خولة: متخافيش أنا ندور مع ختي ملي بويا يعطيني من فلوس الحرث. أجابتها زينب متهكمة: تي آش عند بوك ما تعطيني واقيلا شي شفنجة أخرى كشفنج اليوم.
تراقصت الضحكات في الطريق الطويل البعيد المقفر وسط الغبار... اقتربتا من التشاريج الإسمنتي الذي يحاذي الدوار. تشم خولة شيئا ما نعم الرائحة،كانت تحسبه خولة عطرا في البداية، قبل أن تعلمها أمها بأن امتزاج زخات المطر مع الأرض من أفخر وأجود أنواع العطور.. عطر الطبيعة الفواح والبخاخ قد لا تشتمه إلا في المقابر. له رائحة فريدة وخاصة، فهو ليس بعطر بقدر ما هو امتزاج روائح ترابية ليس إلا.
اعترض طريقهما شابين،،، وقفا بوجه الفتاتين، شابين يظهر من ملامحمها الشر المتشظي المتطاير. يصيحان: وقفوا البنات... حاولت خولة العرب لكن السور الإسمنتي للتشاريج حال دون هربها فارتطمت به ووقعت أرضا مع دراجتها... زينب حالفها الحظ فقد ركضت بسرعة إلى الجهة اليسار نحو حقل الفول الكبير تركت دراجتها هناك وركضت حتى وصلت الخلاء وتركت خولة وحيدة معهما هناك دون أن تلتفت وراءها حتى...
أحكم الشاب ذو السحنة الصفراء قبضته على خولة ورفيقه يساعده في تثبيث ذراعها وعنقها نحو الأسفل... أسقطاها بعد مقاومة ضعيفة... خولة تسأل.. تصرخ .. تستغيث... ما عندي ما نعطيهم درهم لي كان عندي شريناه شفنج.
قال لها: ومن قال لك أني سارق متسكع أو كنكريسي فالعباد... انت عجبتيني وليوم أنت لي وغنوريك خيزو ما حلاه والسلام...
قالت له: هلعار ما عندي والو.. خليني نمشي لدوارنا حرام عليك.
قال لها: مدي إلي ذلك الجسد النحيف البنين... هذه الوزرة البيضاء المتسخة بالحبر والزيت والتراب.. حتى هذا الجسد تحتها قد يغريني بحرارة اللقاء.
تقول خولة وهو فوقها:واش معندكش ختك أرجوك ارحمني وارحم ضعفي وقلة حيلتي وضلعي الأعوج.
قال لها: البرهوشة، والله مك ليوم لمشيتي بنت، أنت اليوم عروستي، ليلة نعرس لبوك.
قال وهو يصيح: وصور ليا العروسة وخلينا نتفكرو ونقصرو كلما تذكرناها... كان يريد الاحتفال بفحولته الهاربة... خولة تعجبه منذ زمن، وهو يراقب سكانتها بالطريق المؤدي للمدرسة... نهدين كالتفاح وورك صغير مكتنز يغري بتفاصيل قد لا يفك مغاليقها إلا البيدوفيليون.
خولة تصرخ بأعلى الصوت الذي بح بكثرة الصياح... وا مي وامي واعتقوا الروح... واميمتي غيخصرني... سكتي لمك الليلة نعيد بيك... تتعالى الصرخات ولا من منقذ... الشاب يصور الواقعة والثاني ينزع السروال ثم التبان... لحم طري يظهر.
كانت خولة طفلة يافعة ذات بشرة حنطية وبنية جسمانية ضعيفة، يتدلى من خرقتها شعر أسود مجعد... كانت تستعمل الفولار لكي لا تقضي دقائق طويلة في التمشيط والتسريح كل صباح... لم تكن تعرف بعد أن الحجاب قد يكون عادة في مجتمع مريض.
أمام علو الصرخات المدوية... عوى كلب جائع بجانب التشاريج حتى هرب الشابين ظنا منهما أن الجدارمية قد اقتربوا... فلا خوف في الدواوير إلا من الجفاف والمخزن... هربا في اتجاه الساقية الناشفة بدراجتهما النارية... المصور يسوق بالمغتصب وتركا خولة وحيدة ومنهكة أرضا تعوي كالكلب الذي أنقدها عويله الفضولي الجائع.
حاولت أن تستجمع ما تبقى لها من قوة نفضت الغبار عنها لبست سروالها ومسحت دموعها التي غالبتها وأسرعت لاهثة والعرق والدموع والتراب يعمون عينيها الصغيرتين الذابلتين.. تتخبط في أي اتجاه تسير؟ في أي اتجاه ستحرك دراجتها الهوائية... تتذكر أنها معلمية من دوار المعلمين.
تسرع خولة بدراجتها وتقول: وا ميمتي آش هاد المكتوب آش ها الزهر آش هاد الميمون... هل أقول لأمي حتى تقول لأبي أنني تعرضت لمحاولة اغتصاب... ويقول لأخي الأكبر الذي سيقتلني لا محالة... الدوار كله سيعلم بفضيحتي لن يتزوجني أحد ولن يتقدم أحد لأخواتي البنات ... لابد لي أن أصمت وأبلع وجعي وأموت.
دخلت من باب الدار الخشبي مسرعة نحو المصرية حتى تلقفتها أمها التي هرعت عندما رأتها كإطفائي خرج لتوه من محاولة إخماد نيران حلت بجوطية ثلاثاء بنكرير... قالت لها ما خطبك يا فتاة.. معامن تفاتنتي شكون ضربك ؟؟؟ تقول خولة في نفسها: أمي وهبتني فكرة واقتصرت عني الطريق.. تجيب: مي ضارت مع صحبتي على الشفنج... عطيتها درهم شرات جوج شفنجات وخلاتني بلاش.. تقول الأم: الله يا بنيتي ومالك على الجوع والنوع واش كاين شي حد كيضارب على الشفنج.. تجيب خولة: الشفنج لذيذ وبنين لكن طعمه مر علقم.. لا أريد شفنجا بعد اليوم.. لا مدرسة.. تعبت من الطريق الطويل البعيد المقفر وأنهكتني حصص الفرنسية والرياضيات.. لا أريد أن أدرس بعد اليوم.
تقول الأم: الله يا بنيتي الله بغيتك تقراي وتوظفي وتولي بوليسية فبنجرير وتشري دار فحي الوردة قالوا جديد وزوين.
تقول خولة: ما بغيت شفنج لا قراية لا بوليس لا وردة لا بنجرير.. أريد أن أموت.
تجيب الام: قرارات الصغار ينظر فيها الكبار.. يجي باك وخوك ونشوفو معاه.
انزوت خولة لأيام في المصرية الطويلة الباردة بجانب لفترينا تراقب تمازج ألوان صحون الطوس وجبابن البديع ... ترفض الكلام أو الحديث أو حتى العودة للمدرسة... ثلاثة شهور مرت.
حضر الجدارمية إلى الدار.. دخلوا من الباب الخشبي يسأل كبيرهم: فيناهي خولة وباها الالة؟
تقول الأم: بنتي صغيرة ومريضة تشيرت ... درويشة لا تقيم الدجاج عن بيضه.. كنت أريد أن أزورها مقام بويا عومار قالوا صحاب الرباط سدوه... شنو دارت بنتي راكم غالطين؟
قال لاجودان: متخافيش الالة.. بنتك مدارت والو... بنتك تعرضت لمحاولة اغتصاب لا نعرف ماذا وقع لها لقد تعرفنا لهوية الفاعل وننتظر إدلاءها بشهادتها حتى تتعرف عليه بعد أن تسرب الفيديو الذي يوثق لهذه الواقعة.
خولة تنهار وتقول: الدوار كلو سيقول أنه خسرني وانا مخسرني حد ... أمي راني باقا بنت... وامي أي قدر فاضح هذا الذي ألم بي؟
لاجودان يقول: فيناهو باها يلاهو معانا للابريكاد سنجل أقوالها وستغادر.
تقول الام: لا نذهب معكم حتى يحضر أبوها وأخوها منقدروش نمشو بلا شوارهم.
يقول لاجودان: زيدي معانا الالة ملي يقولك المخزن نوضي هي نوضي وديك البنت غناخدولها حقها
تقول الأم: فضحتينا.. عن أي حق تتحدثون وابنتي ستصير فضيحتها ألوكة بين الألسن... الموت ولا هاد الشوهة.